على سطح أحد المباني .. مركز المدينة ،
وقف ذلك الشاب أسود الشعر مسندا إحدى قدميه على حافة المبنى و يداه في جيوب معطفه الطويل ، تحركت عيناه الثلجيتا اللون تراقبان الطريق و السيارات التي تقطعه بانتباه ،
ضاقت عيونه حين وجد هدفه المطلوب متمثلا في شاحنة نقل بضائع مرت من أمامه و أخذت منعطفا جانبيا إلى اليسار ،
أخرج من جيبه هاتفا نقالا فضي اللون و ضغط على زر إعادة الإتصال ،
ثم تحدث بصوته ذي البحة الخاصة :
_الشاحنة تتجه نحوكم "تاك" فكونوا مستعدين ، أمامكم خمسة عشرة دقيقة فقط لتنفيذ الخطة !
سمع صاحبه يرد بحماس مرح كعادته :
_خمسة عشرة دقيقة أكثر من كافية "آندرو" .. أنت تعلم كم نتوق لمواجهة أخرى مع بيادق الحاكم خاصة "فالكون" !
ابتعد آندرو عن حافة المبنى قائلا بنبرة محذرة : _تاك .. تعرف أننا لا نحتاج مشاكل لذا أخبر فالكون مجددا ... لا اشتباكات ، خذوا حمولة الأدوية و حسب ، لا تنسوا لأجل من نقوم بذلك !!
وصله صوت متذمر من صاحبه قبل أن يقول :
_لك هذا آندرو ... من أجل الأطفال المرضى فحسب ... لا اشتباكات !
ابتسم آندرو وهو يقفز إلى سلم الطوارئ الحديدي :
_هذه هي الروح المطلوبة ، سأكون عندكم سريعا !
ثم أغلق الخط لينزل السلالم الحديدية كل درجتين معا ثم يقفز فوق دراجته النارية السوداء برشاقة ،
و ينطلق بها بسرعة عكس الطريق الذي سلكته تلك الشاحنة !
وقف ذلكما الشابين عند جسر المشاة الذي يمر فوق الشارع الرئيسي بارتفاع متوسط ،
و خلافا للعدد القليل من المارة هذا النهار و المنشغلين بوجهاتهم ،
كان الشابان المتباينا الحجم و العمر هنا بإنتظار هدف معين تنفيذا للخطة !
تاك ..الأصغر سنا و حجما.. تذمر مغلقا هاتفه المحمول من مكالمته الثانية بتنهيدة :
رمقه رفيقه بتساؤل ، و قد كان شابا ذا وجه سمح التقاسيم .. لولا الندبة على خده الأيسر التي تمنحه إيحاءا غير حقيقي بالخطر.
فأجابه تاك على سؤاله الغير معلن قائلا :
_ألا ترى معي يا "جون" أنني أكلف دائما بأسهل المهام و أبسطها ؟! أقول لك أن آندرو يستخف بقدراتي.
لم يكلف جون نفسه عناء تصحيح أو نفي ذلك له ، بينما واصل تاك يتذمر معدلا نظاراته الطبية أمام عينيه البنيتين :
_يستخف بي لكنه يجهل أن بوسعي أن أكون أفضل من فالكون حتى ، لو فقط احصل على الفرصة لذلك !!
لم يرد عليه جون بل ابتسم ابتسامة صغيرة كمن يجاري غضب طفل صغير ،
فرق السنوات العشر بينهما هو ما يسمح له أن يصغي إلى تذمر تاك بصبر دوما دون أن يشتكي !
و قد كان يعرف كما يعلم الجميع أن تاك بقامته النحيلة الغير رياضية .. يستحيل أن ينجح في مواجهة مباشرة لا ينفع فيها سلاحه الأفضل .. المكر !
فكر جون دون أن تحيد عيناه عن الطريق .. كلاهما ثنائي يكمل بعضهما بعضا في عصابة آندرو ،
فهو لا يستطيع النطق ، و تاك ... حسنا تاك لا يستطيع اللكم !!
لمح الشاحنة المطلوبة قادمة من بعيد فرفع يده مشيرا بحركة قطعت على تاك ثرثرته و جعلته ينتبه بتأهب و جدية نادرا ما يتحلى بهما !
وقف كلاهما عند حافة حاجز الجسر .. عيناهما على الشاحنة في إنتظار اقترابها و اللحظة المناسبة للقفز ،
اندفعت إلى منتصف الطريق فجأة دراجة نارية فضية اللون ، زينت مقدمتها بشعار لصقر مفرود الجناحين !
بعث صاحبها المجنون الفوضى في الطريق بتوقفه المفاجئ وسط الشارع ،
و الصخب ازداد حين بدأت الدراجة تدور حول نفسها في دائرة صغيرة بمنتصف الشارع .. معيقة كل السيارات دون أن تصدم أيا منها ،
صاح تاك بحماس عفوي مخاطبا الدراج المختفي خلف خوذته الداكنة اللون كما لو كان يسمعه :
منحه جون ابتسامة ساخرة يذكره فيها بما كان يقوله قبل لحظة ، ثم أشار له برأسه ينبهه إلى الشاحنة التي أبطأت من سرعتها و توجهت مرغمة إلى الشارع الذي يمر تحت الجسر حيث يقفان !
