عرض مشاركة واحدة
  #47  
قديم 01-30-2013, 01:11 AM
 
3- صلح الحديبية، وسريه إلى هوازن، وغزوة خيبر:

وفي الحديبية دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر ليبعثه إلى مكة، فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء به، فقال: يا رسول الله إني أخاف قريشاً على نفسي، وليس بمكة من بني عديّ بن كعب أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي لها وغلظتي عليها، ولكني أدلُّك على رجل أعزّ بها مني، عثمان بن عفان، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب وأنه إنما جاء زائراً لهذا البيت ومعظماً لحرمته[43]، وبعد الاتفاق على معاهدة الصلح وقبل تسجيل وثائقها ظهرت بين المسلمين معارضة شديدة وقوية لهذه الاتفاقية، وخاصة في البندين اللذين يلتزم النبي بموجبهما بردّ ما جاء من المسلمين لاجئاً، ولا تلتزم قريش برد ما جاءها من المسلمين مرتداً، والبند الذي يقضي بأن يعود المسلمون من الحديبية إلى المدينة دون أن يدخلوا مكة ذلك العام، وقد كان أشد الناس معارضة لهذه الاتفاقية وانتقاداً لها، عمر بن الخطاب، وأسيد بن حضير سيد الأوس، وسعد بن عبادة سيد الخزرج، وقد ذكر المؤرخون أن عمر بن الخطاب أتى رسول الله معلناً معارضته لهذه الاتفاقية وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألست برسول الله؟ قال: بلى، قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ قال إني رسول الله ولست أعصيه[44]، وفي رواية: أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيعني[45]، قلت أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى، فأخبرتك أنا نأتيه العام؟ قلت: لا، قال فإنك آتيه ومطوف به قال عمر: فأتيت أبا بكر فقلت له: يا أبا بكر: أليس برسول الله؟ قال: بلى، قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال بلى، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ فقال أبو بكر ناصحاً الفاروق بأن يترك الاحتجاج والمعارضة إلزم غرزه فإني أشهد أنه رسول الله، وأن الحق ما أمر به، ولن نخالف أمر الله ولن يضيعه الله[46]، وبعد حادثة أبي جندل المؤلمة المؤثرة عاد الصحابة إلى تجديد المعارضة للصلح، وذهبت مجموعة منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم عمر بن الخطاب لمراجعتة، وإعلان معارضتهم مجدداً للصلح إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم بما أعطاه الله من صبر وحكمة وحلم وقوة حجة استطاع أن يقنع المعارضين بوجاهة الصلح، وأنه في صالح المسلمين وأنه نصر لهم[47]، وأن الله سيجعل للمستضعفين من أمثال أبي جندل فرجاً ومخرجاً، وقد تحقق ما أخبر بهصلى الله عليه وسلم، وقد تعلم عمر رضي الله عنه من رسول الله احترام المعارضة النزيهة ولذلك نراه في خلافته يشجع الصحابة على إبداء الآراء السليمة التي تخدم المصلحة العامة[48]، فحرية الرأي مكفولة في المجتمع الإسلامي وأن للفرد في المجتمع المسلم الحرية في التعبير عن رأيه، ولو كان هذا الرأي نقداً لموقف حاكم من الحكام أو خليفة من الخلفاء، فمن حق الفرد المسلم أن يبين وجهة نظره في جو من الأمن والأمان دون إرهاب أو تسلط يخنق حرية الكلمة والفكر، ونفهم من معارضة عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن المعارضة لرئيس الدولة في رأي من الآراء وموقف من المواقف ليست جريمة تستوجب العقاب، ويغيب صاحبها في غياهب السجون[49].

لم يكن ذلك الموقف من الفاروق شكّاً أو ريبة فيما آلت إليه الأمور، بل طلباً لكشف ما خفي عليه، وحثّاً على إذلال الكفار، لما عرف من قوته في نصرة الإسلام[50]، وبعد ما تبينت له الحكمة قال عن موقفه بالحديبية: ما زلت أتصدق، وأصوم، وأصلي، وأعتق من الذي صنعت يومئذ، مخافة كلامي الذي تكلمت به، حتى رجوت أن يكون خيراً[51].

