عرض مشاركة واحدة
  #56  
قديم 03-30-2013, 11:07 AM
 
*الفصل الثاني*






.
.


*الفصل الثاني*








كانت تجلس في المقاعد الخارجية لكافتيريا الثانوية ،
تلف خصلة من شعرها البني الجميل بإصبعها ،
بينما تحملق مفتونة بالشاب الثري الجذاب الذي يجلس أمامها ،
تهز رأسها لحديثه المتفاخر دون أن تصغي فعلا للثرثرة التي كان يقولها عن اليخت الجديد الذي اشتراه والده له خصيصا لحفلة عيد مولده !
أطلقت تنهيدة ثقيلة ..

_جيني !!

ناداها صوت رخيم يتلون بالغضب .. قاطعا تأملاتها ،
فتأففت لحظة ثم أدارت رأسها بإتجاهه.
رأت أليستر يتقدم نحو الطاولة حيث تجلس بخطى سريعة متوثبة ،
ألقى بحقيبة غيثاره أرضا .. ثم اندفع يهجم على الفتى الثري فجأة دون سابق إنذار ،
سحبه من تلاليب قميصه حتى أنهضه من مقعده و أوقفه على قدميه !

_سبق و حذرتك من الاقتراب منها .. أيها الوغد !!

ما كان أليستر عنيفا عادة ، بالرغم من مظهره الدال على ذلك .. من ثياب سوداء و نظارات شمسية ،
لكن أفكاره بشأن ما ينوي فعله في تلك اللحظة كانت عدائية و عنيفة تماما !!

خرجت الكلمات من الفتى الثري بصعوبة وهو يعاني لإلتقاط أنفاسه :
_لكن .. ما مشكلتك يا هذا .. اتركني ؟!!

هزه أليستر بقسوة وهو يكرر :
_لقد طلبت منك أن تبقى بعيدا عنها أميالا .. فماذا تفعل هنا ؟!!

_توقف أليستر .. يا الهي ما هذا الذي تفعله ؟!!

هتفت جيني بضيق و استنكار ،
نبرة صوتها جعلت غضب أليستر يشتد .. لكنه تحكم بغضبه كابتا إياه بمهارة ،
حرر الفتى بدفعة قوية جعلته يتعثر إلى الوراء و يقع على ظهره !
لكن الفتى بظرف لحظة .. قفز على قدميه و هرب من المكان كما هو متوقع من أي فتى مدلل لا يعتمد عليه !!



أدار أليستر رأسه إلى جيني و رمقها بنظرة عبرت عن الكثير ،
و جعلتها تبتلع كل العبارات الغاضبة التي همت بأن تهاجمه بها !
كان ذلك حين لحقت به إلى ما خلف ملعب الكرة في باحة المدرسة الثانوية ،
تنوي و بشدة جعله يندم على إفساده الأمر مع ذلك الفتى الثري !!

_ماذا جيني ؟!
تحدث أليستر بتهكم وهو يلقي حقيبة غيثاره الكبيرة على ظهره ، و يستدير نصف استدارة .. مائلا برأسه لينظر إليها :
_هيا .. قولي أن هذا أيضا غلطتي ، أليس هذا الفتى هو نفسه الذي جئتني قبل عدة أيام تشكين مضايقته لك ؟!

ارتبكت جيني للحظة ، لكنها سرعان ما استعادت ثباتا كافيا لترد بإندفاع :
_كان تصرفك همجيا أليستر ... دائما أنت هكذا ، تغار من أي شخص ثري تراه !!

عقد أليستر حاجبيه و قد بدا الغضب واضحا على ملامحه ، و هذه المرة استدار بجسده كاملا ليواجهها :
_أنا لا أغار من أموال ذلك الأحمق ... هذا أسخف شيء يمكن أن تدعيه !

أعلنت جيني بثقة :
_أنا أعلم أنك تفعل !

_أنت لا تفهمين صحيح .. لم تفهمي يوما ؟!!

نظرت جيني إلى الغضب المتقد في عيونه الرمادية .. و إلى ملامح وجهه البديعة المتناسقة ،
انتفض قلبها رغما عنها ... لقد كان وسيما و آسرا بشكل لا يمكن تجاهله !
صمت أليستر للحظات ... يبادلها النظرات .. يبثها كل خيبة أمله فيها ،
ثم تحدث أخيرا قائلا بهدوء .. و البرود يلون صوته المخملي :
_أنا لست غبيا جيني ... رأيت كيف كنت تنظرين إلى ذلك الأبله و مازلت راغبا في تحطيم وجهه لهذا ،

لكن غضبي منه لا يقارن بغضبي منك ، ظننتنا معا ... حبا بالله كنت من جاءني موافقة ، أنا لم أجبرك على شيء .. لما تفعلين هذا ؟!! لما جيني ؟!!

