البارت الرابع
4- بعد أن إنفضحت اللعبة ، أحست كوري أن عليها الفرار من هذا المكان ، ولكن فريزر قال لها : " فات أوان العودة الآن ، لقد توغلنا كثيرا في الصحراء".
وقالت بصوت هامس:
" إسمي كوري".
" إسم عائلتك ؟ اريد أسم العائلة".
وإستطاعت لفظ إسم العائلة بشق النفس.
" لا تيمر ".
جحظت عيناه ، خالته متوتر الأعصاب ، كان صدمة عنيفة أصابته ثم علت وجهه إبتسامة هادئة ، واعلن بصرامة :
" إبنة جون لاتيمر ، والدك خطط كل ذلك ، يا للغرابة ، اذكر أنه شيطان خبيث ، ولكن لم اتوقع خدعة كهذه.
وإنفجرت كوري :
" لا ، والدي لا علاقة له".
ورد فريزر بإشمئزاز :
" إذن ما هذه المسرحية؟ .... اليست خدعة؟".
إعترفت كوري:
" نعم إنها خدعة ، ولكنك تظلم والدي بدون مبررر ".
" انا .... أظلمه؟".
" نعم ( أكدت له كوري ) إنها خطتي وحدي ، ولا علاقة لأي شخص بها".
" ان والدك يريد الحصول على صور الحيوانات الصخرية.... تلك الحيوانات اللعينة التي لم يتاكد من وجودها حتى الان".
كان فريزر ثاقب البصيرة ، متقد الذكاء ، وأدرك في ثوان معدودة هدفها من إنضمامها الى الرحلة ، ولم تجد كوري مهربا من الموافقة على رايه ، فصاح بها:
" إذن لماذا لم يأت هو بنفسه؟".
عضت كوري على شفتيها مستجمعة شجاعتها :
" لأنك كنت سترفضه وتخيّب آماله ، اليس كذلك؟".
واجاب متملصا من إبداء راي قاطع :
" ليست المسالة بهذه البساطة ، كان بإستطاعته إخباري".
إستردت كامل ثقتها وهي تؤكد له:
" كلا ، إن والدتي معتل الصحة ، ولم يعد قادرا على تحمل حياة الصحراء".
لم تثر كلماتها أي تعاطف مع وضعها ، بل إزداد فريزر ملوري حدة:
" إذن قرّر أن تحلّي محله".
" لا ، قلت لك أن القرار قراري أنا".
" قرارك الذي وافق عليه بحرارة".
وتشبثت كوري برايها :
" على العكس من ذلك ، إن والدي لم يعرف شيئا عن الموضوع".
خيّمت لحظة من الصمت ، كان فريزر يدرس وجهها بتململ وتساؤل ، وخالت كوري ان هذا الرجل العنيد يمسك مصيرها بين يديه ، وقرأت في ملامحه علامات الشك والإرتياب في كل كلمة تفوهت بها ، وسمعته يقول:
" إنك نادرا ما تلتقين بوالدك ، ولذلك يمكنك الإختفاء من دون ان يدري اين انت؟".
تلقّت كوري الطعنة بأنف شامخ:
كنت أعرف انك رجل متحجر القلب ، متغطرس ، عديم الرحمة ، لكن فاتني انك ايضا رجل خسيس وضيع".
وزم شفتيه:
" خسيس؟".
" ما معنى هذا الغمز واللمز إذن ؟ إن علاقتي بوالدي علاقة وثيقة ، وكلها حب وحنان ، والدي يعتقد انني أقضي إجازتي السنوية ولا يتوقع عودتي قبل بضعة اسابيع".
" الم يخامره الشك حول نواياك الحقيقية؟".
ذكّرها السؤال بآخر لقاء لها مع اريك ، وكل التعاسة التي تخللته ، أحست بإنقباض ، فإبتعدت عن فريزر قائلة:
" والدي فهم حاجتي الى قضاء بعض الوقت وحيدة".