وفي شعبان سنة 7 من الهجرة بعث رسول الله عمر بن الخطاب إلى تربة في ثلاثين رجلاً إلى عُجزِ[52] هوازن بتربة وهي بناحية القبلاء[53]، على أربع مراحل من مكة[54]، فخرج، وخرج معه دليل من بني هلال[55]، فكان يسير الليل ويكمن النهار، فأتى الخبر هوازن فهربوا، وجاء عمر محالهم فلم يلق منهم أحداً فانصرف راجعاً إلى المدينة رضي الله عنه[56] وفي رواية: قال له الدليل الهلالي: هل لك في جمع آخر تركته من خَشْعَمَ سائرين قد أجدبت بلادهم؟ فقال عمر: لم يأمرني رسول الله بهم، إنما أمرني أن أعْمَدَ لقتال هوازن بتُربة[57]، وهذه السرية تدلنا على ثلاث نتائج عسكرية:

الأولى: أن عمر أصبح مؤهلاً للقيادة إذ لولا ذلك لما ولاه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قيادة سرية من سرايا المسلمين تتجه إلى منطقة بالغة الخطورة وإلى قبيلة من أقوى القبائل العربية وأشدها شكيمة.

والثانية: أن عمر الذي كان يكمن نهاراً ويسير ليلاً، مشبع بمبدأ المباغتة، أهم مبادئ الحرب على الإطلاق، مما جعله يباغت عدوه ويجبره على الفرار، وبذلك انتصر بقواته القليلة على قوات المشركين الكثيرة.

والثالثة: أن عمر ينفذ أوامر قائدة الأعلى نصاً وروحاً، ولا يحيد عنها، وهذا هو روح الضبط العسكري وروح الجندية في كل زمان ومكان[58] .

وفي غزوة خيبر عندما نزل رسول الله بحضرة أهل خيبر أعطى رسول الله اللواء[59] عمر بن الخطاب، فنهض معه من نهض من الناس، فلقوا أهل خيبر فانكشف عمر وأصحابه، فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله لأعطين اللواء غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فلما كان غداً تصدر[60] لها أبو بكر، وعمر، فدعا علياً، وهو أرمد[61] ، فتفل في عينيه وأعطاه اللواء، ونهض معه من الناس من نهض فتلقى أهل خيبر فإذا مرحب يرجز ويقول:

قد علمت خيبر أني مرحب
أطعن أحياناً وحيناً أضرب



شاك السلاح بطل مجرب
إذا الليوث أقبلت تلهب




فاختلف هو وعلي – رضي الله عنه – فضربه علي على هامته حتى عضى السيف منه بيضتي[62] رأسه، وسمع أهل المعسكر صوت ضربته، فما تتام آخر الناس مع علي حتى فتح الله لهم وله.

وعندما أقبل في خيبر نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: فلان شهيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلا، إني رأيته في النار في بردة غلَّها، أو عباءة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يا ابن الخطاب اذهب فناد في الناس: أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون قال: فخرجت فناديت: ألا أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون[63].

4- فتح مكة وغزوة حنين وتبوك:

لما نقضت قريش صلح الحديبية بغدرها، خشيت من الخطر القادم من المدينة، فأرسلت أبا سفيان ليشد العقد ويزيد في المدة، فقدم على رسول الله فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان ولكن بدون جدوى، وخرج حتى أتى رسول الله فكلمه فلم يردّ عليه شيئاً، ثم ذهب إلى أبي بكر فكلمه أن يكلم له رسول الله، فقال: ما أنا بفاعل، ثم أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكلمه، فقال: أنا أشفع لكم إلى رسول الله؟ والله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به[64]، وعندما أكمل النبي صلى الله عليه وسلم استعداده للسير إلى فتح مكة، كتب حاطب بن أبي بلتعة كتاباً إلى أهل مكة يخبرهم فيه بنبأ تحرك النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، ولكن الله سبحانه وتعالى أطلع نبيه صلى الله عليه وسلم عن طريق الوحي على هذه الرسالة، فقضى صلى الله عليه وسلم على هذه المحاولة في مهدها، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم علياً والمقداد فأمسكوا بالمرأة في روضة خاخ على بعد اثني عشر ميلاً من المدينة، وهددوها أن يفتشوها إن لم تخرج الكتاب فسلمته لهم ثم استدعي حاطب رضي الله عنه للتحقيق فقال: يا رسول الله، لا تعجل عليّ، إني كنت امرأً ملصقاً في قريش -يقول- كنت حليفا ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يداً يحمون قرابتي، ولم أفعله ارتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إما إنه قد صدقكم، فقال عمر: يا رسول الله، دعني اضرب عنق هذا المنافق، فقال صلى الله عليه وسلم، إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدراً فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم[65] ومن الحوار الذي تم بين الرسول صلى الله عليه وسلم وعُمر بن الخطاب في شأن حاطب يمكن أن نستخرج بعض الدروس والعبر منها.

