النار و الماء .. أجتمعا في روح واحدة ... فؤاد عاصف يبحث عن ثورة النائم ..
دماء حمراء مُلتهبة تسير في عروقها ... كانت تصرخ بصمت قاتل ..
و تفضحها عين خائنة .. و يقف بجانبها شخص جامد كالصخر ..
تعلقت عيناه عليها .. و أرتفعت حواجبه إستغراباً ثم قال " هيا أدخلي .."
بينما نطقت تلك العجوز قائلة " تعالي الى هنا يا إيارا .."
كادت تنهار بُكاءً .. و تُعلِن على الملأ أنها ترتعد خوفاً .. لكنها فضلت الصمت
تقدمت بخطوات متشنجة نحوها .. مرتجفة الفرائص .. مذبوحة القلب
تشعر بدوار يكاد أن يفتك برأسها ... ما بداخلها حِمم بركانية مُتفجرة ..
و من خارجها ... صمت و هدوء قَلِق ..
جلست العجوز على الأرض المفروشة ببعض من الحصير ... قدمت لها يدها ثم قالت
" هيا أجلسي .."
نظرت آريا الى الأرض .. على ماذا ستجلس بحق الله ؟ .. حصير و تراب ..
و رغم تمردها الداخلي .. جلست على الأرض أمام تلك العجوز ..
و من ثم تقدم فرناندو و جلس بجانبها ..
حينها بدأ الجنون الحقيقي لتلك الشمطاء .. وضعت قدر غويط مليء بسائل شفاف له رائحة عطرة ..
فتحت يديها الأثنتين معاً لآريا و فرناندو ... ألقت آريا نظرة مترددة نحو فرناندو ..
فوجدته يعطيها يده بكل سلام .. و إظهاراً لقوتها .. أعطتها يدها هي الأخرى ..
مسكت العجوز اليدين ثم وضعتها في ذلك القدر .. و أغمضت عينيها .. حركت رأسها يميناً
و يساراً .. و هي تهذي بأقوال غير معروفة ...
و على غير توقع .. وجدت المياه تتحرك في ذلك الإناء .. لم تستطع كتم صرختها .. فقالت بفزع
" أوه .. لا يدي .. أريدها ."
بينما كان الهدوء التام يحل على ذلك الكائن الذي بجانبها ... تمنت لو تقتله حينها
أو قتل نفسها و تلك العجوز و تخرج من تلك الحياة ..
شدت العجوز قبضتها على يد آريا و فرناندو .. و لا زالت تهذي بكلمات مجنونة ..
شعرت هي بأن هناك عاصفة مدمرة في هذا المكان ..
روحها كانت ترتفع الى أعالي السماء .. لوهلة فقدت القدرة على التنفس بأنتظام
و قلبها أطلق ضربات حامية قطعتها لأشلاء ...
و من ثم توقفت تلك العجوز عن الهذيان .. فتحت عينيها .. و نظرت لأريا و فرناندو
ثم قالت " يا نيران الشمال و الجنوب .. الشرق و الغرب .. من كل قارة
و كل دولة و بلد .. من كل جبل حميم .. و كل قاع محموم .. لتكن الحرارة و اللهب هي ملتقى
أنفاسكما .. و يتجمع في فؤادكما ألسنة الحب الحارقة .. و ليكن النعيم في إنتظاركما .. و الجنين
الطيب يكون منكما ولداً .. الآن رابطة المُحال ستُخلق .. أنه تآلف المستحيل ..
كالشمس و القمر .. النور و الظلام .. الابيض مع الاسود .. الأنثى مع الذكر ... أنه
تآلف إيارا المياه العذبة .. مع شيطان الجحيم الممجوج .. فلتحافظي أيتها النيران على هذه
الرابطة .. و تباركي لهما في حياتهما .."
الآن و في تلك اللحظة .. من تولى زمام الهذيان كانت أريا ..
جنون .. جنون .. زاد من عقلها إختلالاً ...
أقنعت نفسها أنه مجرد تخاريف .. لعلها مرتبطة بإسطورة قديمة .. أو معتقدات جاهلة ..
قتلها الفضول لتعرف ما بداخل فرناندو .. ألقت نظرة سريعة عليه .. وجدته ثابت راسخ
حتى عيناه لا تتحرك .. و من ثم شعرت بيد تلك العجوز تُحرِك يدها و تضعها في يد فرناندو
هنا دوى إطلاق نيران قوي في روحها ... و شعرت بالدماء كلها تصعد الى رأسها ..
حاولت كتم نفسها .. و تظاهرت بالبرود الحارق ..
و عندما نظرت لتلك العجوز وجدتها تعطيه خاتم من الياقوت الأحمر ..
حقاً أنه أروع الخواتم التي شاهدتها على الإطلاق .. فيه بريق و لمعة جذابة ..
أنه متوهج تماماً كقرص الشمس .. أختصرت وصفه فقالت لنفسها
" أنه نادر الوجود .."
نظرت لفرناندو ... و كان ينظر اليها هو الآخر ..
لوهلة ألتمعت أعينهما معاً ببريق واحد .. كانت الأعاصير نفسها تغزوا قلبهما
و الثورة نفسها لروحهما ..
كأنهما كائنان في كائن واحد .
.
زرقة عينيها مع حلقته النارية ... بياضها الجليدي مع سمرته المُذهبة ..
شعرها الناري مع شعره الأشقر البني .. أنفها الصغيرة مع أنفه الأستقراطي ..
شعرت بدخول تلك الدائرة في أصبع يدها ...
و من ثم شعرت بغلاف يُطوِق روحها و عقلها و نفسها ... و تركت قلبها
لكي يخوض المعركة مع نفسه ...
هو العدو و هو الخصم ..
و عندما وصل لنهاية إصبعها النحيف ... كانت أبواب السجون تُفتح لرهائنها الجديدة
و من ثم أنتفضت و تحول كل شيء لملحمة دموية .. ذبح و قتل و دمار ..
عندما سمعت صوته يقول " زوجتي إيارا ..."