ترددت للحظة ، لكنها لم تلبث أن رفعت رأسها بتكبر قائلة :
_لأنه يعجبني أكثر منك !!








أغلق أليستر صنبور المياه ليتوقف تدفق الماء الساخن من الدش ،
تحرك ليقف أمام المرآة الكبيرة المعلقة على الحائط ،
و رفع يده يمسح عنها الضباب الذي سببه البخار ، ليستطيع أن يرى انعكاس صورته عليها بوضوح أكبر !
أبعد شعره الأسود المبلل عن وجهه ... و ابتسم دون أن يبذل جهدا لتجاهل تلك الذكرى .. أو إبعاد آثارها عنه !

بدا وجهه هذا اليوم أكثر حياة .. فارقته تلك الكآبة التي لازمته طيلة العام الماضي !
اليوم فقط .. يشعر أنه قد تصالح مع نفسه ،
مع قلبه الذي كان يتألم .. و عقله الذي كان يلومه على سوء اختياره !
و هو لم يشعر بهذه الراحة منذ زمن طويل ..

خرج من حمام غرفته الجانبي و قد التف بمنشفة .. بينما أخذ يجفف شعره بأخرى صغيرة.
لم تمضي ربع ساعة حتى كان يغادر جناحه الفاخر في هذه الفيلا الكبيرة المنعزلة قرب البحر ،
الفيلا كانت أول شيء ابتاعه مع رفيقيه بأول مبلغ مالي تقاضوه !
و قد أصبحت فيما بعد متنفسهم الخاص .. بعيدا عن أنظار المتطفلين !

نزل الدرجات بخفة إلى الطابق السفلي المؤثث بأفخم أنواع الأثاث الشبابي ،
توقف ليلقي التحية على رايان و ليو بنشاط ، بينما يرتدي معطفه البني الثقيل :
_مساء الخير شباب !

رفع رايان عينيه إليه و قد كان متمددا بكسل على الأريكة الكبيرة ، أجابه بنزق :
_ماذا ؟! لا تقل لي أن لدينا عملا ... رأسي يكاد ينفجر ألما بعد حفلة ليلة الأمس ، لست على استعداد للتحرك شبرا واحدا !!

ابتسم أليستر :
_و من ذكر شيئا عن العمل رايان ... تبدو مبتئسا للغاية !

أبعد ليو الكتاب الكبير .. الذي يقرأ فيه دون فهم .. عن وجهه ،
و نظر إلى أليستر مليا :
_و أنت تبدو بخلافه تماما !

ثم اعتدل جالسا و سأله :
_هل ستخرج ؟!

_أجل ..

_أحضر لي بعض المثلجات إذا !

_إنها ليست جيدة لصحتك في مثل هذا الطقس !!

قالها رايان ساخرا قبل أن يجيب أليستر ،
مما جعل ليو يتجهم و يرميه بوسادة التقطها من فوق الأريكة.

_لو احتجت أما فسأعود إلى البيت أيها الأبله !!‏

أبعد رايان الوسادة عن وجهه بتراخي ، ابتسم .. و راح يقول متعمدا ازعاجه :
_لست صبيا يلهو معك .. أنا أكبر من هذه الألعاب ليونيل ، كم مرة علي إفهامك هذا !!

_سنتان فقط تفصل بيننا .. لكن عقلك أقل من ذلك بكثير ،
لا تستفزني راي فبحالتك هذه ستخسر حتما !!

تنحنح أليستر الذي كان يراقب جدلهما كما لو كان شيئا اعتياديا :
_بوسعي أن أبقى و استمع إليكما لبقية اليوم ، لكنني لا أرغب بهذا لذا ... إلى اللقاء !

قال ليو :
_تمهل أليس ... أعطني حل هذه المسألة أولا !

ارتدى أليستر نظارته الشمسية الكبيرة التي غطت نصف وجهه :
_أي مسألة ؟!

التقط ليو الكتاب الذي كان يدرس فيه ، ليقرأ :
_مولد كهربائي قوته المحركة ١٨ فولت ، مرت به كمية من الشحنات الكهربائية فاكتسب طاقة قدرها ٧٢٠ جول ، ما مقدار كمية الشحنات المارة عبر المولد ؟!!