- حكم الجاسوس القتل، فقد أخبر عمر بذلك ولم ينكر عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن منع من إيقاع العقوبة بسبب كونه بدرياً.

- شدة عمر في الدين: لقد ظهرت هذه الشدة في الدين حينما طالب بضرب عنق حاطب.

- الكبيرة لا تسلب الإيمان: إن ما ارتكبه حاطب كبيرة وهي التجسس ومع هذا ظل مؤمنا.

- لقد أطلق عمر على حاطب صفة النفاق بالمعنى اللغوي لا بالمعنى الاصطلاحي في عهده صلى الله عليه وسلم. إذ النفاق إبطان الكفر والتظاهر بالإسلام، وإنما الذي أراده عمر، إنه أبطن خلاف ما أظهر إذ أرسل كتابه الذي يتنافى مع الإيمان الذي خرج يُجاهد من أجله ويبذل دمه في سبيله[66].

- تأثر عمر من رد الرسول صلى الله عليه وسلم فتحول في لحظات من رجل غاضب ينادي بإجراء العقوبة الكبيرة على حاطب إلى رجل يبكي من الخشية والتأثر ويقول: الله ورسوله أعلم، ذلك لأن غضبه كان لله ورسوله فلما تبين له أن الذي يرضي الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم غير ما كان يراه غض النظر عن ذلك الخطأ ومعاملة صاحبه بالحسنى تقديراً لرصيده في الجهاد واستجاب[67].

وعندما نزل رسول الله بمر الظهران وخشي أبو سفيان على نفسه وعرض عليه العباس عمّ رسول الله طلب الأمان من رسول الله فوافق على ذلك يقول العباس بن عبد المطلب قلت: ويحك يا أبا سفيان هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس واصباح قريش والله، قال فما الحيلة؟ فداك أبي وأمي، قال: قلت والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فاركب في عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله فأستأمنه لك، قال: فركب خلفي ورجع صاحباه، فجئت به، كلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا: من هذا؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عليها قالوا: عم رسول الله على بغلته، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال: من هذا؟ وقام إليّ فلما رأى
أبا سفيان على عجز الدابة قال: أبو سفيان عدو الله، الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد، ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عليه عمر فقال: يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد، فدعني فلأضرب عنقه، قال قلت: يا رسول الله إني قد أجرته، فلما أكثر عمر من شأنه قلت: مهلاً يا عمر، فوالله أن لو كان من بني عدي ما قلت هذا، ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف، فقال عمر: مهلاً يا عباس، فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب لو أسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: إذهب به ياعباس إلى رحلك فإذا أصبحت فأتني به[68]، فهذا موقف عمر –رضى الله عنه- وهو يرى عدو الله يمر بقوات المسلمين، محتمياً بظهر العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وقد بدا ذليلاً خائفاً، فيود عمر –رضي الله عنه- أن يضرب عنق عدو الله قربى إلى الله تعالى وجهاداً في سبيله، ولكن الله تعالى قد أراد الخير بأبي سفيان فشرح صدره للإسلام، فحفظ دمه ونفسه[69].

وفي غزوة حنين، باغت المشركون جيش المسلمين وانشمر الناس راجعين لا يلوي أحد على أحد، وإنحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين ثم قال: أين أيها الناس؟ هلموا إليّ أنا رسول الله: أنا محمد بن عبد الله، فلم يسمع أحد، وحملت الإبل بعضها على بعض، فانطلق الناس إلا أنه بقي مع رسول الله نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته وكان فيمن ثبت معه من المهاجرين أبو بكر وعمر، ومن أهل بيته علي بن
أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وابنه الفضل، وأبو سفيان بن الحارث، وابنه، وربيعة بن الحارث وغيرهم[70]، ويحكي أبو قتادة عن موقف عمر في هذه الغزوة فيقول: خرجنا مع رسول الله عام حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة، فرأيت رجلاً من المشركين قد علا رجلاً من المسلمين، فضربته من ورائه على عاتقه[71]، بسيف فقطعت الدرع، وأقبل عليّ فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت فأرسلني، فلحقت عمر بن الخطاب فقلت: ما بال الناس؟ فقال: أمر الله، ثم رجعوا[72].

