عرض مشاركة واحدة
  #78  
قديم 02-16-2013, 12:11 PM
 
لا حد يرد


23 ايار
من السنة الامبراطورية
9.39 صباحا
_ قصر الحاكم _



تناثر شتات اشعة الشمس في استيحياء تجلى فوق فراش الارض..عندما تلاحم قرص الشمس معها في مشهد تبعثر اول خيوطها..حيث قربت لحظات صعودها الى كبد الافاق.حيث ستمضي طيلة اليوم هناك!..وسط تدرج السماء بالوان ابدع الخالق في رسمها..اصطدمت اول خيوطها بنافذة من نوافذ ذلك القصر الخيالي..وبدون استاذان تراقصت وعبثت على اي شئ تسقط عليه.
.
.

.
دقات عقارب الساعة السوداء المتراقصة..تتخلل بعفوية اطياف الصمت المهيمن على غرفة الامير..الذي كان مستلقيا على فراشه ينعم بنوم عميق..ولحافه الدافئ يلتف حوله كالشرنقة..
وان امعنا النظر جيدا..لاذهلتنا فوضى الغرفة العارمة..التي بدورها شوهت اناقتها وفخامتها المعهودة.
حتى الارضية لم يتسنى لها التوهج بضياءها الرخامي الخافت..مع تكدس الاوراق والثياب والكتب فوقها في كومات متفرقة في كل صوب وحدب.
ولم تدم لحظات..حتى اقتحمت الوصيفة الشخصية الصهباء الغرفة وضجيج كعبها المنخفض يؤرق صدى الصمت الساكن..
وقفت مجفلة..وقد افرغت شيفتيها بصدمة..ومسحت بعدستيها كل ركن بذهول..
وهي تسؤل عن ماحل بحالة الغرفة؟..وكان اعصارا قد مر من هنا منذ قليل..
لبرهة..كانت تفكر ان ذلك الامير المتعصب يريد ان ينتقم ويفرغ جل غضبه على كل شخص يصادفه..وهذا ما فعله بالضبط لانها الوحيدة الخاسرة هنا..لكونها هي من ستمضي النهار باكمله منكبة على تنظيفها..
تسارعت انفاسها بحنق وزمجرت بخفوت داخلها وهي تلقي بنظرها نحوه..ثم توجهت نحو الستائر المزدوجة الارجوانية وفتحتها على مصرعيها..ثم تنهدت والتفتت الى السرير..واجفلت مكانها حين راته متكا على ظهر السرير يرمقها بحدة..وكان يبدو عليه انه سوف ينقض عليها ليقتلها..
انحنت على مضض..ثم همست بتلعثم «ان جلالة الملك ~الفرد~ يود التكلم معك حالا على طاولة الفطور..»
فور سماعه لكلمة جلالته..اقضب الحكم على حافة ملائته..وازدادت حدة ملامحه الفاتنة..
غمغم بحقد يظن بانه يستطيع اضعاف عزيمتي..
صرخ وهو يرمي بسبابته نحو الباب «اخرجي حالا..!!»
ترنحت الخادمة في مكانها بشكل خافت..وبؤبؤيها يرتعشان..ثم اسرعت بالركض لتخرج من الغرفة وهي تبكي بحرقة...
وعلى مايبدو ان ذلك لم يحرك شيئا بداخله..غير انه توجه مسرعا نحو النافذة بعد ان انحبس الهواء عن الدخول الى رئتيه.
اخذ نفسا عميقا..ثم زفره وهو مغمض العينان.وفكر في نفسه قائلا»
ربما كان علي الهروب مع دانييل..لكي انهي الامر نهائيا».تنهد باسى..وذهب للاستحمام ثم لبس ثيابه الملكية الفاخرة المكونة من بنطلون اسود بزخرفات ذهبية على جوانبه مع قميص ابيض تتماشى معه سترة قصيرة ضيقة بجيب واحد جهة اليمين تتدلى منه سلاسل فضية معقودة طرفها الاخر بالمعطف الطويل الانيق..ذو الياقات العريضة والمزخرفة هي الاخرى بالذهبي.
سرح شعره الذهبي بطريقة جيدة تماشت مع ملامحه الوسيمة..ثم حمل سيفه ووضعه في غمده..وخرج.
وبينما هو يغلق باب غرفته انتبه الى وصيفته الواقفة بجانب العمود المزخرف تكنس راسها الى الاسفل..وكان يبدو عليها انها تبكي.
صاح بها بصوت حاد وهو مضيق حاجبيه بانزعاج «اذهبي ونظفي الغرفة حالا..»
انتظرته حتى ابتهد عن الباب..ودخلت الى الغرفة.
مشى هو في الرواق الطويل وجدرانه مشغولة بالتحف الفنية المذهبة والباهطة الثمن..ولكن ايا من ذلك لم يهم جوليان
فقد كان يعقد يديه خلف ظهره وعينيه تلمعان بثقة..كانه لا يعلم ان سخط ابيه سينهال عليه بعد قليل..
شد انباهه ايدن الذي كان قد خرج لتوه من الغرفة..يلبس ثيابا مشابهة للتي يلبسها ولكن يغلب عليها اللون الذهبي..
فحصه ايدن بنظرة سريعة ثم همس مستهزءا وكانه يتلذذ باغضابه
