الموضوع
:
رواية الواحة - روزميري كارتر - روايات قلوب عبير القديمة
عرض مشاركة واحدة
#
5
03-16-2013, 01:33 AM
قلب الياقوت
البارت الثاني
2- بعد ان نجحت في الذهاب الى الصحراء ، بقي على كوري أن تتعامل الان مع عشرة رجال مختلفي الأمزجة ، وبعضهم ، كقائد البعثة فريزر ملوري مثلا ، لا يطيق النساء !
تجمع فريق العمل في ميوفونتين بعد ثلاثة أسابيع بالضبط ، كان الفريق يضم عشرة رجال ، قدّم فريزر كل واحد منهم الى الاخر باسلوب لا اثر فيه للرسميات ، سبق لبعضهم أن إلتقى بالآخرين في رحلات مماثلة ، أو في مؤتمرات تتعلق بإختصاصهم ، ولم يكن ذلك مستغربا ، إذ ان العلماء والمهندسين والجيولوجيين يعيشون في عالم خاص بهم.
إحتفظت كوري بالصمت أثناء وجبة الغداء المبكرة، والأحاديث التي أعقبتها بهدوء حذر ، مكتفية بكلمات مقتضبة ردا على أي سؤال يوجه اليها ، وقررت أن عدم لفت الإنتباه اليها هو أفضل سبيل لنجاح خطتها ، إقترب منها أحد العلماء ، وبادرها بالحديث ،ودار حوار متقطع ، لم يتطرقا أثناءه الى الرحلة إلا بشكل عابر ، كان إسم العالم مارك ، عذب العبارات ، لطيفها ، تعلو وجهه مسحة من الجدية ، فإطمأنت كوري الى شخصيته ودماثته ، ولكنها لم تدع نفسها تسترسل في الحديث والتعرف الى اموره الخاصة أكثر ، وذلك كعادتها عندما تستلطف أحد الأشخاص.
لم يكن مضى على وجودها في صحبة هؤلاء الرجال وقت طويل ، وأدركت لتوها ان عليها الإحتراس الدائم والتنبه الى كل كلمة تقولها ، أو أية حركة تقوم بها ، وهي التي ستصرف معهم أكثر من شهر ، إنها رجل يتحرك في محيط محفوف بالمخاطر ، محيط الرجال.
منتديات ليلاس
ولا بد لها من مضاعفة إحتراسها في تعاملها مع فريزر ملوري ، لاحظت قوة إدراكه الخارقة التي لا تبارحه ، واية إشارة أو حركة خاطئة توحي بأنوثتها ، ستثير شكوكه وتقضي عليها ، وهو حتى الان لم يكشف الا جانبا واحدا من شخصيته ، ولم تكن كوري بحاجة الى إدراك تلك الجوانب الأخرى المتّسمة بالعناد والتسلط والصلابة ، إنه رجل صعب المراس ليس من السهل خداعه أو التمرد عليه.
كان مارك مسترسلا في الحديث عندما ألقت كوري نظرة عابرة على فريزر ، رأته يقف وسط المجموعة ، حيث بادر أحدهم بسؤاله عن موضوع معين وإلتف الجميع حوله يستمعون الى جوابه بآذان صاغية ، لم تسمع الكلمات التي تلفّظ بها ، لكن صدى صوته تردد في أعماقها واثقا دقيقا ودودا واسع الإطلاع.
وبدا لها أكثر طولا مما كانت تظن ، أكثر طولا من الآخرين ، ولم يفتها أن كثيرين لا تنقصهم الوسامة ، أو الحذاقة ، او الشهرة في مجالاتهم المتعددة ، وأن معظمهم أسمر البشرة مفتول العضلات مما يدل على قضاء بعض أوقاتهم في العراء ، لكن فريزر شخص مميز ، وفكرت كوري ان أي عابر سبيل لن يتردد في إعتباره قائد فريق العمل ، واحست بإعتزاز وهي تغرق في أفكارها هذه .
