عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 03-16-2013, 01:55 AM
 
و هاهو الجزء الاخير
وها هي تقود سيارتها وحيدة ، تعبر منعطف الجبل الحاد ، مسرعة قلقة ، تنظر الى ذلك الضباب المتكوم فوق القمة، وكأنه يذكّرها بفريزر ، وغموضه وإستعلائه ، وكيفية وداعه لها بكلمات جافة مقتضبة ، تفوح عنجهية وتكلّفا.
دخلت المنزل فهبّ والدها من كرسيه يرحب بها ، ويعانقها بفرح وعطف أبوي ، وبعد ان طمأنته عن نفسها ، وهدأت من روعه لإكتشافه سبب غيابها الحقيقي ، اخذت تشرح له مأساة الرسوم الصخرية ، وتحطّم آلة التصوير ، وتلف الفيلم ، أصيب بخيبة الأمل ، ثم لم يلب ثان إستعاد مرحه وحيويته ، وهي تروي له كيفية إكتشافها للرسوم ، نسي الصور الفوتوغرافية ، وضياعها في حادث مؤسف ، وغمرته سعادة لا توصف ، لتأكده اخيرا من وجود الرسوم الصخرية ، وتحوّل حلمه الى حقيقة ملموسة.
اتت على ذكر فريزر مرة واحدة، وبعد مرور أسبوع على عودتها ، لم تشبع فضول والدها ، وتعطشه للإطلاع على أخبار رجل كان صديقا له في غابر الأيام ، كان فريزر موضوعا مؤلما حاولت تجنّب الخوض فيه ، أو الإيحاء لوالدها بما يضج في داخلها من أحاسيس ومعاناة.
خرجت ذات صباح الى المدينة تتجول في أسواقها ، وتنتقل من مكان الى آخر ، وكأنها تهيم على وجهها دون هدف او غاية ، قررت دفن أحزانها في ضوضاء المدينة ، وصخبها ، بعيدا عن الأجواء الهادئة التي تحملها عن التفكير بقصة حبها الناقصة ، وكانت لا تزال حائرة في موقفها من مهنتها كعارضة أزياء ، تارة تعقد العزم على إستئنافها ، وطورا تتردد وتقرر الإنتظار حتى تنجلي الأمور ، وتسيطر على مخاوفها واعصابها المتوترة.
عادت قبل المغيب تقود سيارتها نحو منزلها ن رأت سيارة طويلة فضية امام المنزل لم يقع عليها نظرها من قبل ، وظنت ان أحد الأشخاص اتى لزيارة والدها.
منتديات ليلاس
ترامت الى أذنيها الأصوات من غرفة الجلوس ، وسارت نحو الباب ثم تجمدت في مكانها ، لم تتبين معالم الزائر ، غير أن قلبها حدّثها بهويته.
خطر لها أن تدير ظهرها ، وتفر الى مكان آمن تختبىء فيه ، وخطت تهمّ بالإبتعاد عن الباب ، فسمعت والدها يناديها:
" كوري ".
اجابته بتافف:
" نعم يا ابي؟".
" عندنا زائر ".
دخلت غرفة الجلوس ببطء شديد ، واحست بالوهن يتسرب في قدميها ، والدماء تتجمد في عروقها.
إستدار نحوها بوجهه الأسمر ، وبعينيه الضاحكتين:
" مرحبا كوري".
فردّت بصوت خافت :
"مرحبا يا فريزر".
لماذا اتى الى هنا ؟ لم يسبق له أن فكر في زيارة والدها ، لماذا الآن بالذات ؟ هل جاء ليضاعف عذابها؟
وهتف والدها وكانه يقرا أفكارها :
" لقد جلب لنا فريزر هدية".
ردّدت الكلمة كالصدى:
" هدية؟".
" هدية خاصة جدا".
هدية خاصة جدا ، ما الذي يعنيه والدها ؟
أشار والدها الى الطاولة في الزاوية ، فرمقتها بإرهاق ، وخالجها شعور داخلي أنها تعرف ما ينتظرها.
تبعثرت صور الرسوم الصخرية على الطاولة ، مبرزة تفاصيلها الدقيقة ، وتبزّ صورها فنا ودقة.
كانا يراقبانها بصمت ، وكأن الغرفة تشهد حدثا خرقا ، تنعقد امامه الألسنة ، ونهض والدها من مقعده ، يستأذن بالذهاب الى مكتبه.
إستبد بها الإضطراب وهي ترى والدها يغادر الغرفة ، ثم سألته:
" أنت إلتقطت هذه الصور؟".
هز راسه موافقا ، معتدا بنفسه.
وبلعت ريقها :
" شكرا يا فريزر ، يا له من عمل رائع".
" هذا اقل ما يمكنني القيام به بعد ذلك الحادث المؤسف".
" كنت تعرف مدى أهمية هذه الرسوم بالنسبة الى والدي ( وفكرت قليلا وهي تستطرد) ولكن بإستطاعتك إرسال الصور بالبريد ، لماذا قطعت كل هذه المسافة لجلبها؟".
وقال بحرارة وجدّية:
" لأنني اردت يا عزيزتي أن أرى فرح والد زوجة المستقبل بنفسي".
خفق قلبها طربا:
" فريزر ، ما الذي تقوله ؟ أنت لا تعني ...".
" نعم انا أعني كل كلمة اقولها ، وها انا أسالك رسميا ، وأطلب يدك للزواج ، هل تقبلين الزواج مني؟".
" نعم ، نعم ، كيف يمكنني أن أرفض ( ثم فكرت قليلا ) ولكن اين موقفك من النساء ونظرتك الضيقة اليهن؟".
إبتسم بحنو :
" هذا كان رايي الى أن إلتقيت بك ، لم اقرر الوقوع في حبك ، يشهد الله انني قاومت الشعور طويلا ، ولكن دون فائدة".
عانقها عناق العاشق المتيم ، ثم رفع راسه قائلا:
" هيا بنا نزف النبأ السعيد لوالدك ، إنه ينتظرنا بفارغ الصبر".

تمت
وللامانة نفلتها من عند
لكاتب:
نيو فراولة