رفع رأسه إليه و أضاف بعبوس :
_مازلت أحاول اكتشاف الفائدة من هذا لكن ... أجبني على أي حال !

هز أليستر رأسه بينما يتراجع بخطواته إلى الوراء .. نحو الباب الخارجي قائلا :
_٤٠ كولوم !

دون ليو الجواب مباشرة ، بينما لوح أليستر لهما و خرج مغلقا الباب خلفه.

هز رايان رأسه و قال بنبرة تعجب :
_مازلت لا أعرف كيف يفعل هذا ؟!

أغلق ليو كتابه و رماه على المنضدة ، قائلا بلامبالاة :
_لا يهم كيف .. المهم أنني انتهيت أخيرا !

صمت رايان لبرهة ثم قال :
_أتعلم ... لقد بدا أفضل حالا اليوم !

وافقه ليو بابتسامة :
_أجل .. لقد لاحظت هذا.






_جيني ... جيني حبيبتي افتحي الباب ... هل أنت بخير ؟!

نادتها أمها بقلق من خلف باب غرفتها الموصد منذ عودتها من حفل ليلة الأمس ،
لم تجبها .. كما لم تجب أيا من محاولاتها السابقة لإخراجها مما هي فيه !

كانت مستلقية على سريرها الفردي الصغير ، محتضنة هاتفها المحمول بين كفيها ،
تضغط للمرة العشرين على زر معاودة الإتصال ،
ليظهر اسم أليستر على الشاشة ... يرن الرقم .. هي واثقة ، ثم يقطع الإتصال !
يقطع الإتصال ما إن يرى اسمها !!
لماذا تتألم ؟!!
لقد كانت تفعل الشيء ذاته قبل عام ،
و تقطع مكالماته حين لا تملك مزاجا للحديث معه !!

لماذا تتألم ؟!
هل لأنها خسرته ؟!
هل لأنه كان أمامها ففرطت فيه بغباء ؟!!
كانت لتكون الوحيدة التي يهتم بها في حياته الآن ،
كانت لتخرج من هذا البؤس و تصير غنية بفضل ذلك !

لكن .. من أين لها أن تعرف أن أليستر .. عازف الغيتار المتواضع الحال ، سيصير نجما مشهورا يوما ما ؟!
نجما تتحسر على فقده .. و يئن قلبها شوقا إليه !!

_جيني .. إن لم تجيبيني حالا سأجلب من يكسر هذا الباب ؟! جيني .. ما الذي يحدث معك ؟!!

لم تكن تصغي لعبارات أمها ، و لا إلى الخوف الذي لون صوتها ،
لقد كانت غائبة في عالمها الخاص ، تفكر في نفسها ... و في خياراتها الحالية !

بأنانية لا تفارقها .. قررت أن تستعيد أليستر ،
ذلك المتيم بها .. و الذي من شأنه فعل أي شيء لأجلها ،
هي تحبه الآن .. هذا صحيح ،
و بهذا لن يكون عليها التمثيل أو ما شابه .. ستكون سعيدة إن حققت طموحها و غدت ثرية .. لكن إلى جانب أليستر لا غيره !!
إن لم يرد على مكالماتها .. ستجد طريقة للوصول إليه مباشرة !

_جيني ...

_قادمة أمي !

أجابتها و قد استعادت اتزانها أخيرا بعد صدمة ليلة الأمس ،
نهضت من السرير .. رتبت شعرها و تأكدت من مسح دموعها ،
قبل أن تفتح الباب لأمها !







_البريد يا شباب !


زوج من العيون التفت بكسل إلى مارتيل الذي كان يحمل صندوقا كرتونيا كبيرا ،
تطفح منه أوراق و رسائل المعجبين !
ألقاه بجهد فوق المنضدة التي تتوسط غرفة الجلوس ...
أمام الشابين المسترخيين على الأرائك الفاخرة ،
يقلب أحدهما محطات التلفاز بضجر ، بينما الآخر يبدو كما لو أنه سيأخذ غفوة في أي لحظة !

تمتم رايان وهو يدلك جبهته :
_و من يهتم بالبريد مارتيل ، من يهتم بأي شيء في هذه اللحظة !

تجاهل مارتيل كلامه وهو يدفع ساقيه المفرودتين فوق الأريكة الواسعة قائلا :
_تنحى جانبا ...