_ صباح الخير يا مثير المشاكل..
_ لاتجعل نهاري اسوا..يكفيني رؤية وجهك المنحوس.».اجابه جوليان بصوت بارد ولاذع.
ضحك الاخر ثم قال «لماذا اصبحت عدائيا مؤخرا؟»
_ وهل تهتم حقا لمعرفة السبب؟..
ارتفعت حاجبيه بتهكم ثم اجابه
_ وهل هذا سؤال يطرحه شخص مثلك؟» صمت قليلا ثم اردف مبتسما
_ بالطبع اهتم لاخي الصغير..والوسيم..»»قالها وهو يداعب انف جوليان بشغف ماكر.
ابعد جوليان يده بعصبية ثم صرخ
_ ابتعد عني..!!»» دفعه بخفة واكمل طريقه نحو قاعة الافطار..ولحقه ايدن وهو يقهقه بصوت عال متكلف..مستمتعا باللعب باعصاب اخيه المحترقة.
نزلا السلالم المفروشة بالسجاد الزمردي وكانت كل درجة منه تزينها على جوانبها باقات ورود ضخمة مربهة الشكل..
عبرا الردهة متوجهين صوب الرواق الممتد غربا..والتي كان جدارها من زجاج يطل على الحديقة باكملها..
وقفا عند الباب المزدوج الكبير ذو اللون البنذقي..تكفل بفتحه الحارس الواقف هناك وفسح المجال لهما بالمرور .
كانت قاعة رائعة على كل حال..بطاولة مستطيلة تتوسطها..تسع 15 مقعدا..
اصطفت فوقها الاطباق باشكال جميلة والوان مبهرة..كما ان باقات التوليب الثلاثة التي تفرقت فوقها امتزجت رائحتها الخلابة مع رائحة الطعام الشهي..
جلست فيكتوريا عند الحافة وابنتها مقابلا لها بينما الملك ~الفرد~ كان جالسا بتصميم عند الطرف بينهما..
براس شامخ وانف عالي ارستقراطي..مع ملامح حادة تثير الرعب في نفوس اعدائه..كان قوي البنية..صلب العزيمة..حاد الملامح..بعينين عشبيتان وشعر اشقر مائل الى اللون الابيض الذي تتخلله بدورها خصلات رمادية..
علا تاجه المذهب والمرصع بالجواهر اعلى راسه..بينما استقر صولجانه العظيم برفق على وسادة حمراء مخملية وضعت فوق المنضدة..
جلس جوليان بجانب اخته انجيلينا..بينما ايدن جلس مقابلا له..ثم همس بهدوء
_ صباح الخير..
رد عليه والده بصوته الشجي« صباح الخير..بني.»
ونظر الى جوليان ينتظر منه القاء تحية الصباح..ولكنه ببساطة لم يفعل بل كان قد شرع في اكل فطوره بصمت وهو يفحص الجريدة..
اسند ذراعيه الى الطاولة وهمس «ماذا عنك انت..الن تلقي تحية الصباح؟»
اجابه جوليان دون ان يرفع عينيه نحوه «هل انا مضطر الى ذلك؟»
الفرد بغضب طفيف «هل حقا..قررت ان تبدا نهارك بهذا الشكل؟»
قاطعه قائلا «نعم..ولااهتم حقا لما سيحدث.»
تدخل ايدن قائلا وهو يفرد منديله على حجره «دعك منه يا ابي..انه عدائي جدا.»
الفرد «ان كان تصرفه هذا بدون سبب يذكر..فعلينا ان نضع حدا له..اليس كذلك؟»
هذه المرة رفع جوليان نظره نحو ابيه..وتمتم بحدة من بين اسنانه «انت تعرف جيدا السبب..»
_الفرد «اه تدكرت!!..انه..دانييل اليس كذلك؟»
التقط جوليان انفاسه الحارة..وشعر بان اللقمة قد انحبست في حلقه ولم تجد طريقا للنزول الى معدته.
همس ايدن «لا اعلم حقا سبب اصرارك على عودته..وانت توقن جيدا مالذي فعله.»
صاح به جوليان بنفاذ صبر «انت..اغلق فمك اللعين!!»
قاطعه صراخ الفرد بعد ان ضرب الطاولة «هااااااي!!..لاتشتم على طاولة الفطور..وامام اخوتك.»
تدخلت فيكتوريا وهمست برجاء «جوليان..توقف ارجوك.»
نظر اليها ببرود ثم اخفض راسه قليلا وقد انسابت خصلاته الذهبية على ملامحه..
هيمن عليهم جميعا جو غريب من العقم والاجدوى وكل في تضارب نفسي داخلي عنيف..
شرب الملك من كاس شرابه..ثم قال
_ دانييل لن يعود الا بعد شهرين..وهذا امر صادر من مجلس الشيوخ وليس من جهتي..
اجابه جوليان بهدوء نسبيا «اذا..هذا ما يكسبه من الدفاع عنك امامهم؟»
صاح الفرد بصوت عالي «لقد اعتدى على عضو منهم..وكاد ان يقتله..ايها الاحمق مالذي تنتظر مني ان افعله؟
ثم..لماذا لاتزال طفوليا...اليس كليهما اخويك ايضا؟..واشار الى كل من ايدن وانجلينا.»

