عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 01-19-2013, 06:38 PM
 

الجزء السادس

عندما حضرت السيدة \" مآثر \" مفتشة الشئون الإجتماعية فسرت بينهن همهمات وهمسات وشهقات ونظرات وعبرات غير مفهومة وكأنهن رأين عدوا لدودا قويا لاقبل لهن بمواجهته وخصوصا حال تدافعت أنظارها نحوهن والشرر يتطاير من عينيها مزمجرة بصوت عال مخاطبة إياهن وكأنها تصرخ فيهن :
- أنتن هنا ؟ .. مرة أخرى .. ؟ ألم أنبه عليكن ألا أرى وجوهكن فى أى مكان أذهب إليه ؟! .. هيا من هنا .. هيا يادلالات الأطفال وإلا كتبت فيكن بلاغا للنيابة يفضى بكن للسجن !
وميزت رضوى وهى ترنو بعينين تلتمعان إكبارا وغبطة إلى المفتشة التى تمارس واجبات وظيفتها بعض عبارات مثل \" لا .. وعلى إيه الطيب أحسن ! \" و \" إحنا كنا فين والست دى فين ؟! \" و \" ربنا على القوى والمفترى ! \" ومثل \" يا للا يا بنات ال ... ! \" وهن تتدافسن أيهن تسبق الأخرى إلى باب الإنصراف تتخبط مؤخراتهن فى بعضهن مما كان له بالغ الأثر فى نفس رضوى وجميع الحاضرين الذين شاهدوا
المنظر الفكه فتعالت القهقهات من كل جانب واستنار محيا الصغيرة ببداية فرحة وهى ترى الساحة وقد خلت إلا منها وأيضا لأن الوليد كان يثبت عينيه على هذا المحيا الطاهر الجميل لاتبرحانه ! واستبشرت خيرا
بذلك وبالسيدة التى حضرت لتضع النقاط على الحروف وإن كان قد أخذها الدهش والإنبهار لحظة ظهورها بعض الشىء ولاحظ والدها والحضور جميعا فيما بعد أن ثمة شعور بالود متبادل بينهما وبالذات حين شهقت السشيدة لدى مرآها وهى مكبة على الطفل تكاد أن تحتضنه وهى ترضعه وبصوت منغم يعبر عما يجيش فى صدرها من عجب للمفاجأة واتجهت نحوها بعد ان حيت الضابط بقولها :
- السلام عليكم ياحضرة الضابط .. السلام عليكم جميعا !
ولم تنتظر رد التحية إذ غلبها فضولها فأنشأت تخاطب رضوى :
- رضوى .. أأنت الفتاة التى عثرت على الطفل .. آخر ما كنت أتوقعه ! أنت التى تطالبين بحضانته ؟ ولكنك قاصر يا حبيبتى !
وإنبرت عليها تقبلها ثم أمسكت بالطفل من جانبيه ورفعته لأعلى لتطالعه وتفحصه جيدا وكأن الوليد لم يعجبه تلك الحركة منها ولا نظراتها النافذة التى تخترق بها وجوده فتعالى صراخه بطريقة ملأت ربوع المكان إزعاجا فأعادته إليها بتأفف ولم تبدى أى عطف عليه فإنها إنما كانت تؤدى عملها فحسب ! وغمغمت موجهة حديثها إلى الأب وهى تجلس قبالته على المقعد الثانى الفارغ أمام مكتب الضابط وبلهجة إتخذت
بغتة غنة الوقار والإحترام :
- بابا رضوى ؟ .. انا أم زميلتها بالمدرسة .. نحن نقطن فى الشارع الخلفى لفيلتكم .. ألا تعرفنى ؟ !
أجابها معبرا عن سعادته بحضورها وبأنه سمع عنها من إبنته وزاد على ذلك بأنه يتوقع منها المعاونة للخروج بسلام من \" الورطة \" التى شغلتهم رضوى بها فأكدت له أنها ستبذل مافى وسعها وهى تهون الأمر قائلة :
- ولا ورطة ولاشىء !
وعلى الفور جرى حديث مطول بينها وبين الضابط فإكتفى بالإنصات إليهما باهتمام دون أن يتدخل فى الحديث متاملا منظر إبنته وقد إشرأبت برأسها للأمام وأدارت جانب رأسها قليلا واهتمامها موزع بين تشنيف
أذنيها حتى لاتفوتها كلمة واحدة مما يقال وبين النظر للطفل الذى ملك عليها شعورها ولم يترك أية فرجة إنتباه لأى إنسان آخر من الموجودين ولاحتى والدها فيما بدا له الأمر الذى أشتد له قلقه فقد كان يتوقع إنتزاع
الطفل منها وإيداعه دار الرعاية الإجتماعية تمهيدا لتسليمه للأم التى \" ستستولى \" عليه لمدة عام !