وتمنت في اعماق نفسها لو يخلي فريزر سبيلها ، ويدعها وشانها ، لو يتوقف عن إستجوابها وينهي عذابها وقلقها ، وهي تحس بتلك القوة الخفية التي ما زالت تشدها اليه.
منتديات ليلاس
لم تلمح اليد التي إمتدت صوبها ، طوّق عنقها بأصابعه الطويلة ، فكاد وجهها يصطدم بوجهه وهو يجبرها على النظر اليه ، خفق قلبها في قفص صدرها كعصفور وجل ، وخاطبها بلهجة هادئة مختلفة:
" بذلت جهودا كبيرة للإنضمام الى هذه الرحلة، هل تعني لك الشيء الكثير؟".
حاولت التملص من قبضته دون جدوى ، أحست بوخز غريب في وجنتيها وعنقها ، وظل يراقبها بدقة ، ترى هل يدري مدى تاثير شخصيته عليها ؟ نعم ، إنه يعرف كل شيء ، وهو يجد متعة في ذلك ، كان حلقها جافا ، فوجدت صعوبة قصوى وهي تتابع الحديث:
" هل لك معرفة بأبحاث والدي العلمية ؟ لقد وضع كتابا حول شعوب افريقيا القديمة ، وهو يتوق للحصول على صور الرسوم الصخرية منذ فترة طويلة".
سحب فريزر يده:
" إن لديه صورا اخرى".
اقرّت بهدوء:
" هذا صحيح ، ولكنه يريد هذه الصور مهما كلّف الأمر".
أجاب فريزر بصوت يخالطه الغضب والإعجاب الدفين :
" يا له من كهل عنيد".
وظنت أن التفاهم معه بات محتملا:
" هكذا تفضّل ان تراه ، ظل والدي يحلم بالرسوم سنوات وسنوات ، وهو يعرف انها هناك ، يؤمن أنها موجودة ، ولو كان اصلب عودا لخرج الى الصحراء منذ زمن طويل ، ولكن ليس في الأمر حيلة ولهذا السبب قمت بالمهمة نيابة عنه لو كان لديك حلم يا فريزر ، ألا ...".
ولم تكمل عبارتها ،، مدركة أن عواطفها إستبدت بها ، لاحت في ذهنها صورة عجوز خائر القوى ، ستمر على قيد الحياة لتحقيق حلم واحد ، والى جانبها رجل شاب بلحمه ودمه إفترضت أنه سيقدر معنى هذا الحلم ، ولكنه خيب أمالها ، لم تحركه كلماتها المتوقدة عاطفة ، بل أن بريق عينيه يروي لها قصة أخرى ، إن الموقف يزداد سوءا مع كل كلمة تنطق بها.
قالت وهي تنفجر غيظا:
أنت لا تفقه شيئا ، أو انك تتظاهر بالغباء".
ومضت عيناه ، وطاف شبح إبتسامة فوق شفتيه:
" أنا افهمك تماما ، ولكن أعتقد ان والدك سيكون في وضع أفضل لو رزقه الله إبنا عوض هذه الإبنة ".
فتطاير الشرر من عينيها:
" إذن والدي على حق ، أنت تحتقر النساء ، إنك تكرهنا ".
ضحك قائلا:
" أكرهكن ؟!! انا لا أكره النساء يا عزيزتي ، إنني اتمتع بصحبتهن كثيرا في بعض الحيان ( ونظر نظرة ذات مغزى ) أما من حيث إحتقارهن ، أكتفي بالقول أنني حتى الان لم أجد إمرأة تحوز على إحترامي".
حدقت فيه كوري لحظة صامتة ، إجتاحتها رغبة عارمة لأثبات مدى خطأه ، قالت بصوت مرتفع:
" واضح، إذن ، إنك كنت سترفضني لو عرفت انني إمرأة ".
ورد ببرودة تامة:
" طبعا ، ولهذا السبب إنتحلت شخصية رجل".