اعتدل رايان جالسا .. فارتمى مارتيل إلى جواره قائلا باستياء :
_في المرة المقبلة التي تقررون فيها غناء أغنية من خارج برنامج الحفل هلا أعلمتموني مسبقا ؟! ليس لديكم فكرة عن الحرب التي خضتها كي أصلح ما فعلتموه !

قال ليو دون أن يزيح عينيه عن شاشة التلفاز الضخمة المسطحة :
_إن كنت ستلوم أحدا فابدأ بأليستر ، مع أنني متأكد أنها مجرد نزعة لن تتكرر !

_و أين هو الآن ؟!

_لقد خرج.

أجابه رايان ، فهمهم مارتيل لنفسه ببعض الكلمات المنزعجة قبل أن يقول :
_على كل ... غدا لديكم موعد لتسجيل تلك الأغنية العظيمة فكونوا جاهزين !

ثم نهض واقفا وهو يردف بوجه متجهم :
_سأعود فيما بعد ، لدي بعض الأعمال العالقة الآن !

_مارتيل ...

ناداه ليو وهو يومئ لرايان خفية .. يحثه بعينيه على قول شيء ما ، بينما يضيف :
_لا تنزعج ... لقد كان علينا فعل هذا لأجل أليستر !

عدل مارتيل نظارته فوق عينيه قائلا بغضب :
_نعم بالطبع .. و أنا من بدوت كالأحمق و أنا أبرر ذلك !

جميعهم كانوا يعلمون كم يتضايق مارتيل من خرق الجدول الذي يتعب في ترتيبه على أفضل نحو ،
و مارتيل بالنسبة لهم كان أكثر من مدير أعمال ... لقد كان صديقا .. ما كانوا راغبين في مضايقته !

راح ليو يشير بشكل مفضوح لرايان بأن يقول شيئا عن هذا ، بينما الأخير يهز رأسه برفض !

توجه مارتيل نحو المخرج قائلا :
_فقط كونوا أكثر إنتظاما .. هل أطلب الكثير ؟!

ابتسم ليو حين التفت مارتل ينظر إليهما من فوق كتفه :
_حسنا ... نحن نعتذر !

و لما استمر رايان في صمته ، ركل ليو ساقه على نحو غير ظاهر !

_آوه .. أقصد .. كما قال !

زفر مارتيل الذي لم يعبأ باعتذارهما ، و تحرك مغادرا المكان على عجل.

_هل كان ذلك صعبا إلى هذا الحد ؟!

هتف ليو برايان الذي كان يحدجه بغضب ، فأجابه الأخير :
_أجل ... صعبا للغاية !

تمتم ليو وهو يعود لتقليب محطات التلفاز :
_أنت ميؤوس منك !

رن هاتف رايان فجأة بنغمة بيانو عاطفية ،
فأخرجه من جيبه وهو يزفر متذمرا.
قال ليو متهكما :
_رنة جميلة !

_لا تضحك كثيرا .. إنها ليست فكرتي !

ألقى رايان المحمول إلى جواره فوق الأريكة ،
دون أن يجيب ، و دون أن يلقي نظرة على اسم المتصل حتى .. فقد كانت تلك النغمة الخاصة تكفي ليعرف هويته !

_ألن ترد ؟!

سأله ليو بفضول ، فأجابه رايان :
_كلا !

_لماذا ؟!

أجاب رايان وهو يرجع ظهره ليستند على الأريكة باسترخاء أكبر :
_لأنني لست في مزاج مناسب للشجار !

هز ليو رأسه :
_إنها سارة .. أليس كذلك ؟! ليس لطيفا أن لا ترد على خطيبتك !

_اهتم بشؤونك فحسب !

صمت ليو عابسا ، و راح يتظاهر بمتابعة البرنامج الرياضي على التلفاز.
من المضجر أن يقضي يوم العطلة على هذا النحو ، لكن معضم نهاره كان قد ضاع فعلا في النوم ،
لم يملك وقتا للقيام بشيء آخر ...
بالكاد أنهى وظائفه المدرسية ،
و حتما لن يسهر الليلة إذ عليه الإستيقاظ باكرا غدا صباحا !
يوم حافل سيكون بانتظاره ، من المدرسة إلى استديو التسجيل ... يوم حافل و حياة حافلة !!


كان هاتف رايان يصدح بالموسيقى للمرة الرابعة .. دون أن يجد من يهتم ،
عندها قال ليو :
_هل ستظل تتجاهلها ؟! هذا سخف .. لما لا ترد فحسب !

