عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 03-16-2013, 01:45 AM
 
6- لمحت في وجه فريزر جمودا رهيبا ، كانت عيناه مسمّرتين على يدها وهي تلامس ذراع مارك ، اساء فهم دوافعها ، ومع ذلك ، شعرت بغبطة خفية.

سألته كوري بفارغ صبر:
" اين سأنام الليلة؟".
" ستنامين هنا".
وصرخت بحدة:
" إذن أنت تنام مع الآخرين".
رد فريزر باسلوبه المعتاد:
" لا ابدا ، لقد أوضحت موقفي ، ولكن إطمئني ، إنك في أيد أمينة ".
تكوّمت كوري في الزاوية ، وتلحفت بما توفر من الأغطية والبطانيات ، وتظاهرت بالنوم ، لن تخلع ثيابها قبل أن تتأكد من غرقه هو الآخر في نوم عميق.
ظل فريزر صامتا ، ثم سمعته يتنقل في الخيمة ، فخالته يستعد للنوم ، كانت قد أدارت ظهرها متحاشية النظر اليه أو رؤية وجهه المتعجرف وملامحه القاسية ، إنها لحظات مؤلمة ، تمزق قلبها المعذب ، وتقتل كل شعور بالصداقة والإخلاص في النفس البشرية.
تاكد لها ان فريزر لا يعاني من أي عذاب أو صراع ماثل ، أخذ يصفر الحانا مختلفة وهو يطوف في الخيمة ، وكأن كل شيء على ما يرام.
توقعت ان يبادر الى التمني لها( بليلة سعيدة) أو ( اراك في الغد إن شاء الله) ولكن توقعاتها ذهبت سدى.
ما هي إلا لحظات حتى اخذت تشف أذنيها بشخيره البطيء الثقيل يملأ ظلام الخيمة ،غرق في نوم عميق ، تاركا إياها مسهدة كأنها تستلقي على فراش من الشوك والجمر ، وبدأت تكشف في قلب تلك العتمة المخيفة مدى سيطرة فريزر على حواسها ومشاعرها ، كان يملك سحرا عجيبا يجذبها اليه ، يؤرقها ، ويقلب كل مفاهيمها التقليدية بصدد الحب والزواج ، تلك المفاهيم التي تلقتها منذ نعومة أظافرها .
وترامت الى مسمعها أصوات مبهمة ، متقطعة من الجانب الآخر من المخيم ، ثم بدأت الأصوات تزداد وضوحا ، إنها اصوات الرجال يتوجهون الى خيمهم ، وتبينت صوت بويد يتلفظ بإسمها وإسم فريزر.
كان صوتا متهكما ، يرن بقهقهة لئيمة ، لم تسمع كل كلمة قالها ، ولكنها فهمت مغزى حديثه وإصراره على الطعن بسمعتها ، تنهدت بإمتعاض وهي تتمنى لو تنشق الأرض وتبتلعها.
وإضمحلت الأصوات ، ساد الصمت داخل الخيمة وخارجها ، وفجأة مزق هدوء الليل زئير متواصل ، ترددت أصداؤه في جنبات الصحراء.
منتديات ليلاس
إنه أسد ، غرزت كوري أظافرها في لحم كفها ، تصاعد الزئير من مكان قريب ، ولا بد ان الأسد يطوف الآن حول المخيم ، إرتعدت فرائصها ، وفطنت الى وجود فريزر معها ، فهدأ روعها قليلا ، إنه رجل متعجرف ، متحجر ، وسليط ، ولكنه سيؤمن لها الحماية في هذه اللحظة الحرجة ، مرت دقائق مشحونة بالتوتر ، تتقاذفها مخاوف رهيبة ، ولا تلبث أن تطمئن الى سلامتها وهي تفكر بفريزر ومدى صلابته وجرأته.
