أسندت خدها على يدها متعبة , فمنذ أن تولت منصبها "مستشارة قضائية" أصبحت متعبة بِشكل مضاعف عن ذي قبل , هذا غير انطلاق زوجها في رحلة إلى بلاد بعيدة , لا تذكر اسمها من فرط انشغالها , لا تملك في اليوم سوى ثلاث ساعات للنوم , ابنها اصبح يحتاج للاهتمام , فهو سيذهب للجامعة التي تقع في ولاية وينكنسن , البعيدة كل البعد عنها , تريد أن تقضي أكثر وقت ممكن معه , حتى تطبع صورته في ذاكرتها قبل سفره لاربع سنوات , دون انقطاع , لا تشاء ذلك , ولكن رغبته في أن يكون محامياً مثلها جعلته مصراً على أن يذهب إلى تلك الجامعة التي قبلت به , رغم انه لم يقضِ العام الثاني من الثانوية , إلا انه سيذهب إلى الجامعة بواسطة , يمر بها طيفُ ابنتها التي مر على آخر مرة رأتها أكثر من ثلاثة أشهر , فهي باتت منشغلة بشدة , وتحاول بشتّى الطرق التواصل معها ولكن وقتها الضئيل لا يسمح بذلك , طَرقُ قوي على باب مكتبها جعلها تنتفض من مكانها
_ "تـــفــضــل !"
قالتها والقلق يمر في شرايينها مر الدم , قامت سكرتيرتها بفتح الباب قائلةً :-
"أعتذر عن فظاظتي ولكن سيدتي , أرجو ان تفتحي التلفاز سريعاً , أرجوكي !"
قالتها بخوف ورجاء .
_ "تمهلي قليلاً ماذا هناك ؟ ما بكِ ؟"
رمشت بعيونها بتوتر ناظرةً إلى سكرتيرتها بانتظار الإجابة , فقلبها المتعب لم يعد يتحمل أخباراً أخرى , خرجت السكرتيرة سريعاً وأغلقت الباب خلفها .
_ "ولكن .. ولكن .."
لم تكمل جملتها , سمِعَت طلقاً نارياً خارج الغرفة , إنه قادم من أسفل الشارع , ماذا هناك ؟ احتمت سريعاً تحت مكتبها مغطيةً رأسها بيدها , ولكن .. ماهذا الجنون , إنهم بالتأكيد لن يصلوا لها , فهي في الدور السابع من المجمع القضائي , كيف سيصلون , ابتسمت ساخرةً من نفسها ومن سذاجتها , نظرت من النافذة لتستقبل صدمة كبيرة جداً
_"ما هذا بِحق السماء !"
رأت العشرات من جنود الجيش رافعين بندقياتهم ويطلقون النار في السمآء , بلا هدف , وما لا يقل عن ثلاث دبابات منتشرون بعشوائية في الشارع , أسرعت إلى التلفاز لترى مالأمر ! , إنه مشوش ! , يعود شيئاً فَشيئاً ! , ولكن الصوت ليس واضح , استقبلت الصدمة بصرخة مدوية ! , تلك الجملة التي قالتها مذيعة الأخبار .
_ "إنقلاب عسكريٌ في الولايات المتحدة الأمريكية , والجيش يعمل في صالح الانقلاب"
كادت أن تهوي ساقطةً على الأرض لولا أنها تماسكت واستندت على الحائط
_ "إبني !"
قالتها بخوفٍ شديد ثم أسرعت نحو الهاتف لتتصل سريعاً بابنها , الشبكات تالفة ! , ما الذي يحدث بحق السماء ! , خرجت سريعاً من مكتبها لتجد المجمّعَ خالٍ تماماً , فالجميع هرعوا إلى منازلهم للاحتماء من هذا الجحيم , وهي للأسف كانت آخر من يعلم , بالفعل سمعت بالأمس عن الانقلاب العسكري وأخبار عنه ولكن كانت تعتقد انه لم يصل بعد الى ولاية نيفادا بهذه السرعة , يبدو ان هذا الانقلاب سيتم سريعاً ! , نزلت في المصعد متجهةً إلى سيارتها , استقلتها وأسرعت إلى منزلها .. مرت الدقائق كالساعات وهي في كل شبرٍ تمر به , ترى الهلاك الذي حلّ بالبلاد , يبدو عليها الصدمة , ولكن في داخل جوفها وفي خلجاتها المكنونة هناك شعور بالسعادة مختبئ خلف أسوار القلق والخوف , سعادة لذهاب هذا النظام المستبد , حتى وإن لم يأتِ بعده أحد .