و دون تردد و بحركة واحدة ... كان الاثنان يقفزان من فوق السياج على سطح تلك الشاحنة ..
كانت الكونتيسة جالسة على مقعد فخم بنفسجي و ذهبي اللون ككل شيء في غرفة آنيتا ،
كانت تنظر بصدمة و عدم رضا إلى ابنة أخيها التي ارتدت ما أسمته "زيها للحفلة المنتظرة" مساء هذا اليوم ،
قالت الكونتيسة بصوت مرتجف :
_ما هذا آنيتا ؟! كيف تسمحين لنفسك بارتداء مثل هذه الأشياء ؟!!
دارت آنيتا حول نفسها سعيدة بنجاح انتقامها من عمتها و قالت بمكر :
_أليس جميلا عمتي ... إنه أحدث صيحة ؟!!
ثم ابتسمت ببراءة حين تحول وجه عمتها إلى اللون الأحمر من الغضب ،
قالت الكونتيسة وهي تشير لواحدة من الخادمتين الواقفتين أمامها بانتظار الأوامر :
_ماتيلدا اتصلي بـ"آندريه" و "لوسييه" ليأتيا في الحال ، أخبريهما أنها حالة طارئة !!
أرادت آنيتا أن تتكلم لكن عمتها أوقفتها هاتفة :
_و لا كلمة !!! لا أريد أن اسمع منك أي اعتراض ، هل هذا واضح ؟!
صمتت آنيتا على الفور حين رأت مدى عصبية عمتها ، لكنها لم تكن نادمة على هذا الموقف الذي أفتعلته !
تقدمت تحت نظرات عمتها الساخطة إلى المرآة و نظرت إلى نفسها و هي تضع يديها على خصرها بتذمر ،
كانت تعلم أن ما ارتدته لا يناسب الحفلات الراقية مطلقا ... لكنه مناسب لإغاظة الكونتيسة !
شعرها الجميل البنفسجي كان مربوطا بأعداد لا نهاية لها من الشرائط الملونة ،
صفراء .. حمراء .. خضراء .. زرقاء .. ألوان و ألوان جنونية !!!
كما كانت تلبس قميصا جلدي من دون أكمام يكشف جزءا من بطنها ، لونه كان أحمر صارخا !!!
و ارتدت جينزا أسود ضيقا و حذاءا جلديا لامعا ... لا شيء كان نبيلا أو راقيا في مظهرها هذا !!!
جلست أمام عمتها بصمت ، و لم تمضي عشرون دقيقة حتى حضر المدعوان آندريه و لوسييه.
أوضحت لهما الكونتيسة أن الليدي ابنة أخيها تحتاج مظهرا ملائما لحضور حفلة فخمة هذا المساء و على وجه السرعة ،
و كاد الاثنان يصابان بسكتة قلبية للهيئة الغير لائقة التي بدت عليها الليدي !!!
تقدم الأول .. آندريه و قد كان مصمم أزياء فرنسيا نحو آنيتا ، قال :
التقط كفها برقي بالغ .. و ساعدها على النهوض من الكرسي لتقف في منتصف الحجرة ،
ثم دار حولها يدرس منظرها باهتمام قبل أن يقول بلكنته الفرنسية التي بدت مضحكة لآنيتا :
_أعتقد أنني أملك ما يناسب المدموزيل ، أنتظري فحسب سيدتي الكونتيسة ... ستبهرين !!
ثم جاء دور الآخر .. لوسييه ليحوم حولها ،
أخذ خصلة من شعرها بين أصابعه و قد كان خبير تصفيف ، ثم قال :
_سيلزمنا عمل شاق سيدتي ... لكنني سأحول هذا الحرير إلى تحفة فنية !
كانت آنيتا مغتاظة بشدة و تشعر و كأنها دمية يلهو بها هذان الاحمقان بالإضافة إلى عمتها ،
لكن الشيء الوحيد الذي منعها من الصياح بغضب كما تتمنى كان تهديد عمتها لها بتنفيذ مسألة الزواج إن لم تتعاون معها !!
و بعد عمل دام ثلاث ساعات انتهى الأمر بأن ظهرت آنيتا بهيئة مختلفة تماما ،
عمتها و حتى الخدم كانوا منبهرين جدا .. أما آندريه و لوسييه فقد كانا يبتسمان بثقة و غرور لنتيجة عملهما !
آنيتا كانت بغاية الاناقة و تبدو كالأميرات ، بفستان أسود بحمالات و زخارف من الفضة الرفيعة ،
كان ضيقا حول خصرها الرشيق و واسعا من الأسفل ... يصل حتى ركبتيها ،
تظهر من تحته ساقاها البيضاوتان الجميلتان و هما تنتهيان بحذاء فضي مرتفع الكعب !
شعرها الطويل كان مرفوعا إلى الاعلى بتسريحة معقدة انيقة .. جعلتها تظهر لأول مرة كلليدي ريتشارد بالفعل !!
ابتسمت آنيتا لنظرات عمتها التي عكست المحبة الخالصة في هذه اللحظة ،
دون أن تعلم أن سبب هذه العاطفة المفاجئة التي ارتسمت على وجهها .... هو تأثرها بمظهر آنيتا الذي بدا تماما ك"العروس الفاتنة" التي ستكونها هذه الليلة !!