تنهدت بعمق ، إنه رجل صعب المراس ، يرد على كل تهمة ، ومهما كانت محقة ، بإعتداد وهدوء ، حاولت ثانية:
" أنت تعتبر النساء ناقصات العقول".
" أنا لم اقل ذلك".
سمعته يكبت ضحكة خافتة ، إن جوابه واضح ، لا يحتاج الى تفسير ، فرغت جعبتها من العبارات الملائمة ، لم تعد تفكر إلا في الإبتعاد عنه والإنضمام الى الآخرين.
همّت بفتح باب السيارة ، لكنه سارع الى جذبها نحوه ، وشعرت بيديه الكبيرتين تطوفان فوقها وكاد يسحقها بجسمه الثقيل ، راحت تقاومه بكل ما تملك من قوة ، لا لن تدعه يعبث بها مهما بلغ إعجابها به ، إنه يحاول إذلالها وتحطيم كبريائها ، فلتدافع عن نفسها ، وتلقّنه درسا لن ينساه.
وأخيرا أطلق سراحها ، ودفعها بعيدا عنه بحركة مفاجئة ، فرفعت يدها ولطمته على وجهه بعنف ، جاءت صفعتها تعبيرا عن حنقها لاسلوبه في معاملتها ، وإنتقاما من نفسها لإعجابها به في المقام الأول ، وقال يؤنبها :
" إياك أن ترتكبي هذه الحماقة مرة ثانية ".
وصرخت في وجهه:
" كيف تسوغ لك نفسك إهانتي ؟ يا للجسارة !".
وهدّدها :
" إن جسارتي تسوغ لي كل شيء ، وإياك ان تنسي ذلك ، والآن تعرفين دور النساء الوحيد في حياتي".
أحست كوري بالغثيان في داخلها ، ولكن ماذا تفعل في هذه اللحظة؟ عليها الفرار من هذا المكان ، بعيدا عن هذا الرجل الذي لا يعرف حدا للإذلال والإهانة ، لم تعد تفكر في الرحلة ، أو الرسوم الصخرية ، ولا باحلام والدها ، كل ما تتمناه هو الفرار ، وإنقاذ نفسها ، وتمكنت بعد لحظات من التفوه بسؤالها:
" هل تدلني على طريق العودة؟".
أجابها بلهجة جافة:
" فات أوان العودة الان".
حملقت في وجهه ، وهي تدرك معنى كلماته:
" فات الأوان؟ ولكن... أعني ... إنك ستدعني امضي في سبيلي الان".
فإبتسم بخبث:
" يستحيل علي ذلك ، لقد توغلنا كثيرا في الصحراء ، ولو كان هناك مهبط طائرات قريب من هنا لوضعتك في أول طائرة".
إستفسرت بصوت مضطرب:
" تعني المهبط الذي حطت فيه الطائرة التي اقلتنا الى هنا؟".
فنظر اليها بإشمئزاز :
" إبتعدنا كثيرا عن تلك البقعة ، إننا نحسب مسافة كل يوم نقطعها ، ولكن لا أتوقع منك إدراك كل هذا ، علينا القيام بأمور عديدة إستعدادا لتقلبات الطقس يا كوري ، ولن أسمح لنزوات إمرأة طائشة بإفساد برنامجي".
سألته والغصة تعض حلقها:
تعني.... تعني أنك تريدني ان أستمر في عملي؟".
إلتوت شفتاه تأففا:
" أريدك! أنا لا اريد وجودك البتة ، ولكن لم يعد أمامي خيار".
كان الإحتقار يفوح من ملامحه ... إحتقار الغرور والإعتداد بالنفس... لم يكن فريزر ملوري راضيا عن الوضع أكثر من كوري ، ولكنه وجدها فرصة سانحة للتمتع بمنظر تخضع لظرف قاهر غصبا عنها ، وكرهته كوري في تلك اللحظة كما لم تكره أحدا من قبل.