المكان : واشنطن / البيت الأبيض
الساعة : السادسة مساءً
يجلس خائفاً مترقباً ما سيحدث , مختبئاً وحده , بعد ان تم اعتقال جميع من كانوا يعملون في البيت الأبيض , وتم القبض على جميع الوزراء والمستشارين والقضاة , ومستشارين القضاة , يبدو على هذا الانقلاب انه سيغير الولايات جذرياً , إن هذا الانقلاب تم في يومين فقط ! , كيف يحدث هذا , لم يكن علي تعيين وزير الدفاع ذاك , يبدو اني كنت مخظئاً حين تعيينه , ليتني لم أفعل , ليتني لم أفعل ! , عبارات تسكن في رأس كلايد ريدموند الذي يختلف شكله الآن عن شكله قبل يومين بتاتاً , الملابس المزرية , الغبار يغطيه , تعبيرات وجهه القلقة , يكاد يبكي كالأطفال , يريد الخروج من هنا بأي طريقة , انتصب واقفاً مختبئاً خلف حطام أثاث هذا البيت الذي كان يعتبر كمزار سياحي , يتحرك ببطئ عله لا يُسمع احد الجنود الواقفين بالخارج , الذين لم يتوقع خيانتهم مطلقاً , يسير بخطوات متباطئة , خافضاً رأسه الذي لم ينخفض طيلة حياته , ينظر حوله بترقب وكأنه يتجول بعينيه في المكان , حتى يحفظ صورة هذا المكان في خاطره إلى الأبد , ولكن يبدو أن عينيه لم تكمل جولتها , فقد أُغلقت مُعلنة وفاة الرئيس "كلايد ريدموند" , وسط حطام هذا البيت , ميتةٌ لم يكن يتوقعها مطلقاً !
المكان : منزل آديلايد / غرفة تايلر
يجلس ذلك الشاب الذي انطفأت نضارته منذ أن رأى تطور الأحداث السريع الغير مبشر بالنسبة له ولوالدته , فهي بالتأكيد سيتم القبض عليها كما تم القبض على جميع المستشارين , هذا إن لم يكن قد قبض عليها بالفعل , ينتظر دقها للباب , الذي يخشى انه ربما لا يحدث , خائفُ هو وبشدة , فمنذ ان خرجت والدته في صباح اليوم , حتى الآن لم يسمع رنين هاتفه مستقبلاً أي اتصال منها , يحاول طمئنة نفسه بتعابير كاذبة , ستكون بخير , إنها عائدة , يحاول تصديق تلك الأكاذيب حتى لا يخرج عن شعوره ويفقد اعصابه التي يحاول أن يبقيها هادئة بقدر ما يستطيع , كاد ان ينتفض من مكانه فور سماعه صوت دق الباب بقوة , هرول سريعاً إلى باب المنزل ليرى من أتى , على أمل أن تكون والدته , نظر من خلف الباب فرأى امرأة ترتدي زياً رسمياً ذو لونٍ كاديِ , إنه أمه بالتأكيد , فتح الباب واحتضنها بقوة كالطفل الصغير , وهي سعيدة أنها اطمئنت عليه بعد قلقٍ طوال طريقها للعودة , تريد أن يعود الزمن مرة أخرى ولا تعمل بهذا العمل الفاسد الذي ربما كان سبباً في التفريق بينها وبين عائلتها , قاطع فوهة الأسئلة صوت ابنها الشاب قائلاً :-
" أمي ! ماذا ستفعلين ! "
عادت إلى عالم الواقع قائلةَ :-
" صدقني لآ أعلم ! , إنصحني ! "
لم يعقب عليها بل اكتفى بالنظر إليها حائراً حتى سمع طرقاً قوياً على الباب , انتفضت امه من مكانها قائلةَ :-
" تايلر ! افتح الباب وانا سأهرب , إلى اللقاء "
وهرولت لتهرب من الباب الخلفي الذي لا يعلم بوجوده إلا هي وعائلتها , كاد ان يلحقها لولا ان تم كسر الباب من قبل جنود مسلحين وشرطة .
_ "إرفع يديك !"
رفع يديه مستسلماً
_ "أين هي !"
قالها الضابط بحزم وشدة جعلا تايلر يتوتر ويتلعثم بشدة :-
"لـ ..لـ .. لآ أعلم ! , إنها لم تعد من مكتـ ..مكتبها اليوم!"
_ "إن كنت كاذباً أيها الفتى ستنال عقاباً أشد من عقابها"
_ "أنا صادق أيها الشرطي"
أشار الشرطي بيده للجنود قائلاً :-
"فتشوا المنزل وما حوله!"
ما حوله ! , يا ترى هل استطاعت والدته الهرب بعد , أم أنها تعتقد انهم لن يفتشوا الحديقة , يريد ان يبحث عنها ويخبرها , ولكن الضابط لا ينزل عينه من عليه
"أرجوك يا إلهي ساعدنا"
قالها برجاء في نفسه , أخذه الشرطي وأدخله مدرعة الشرطة للتحقيق معه
تَقف مختبئة في تلك الغابة البعيدة , تحاول الارتياح من جريها لمدة لا تقل عن خمسة عشر دقيقة , تستجمع قواها , تحاول حبس دموعها .. ولكن , سقطت من مكانها معلنة استسلامها لدموعها التي أبت إلا ان تنهمر حارقةً , تتأوه بصوتٍ عالٍ راجيةً النجاة من هذا الموقف هي وعائلتها التي لا تعلم عنها شيئاً الآن , تصرخ بصوتٍ عالٍ يخترق جدار الصمت في تلك الغابة المهجورة
"مـــــاذا ســــأفعل يــا إلهـــــي !!!!!"
انتهى البارت
الأسئلة
ما الحل الذي ربما تقوم به للخروج من هذا الموقف ؟
ماذا سيحدث لابنها ؟
كيف كان البارت ؟
فقط
في أمان الله