وإستسلمت اخيرا للنوم ، عندما فتحت عينيها كانت خيوط الفجر تتسلل من فجوة ضيقة في الخيمة ، فركت جفنيها وكأنها في حلم مذهل ، تزاحمت في ذهنها أحداث اليوم الفائت ، فهزت رأسها تحاول طرد أشباحها.
كانت الخيمة خاوية ، لا بد أن فريزر إستيقظ قبلها ، ترى هل رآها تغط في نوم عميق؟ سرت في وجنتيها حمرة الخجل ، وتسارعت نبضاتها.
وما أن أصبحت في الخارج حتى رأت المخيم يموج حركة ونشاطا ، كان الرجال قد إرتدوا ملابسهم الكاملة ، وبدوا حليقي الذقن ، أنيقي المظهر ، وهو تطور جديد ، عرفت كوري انها مسؤولة عنه بعد إكتشاف هويتها كأنثى ، ثم لاحظت أن الجميع يتوقع منها إعداد وجبات الطعام ، لم تعترض ، إنها تهوى طهي الطعام ، وطالما أبدت اسفها لإنشغالها بأمور أخرى ، ومع أن وسائل الطهي ومواد الأكل لا يمكن مقارنتها بما يتوفر في المدينة ، فإن كلمات الشكر والثناء التي اثارتها وجباتها المرتجلة جعلتها تنسى أية صعوبة أخرى.
وعلّق فريزر ، وهو يمضغ لقمته الأخيرة:
" إنه فطور شهي".
كانت هذه الكلمات الوحيدة التي سمعتها منه بعد أن احداث الليلة الفائتة في الخيمة ، وتسارعت نبضات قلبها ، وقف قربها بقامته الشامخة ، أسمر الوجه ، تموج عيناه بصفاء البحر الهادىء ، يدل مظهره أنه قضى ليلة هنيئة ، ولم يكن لوجودها في خيمته أي أثر يذكر على اسلوب حياته.
قالت مبتسمة:
إذن للنساء بعض الفائدة؟".
مط شفتيه متهكما:
" أنا أول من يوافق على ذلك".
فإمتعضت قليلا:
" بالله عليك ما هذا الكره الدفين؟".
رد بإعتدال :
" لا تتظاهري بالبراءة ، من يقرع الباب يسمع الجواب ، ولا تفكري برد بارع الان ، كنت تعرفين رايي مسبقا".
راقبته يبتعد عنها ، طويلا ، خفيف الحركة ، ثابت الخطى ، تمنت لو تستطيع إرجاع عقارب الساعة ، وتبديل كل قراراتها.
حمل مارك صحن الطعام ، وجلس بجانبها ، ظل لحظة صامتا ، بدا متوترا شارد النظرات ، وفطنت الى أن مزاجه السيء يرتبط بشيء فعلته، كانت تبحث عن أسلوب ملائم لكسر حاجز الصمت بينهما عندما بادر الى القول:
" ماذا جرى ليلة أمس؟".
" لا شيء البتة....".
ونظر اليها بعينين حادتين:
" لا ضرورة الى التظاهر بالبراءة يا كوري ، إن فريزر ملوري يحب اللهو مع النساء ".
قالت كوري بخفة عفوية:
" هذا إذا وجد رغبة لدى النساء".
أصيب مارك بالحرج :
" لم أقصد.... لا اعني...".
قالت بلطف ، يؤنبها ضميرها:
" أعرف انك صادق النية ".
" هل انت متاكدة أنه لم يحدث أي شيء؟".
لم يحدث أكثر من تصدع في عالمها خاطبت كوري نفسها ، وأصبحت كالركن المتداعي ، ولكن ذلك لن يثير إهتمام فريزر في شتى الحوال ، ولا يجوز لها إلقاء التبعة عل كاهل مارك ، فأجابته بصوت عال:
" أنا متأكدة تماما".

تبدلت لهجته
" كوني حذرة يا كوري".