قال تعالى عن هذه الغزوة: } لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأرض بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ25{ التوبة الآية: 25 فلما تاب الله تعالى على المؤمنين بعد أن كادت الهزيمة تلحق بهم نصر الله أولياءه، بعد أن أفاؤوا إلى نبيهم واجتمعوا حوله، فأنزل الله سكينته ونصره على جنده وقال تعالى يقص علينا ذلك:} ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ26 { التوبة، آية 26.

وبعد معركة حنين عاد المسلمون إلى المدينة وبينما هم يمرون بالجعرانة[73]، كان رسول الله يقبض الفضة من ثوب بلال رضي الله عنه ويعطي الناس، فأتى رجل وقال لرسول الله: يا محمد، اعدل، قال رسول الله: ويلك ومن يعدل إذا لم أكن أعدل؟ لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه دعني يا رسول الله، فأقتل هذا المنافق، فقال: معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، إن هذا وأصحابه يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم[74]، يمرقون منه كما يمرق السهم[75] من الرمية[76]، ففي هذا الموقف منقبة عظيمة لعمر رضي الله، فهو
لا يصبر إذا انتهكت أمامه المحارم، فقد اعتدي على مقام النبوة والرسالة، فما كان من الفاروق إن أسرع قائلاً: دعني يا رسول الله، أقتل هذا المنافق. هذا هو رد الفاروق أمام من ينتهكون قدسية النبوة والرسالة[77]، وفي الجعرانة لبّى عمر رضي الله عنه رغبة يعلى بن أمية التميمي الصحابي المشهور في رؤية رسول الله حين ينزل عليه الوحي، فعن صفوان بن يعلى، أن يعلى كان يقول: ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ينزل[78] عليه قال: فبينما النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة[79]، وعليه ثوب قد أُظلَّ به، معه فيه ناس من أصحابه، إذ جاءه أعرابي عليه جُبَّة متضمِّخٌ[80]، بطيب، فقال: يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبة بعدما تضمخ بالطيب؟ فأشار عمر على يعلى بيده، أن تعالَ فجاء يعلى فإذا النبي صلى الله عليه وسلم مُحمَرُّ الوجه، يغط[81] كذلك ساعة، ثم سُرِّي عنه قال: أين الذي بك فاغسله ثلاث مرات، وأما الجبّةُ فاترعها، ثم ضع في عمرتك كما تضع في حجك[82] وأما في غزوة تبوك فقد تصدق بنصف ماله، وأشار على رسول الله بالدعاء للناس بالبركة عندما أصاب الناس مجاعة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما كان في غزوة تبوك[83]، أصاب الناس مجاعة، فقالوا يا رسول الله لو أذنت فذبحنا نواضحنا[84]، فأكلنا وادَّهنَّا، فقال لهم رسول الله: افعلوا، فجاء عمر فقال يا رسول إنهم إن فعلوا قل الظّهر، ولكن ادعهم فليأتوا بفضل أزوادهم، فجعل الرجل يجيء بكف الذرة، والآخر بكف التمر، والآخر بالكسرة، حتى اجتمع من ذلك على النطع شيء يسير، ثم دعا صلى الله عليه وسلم بالبركة ثم قال: خذوا في أوعيتكم فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاءً إلا ملأوه وأكلوا حتى شبعوا، وفضلت منه فضلة، فقال رسول الله: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أني رسول الله لا يلقى الله بها عبد غير شاك، فيحجب عن الجنة[85].

هذه بعض المواقف العمرية التي شاهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا شك أن الفاروق قد استوعب الدروس والعبر والفقه الذي حدث في غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصبحت له زاداً انطلق به في ترشيد وقيادة الناس بشرع الله تعالى.
__________________
إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " !