الهي اسالكك ان لا يقال في ما ليس في الحمد لله الذي شرف نوع الإنسان، بالأصغرين: القلب واللسان، وفضله على سائر الحيوان بنعمتي المنطق والبيان، ورجحه بالعقل الذي وزن به قضايا القياس في أحسن ميزان، فأقام على وحدانيته البرهان. أحمده حمداً يمدنا بمواد الإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي لا يحرك كنه ذاته بالحدود والرسوم ذوو الأذهان، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله المخصوص بالآيات البينات كل البيان، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، صلاة وسلاماً يحومان ما دام الملوان (1 ) ، ويبقيان في كل زمان وأوان. ( 1 ) المَلَوَانِ : اللَّيلُ والنهار ،
في صفة الصفوة :عن الربيع بن سليمان قال: قال قال لي الشافعي يا ربيع: رضا الناس غاية لا تدرك، فعليك بما يصلحك فالزمه فإنه لا سبيل إلى رضاهم. انتهى.
وهو كلام صحيح، فإنه لا يمكن لأحد أن ينال رضا جميع الناس، لذلك يجب الحرص على مرضاة الله وحده، وعدم التماس رضا الناس بما يسخطه، ففي الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ. وصححه الألباني.
وفي مناجاة موسى عليه السلام أنه قال: إلهي أسألك أن لا يقال في ما ليس في! فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى ذلك شيء ما فعلته لنفسي فكيف أفعله لك؟ وفي هذه السيرة عبرة لمن اعتبر وذكرى لمن تذكر، مع أنك إن التمست رضاء جميع الناس التمست ما لا يدرك، وكيف يدرك رضاء جميع المخلوقين؟ فيا أيها الملك الذي كتب الله عليه الفناء والعمر القصير والزمان اليسير والأيام المعدودة والأنفاس المحصورة، كيف أردت أن يصفو لك من الرعية ما لم يصف منهم لخالقهم ورازقهم ومحييهم ومميتهم؟ هيهات هيهات بعيد ما طلبت ومستحيل ما أملت! فلك في الله أسوة حسنة أن ترضى منهم ما رضي الله تعالى منهم، وتسير فيهم بسيرة ربهم فيهم، ألم تر كيف أحسن إليك ورضي منك باليسير من العمل، وأكثر لك من النعم والأموال والخول؟ وانظر كيف يستر زلاتك ويغفر هفواتك، ولا يفضحك في خلواتك، ففي هذا ما يمهد النفوس ويهذب ذوي العقول ويهدي إلى الصواب، ويوضح طريق الرشاد. ولله در عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لقد كان راغباً لما تلوته عليك، فإنه روى عنه أنه كتب إلى عمرو بن العاصي: كن لرعيتك كما تحب أن يكون لك أميرك! |