خاطبته بصوت منخفض:
لن اذهب معك، افضل ان اعود أدراجي ، إن مهبط الطائرات لا يبعد كثيرا".
فرفع حاجبيه بإستهزاء:
" تعودين بدون ماء الشرب؟ لا تتوقعي ان نمنّ عليك بقطرة ماء واحدة يا عزيزتي ، مع ذلك ، أنت حرة ، إذا كنت تريدين العودة سيرا على الأقدام ، فعلى الرحب والسعة".
أدركت كوري أنها لن تستطيع السير أكثر من ساعات قليلة في هذه الأرض الحارة الجافة ، وستخور قواها ، وستصبح فريسة سهلة للحيوانات الشرسة ، وسألته بكآبة:
" إذا وافقت على البقاء ، هل تضمن لي إستمراري في عملي؟".
قال بلهجة جازمة:
" أضمن لك ذلك ، إستأجرتك كمصورة ، وهذا ما ستقومين به ، لا مانع لديّ شخصيا ، ولكن الآخرين سينظرون اليك نظرة مختلفة الان".
قالت كوري بثقة غير مقنعة:
" أستطيع تدبر امري ، ولا أعتقد أنني ساتعرض للاذى وسط مجموعة من العلماء ذوي اخلاق عالية ".
سألها بخفة:
" وماذا عن بويد؟".
" إنه فظ وجلف ولا يرتاح الى وجودي ، وعلى الأقل هذه كانت مشاعره عندما ظن أنني مجرد ولد".
" وتظنين ان مسلكه سيتغير بعد أن يعرف أنك فتاة؟".
أجابت كوري بحزم:
" طبعا ، كان عداؤه نتيجة عدم تمتعي برجولة كافية ، وسيبتهج الان بصواب رايه".
قال فريزر ملوري بنعومة:
" لا أظن أنك ساذجة الى هذا الحد ، انصحك بالإبتعاد عن بويد".
سألته كوري بوقاحة:
" تعني أنك تقلق علي؟".
ونظر اليها بعينين جامدتين كالجليد:
" على العكس ، أنت تتحملين مسؤولية أعمالك ، انا لا يهمني إلا راحة رجالي ، ولا اسمح عادة للنساء بالإنضمام الى رحلات كهذه( وتابع مشددا على كل كلمة ) إن معاملتنا لك ستظل كما كانت ، فلا تحسبي أن أنوثتك تؤهلك لإمتيازات خاصة".
" أنا لم اتوقع إمتيازات خاصة ".
قررت كوري أنها حلّت كل الإشكالات ، وبدات بفتح الباب ، فسمعته يحذرها مرة أخرى:
" دعي رجالي وشأنهم ! إن اية مشكلة تثيرينها بأسلوب النساء المعروف ، ستضطرني لجلدك جلدا موجعا".
وبعينين يتطاير منهما الشرر ردت كوري:
" أنك ستجد متعة في جلدي ، تماما كما إستمتعت بإبراز عضلاتك أمامي ، أليس كذلك؟".
ووافق بهدوء:
" بالضبط ، يسعدني أننا نفهم بعضنا الآن ".
ساد المخيم جوجديد تلك الليلة ، لاحظت كوري هذا الإختلاف منذ ان ترجلت من سيارة الجيب بعد حديثها الطويل مع فريزر ، تبدلت نظراتهم ، وتغيرت أصواتهم ، فكرت كوري ان الرجال اصيبوا بصدمة مفاجئة وهم يكتشفون هويتها على هذا النحو .
إعتقدت أن الأمور ستعود الى مجراها الطبيعي بعد مرور ساعات قليلة ، ما أن تغيب الشمس ويباشرون بشيّ اللحوم فوق ألسنة اللهب حتى تكون قصتها الغريبة في خبر كان.
كم كانت مخطئة ، إزدادت قصتها مع مرور الوقت غرابة وحدّة ، ظل الرجال يتصرفون ظاهريا بأسلوب متّزن وودي ، لكن لم يفتها التحفظ وبعض التكتم ، بعد أن كانوا يطلقون العنان لألسنتهم ، ويتندرون بشتى النكت البذيئة لا يقيّدهم وجود أنثى تعكر صفو أحاديثهم .