وعدته ، مدركة معنى عبارته:
" سأكون حذرة كل الحذر ".
وإستطرد:
" إن فريزر قائد جيد ، ولكنه صعب المراس أيضا ، ستتعرضين لمتاعب كثيرة إذا ما وقعت في غرامه".
لمست كوري مدى أسى مارك وإنزعاجه ، وضعت يدها بلطف على ذراعه ، وقالت مبتسمة :
" لا تقلق علي ، لا مبرر لقلقك إطلاقا".
ون صوت فريزر يناديها :
" كوري".
فإستدارت قائلة:
" نعم؟".
" أريد منك إنجاز بعض الأمور المستعجلة".
وردت :
" سمعا وطاعة".
إختارت كلماتها بدقة ، وتمعن ، لمحت في وجه فريزر جمودا رهيبا ، كانت عيناه مسمرتين على يدها تلامس ذراع مارك ، واساء فهم دوافعها ، مع ذلك، شعرت بغبطة خفية ، لا بأس من إكتوار فريزر ببعض الغيرة ، ربما كانت هذه نقطة ضعفه ، شمخت بانفها ، وإرتات إثارته أكثر:
" لينظف الصحون احد سواي".
مع ذلك نجح في إلهائها بشؤون اخرى ، قضت معه أكثر من ساع يبحثان شجون التصوير والمهمات المترتبة عليها ، كرهت في البداية طريقته الفظة في إصدار الأوامر ، ولكنها تناست حنقها وهي تزداد إنهماكا في عملها الشيق.
قال فريزر وهما في طريق العودة الى المخيم:
" ألم أحذرك من العبث مع الرجال؟".
عرفت كوري ما الذي يشغل باله ، إنه سينحو عليها باللائمة في كل ما تفعله ، إذن ، لا فائدة من إطلاعه على الحقيقة حول ذلك المشهد الذي رآه بام عينه.
إبتسمت مستفسرة :
" أنت تغار من مارك؟".
عض شفتيه إمتعاضا ، وبقبضة صلدة طوّق معصمها:
" يا لك من إمراة شريرة ".
واظبت على إغاظته :
" أنت تتهرب من الإجابة على سؤالي".
فرد بإزدراء :
" تعرفين جوابي ، لماذا أغار؟ أنت لا تختلفين عن أية إمرأة أخرى".
كان غروره لا يطاق ، ولكنها اصرت على رايها :
" أنت غيور".
ضغط باصابعه على معصمها:
" إن ذوقي ارقى مما تتصورين ، ولا أجد مبررا لتبديد وقتي على عذراء مثلك ".
إنه لا يكف عن إهانتها ، قالت بصوت خفيض:
" ليتني بقيت في المنزل ولم أشاهد وجهك في حياتي".
قال يزيد نيران غيظها وقلقها إضطراما:
" إن رأيك مشابه لرأيي ، احذرك ثانية يا كوري ، إياك وإثارة المتاعب بين افراد البعثة".
احست بضعفها وأنوثتها الغضّة في آن معا :
" لم أفعل شيئا غير لائق مع مارك أقسم لك".
اجابها بصوت مخيف :
" هذا هو رأيك ، ولكن يجب أن تعلمي أن مارك على وشك الوقوع في غرامك".
صاحت مستنكرة ، وهي تدرك في قرارة نفسها صدق كلمات فريزر:
" هذا هراء ، إن مارك مجرد صديق ودود".
وإسترسل:
" طبعا ، غير ان صداقة كهذه مليئة بالأخطار ، ولن يدرك ذلك إلا بعد فوات الأوان".
وقالت بعفوية :
" وهذا ما يوجد بيني وبينك أليس كذلك؟ مجرد صداقة ".
أجاب بتمهل:
" إن الأمور تحت سيطرتي المباشرة ، ولذلك لا خطر علي ، أستطيع البقاء معك أو التخلي عنك ساعة أشاء".
