الفصل الثالث
( الإعتذار وحده لا يكفي )
أيها الأملأين أنتَ
ألا زلتِ موجوداَ ..أم أنكَ رحلتَ
إذا لم تزل موجوداَأرجوكَ أنقذني
ربطة آليس حزام مريلتها البيضاء بهدوء بعد أن أغلقت باب خزانتها وأنطلقت بحيوية نابعة من إستقرار جوفها نحو باب المقهى الذي سيفتح بعد قليل ويكون لها الشرف بإستقبال أول زبون لهذا اليوم المشمس لذلك إنتصبت واقفة أمام الباب تمسك بمقضبه بإنتظار إقبال أول شخص يدخل إليهم فكانت تلك هي المصادفة التي جمعت هذه الفتاة بشاب ربيعي العمر رمقته آليس بندهاش سرعان ما تحول إلى إبتسامة لطيفة بادلها الشاب إياها بإلقاء التحية بدلاً عنها: " كيفك حالكِ آنسة آليس "
إنحنت آليس قليلاً وهي تجيب عن سؤاله: " بأفضل حال سيد سامويل "
إبتعدت آليس عن الباب قليلاً متيحة للشاب المرور وهي تشير لأرجاء المقهى قائلة: " تفضل "
تقدم الشاب محركاً قدميه نحو آخر طاولة في الجهة اليسرا .. تلك الطاولة الشبه منعزلة وحتى ضوء الشمس لا يصلها ماعدا القليل منه وبينما آليس تتبعده في سيره كانت تتسائل في داخلها عن سبب إختياره لهذه الطاولة البعيدة رغم وجود العديد من الطاولات بالقرب من الباب لكنها في الأخير إستنتجت بإنه ربما لا يحب الجلوس في أماكن معرضة للإزعاج لذلك تبعته حتى جلس هو على الكرسي خلف الطاولة وهي بقيت واقفة بحكم عملها كنادلة وبعد ذلك أخرجت دفتر التدوين الصغير وسألته: " ما هو طلبكَ سيدي "
حملق الشاب عيناه في الباب وأجابها بصوت أقرب للهمس: " أنتظر أحدهم "
لم تقل آليس شيء وإستدارت عائدة لموقعها وهي تتذكر أحداث تلك الليلة .. للية هروبها من منزلها متخفية عن الأنظار في هذا الليل..
(( لا زالت هي تقف مع الشاب الضابط كما أخبرها هو ولم تبارح موقعها بأمر صارم منه إلى أن يصل من إتصل به ليصطحبها إلى المكان الذي تريد ولم يدم إنتظارهما طويلاً حتى شاهدا ضوء سيارة قادم من بعيد سارعان من أصبح بقربهما ليترجل من السيارة شاب يبدوا أصغر من ذلك الأول بعينين داكنتين وشعر نيلي متبعثر زاد من وسامة الشاب لكنه رغم ذلك لم يصل لمدى وسامة الشاب الأول صاحب العينين التركوازيتين وشعر أقتم من عينيه بقليل وحالما أصبح الشاب الثاني أمامهما قال: " ما الأمر الذي إستدعيتني فيه كيم "
أجابه الشاب المدعو كيم بهدوء: " أريد منكَ إيصال هذه الفتاة إلى أي مكان تريد "
ألقى الشاب الثاني نظرة سريعة على الفتاة ثم أجاب: " لا بأس " بعدها وجه حديثه إلى آليس وقال لها بنبرة الآمر: " هيا "
لكن آليس لم تتحرك خطوة واحدة مما جعل الأثنان ينظران إليها بإنتظار تحركها لكنها في المقابل قابلتهما بإبتسامة أدلت عنها بقولها: " وإذا رفضت إيصالكَ لي ماذا سيحدث حينها "
نظرات حيرى تبادلها الشابان ليجب الشخص المعني بضجر: " لا شيء "
_ " حسناً إذاً .. يسرني جداً قدومكَ إلى هنا وقبول إيصالي للمكان الذي أريده لكني حقاً غير قادرة على الوثوق بأحد وخصوصاً اذا كان شاباً وفي الليل "
_ " لم يجبركِ أحد على فعل ما لا تريدين "
لم تكد آليس تدلي برأيها حتى قال الشاب كيم بعنف: " هذه هي الأوامر سامويل وعليكَ تنفيذها أما أنتِ يا آنسة ستذهبين رغماً عنكِ فأنا لا أستطيع ضمان سلامتكِ إلا بهذه الطريقة "
لم تشأ آليس أن تزيد من حدة موقف كيم لذلك أعلنت موافقتها بهز رأسها لكنها في المقابل شرطة هامسة بخفوت لم يسمعه سوى ذلك المعني بإيصالها: " هل يمككنا التوجه إلى هناك سيراً على الأقدام "
إبتسم الشاب بعطف على حالها وأجابها فوراً: " لكِ ذلك يا آنسة .... "
_ آليس
تحرك سامويل ثم تبعته آليس بهدوء وهي تدله على الطريق ))
عادة آليس إلى أرض الواقع فور دخول شخصان إلى المقهى لكن ليس هذا ما أدهشها بل تلك العينين التركوازيتين التين تحدقان بها بنظرات غير مفهومة مما جعل آليس تلقي التحية بإرتباك شديد: " أ .. أهلاً "
لكن أحد من الاثنين لم يجبها وأنطلقا حيث مكان جلوس صاحبهما في آخر المطعم منعزلاً عن العالم .. حالما إبتعدا عنها حتى وضعت يدها على صدرها زافرة كمية من الهواء تعيد بها هدوئها لتنطلق بعدها نحو تلك الطاولة بعد أن تأكدت أن جميع النادلات لديهن عمل ولن تتمكن أيهن من تلبية طلبات من على الطاولة .