لم تعد تبدر عن أي منهم كلمة نابية أو إشارة جارحة ، حملوا اليها طعامها ، وكل ما تحتاج اليه لتناول وجبتها ، ثم تركوها بمفردها وكانها لا تنتمي الى عالمهم.
إنها سحابة صيف عابرة ، خاطبت نفسها ، ما زالوا يعانون من الصدمة ، ويصعب عليهم التكيف معها ، ولا بد لهم أن يتجاوزوا ردة فعلهم الأولى ،
لم تعد تبدر عن أي واحد منهم كلمة نابية أو إشارة جارحة ، حملوا اليها طعامها ، وكل ما تحتاج اليه لتناول وجبتها ، ثم تركوها بمفردها وكأنها لا تنتمي الى عالمهم.
إنها سحابة صيف عابرة ، خاطبت نفسها ، ما زالوا يعانون من الصدمة ، ويصعب عليهم التكيف معها ، ولا بد لهم أن يتجاوزوا ردة فعلهم الأولى ، ويصبح وجودها مسألة طبيعية ، كم ستكون حياتها حرجة وموحشة إذا رفض الرجال قبولها كواحد منهم ؟ تمنت ان يكون صباح الغد التالي عاديا ، وتمر الأزمة بسلامة ، لكنها كانت بالغة التفاؤل.
وحده فريزر ملوري ظل كما هو ، وكان شيئا لم يكن ، ظل يخاطبها بلهجته المعتادة ، مثبتا لها ان آراءه وتصرفاته لا تؤثر فيها انثى خبيثة.
إنها في ورطة حقيقية ، إمرأة وحيدة وسط مجموعة من الرجال في صحراء نائية ، إلتحقت بالرحلة للإبتعاد عن تعقيدات العلاقات العاطفية ، ولا ترغب في تقييد حياتها ثانية ، إن فريزر ملوري لا يدرك مدى تصميمها على التمسك بحريتها ، وحتى مارك مع إعجابها به ، لن تتعجل في التورط معه.
وإرتسمت صورة فريزر في مخيلتها ، بوجهه الأسمر وملامحه الخشنة ، وبكل سطوته وقوة رجولته ، وفجاة سرت في جسمها قشعريرة غريبة ، فكادت تنفجر غيظا ، وإزدادت إلتصاقا بموقد النار.
" هل تشعرين بالبرد؟".
إستدارت كوري ، وصوت مارك يرن في أذنيها ، إبتسمت :
" قليلا".
" يجب أن تلتفّي بسترة الصوف".
" اعرف ، سامضي وأجلبها ".
" لا حاجة لذلك ، خذي سترتي".
وقبل ان تبدي أي إعتراضها ، كان مارك يلف كتفيها بسترة صوفية سميكة ، قالت محتجة:
" لا تتعب نفسك ، من السهل علي جلب سترتي من الخيمة".
ورد بصوت بالغ العذوبة:
" اريدك ان ترتديها".
فكرت كوري قليلا ، قررت عدم المضي في الإعتراض ، إن مارك صديقها الوحيد في المخيم ، لم تشأ جرح مشاعره ، فقالت ممازحة :
" هل كنت تعرض عليّ سترتك ليلة امس؟".
سمعته يشرح بصوت مداعب:
" ليلة أمس كنت كولن ، كنت فتى لطيفا ، ولكن هذا كل شيء ( تابع بجدية) هل صحيح ما قاله لنا فريزر يا كوري؟ انك أتيت للحصول على بعض الصور لوالدك ؟".
" نعم ، هل تدينني من أجل ذلك ؟".
وأجاب بصوت اجش:
" أدينك؟ لا يمكنني إدانتك لأي سبب ( وإنحنى يحضن يدها بين كفيه ) أعتقد انك اشجع فتاة عرفتها ، واشدهن جمالا ".
