نـــلـــتــقــي بــــكم مجدداً اعزائي بفصلي الثالث آملة من الله بان ينال استحسانكم لا استغنى عن اراءكم فلا تحرموني منها فمن عساه ينير صفحاتي عداكم ~ [الفــصــل الثــانــي] "سيدتي ! , أرجو ان تقومي بفتح التلفاز على قناة الأخبار الآن " قالها بنبرته الحادة المتسرعة وكأنه يرفض أن يتحدث , وأغلق المكالمة خلفه سريعاً كعادته. لم تجد وقتاً حتى تسأله ما الداعِ لأن تقوم بفتح القناة , ففتح التلفاز ليس من عاداتها , بل إنه يكاد ان يكون مجرد ديكور في الغرفة , لا تتذكر متى آخر مرة قامت بفتحه , تنبهت أنه أخبرها أن تفتحه الآن , تذكرت أنها في كل مرة تفتح فيها التلفاز , يجب ان تقوم بـدوامة البحث عن جهاز التحكم عن بعد . _ "يا الهي ّ" قالتها بتنهّد يائس , وترنحت من مكانها محاولةً الوقوف بعد من على سريرها بعدما كانت تغط بنوم ظنت انها لن تستيقظ منه , شرعت في البحث عن جهاز التحكم عن بعد , ظلّت حوالي الخمسة عشر دقيقة تبحث عنه حتى يئست , وقفت امام سريرها تتأمله بحسرة , لكم افتقدته بتلك اللحظات التي مرت , لم تتردد بالقفز عليه معاودة اغراق نفسها بمفارشه , امتدت يدها الى وسادتها محاولة استنزاف منها بعض الدفء و لكن حينها لمست شيءً بارز تحت الوسادة , أمسكت به بينما ينعقد حاجباها باستغراب و قد راودتها فكرة عن ماهيته , فإذا بالابتسامه تشق محيّاها شقاً _ "إنه جهاز التحكم عن بعد"! هتفت بسعادة غامرة و قفزت من مكانها إلى الأريكة التي تقع أمام تلفازها ذو الشاشة العملاقة بكل حيوية و نشاط , شغّلت تلفازها على قناة الأخبار متأملة ان تجد شيئاً يستحق منها الاستيقاظ من نومها الهنيء , لم تجد سوى رجلا يتلعثم أثناء الحديث , لا يكاد يفقه قولاً , وأصوات المواطنين تتعالى فرحاً أمام خطابه الذي تكاد لا تفهم منه شيئاً , تناولت هاتفها من على الطاولة التي بجوارها , وسارعت بالاتصال بسكرتيرها الذي أخبرها قبل قليل أن تفتح هذه القناة جاعلاص منها تظن بان هناك ما سيلفت انتباهها , وهي تنوي أن تستفسر منه سبب هذا الطلب . _ "رون , ماذا كنت تريدني أن أرى ؟ إنه رجل ساذج يقف أمام فوجٍ من المواطنين الهائجين .. ما المميز ؟" وصلها صوت أشبه بالصوت النادم الحاد . _ "إنه وزير العدل الجديد سيدتي!" _ "وزير العدل !" لم تشعر بحدقتا عينيها و هما تتوسعان دهشةً . _ "أجل سيدتي , لقد استقال الوزير القديم فعّينوا وزيرا جديداً من هيئة الشرطة" _ "و لكن .. و لكن هكذا سيتوقف عملنا !" قالتها وهي تأمل أن تسمع حلاً من الطرف الآخر. _ "هذا ما كنت أريد أن أخبرك به سيدتي , ولكن بما أنك على تواصل مع سيادة الرئيس لما لا تسألينه , فبالتأكيد هو لم ينسَ القضايا التي ترفع عليهم قضيةَ تلو اخرى" _ "حسناً رون " قالتها بقلق ممتزج براحة قصيرة المدى . _ "رونالدو سيدتي " وأغلق الهاتف كالعادة , انتصبت مكانها واقفةً , ثمّ اتجهت إلى دورة المياه الفخمة التي