وقفت آليس بهدوء رسمت معه إبتسامة كان لا بد منها على كل نادلة أن تبتسمها ثم قالت: " ما هي طلباتكم أيها السادة "
قال لها الشخص الثالث والذي لم تتعرف آليس عليه تلك الليلة بسخرية: " وهل قال لكِ أحدهم أن هذا الوقت كافي لنختار ما نريده "
أجابته آليس بهدوء وإحترام: " لا أعتقد أن هذا صعب عليكم .. فأنتم من رواد هذا المقهى لذا يجب أن تعلموا ما ستطلبونه قبل دخولكم إلى هنا "
تحولت سخرية الشاب إلى دهشة عبر عنها بقوله: " وما أدراكِ"
إبتسمت له آليس وبدأت تحليلها كما حدث مع ذلك العم في الأمس: " هذا سهل .. أولاً قدوم صاحبكم السيد سامويل وإتخاذه هذه الطاولة دون إلقاء نظرة على بقية الطاولات .. ثم أنتما حين دخلتهما إتجهتما إلى هنا سريعاً دون إلقاء نظرة في الأرجاء "
أنهت آليس تحليلها ببتسامة مرحة رسمتها على شفتيها ليحرك الشاب الجالس على يمينها شفتيه قائلا: " لم أعتقد انكِ بهذا الذكاء آنسة آليس "
لم تجبه آليس لكنها في المقابل أرسلت عيناها نحو ضوء الشمس القادم من فتحة الباب مكتفية بالصمت لكن هذا الصمت لم يدم إذ بادر الشاب الجالس على يسارها بالسؤال: " هل تعرفان بعضكما "
أعادة آليس نظراتها نحو سامويل ثم حركة رأسها نافية ما قاله وهمست: " لا "
تعجب الشاب من جوابها ثم تدارك الأمر بقوله ساخراً: " كفاكما لعباً .. لا تقلقا لم نفشي سر حبكما لأحد "
_ حبهما !!!!