ادركت ان الإعتصام بالصمت خير وسيلة تتبعها مع هذا الرجل المتعجرف، ولكن كلماته الأخيرة افقدتها صوابها ، فقالت متحدية:
" ألست من لحم ودم مثل الآخرين؟".
طوّقها بذراعيه القويتين ، وشدها اليه بهصرها هصرا ، هل يريد عناقها أم إيذاءها ؟ وكادت تصرخ ألما عندما دفعها بعيدا عنه ، فسقطت أرضا ترتعد من الخوف ، نظر اليها بإزدراء قاتل ، تضج في صدره غرائز سافلة ، وفي عينيه بركان مزمجر ، نهضت تهمس بدعة:
" لماذا فعلت ذلك؟".
فقال بصوت أجش:
" لثبت لك انني من دم ولحم كأي رجل آخر ، ولكنني استطيع السيطرة على نفسي عندما يحلو لي ، أما أنت فلا تملكين إرادة أو أي شيء ، إنك اسيرة غرائزك".
إنفجرت غضبا:
" يا لك من وحش ضار ".
وبدأت تبتعد عنه حائرة ، مضطربة الأعصاب ، إنها انثى جميلة القوام والوجه ، تعيش بين مجموعة من الرجال وسط صحراء مقفرة ، ومن الطبيعي ان تلفت الإنتباه ، وتخلق اجواء غير طبيعية ، ماذا تفعل ؟ لم تجد جوابا شافيا ، كل ما تريده الآن تجنّب فريزر ملوري وكل ما يمثله من غرور ، ورجولة وجاذبية ، إنه يكاد يدمر طمأنينة نفسها التي لم تفقدها في كل مراحل حياتها.
لم تنبس ببنت شفة وهي تتابع سيرها ، وحتى عندما سمعته يحذرها مجددا من مغبة التورط مع مارك.
تنفست كوري الصعداء عندما تركها فريزر وشأنها ذلك اليوم ، وشغلت نفسها بعد الغداء مع بعض الرجال ، متلكئة في إلتقاط الصور الى ان رأت الشمس تتوارى وراء الأفق ، وأخذ الجميع يستعد لإستقبال الليل.
فقد ظلام الصحراء سحره ، خالت النجوم المتناثرة في الفضاء الشاسع باهتة ، تبعث على الرهبة والحزن ، حتى زئير الأسد بات قصة عتيقة تدعو الى التثاؤب عوض التيقظ والترقب ، ستنطفىء النار بعد قليل ، ويأوي الرجال الى الفراش ، وستجد نفسها وحيدة في الخيمة مع فريزر ملوري ، ورغم تصميمها على صده ، وعدم السماح له بمسها او التحدث معها ، توجست شرا وسرت في شرايينها قشعريرة مخيفة ، إن مجرد التفكير في فريزر يقلب كل حساباتها ويحوّلها الى ريشة في مهب الريح.
ترى هل ينتظر فريزر تقدم الليل ؟ خاطبت نفسها ، رأته يتحدث مع بيتر ، ولم تتمكن من سماع الحوار ، ولكن بدت عليه إمارات الود والغرتياح ، أدركت انه لا يعير إهتماما لقلقها واوهامها ، فاصيبت بخيبة أمل.
رفع فريزر عينيه وحدّق اليها كأنه أحس بها تراقبه ، وإلتقت نظراتهما برهة عبر السنة النار ، كانت برهة قصيرة خالتها دهرا ، إذ تراءى لها أنه لا يوجد احد سواهما في هذه الصحراء ، تجمّد الدم في عروقها وهي تشيح بوجهها صوب الأفق المظلم.
وتنبهت فجأة الى قرارها السابق ، لتذهب الى الخيمة لتوّها وتأوي الى النوم قبل أن يدركها فريزر ، إن مشاعرها الرقيقة لن تقوى على خوض تجربة مريرة جديدة وربما اشد غرابة.