وجاءت اللحظة الحاسمة التى أتم فيها الضابط محضره وقصدت السيدة \"مآثر\" الفتاة تبغى تسلم الوليد منها فأبت وتوسلت إليها بحق زمالتها وصداقتها لإبنتها وحبها له و\" يقينها بأنه ليس يتيما ولا لقيطا \"! وقبل أن
يزل لسانها بكلمة تغضب أباها عن حقيقة ما تتوهمه من أصله سكتت هنيهة إبتلعت فيها ريقها متبادلة معه نظرة تهدئة لخوا طره ! ثم واصلت إستعطافها للمفتشة أن تتركه لها فهى ستعرف كيف تعنى به ودون أجر أو تكلفة من أى نوع على \"الدار\" فضلا عن أنه معها لن يعانى كاليتامى الآخرين مرارةالحرمان وإفتقاد الأم فترددت \" أم صديقتها \" وبانت عليها علائم الحيرة ووجهت نظراتها للأب تستنجد به على إبنته ليتولى عنها أمر إستخلاص الطفل وتسليمه لها بنفسه .. وبدوره أدرك الوالد دقة الموقف فهم إلى إبنته يحايلها بكافة الوسائل لتخطو تلك الخطوة ولم يقنعها غير قوله بأنه يعدها بالعمل على إستعادته لأن النظام يتطلب تقدم شخص راشد لحضانته وسيحادث \" ماما \" فى هذا الشأن ويقنعها أما الآن فإن الإجراءات تستلزم تسليمه للدار كما ترى ولاتخشى عليه فهى دار الرعاية لا الدار الآخرة !
واستسلمت الفتاة المغلوبة على أمرها وبدأت تتخلى عنه والدموع تنهمر من مآقيها - مرة اخرى – صامتة .. مصبورة كأنهم ينزعون قطعة من فؤادها او كبدها ! وما إستقر بين أذرع المفتشة حتى ملأ جو المكان ثانية بسرسعة صراخه التى كان لها وقعا يمزق نياط القلب فلم تتحمل الفتاة ووثبت تروم إستعادته فما كان من والدها إلا أن وثب بدوره وأمسك بها قبل أن تحط وثبتها على المفتشة وانتزعها مبعدنها من المكان ولم
يجد بدا من تهديدها \" بأنها إن لم تهدأ وتسير معه إلى البيت فى صمت كالقطة الأليفة التى تحب أصحابها فسيغضب منها ويخاصمها للأبد ! \" وكان فى يديه وصوته حسما وحزما اشعرها بالخوف من أن يستعمل
حيالها سلطة الأب وتتغير معاملته لها فتفقد مكانتها لديه - وبالتالى لدى باقى أفراد الأسرة الذين كانوايمشون على هداه - وهو على كل حال مايزال إلى تلك اللحظة أبا محبا وعطوفا وعليها ولو تلك المرة أن تنصف نفسها وتبرهن للجميع انها فتاة عاقلة وجديرة بحبهم !
وعاشت الأسرة الأيام التالية تعانى محنة لم يعرف لها أحد مخرجا فإن رضوى إلتزمت غرفتها لاتبرحها ولا تتكلم أو تأكل أو تشرب أو تذهب للمدرسة وزارتها زميلاتها وعلى رأسهن إبنة السيدة \" مآثر\" وبذل الجميع جهودا مضنية لإقناعها بالخروج من عزلتها فإن هذا مسلك لايليق بفتاة مهذبة مثلها وسيضربها فى صحتها قبل مصلحتها الدراسية التى ستنتهى بها حتما إلى الرفت لتجاوزها مدة الغياب المسموح بها دون تقديم العذر الرسمى المقبول والذى يتمثل فى شهادة طبية تثبت مرضها من جهة مسئولة .. وفطن والدها إلى هذا فأخذ إحتياطاته للحصول على الشهادة فإن إبنته بهذه الحال التى إكتنفتها مريضة فعلا وتستحق العلاج واعتبارها بأجازة مرضية حتى تبرأ .. وبوسيلة ما أقنع طبيب الصحة المدرسية بالحضور للمنزل وإجراء الكشف به ولو أن هذا الإجراء غير مطروق إلا نادرا .. وإذا كان قد ضمن بهذا عدم رفتها من القيد
بالمدرسة بيد أنه كان والأسرة كلها فى قلق شديد لأن هناك خسارة مؤكدة من عدم تلقيها علومها الدراسية وفقدانها درجات أعمال السنة والإختبارات الشهرية التى تدخل فى المكون العام لدرجات النجاح فى إمتحان نصف العام أو آخره .. فاذا عليهم أن يفعلوا لتدارك الأمر ؟ أيققون لها رغبتها فى إقتناء الطفل أم يواصلون رفضهم مع ما فى هذا الرفض من مخاطر وشيكة الوقوع ....

تابع ....

__________________
إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " !
رد مع اقتباس