كان عمل كوري قد اتاح لها الإحتكاك بعدد من الرجال ذوي المسلك الراقي والمظهر الانيق ، ولم يكن اريك اول رجل صادفته ، ولكنه صدف ان حاز على إهتمامها اكثر من الآخرين ، وطالما تغزل بها الرجال ، وتغنوا بجمالها ، ومع ذلك وجدت هذه الكلمات البسيطة التي نطق بها عالم في قلب صحراء افريقية ، أعذب وأرق ما سمعته .
وصوت رقيق دافىء قالت:
" لماذا يا مارك ؟ ما أعذب كلماتك".
" وما هي الكلمات المعسولة التي يهمس بها صاحبنا مارك في اذن سيدة؟".
لم يشعرا ببويد وهو يقترب منهما ، أحست كوري بإشمئزاز وهو ينحني مقرفصا بجانبها ، وخاطبته محاولة تجاهل عبارته:
" مرحبا يا بويد ، كنت ومارك نتبادل أطراف الحديث".
وقال بلهجة مبطنة :
" اعرف ، وأحاديث حميمة على ما يبدو، ما رأيك بنزهة قصيرة يا ملاكي؟".
احست كوري بمارك يحبس انفاسه ترقبا ، فقالت بتمهل:
" لا ، شكرا، تبا للكسل ".
وإزداد بويد وقاحة:
" يا للكسل ! لا باس ، يمكننا التوجه الى الخيمة ".
وصاح مارك بحدة وغضب:
" إخرس يا بويد ، كيف تجرؤ على مخاطبة كوري بهذه اللهجة؟".
قهقه بويد بفظاظة:
" لا تحتد كثيرا يا عزيزي! إن كوري فتاة ناضجة ، وتعرف كيف تتصرف ، ما رايك يا ملاكي الطاهر؟".
إذن لم يطرا أي تغيير على بويد ، فكرت كوري ، لم تصدق فريزر عندما حذّرها منه ، وارادت ان تكلمه ، وتشرح له عدم رغبتها في التورط معه ، ولكن مارك سبقها بقوله:
" لن اسمح لك بمخاطبة إمرأة محترمة بهذا الأسلوب".
وضحك بويد:
" إمرأة محترمة؟ ما هذا الهراء يا مارك؟ إنها إمرأة لعوب تحب أن يشاطرها الرجال خيمتها".
فقد مارك أعصابه:
" إنني أحذرك ، دعها وشانها".
" وماذا ستفعل إذا عصيت أوامرك؟".
وضعت كوري يدها على ذراع مارك تتوسل اليه ليخفف حدة غضبه ، وقد خافت عليه من بويد وقبضته الحديدية.
وانقذ الموقف صوت فريزر وهو يصيح:
" كوري ، بيتر أعد لك طبقا شهيا ، هيا الى هنا".
رفعت بصرها ونظرت اليه ، لم تلمح تعابيره في الظلام ، ولكنها تبينت شموخ رأسه المتغطرس ، وقررت كوري أن فريزر تعمّد التدخل في هذه اللحظة ، ويجب عليها وضع حد لهذه العجرفة ، فأجابت:
" اشكر بيتر عني ، لست جائعة الآن ".
هز فريزر رأسه علامة السخرية ، ثم خاطب بويد:
"هل تسمح بكلمة معك على حدة ؟".
رد بويد بشراسة:
هل تحاول فض المشكلة؟".
" لا أبدا ، اريد مناقشة بعض الشؤون المتعلقة ببحثنا العلمي ( وتابع مؤكدا سلطته )، بويد... اريد أن اراك ".
وهرول بويد وراءه ، لا يلوي على شيء.
إعتذر مارك لكوري من فظاظة بويد ، فقالت:
" لا تهتم، أستطيع تدبر أمري".
وتوجها الى المخيم حيث تحلق الآخرون ينشدون اغنية مسلية. |