قالها كيم متعجباً بينما آليس إحمر وجهها توتراً .. ليقطع هذا كله سامويل بقوله الحاد: " إن لم تغلق فمكَ الآن يا فرناند سأقوم أنا بقتلكَ هذه المرة "
علمت آليس من تعابير وجه سامويل أنه جملة فرناند أغضبته كثيراً كما أنها لاحظة تحرك شفتي فرناند للرد عليه فما كان منها سوى أخذ خطوة جريئة حركة بها شفتيها قبل فرناند وقالت متناسية من هي وما موقعها: " توقفا أنتما الأثنان عن هذا حالاً .. أنتَ يا سيد فرناند إعتذر لصاحبكَ السيد سامويل حلاً "
تفاجأ الجميع من قولها هذا عدا فرناند الذي على ما يبدوا أنه يبحث عن المشاكل بستهزائه منها: " هه أعتذر لمن .. لهذا الصعلوكِ الصغير .. أنتِ تحلمين يا فتاة "
إبتسمة آليس إبتسامة جانبية وحدثته بهدوء تنافى عم تشعر به من قهر: " آسفة يا سيد لكنكَ في مقهى محترم وعليكَ إحترام نفسكَ هنا ثم إحترام غيركَ .. أنت بما قلته لم تسأ إلى النادلة العاملة هنا فقط بالأسأت إلى صاحبكَ بالعديد من الإهانات وهذا ما لا نسمح بحصوله هنا .. لذلك إن كنت تود العراك أو الشجار فالأفضل لكَ أن تذهب لأحد الحانات المنشرة في الأحياء القديمة وانا أضمن لكَ أنكَ ستجد العديد مِن مَن يريدون العراك هناك "
صر فرناند بغضب على أسنانه محاولاً تجاهل ما قالته له لكنه لم يستطلع إذ إنفجر يصيح في وجهها بعد أن وقف على قدميه: " انتِ أيتها الحمقاء الساذجة .. كيف تسمحين لنفسكِ بإهانة أحد أكبر الضباط في مركز الشرطة "
لم تعره آليس أدنى إهتمام لكنها وجهة حديثها للشاب الجالس أمامها كيم وقالت: " هل عرفت الآن سبب رفضي لخدمتكم في البداية "
أومأ الشاب رأسه بتفهم والآخر يقف بقربه يشتعل غضباً من الفتاة التي قامت بتطنيشه وعدم الرد عليه كما لو أنه غير موجود ولسوء حظ آليس فقد سمعت النادلات صراخ فرناند وقمن بإستدعاء المدير توماس الذي حظر من فوره ليرى الموضوع .
قال السيد توماس بحدة مركز عينينه على آليس التي أخفضت رأسها بندم: " ماذا جرى آنسة ويلنتون "
تبادل الشابان كيم وسامويل النظرات حال سماعهما لإسم عائلة ويلنتون في حين أن آليس لا تزال تلتزم الصمت ليجيب فرناند بدلاً عنها بقوله: " لم أكن أعلم أنكم توظفون نادلات لا يعرفن ما هو الأدب سيد توماس "
حد السيد توماس من نظراته نحو آليس وأجاب: " أنا أعتذر نيابة عن هذه الفتاة فهي جديدة هنا سيد غوبلاس "
رد عليه فرناند بتهجم: " حتى وإن لكن هذا غير مقبول البته .. هذه الفتاة إحتقرتني وقللت من شأني كما أنها لم تعر لما قلته بالاً بل حدثة السيد كيم بدلاً من الإعتذار لي "
هنا فقط رفعت آليس عيناها لتاقبلا عينين فرناند محركة لشفتيها المطبقتين بحدة: " أنا لم اقلل من شأنكَ ولم أحتقركَ يا سيد .. كل مافي الأمر أنني لم أشأ أن ينشب شجار بين صديقين في مكان متحرم كهذا وإذا كنت تضن أن ردي كان تحقيراً من شأنكَ فأنا أقدم لك إعتذاري على ما بدر مني من قول لم أحسب حسابه .. آسفة سيد فرناند "
إبتسم الشاب بسخرية وقال: " هذا لا يكفي .. الاعتذار وحده لا يكفي "
_ " إذا ما الذي يكفي "
صمت فرناند قليلاً ليخطر في رأسه فكرة إنتقامية جعلته يبتسم بشر مدلياً عنها بسؤاله للسيد توماس: " ما مدى حاجتكم لنادلات جدد "
لم يفهم أحد مبتغى فرناند سوى آليس وصاحبيه لكنهم إلتزموا الصمت حتى يكمل حديثه .. بعد أن أجابه السيد توماس: " في فترة الصباح كما ترى العمل القليل لذا لسنا بالحاجة إلى الكثير .. لكن في الظهيرة والمساء فإن عدد الوافدين يكثر مما يجعلنا في حاجة لعديد من النادلات "
زادت إبتسامة فرناند ثم وجه نظره ناحية آليس التي لازالت ترمقه بحدة وقال: " إذاً ما رأيكَ أن أؤمن لكَ القدر التي تحتاجه من النادلات مقابل أن " صمت قليلا ليكمل بحد: " أن تقيل هذه الفتاة الوقحة من عملها "