هنا صرخ جوليان بفاذ صبر «لهذا نفيته بعيدا..لكي تضمن تقربي منهم.»
صرخ الاخر بغضب شديد وقد ظهر عرق في جبينه «ايها الحقير..لاتكلمني بهذه الطريقة مجددا.»
امسكته فيكتوريا من ذراعه وهمست متوسلة بصوت مبحوح والدموع تترقرق في عينيها..
_ «ارجوك عزيزي...اهدا..»
نظر اليها الفرد لبرهة ثم لانت ملامحه وظهرت ابتسامة عذبة حين راى الذعر في عينيها البحريتان..
همس ايدن ببرود مفاجئ «ابي لم يحثنا على التقرب منك..ليكسب ودك.بل كان ذلك من ارادتنا.»
انجيلينا..بدات دموعها في الانزلاق واحدة تلو الاخرى..ولم تشعر بالرغبة في الكلام..او الاكل.
تكمت فيكتوريا باسى «الفرد..تكلم معه بمفردكما.»
تنهد الفرد عميقا..ثم هز راسه ايجابا ومسح على ظهر يدها بحنية.
همس جوليان بصوت مختنق باقتضاب «ارسلني خلف بعثة دنييل..»
ضحك الفرد بخفوت ثم قال «لااظن ان ذلك جيد كفاية..لو كنت مكانك لتجهزت لحفلة عيد ميلادي الاسبوع القادم..»
صمت ثم اردف بتعصب «وادعو جميع الفتيات اللواتي واعدتهمن..مارايك؟»
صك جوليان على اسنانه بغضب..وقبضته كانت مكورتين بقوة.
قهقه ايدن بصوت عاللي ثم قال بمكر «الم اقل لك الا تلهو كثيرا..»
لم يعد جوليان يطيق النظر الى وجوهم..لاسيما وانه احس برغبة جنونية في القتل والضرب..وقف بقوة فسقط كرسيه وهم بالذهاب مسرعا لولا ان والده قد اوقفه صائحا
_ الى اين تذهب..لم اكمل كلامي بعد..
نظر اليه من اعلى كتفه ورد ببرود «لست مضطرا لاكماله.».وخرج بتثاقل والغضب قد فتك باعصابه..
هيمن صمت بائس اخر على الطاولة..ووجوهمم متصلبة وافكارهم في تخبط مستمر..
مسحت انجيلينا مسار دمعتها المتمردة..وملامها الفاتنة قد ذبلت وخف اشراقتها..
تكلم الفرد بحدة «انه لم ينضج بعد..»
_ فيكتوريا بانزعاج «الفرد..يكفي هذا لن اسمح لك بالسخرية منه امام اخوته..»
صاح الفرد بغضب «هل رايتي كيف صرخ في وجهي منذ قليل؟»
... انه قليل الادب !!»