ردد رايان بغير إهتمام :
_أخبرتك أن تهتم بشؤونك فقط !

زفر ليو منزعجا من لامبالاته ، و نهض ليغادر المكان ..
كان قد صعد أول درجة في طريقه إلى الطابق العلوي ،
حين سمع صوتا أنثويا يهتف :
_كنت أعلم أنك هنا لا تفعل شيئا .. عدا تجاهل مكالماتي !!

التفت إلى صاحبة الصوت الغاضب ،
تلك الفتاة الجميلة التي دخلت الفيلا كإعصار ،
شعرها الذهبي ثائر حول وجهها و فوق كتفيها ،
حاجباه الأشقران الدقيقان معقودان بغضب ،
بينما تزم شفتيها المطليتين بلون شفاف لامع !
كان يعرف هوية تلك الفتاة جيدا .. كانت سارة ... خطيبة رايان !

فجأة .. عدل ليو عن مواصلة طريقه إلى الأعلى ،
و توقف مستندا إلى درابزين الدرج بذراع .. بينما الأخرى إلى جانبه يدفن يده في جيب بنطاله الأسود ،
شع المكر في عيونه الواسعة وهو يراقب الإثنين بإهتمام !


_إذا سيد براندون .. لماذا لا تجيب على اتصالاتي ؟!

عقدت ذراعيها أمام صدرها ، و صوتها الناعم عادة يملأ أرجاء الفيلا صخبا الآن !

كان رايان قد نهض عن أريكته و دار خلفها ،
يحفظ مسافة بينه و بين سارة .. كما كان أي عاقل ليفعل في هذه اللحظة !!

_آممم .. الهاتف معطل .. لم أسمع رنينه ؟!

قال أعذاره الواهية دون أن يتوقع منها التصديق.
صاحت سارة وهي تكور قبضتيها إلى جانبها .. و إحداهما تقبض على مجلة ما :
_توقف عن الكذب رايان براندون ... لقد سمعت نغمة هاتفك من خارج الفيلا !!

_و توقفي عن مناداتي ببراندون ، أنت تعرفين كم أمقت هذا الاسم !

_لماذا تتجاهل اتصالاتي ؟!!

كررت سارة سؤالها وهي تلتف حول الأريكة ... كما كان رايان يتحرك ملتفا إلى الجهة الأخرى .. يبتعد عنها !
أضافت بذات النبرة الساخطة :
_سأجيب أنا ... لأنك تعرف تماما أنني سأسألك عن هذه !

رمت المجلة التي كانت تحملها في وجهه ،
فرمش رايان عدة مرات .. مشتتا الألم و محاولا استيعاب ما فعلته للتو !
ثم انحنى يلتقط المجلة ذات الغلاف السميك عن الأرض مقطبا حاجبيه ،
همهم متوعدا :
_من المستحسن أن يكون شيئا يستحق !

راحت سارة تهز ساقها المغطاة بالجينز الضيق المناقض بلونه لمعطفها الأبيض ، و تطرق الأرض بنفاذ صبر ،
بينما تنتظر رايان الذي يقلب صفحات المجلة أمامها دون فهم !

توقف عند صورة معينة و قد ارتفع حاجباه .. كانت الصورة لهم ،
التقطت بعد حفل الليلة الماضية ، عندما كانوا يوقعون لعدد من المعجبين.
هو تحديدا ... لم يكن يوقع لأحد في الصورة !
كان واقفا مع أليستر و ليو .. و فتاة حسناء إلى جواره ترفع نفسها لتطبع قبلة على خده !!
رفع عينيه الزرقاوين ببطء عن المجلة ، و نظر إلى خطيبته الثائرة !

_سأشرح لك سارة .. فقط ضعي تلك الزهرية مكانها .. إنها المفضلة لدى مارتيل !

_إذا سيسر كثيرا لأنني سأستخدمها في تحطيم رأسك الكبير الخائن !!

_لا أفهم سبب غضبك ، إنها مجرد معجبة .. و مثل هذه الأمور طبيعية تماما !

_طبيعي أن تقبل فتاة ما و لا انزعج ؟!!

_أنا لم أقبلها ... ثمة فرق !

ضحك ليو عاليا لافتا نظر الإثنين إليه ،
فزجره رايان محاولا ابتلاع إحراجه من كون شخص ما يشهد هذا الموقف :
_ماذا تفعل هنا ؟! لما لست في الأعلى .. تلزم جناحك الخاص ؟!

قال ليو متهكما :
_و أفوت على نفسي هذا العرض .. مستحيل !!

