لأن كلام الله هو صفة من صفاته جل ذكره،
ولا يجوز أن، يُقال أن الله خالق كلامه،لأن كل مخلوق محدث،وكل محدث سيفنى،
وكلام الله تعالى ليس بمحدث،وليس هو بفان،لأنه صفة من صفاته،سبحانه وتعالى.
فإن قال:كيف يقولون أن القرآن غير مخلوق،وفيه آيات تدل على أنه مخلوق،
كقوله تعالى: (إنّا جعلناه قرآنا عربيا)
وقوله تعالى: (وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث) سماه محدث؟
قيل له:ليس في هذه حجة،
أما قوله سبحانه وتعالى : (إنّا جعلناه قرآنا عربيا)،فالجعل ها هنا لا يدل على الخلق، لأنه يعدى إلى مفعولين،
فنص القرآن وصفته،[فكل ما] كان من الجعل في القرآن يتعدى إلى مفعولين،لا يدل على الخلق،
ومعناه: التصيير للشيء (جعلناه قرآنا عربيا)، أي :صيرناه (قرآنا عربيا)،
ولو أن الجعل الذي في القرآن كله يدل على الخلق، لكان قوله تعالى يخبر عن إبراهيم(عليه السلام)
حين دعا ربه: (وإذ قال إبراهيم ربِّ اجعل هذا بلداً أمنا)، ولو أن معناه الخلقَ له، لما قال: (اجعل هذا)يشير إلى بلد مخلوق،
لأنه لا تكون الإشارة إلا إلى شيء موجود،والبلد مخلوق قبل إبراهيم (عليه السلام) وهي ـ والله أعلم ـ أنها مكة،
وكذلك قوله تعالى: (رب اجعلني مقيم الصلاة)،فهذا دعاء منه ليجعله مقيم الصلاة،ولا يدعو الله من لم يكن شيئاً مخلوقاً موجوداً،
فانظر في ذلك ألا ترى إلى قوله تعالى: (ألم يجعل كيدهم في تضليل)،معناه :ألم نصير (كيدهم في تضليل)،
وكثير في آي القرآن تركت ذكره اختصارا.
وأما الجعل الذي معناه الخلق كقوله تعالى: (وجعل الظلمات والنور)، وقوله تعالى : (هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فَيهِ)،
وقوله تعالى : (هو الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وجعل منها زوجها)،
فهذا وكثير غيره في القرآن على معناه لم أعدده اختصارا، والله أعلم بتأويل كتابه.
وأما قولك: (وما يأتيهم مِنْ ذكرٍ من الرحمن محدثٍ)،
التفسير:أنّ معنى الذكر،هو العبارة عن الشيء، والعبارة عن الشيء هي غيره؛
وقيل: أن الذكر هو النبي صلى الله عليه وسلم،في هذا الموضع والله أعلم،وهو مخلوق محدث،
أي: فليس لك في هذا حجة ،
ويجوز أن يكون معناه: (وما يأتيهم من ذكرٍ من الرحمن محدثٍ)، أي: ينزل عليهم شيء،
فالذي نزل بعد نزول الذي قبله فهو أحدث من الذي قبله،يعني حدوث نزوله عليهم،لا حدوث خلق له،
لان كلام الله تعالى قديم،ليس هو بمحدث،لأنه صفة من صفاته،لأن صفاته عز وجل ليست بمحدثة،
ولا يدل هذا على خلق القرآن،لأن القرآن هو كلام الله،
ولو كان كلامه عز وجل مخلوقاً،لاحتاج إلى كلام غيره أن يخلقه به،
لقوله سبحانه وتعالى: (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون)،
فيدل هذا أنه عز وجل لا يخلق جميع الأشياء إلا بقوله سبحانه وتعالى:" كوني"،
فلو كان قوله: (كن) مخلوقاً، لاحتاج إلى قول آخر كذلك،إلى ما لا يتناهى من الأقوال،
إلى ما لا نهاية لذلك ولا غاية، فهذا من المحال،
بل أن كلامه جل ذكره غير مخلوق،وهو صفة من صفاته،
وقد ميزه عز وجل من الخلق بقوله سبحانه وتعالى: (ألا له الخلق والأمر)،فالأمر كلامه سبحانه، والخلق غير كلامه،
فهذا أقوى دليل على إبطال حجة من قال: أن القرآن مخلوق،
ودليل أخر قوله سبحانه وتعالى: (ألم ترَ أنّ الله خلق السماوات والأرض بالحق) ،
وقوله عز وجل: (كن فيكون) ،
فدل هذا على أن كلامه عز وجل غير مكان ليكون فيه وليستقر عليه،
وأين خلق الله كلامه : فيه عز وجل أم في غيره؟
فإن زعم هذا المدعي لخلق القرآن أن الله خلق كلامه فيه ، فقد جعل الله محل للحوادث،
وهو عز وجل منزه عن ذلك لا يحل فيه شيء، ولا هو يحل في شيء،سبحانه وتعالى،
وإن قال: خلقه في غيره، فلا يجوز ذلك على الله أن يتكلم بكلام غيره،
وإن قال: خلقه لا فيه ولا في غيره،فهذا محال، لأن كلام الصفة لا يقوم بنفسه،
فلما بطلت الوجوه الثلاثة، صح أنه متكلم بنفسه، والقرآن صفة من صفات ذاته،سبحانه وتعالى." اهـ