لم يعد في العمر بقيّة يا ولدي... | | | | < | | | | > هكذا صاح بها صاحب السيارة التي مرّت بجانبها و لكنّها لم تهتم بكلامه و لمترفع راسها بل استمرّت في طريقها حاملة مولودها تطوي الارض طيّا ؛مطرقة ؛شاردة الذهن و كانها في عالم آخر. وصلت الى الجهة الاخرى من المدينة؛ توقّفت عند احد البيوت ؛ دقّت بابه دقّاخفيفا و تسارعت دقّات قلبها و هي تردّد في اعماقها..(ليتهم لايسمعون..ليتهم لا يفتحون..).حاولت ان تعود ادراجها و لكّن الباب فتح لتظهرامراة جميلة ؛ استلّت مولودها من يديها و اعطتها بدلا عنه حقيبة ثمّ اختفتدون ان تنطق بكلمة واحدة.. لم تشعر و هي تاخد ابنها انها اخدت معه قلبها وانها حين اغلقت الباب قطعتكل رابط يربطها بالحياة..بقيت هناك جامدة تحاول ان تلملم جروحهاو ان تجدالقوة حتى تعود لبيتها.. و حلّ المساء ؛ و عادت تجرّ اذيال الخيبة وراءها ؛ طرقت الباب ففتح لها رجلكريه المنظر ؛ اتّسعت عيناه حين رآها و اسفر عن ابتسامة ماكرة ممزوجةبالطّمع و هو ياخد الحقيبة من يديها..دخل بسرعة وبدا يعدّ المال الموجودفيها.. نظرت اليه لم تكن تعلم هل تبكي على حالها او وليدها او تبكي على زوج فقد كل مفاهيم الانسانية.. حملقت فيه طويلا و هي تتساءل في سرّها..( ايمكن ان تكون سعيدا وابنك يبيتفي احضان اناس آخرين ؟ هل تبتسم ابتسامة الرّضى و انت قد بعت فلذة كبدك ؟آه لك و آه للدنيا و آه لي مما فعلت ). ارتمت في زاوية مظلمة من ذاك البيت ؛ تكوّمت هناك تبحث عن دموع تبرّد بهانارها ..فلم تجد الا حسرة تقتلها و حزنا يذيبها..اما هو فاخد حفنة من المالو خرج مسرعا ليقضي ليلة حمراءا في حانة مع اصدقاءه.. هو مسعود رجل امات الله قلبه ؛ فظّ المشاعر لا يكنّ لزوجته اي حب اواحترام..ظروفه المالية صعبة لهذا اتّفق مع ربّ عمله و كان عقيما ان يبيعهابنه مقابل مبلغ كبير من المال و قد وافق هذا الاخير ليرضي زوجته التي طالانتظارها لوليد يملا فراغها. و هي نهى فتاة في مقتبل العمر قست عليها الدنيا فاصبحت وحيدة بعد موت اهلها؛ هربت من واقعها المرير لتتزوّج به.لم ترى السعادة يوما معه و حين انجبتايمن ظنّت انه سيملا حياتها و يعوّضها عمّا فقدته يوما و لكن سرعان ماتحطّم حلمها حين اخبرها زوجها بنيّته.. رفضت بقوّة و لكنه لم يابه بها و اذاقها الوانا من العذاب ليجبرها علىذلك..و كان يحرمها من الاكل في كثير من الاحيان حتى لا تجد في صدرها حليباترضع به وليدها. و حين اعيتها الحيلة فكّرت انها اذا وافقت زوجها ستنقد ايمن من براثينالضّياع و من حياة قاسية سيعيشها مع ابيه ؛ لهذا اخدته بيدها آملة ان يعيشغدا افضل.. و نشا ايمن في كنف اسرة جديدة ؛ لم تحرمه اي شيء ؛ و دلّلته كل الدلال لمتمنع عنه اي طلب يطلبه فاصبح مستهترا لا قيم له ولا مبادئء.. كان يخرج كلّ مساء ليقضي وقته مع رفقاء السوء بين شرب الخمر و مغازلةالنساء ؛ وفي طريقه يلاحظ شبح امراة يراقبه ؛ يمرّ عليها يرمي لها بعضالنقود او يستهزء بها و يسخر منها بقوله ( الن تشبعي ابدا..؟ الم تاخدي منيالبارحة ؟ )..يقهقه بصوت عال ثم يمضي و لم يدرك يوما ان هذه الميّتةالحيّة هي امّه . تعوّدت منذ صغره ان تحضر الى ذلك المكان اين تراقبه من بعيد و تملا عيناهابالنظر اليه ثم تعود الى بيتها لتعيش على ذكراه.. و لكنها ضاق صدرهابتصرّفاته الطائشة و خشيت عليه من نفسه.. و تعوّد هو مصاحبة فتاة سيّئة الخلق كل همّها ان تسلب اموال ضحاياها ؛فتقنعهم بحبّها و تعيش على الايقاع بهم في شباكها . و ظنّ نفسه الاوّل والاخير في حياتها..عشقها حتى النخاع ؛ ولم يعد يطيق صبرا على فراقها..اماهي فكانت تمضي اوقاتها بين احضان العشرات من الرجال توهم كل واحد فيهم انهسيّد قلبها.. و جاء يوم مشؤوم ؛ كانت نهى كعادتها ذاهبة الى نفس المكان الذي تعوّدت انتراقب ابنها فيه و اذا بها تراه يجرّ فتاة بكل قوّته و شرارة الغضب تتطايرمن عينيه..لقد اكتشف خيانة حبيبته الوهمية فلم يتمالك نفسه و اعماه الحقدعليها فقرّر قتلها انتقاما لكرامته..ركضت نهى باتجاهه علها تدركه و لكنه فيلمح البصر استلّ خنجرا و غرسه في صدر الفتاة ليتركها غريقة في دمها..وصرخت نهى فافاق من غيبوبته و ادرك ما فعل ( يا الهي ماذا فعلت ..؟ و كيففعلت هذا ..؟) اسرعت امه الحزينةاليه اخدت الخنجر من يديه و طلبت منه الاختفاء..كان ذهنه شاردا لم يفهم ماحدث انسحب من المكان الذي غصّ بالشرطة..و جرّت نهى مكبّلة بالاصفاد يلعنهااللاعنون و يسمعونها من الكلمات ما يسمّ بدنها و لكنها في قرارة نفسها كانتسعيدة لانها ضحّت من اجل فلذة كبدها.. عاد ايمن الى البيت و يداه مليئة بالدماء صادفته امه الاخرى فصرخت (ماهذا ؟ماذا فعلت ؟ ودماء من هذه ؟ ) لم يجبها ؛ تردّد بداخله سؤال واحد فقط ( منتكون ؟ ولماذا تضحي بنفسها من اجلي ؟ ) مرّت الليلة ؛ لم ينعم فيها براحة او هدوء تتقاذفه الافكار و الهواجس هنا وهناك بين ما فعله بحبيبته و بين امراة غريبة تستميت في حمايته.. و حين اصبح الصبح ؛ لم يبق في المدينة احد لم يسمع بقصة المراة القاتلةوعاد ابوه بالتبني مسرعا و العرق يتصبّب من جبينه لقد ادرك ان الدم على يدايمن كان دم القتيلة..دخل بسرعة البرق الى الغرفة صارخا به ( لماذا قتلتها ؟ومن تكون هذه المراة التي اتهمت ظلما ؟ ) لم يكن امام ايمن الا ان يخبر والديه بالحقيقة و بمراقبة هذه المراة له منذسنوات طويلة..و هنا صعقا و ادركا انها امه الحقيقية فقرّرا الذهاب الىالسجن للتاكد من الامر.. و حين وصلا وجدا امراة هزيلة الجسم ؛ شاحبة الوجه لم يبق على محيّاها دليلللحياة..اشففقا عليها مما هي فيه و لكنها بادرتهم بقولها..( ارجوكما عودالا تخبرا ابدا ابني من اكون..احسنا اليه و اعيدا تربيته من جديد ؛ لاتتركاه للضياع ؛ و لا تدعا ما فعلت يضيع هباءا فانا لم يعد في عمريبقيّة..لم يعد في عمري بقيّة..) زلزلت الارض تحت قدميهما و هما يران تضحية هذه المراة العظيمة و ادركا ساعتها انهما اخطآ في تربية ايمن و قرّراالبدء معه من جديد.. اما ايمن فلقد تغيّرت نظرته للحياة و اصبح اكثر اتّزانا و عقلانيّة تركوراءه رفقاء السوء ليصبح مديرا في مصنع والده ويتحمّل المسؤوليّة عن جدارة ولكنه ابدا لم ينسى تلك المراة المجهولة التي اعادت له حياته و ضحت مناجله.. و اختارت نهى طريقها باقتناع اذ ما نفع حياتها و ابنها خلف القضبان و قضت بقية عمرها تعيش على ذكرى الماضي و لا ترى الا وجه صغيرها.. نهى من آلاف البشر الذين نصادفهم يوميا ؛ نمرّ بجانبهم ولا نابه لهم و كلواحد يخفي بين حنايا قلبه قصة مؤثرة تذيب القلب و تذكي الاشجان..لم و لننفكّر ابدا في سؤالهم عن تضحياتهم و مواقفهم العظيمة . و انا اكتب هذه القصة لم يتبادر الى ذهني لحظة واحدة هذه النهاية المؤلمةولكني وجدت يدايا تخطّها بما املى لها قلبي فعذرا اذا احزنتك و لكن الحقيقةاحيانا مرّة أليمة للستفادة | | | | | :rose:.... | | | | |
التعديل الأخير تم بواسطة #MiMi ; 03-01-2013 الساعة 03:03 PM |