ثم تنحنح ينظر إلى سارة بابتسامة ودودة :
_أنا أتفهم غضبك سارة و أساندك تماما ضد هذا الأبله !

كافأته سارة بابتسامة رقيقة وهي تخفض الزهرية التي بين يديها :
_شكرا .. أنت شخص لطيف ليو ، ليت رايان مثلك !

أدار رايان عينيه إلى الأعلى في حركة سأم معتادة ،
و ضيق عينيه هامسا لليو يتوعده :
_ستندم لاحقا !

ثم قال بصوت أوضح مخاطبا سارة :
_لا داعي للغضب عزيزتي ... لنتحدث و سأريك أي سوء فهم بسيط .. هو هذا الأمر كله !

التفتت إليه و قد استعادت إستياءها بغتة واحدة :
_لا تجرؤ و تناديني عزيزتي ، لقد أوضحت تماما من هي عزيزتك في تلك الصورة ... تلك الفتاة السخيفة التي تناسبك تماما !!

_هي لا تهمني !

قالها رايان وهو يدور حول الأريكة مقتربا منها هذه المرة ،
أغمض عينيه لحظة ، ثم ابتسم لها وهو يتابع :
_أنا لا تهمني سوى فتاة واحدة ... أنت !

تشوشت سارة بسبب تأثير تلك العينين الزرقاوين ، و بسبب نبرة صوته العميقة التي حملت عاطفة صادقة !

_أنت .. أنت تخادع !

_يجب أن تصدقيني سارة .. أنا بريء !

قال الجزء الأخير بهزل ،
و التوت شفتاه بابتسامة رقيقة جعلتها مبهورة الأنفاس .. كما في كل مرة يستخدم فيها سحره لاقناعها !
حاولت سارة تذكر ما كانا يتحدثان عنه بينما تهمس :
_و لكن .. لكن ..

وصل رايان إليها ،
و بهدوء .. كان يأخذ الزهرية من بين يديها و يضعها جانبا.

_و الآن سارة ...

قالها وهو يلغي المسافة الصغيرة بينهما بخطوة أخيرة ،
و انحنى نحوها و على شفتيه ذات الابتسامة التي تخطف الأنفاس :
_ما رأيك بأن آخذك خارجا لتناول العشاء كصلح ؟!

تورد وجهها .. و احتاجت دقيقة لتستجمع الكلمات :
_أ .. أنا .. أ .. لم أسامحك .. بعد !

_هممم .. و ماذا علي أن أفعل كي تسامحيني عزيزتي ؟!!

احترق وجهها خجلا بسبب العبث الذي لون صوته ،
و الإيحاء الذي قدمه مع مضمون كلماته باقترابه منها أكثر .. بحيث لم يعد يفصل بين وجهيهما سوى بضع إنشات !
خفق قلبها بجنون ..
لن يفعل ..
لن يجرؤ ..
لن تسمح ...
لماذا لا تستطيع انتزاع عينيها عن أسر عينيه ؟!!

_سارة .. لم أسمع ردك ؟!

همس من جديد .. و أنفاسه تداعب وجهها.
ظلت تحدق فيه بوجه يشتعل احمرارا .. رباه .. إنه يفعل شيئا لعقلها بالتأكيد !!

اعتدل رايان واقفا و ابتسامة خبيثة منتصرة ترتسم على وجهه ،
كم يسهل عليه امتصاص غضب سارة دوما ،
و تفادي المتاعب التي قد تسببها له بغيرتها الشديدة ،
لكنه لا يفعل ذلك مباشرة ... فبقدر ما تزعجه تلك الغيرة .. بقدر ما تشعره بالرضا و الغبطة !!

_أظنك موافقة .. صحيح ؟!

هزت سارة رأسها المشوش بدوار ساحر .. علامة الإيجاب ، فقال :
_انتظريني دقيقة إذا .. سأغير ثيابي و نذهب فورا !

تركها رايان تستعيد أنفاسها ، و أسرع ليعتلي الدرج.

خاطبه ليو بخيبة أمل .. بينما يمر من جواره :
_لا أصدق أنك أفلت بفعلتك ، يا لك من محتال !!

زفر رايان معتدا بنفسه :
_ليس احتيالا ، هذا سحر ... ليس لديك منه !

و منحه ابتسامة مستفزة قبل أن يتابع طريقه في صعود الدرج !






يتبع ،، الرجاء عدم الرد ~


__________________




افتَقِدُني
music4

رد مع اقتباس