تأخذ فيها حماماً دافئاً , مختلطاً بزهور اللاﭬندر العتيقةَ , محاولة الاسترخاء , شاعرةً بأن يومها لن يخلو من الاحداث , و كأن حياتها فيلم يذاع بالقنوات العالمية , ( حياة المحامية البائسة مع مزيد من البؤس ) ! *** المكان : البيت الأبيض / واشنطن / الولايات المتحدة _ "سيدي , هناك اتصال لك على الخط الثالث من إمرأة تسمى ( آديلايد إيفر) " . "كنت متأكد من أنها ستتصل , فـعقل كعقل آديلايد الذكي لن يمر عليه وزير العدل الساذج هذا دون أن يعترض" . قالها بكسل و قد بدى على معرفةٍ بها , تناول الهاتف منه آمراً اياه بالمغادرة بحركاتٍ متعايةٍ من يده الغليظة . _"سيدي الرئيس , أعتقد أن سيادتك تعلم لم أنا أتصل الآن" _ "بالتأكيد آيدلايد , فـوزير العدل الجديد هذا لم يدخل عقلك اليس كذلك ؟ أم أنا مخطئ ؟" _ "أنت محق سيدي , لمَ قمت بتعيينه ؟ , أعتذر على التدخل و لكن هذا امر لا يصدق , بدى حقاً حقاص مثيراً للشفقة بينما يلقي خطابه الغير مفهوم ذاك , سامحني سيدي و لكنه رأي " . بدت جدية في حديثها غير مصدقةٍ لما تتناقله اطراف المدينة من اخبار عن هذا الوزير و هي من الاصل لا تقتنع به . _ " آديلايد , أنت بالتأكيد لاحظتي التظاهرات التي كانت تحدث في البلاد في الآونة الأخيرة" _ "أجل سيدي" _ " لذلك قمت بتغيير وزير العدل , ولكنه مجرد تغيير سطحي للإسم , ولكن من سيدير الوزارة بالتأكيد هو وزيرنا القديم , فبالتأكيد آديلايد أنا لست أحمق مثلاً لأقوم بتعيين وزير كهذا يدير شؤون الوزارة" _ "لا , لا سيدي اسأت فهمي ليس هذا ما اعنيه و لم اكن لأتلفظ بشيء كهذا عنك " _ "حسناً آديلايد , أظن أنني وضحت لكِ بما فيه الكفاية " وأغلق الهاتف بعد ان تنفست آدي الصعداء , وانتبهت أن الساعة تجاوزت العاشرة صباحاً , وهي قد طلبت من اختها أن تأتي لأخذ إبنتها ليديآ , استقامت واقفةً من مكانها غير مصدقة لكل ما يحدث في حياتها , ان كان ما حدث معها طيلة حياتها البائسة تلك شيئاً سيئاً فالآن ما يحدث و ما تأول اليه حالها يبدو كابوساً , حُتم عليها مفارقة ابنتها الوحيدة لاجل ان تتعالج , بدا و كأن ليديآ مريضة منها هي , اجل ربما هي ... فمن الذي افنى حياته بالعمل هنا ؟ , تجاهلت ابناءها و منزلها لمجرد العمل ظانةً بان ما تفعله لمصلحتهم جميعاً و لم تشعر بتاتاً بانها تبتعد معنوياً عن عائلتها و مسمى ( العائلة المثالية ) يفقد رونقه مع مرور الايام , قاطعها صوت انغلاق باب دورة المياه الذي اتى من الخارج , بالتأكيد انها ليديا , فهي تستيقظ من نومها في هذا الوقت , اسرعت بخطواتها الى غرفة ابنتها حتى تتسنى لها الفرضة لحزم امتعة ابنتها التي تعتبرها مسافرة , ينفطر قلبها لرؤية العاب ابنتها التي هجرتها منذ زمن , تتذكر عندما كانت تلعب بها ابنتها , قبل ان تدخل في حالة العزلة الخانقة تلك , قاطع مشاعرها المبعثرة صوت ابنتها البريء قائلاً :- "ماذا هناك؟" "بنيتي , أنت الآن ستذهبين لمنزل خالتك إلينور , ستمكثين هناك عاماً ثم ستعودين" قالتها بحنان والدموع محبوسة في عينيها البراقتين لكم يؤلم فراق الأحبة . _ "لمَ ؟ " قالتها الطفلة في حزن وبراءة وعينيها تبرق بشدة _ " لأن ابنتها تريد ان تلعب معك وستذهبان سوياً إلى المدرسة وستكونان سعداء جداً " قالتها وهي تتلعثم , فهي تقوم الآن بتأليف سبب وجيه لذهاب ابنتها . _"حسناً" أدارت وجهها لتخرج من الغرفة , وعادت امها الحزينة لتضيع في دوامة الأسئلة التي تغرق فيها كل لحظة ! ***
المكان : كارسون سيتي / ولاية نيفادا / الولايات المتحدة _"إلى اللقاء أمي" تلفظت تلك الجملة ببراءة قبل ان تدخل تلك السيارة المتواضعة التي يغلب عليها الطابع الهادئ , جلست حاملة حقيبة ظهرها التي تحتوي على دفتر مذكراتها التي لا يفارقها , كما تحتوي على بضعة العاب صغيرة تعطي لكل واحدٍ منهم اسم مميز . _"أختي , أرجو أن تصمدي في هذه المحن التي تواجهك , فنحن لا نعيش إلا على الأمل , أرجوكي اصمدي ! " قالتها قبل أن ينفجر شلال الدموع من عينيها اللتان يحملان لون العسل الصآفي , ضمت أختها بقوة وكأنها تريد أن تصل إلى روحهآ لتواسيها , ردت آدي عليها وهي تبكي بحرقة :- "سأحاول أختي , سأحاول جاهدة اعدك " ردت عليها أختها وهي تمسح دموعها وتحاول الابتسام:- "هيا قبل أن يلاحظ الأطفال , إذهبي وقومي بالاهتمام بعملك , وأهنئك على شفاء تايلر كثيراً , أشعر أني سعيدة أكثر منك هه" قالتها وكأنها تحاول التمثيل , فقلبها يعتصر لما آل إليه حال اختها من هزالٍ وهون _ "أشكرك جداً , إلى اللقاء إذاً , و ... اهتمي بها ارجوكِ , ليديآ هي كل شيء بعد تآيلر تدركين انا ..." عادت لتضمها الينور بقوة كاتمة ما تبقى من كلامها , وذهبت وهي تلوح بيدها وتبتسم , استقلت اختها السيارة وقامت بقيادتها إلى منزلها , وعقلها لا زال يفكّر في طريقة حتى تعيد آدي مرة أخرى إلى حياتها القديمة" . *** المكان : مكتب ايفر للمحاماة / كارسون سيتي / نيفادا / الولايات المتحدة _"رون!" نادت سكرتيرها رونالدو , قام (رونالدو) بفتح الباب بعصبية قائلاً :- "سيدتي آديلايد , أتمنى ان تقدري مني محاولاتي المعذبة في افهامك كيفية نطق اسمي , فاسمي هو رونالدو صدقيني ! " لوحت بيدها بلا مبالاة :- "رون , لقد انتهيت من اوراق هذه القضية , متى موعد المحكمة ؟" _ "أي قضية سيدتي!؟" استفهم منها ناطقاً بجملته تلك . _ "قضية الاضرار بأموال الدولة التي قام برفعها ذاك المدعو ديفيد باتسرون" _ "لحظة سيدتي , سأقوم في البحث في ملاحظات هاتفي" أشاحت بيدها قائلة :- _"خذ وقتك" لم تمر سوى ثوانٍ قبل أن يعقب قائلاً :- _"إنه بعد غد , في الساعة التاسعة صباحاً" _ "حسناً , يمكنك الذهاب" خرج من المكتب واغلق الباب خلفه , وجلس في مكتبه محاولاً الاسترخاء حتى تنتهي آديلايد من عملها ثم يعود مرة اخرى ليرتاح في منزله الذي يغلب عليه الطابع