_ الفرد !!..صرخت بها فيكتوريا بغضب..فانخرس تلقائيا وتنهد بياس وهو يضع الملعقة جانبا..ثم اجابها بصوت عال متكلف «انت تعلمين جيدا ان كليهما يفعلان ذلك لانهما يكرهانني..ولا يقبلان فكرة تقبلي كوالد.»
_ ارجوك الفرد !..تفهم نفسيتهما هما يمران باوقات صعبة..وكلاهما لم يتكيف حتى الان بما يحدث.

ضرب الفرد الطاولة بي وصاح مجددا« دائما ما تسكتيني بهذه الاعذار..لقد نضجا كلاهما الان..ولكن ذلك لم يغير شيئا على ما يبدو..»
_ ابي..ارجوك الصراخ لن يحل شيئا.»»واخيرا نطقت بها انجلينا وهي تمسح دموعها..والاخرى تمسح بها على طهر يد الفرد..
زفر الفرد مطولا..ودلك ظهر جفنيه المغمضتان بتعب واضح..ثم تمتم بهدوء
_ سارفع دعوى الى مجلس الشيوخ..للنظر مجددا في قضية دانييل..وسارى ان كان بامكاني فعل شئ لهذا الامر..
ابتسمت فيكتوريا بامتنان..وانحنت نحوه لتطبع قبلة رقيقة على خده شاكرة له..فلطالما كان زوجا محبوبا بالنسبة اليها وقد كانت حمقاء حين طلبت منه الطلاق في البداية..وقد اظهر شغفه وحبه لها حين عاد وطلب منها الزواج مجددا..
نهض الفرد من مكانه بهدوء وقال «ساذهب الان..طاب يومكم.»
ايدن (مبتسما ) «وانت ايضا..»
قبلته انجيلينا هي الاخرى..وبادلته بابتسامة ساحرة..
سرعان ما ساد صمت عليهم بعد رحيل الفرد هو الاخر..
حتى قرر ايدن هو الاخر بالذهاب..فلا جدوى من البقاء..شرب عصيره ثم مسح فمه بالنديل ورماه على الطاولة وهو يقول «انا ايضا علي الذهاب..اهتما بنفسيكما..»
فيكتوريا (بحنان ) «وانت ايضا عزيزي انتبه لنفسك..»
هتفت انجلينا بمرح وهي تراه يتجه صوب الباب «عد باكرا ايدن..لدي مفاجاة لكم.»
فور سماع فيكتوريا لجملة انجلينا نظرت اليها وهمست بحيرة «اي مفاجاة..؟»
ابتسمت انجلينا ابتسامة شقية وردت عليها «المفاجاة هي مفاجاة !!...ستعلمين ما هي لاحقا.»
تنهدت فيكتوريا بياس..واكملت تناول فطورها وهي تتطلع الى عناوين جريدة اليوم..



برب
__________________









إضغط على الصورة لزيارة روايتي الحالية