إن الطائرة التي ستقلهم في المرحلة الأولى من الرحلة تربض في مهبط قريب اما القبطان فكان فريزر نفسه ، وإزداد إحترام كوري له عندما اقلعت الطائرة بدون عناء ، وكشف هذا الرجل عن مهارة جديدة يحترفها بإتقان.
جلست كوري قرب النافذة ، وبدات الطائرة تتوغل في إتجاه الشمال ، وهي تحاول سلخ نظرها عن هذا الرجل الجذاب الذي ملك حواسها ، مركزة نظرها على الأفق البعيد ، والمساحات القاحلة المترامية.
كان مارك يجلس بجانبها ، يتصفح مجلة تقنية ، تماما مثل بقية زملائه ، لم تكن كوري في مزاج يتيح لها المطالعة ، إنها تجد لذة خاصة في تحليق الطائرة ، وخالت ان القبطان تحوز عليه مشاعر مماثلة ، السرعة والقوة والإندماج بالفضاء ، مسائل اليفة لديها .
تنبهت الى إنهماكها بفريزر ملوري في حين يتوجب عليها التفكير في الأيام المقبلة ، وأهمية المحافظة على قناعها المسرحي ن الويل لها إذا إكتشف ملوري هويتها الحقيقية ، ناهيك عن الغضب الذي سينتاب الرجال الآخرين ، وهم يرون إمرأة عادية تقتحم عالمهم الخاص ، حتى والدها لن يظهر تفهما معقولا لوضعها الشاذ.
لم تبحث خطتها مع والدها – إذ كان سيحاول منعها من تنفيذها ، لم يعرف اكثر من رغبتها في قضاء إجازة قصيرة بعد قطع علاقتها مع أريك هوغن ، ولذلك لن يقلق عليها كثيرا ، وسيرحب بها فور عودها ، وسيطير من الغبطة عند رؤيته صور رسوم الحيوانات الصخرية ، ويتناسى إنزعاجه من إطلاعه على الحقيقة.
أخذت المناظر الطبيعية تتبدل والطائرة تتوغل مخترقة الفضاء ، إنحسرت الأراضي الزراعية ، وبرزت مساحات خالية من الأشجار ، ذات تربة حمراء تتوهج في حرارة الشمس الساطعة ، إنهم يدخلون الصحراء الآن لا محالة ، شعرت كوري بإنكماش في معدتها ، وألقت نظرة سريعة على القبطان ، ثم اشاحت بعينيها صوب النافذة.
وما هي إلا لحظات معدودة حتى كانت الطائرة تهم بالهبوط ، ترجل الجميع وسط بقعة معزولة ، وتوجهوا الى كوخ صغير ذي حيطان طينية بيضاء وسقف من الفولاذ المضلّع ، ولمحت ثلاث سيارات جيب تنتظر على مسافة قريبة ، حيث توجه فريزر نحوها ، ودخل في حوار ودي مع احد العمال.
وضعوا كل المعدات والأمتعة والحقائب في السيارات ، ورأت فريزر في المقدمة وراء المقود ، فإختارت السيارة الثانية ، لا يجوز الإقتراب منه كثيرا لئلا يفتضح امرها ، خاصة وانه رجل حاذق ، وهي تتصبب عرقا كلما قابلته وجها لوجه.
راحت السيارات تشق طريقها في وسط الهشيم والغبار ، والحر اللاذع ، وهي لا تزال عاجزة عن طرد شبح فريزر من ذهنها ، إنه يختلف عن كل الرجال الذين تعرفت اليهم حتى الان ، فكرت بصديقها السابق أريك ، بثيابه الأنيقة وتصرفاته المتقنة ، وعبر خيالها شريط الممثلين والمخرجين والمصورين الذين إختلطت بهم ، وتمتعت بصحبتهم حتى الأمس القريب ، إن فريزر بخشونته ، ورجولته الفظة ، يبدو شخصا غريبا ضمن هذه الأجواء التي عايشتها ، لا يمكن ان تقبل به كشخص تقيم معه علاقة ما خارج العلاقة الحالية ، ومع ذلك وجدت إبهارها به لغزا محيرا.
قلب الياقوت
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى قلب الياقوت
البحث عن المشاركات التي كتبها قلب الياقوت