الكلاسيكي البسيط , فهو رجلُ بسيط متعقدُ من أي علاقة اجتماعية قد تربطه بأي بشري , خرجت من مكتبها وتبعها هو , نزلت وهي تفكر في الموقف الذي دار بينها وبين اختها اليوم , كم اشتاقت لأيامهما في صغرهما , قبل أن تنهكها حياتها المستجدة بالآلم . *** المكان : مصحة "لا للإدمان" للعلاج من الإدمان التوقيت : الساعة العاشرة والنصف مساءً _"يا إلهي" ! قالها وهو يتنهد تنهيدة عميقة , وكأنه أخرجها من صميم قلبه الذي تأذى منذ أن جلس بين هذه الجدران التي يشبهها بالسجن القاتل , فمنذ عامٍ كامل وهو لا يرى أهله إلا في العطل الرسمية , وأحياناً يمر أكثر من شهرين دون رؤيتهم , يحاول بشتى الطرق استسماحهم على العار الذي جلبه لهم , لا زالت كلمات أمه التي ألقتها عليه عندما أكتشفت إدمانه , ( لماذا ؟ ماذا نقصك يا بني ؟ هل قصرت معك في شيء ؟ لقد جلبت لي العار ... أنا المخطئة ) , تجول تلك الكلمات في عقله , كيف سمح لنفسه بفعل ذلك , يتوق شوقاً للخروج من هذه الزنزانة , والخروج إلى العالم , يتوق لرؤية صديقه " براد " , إن هذه الساعات تمر كمرور القرون , يسير ذهاباً وإياباً في غرفته التي ملّها , يكاد يدمر الحائط بيديه ليخرج من هنا , شعوره بالندم حيال ما فعله يجعله يظن أنه أسواً إبن في العالم , و كذلك اسوأ اخ , قاطع دوامته التي كاد ان يتيه فيها صوت عامل المصحة قائلاً :- "الطعام يا سيد تايلر , هنيئاً أنك شفيت , سنشتاق إليك جداً" ابتسم تايلر ابتسامة مصطنعة وقال بتثاقل وكأنه يعجز عن الكلام :- "وأنا أيضاَ سأشتاق لك وللطعام الشهي هنا " ثم اتبع كلامه بضحكة صغيرة , أخرجها بصعوبة كبيرة , لم يشأ تناول الطعام , فـما يدور في خلجات قلبه يجعله كفيلاً بأن يكره نفسه ويرفض أن يجعلها تتلذ بأي نعمة , حتى الطعام ! . ارتمت على سريرها وكأنها دخلت في دوامة لا مفر منها , عادت الأفكار والوساوس تلعب بعقلها وكأنها سكنته , واتخذته موطناً , اغمضت عينيها أملاً في تناسي جَل ما يحدث حولها , ولكن بمجرد إغلاقها جفنها , شعرت أنها عاجزة عن التحرك , تحاول بشتّى الطرق ان تحرك اي طرفٍ من أطرافها , و لكن .. لا تستطيع بتاتاً , وفجأة , شعرت بأن هناك حملاً ثقيلاً وضع عليها , تحاول الصراخ ولكنها لا تستطيع , تحاول أن تفتح عينيها حتى , لا أمل , ماذا يحدث .. استمرت على هذا الحال لثوانٍ معدودة , ثم تحررت , نهضت من على سريرها صارخة ناظرةً حولها , تتفقد الغرفة , من هذا ؟ , بدأت بالصراخ بهستيرية وخرجت من غرفتها متفقدة باقي منزلها الفخم لا يوجد أحد ! , الباب مغلق بالمفتاح كما تركته , النوافذ موصدة .. الأثاث كما هو , بالتأكيد ليس لصاً , حاولت استجماع قواها والقت بنفسها على الأريكة .. تقنع نفسها بأن ما حدث كان وهم .. مجرد وهم , بالتأكيد لأنها لم تحتسِ كوب قهوتها المسائية .. زفرت بهدوء وهي خائفة .. انتصبت واقفة متوجهة للمطبخ حتى تقوم بعمل قهوتها . |
|