دهش الجميع من طلب فرناند عدا الثلاثة طبعاً ليأتيه جواب السيد توماس مرتبكاً: " ولم كل هذا سيد غوبلاس "
_ هذا لأنها لا تستحق العمل مع سيد محترم وخلوق مثلكَ سيد توماس فهي تسيء إلى سمعتكَ وسمعت المقهى بعملها فيه "
كان هذا الحد الأقصى الذي وصلت له آليس ولم تعد تستطيع التحكم بنفسها بداية من تجمع الدموع في عينيها ونهاية بفكها لعقدة حزام مريلتها وخلعها لها واضعة إياها على الطاولة وهي تقول: " لن أسبب لكَ المزيد من الإحراج سيد توماس وأنا أعتذر على ما بدر مني "
بعدها إلتزمت آليس الصمت وغادرت نحو غرفة الملابس لتغير ملابس العمل إلى ملابسها العادية وتأخذ جميع حاجياتها من الخزانة وتغادر المقى بعد توديها للطهاة الذي علموا بنصف القصة لكنهم بالطبع لم يصدقوها بسبب معرفتهم بآليس الفتاة الناعمة الرقيقة ذات القلب الطيب .. وفي هذه الأثناء كان الصمت قد طبع على المكان فحتى الزبائن القليلون الذي كانوا متواجدين توقفوا عن تناول طعامهم ينظرون إلى السيد توماس ومن معه لكن هذا الصمت لم يدم طويلا حين شعر السيد توماس بوقفه وقال بصوت جهوري عالي: " أعتذر أيها السادة الكرام على الموقف الذي حصل تواً .. وأجروا منكم العودة لإكمال فطوركم " بعدها وجه حديثه إلى فرناند ومن معه معتذراً: " أنا آسفة عما قامت بعد النادلة آليس ويلنتون واتمنى أن تقبلوا إعتذاري "
أجابه فرناند بغرور: " لا عليكَ سيد توماس إن المخطأ في الأمر هي الفتاة ولست أنتَ كما أنها لو بقيت أكثر لتسببت بالكثير من المشاكل غير هذه "
_ " معكَ حق سيد غوبلاس "
بعدها عاد السيد غوبلاس إلى مكتبه في الجهة اليمنى من المقهى وعادة الحركة إلى المقهى من جديد عدا تلك الطاولة التي أجلست فوقها ثلاثة شبان من الشرطة إثنين منهم يتبادلون النظرات بينما الثالث يجلس بكل فخر وعزة نفس فرحاً مما فعله بهذه الفتاة المسكنية وتسبب بطردها من عملها .
وهكذا غادرة الفتاة المسكينة المقهى على أمل كاذب بالعودة إليه من جديد رغم يقينها بأن ذلك المدعو فرناند لن يدعها وشأنها بعد ما قالته فأمثاله من بني آدم يتصفون بالكبرياء الزائد عن حده فهم يعتبرون كل ما يقال لهم إهانة وكل شخص يرد على إسائتهم له غير محترم .. فما كان منها غير رسم إبتسامة مصطنعة على شفتيها تخدع نفسها بها تدوس على حزنها وتحاول بناء ما تحطم من فؤادها .. تنفست الصعداء ثم همست لنفسها ببرود: " القسوة .. الخداع .. اللا مبالاة .. هذا ما أحتاجه لأعيش " تأملت كلامها قليلاً ثم عادة تحدث نفسها بخفوت: " هه وكأنكِ تقدرين على فعلها آليس .. دائماً ما كنتِ تحاولين وتفشلين لذا لا فائدة من المحاولة البته .. أنتِ هكذا .. رقيقة كنسمات الهواء .. ناعمة كبتلات الأزهار .. حساسة كالمياه تحركها الرياح .. هذه أنتِ آليس تقبلي واقعكِ المرير أيتها الطفلة "
وبعد كل هذا عادة آليس من جديد لشقتها وإرتمت فوق سريرها تحتضن وسادتها التي شاركتها دموعها والإصغاء إلى شهقاتها ونحيب بكائها الحاد الذي إمتزج مع عباراة يأس وألم لا يفهم منها شيء .
وإلى هنا أنهي سطور الفصل الثالث بنحيبها الذي أصبح رفيقاً لها ولا يفارقها مهما فعلت لكن هذه المرة الأمر مختلف فقد تعرضت هذه الفتاة الناعمة لإهانات وإساءات عديدة في يوم واحد
- بعد أن خرجت آليس من المقهى الذي كانت تعمل فيه قبل أن تطرد وتهان كرامتها أكثر .. ما الخطوة التالية التي ستتخذها لتجتاز هذه المحنة ؟؟
- كيم, سامويل, فرناند .. من هم .. وما قصتهم .. وهل سيكون لهم دور في حياة آليس أم لا ؟؟
- البارت القادم .. كيف سيكون .. وما الذي سيجري به ؟؟ .. أنتظر توقعاتكم .
الدموع أصبحت رفيقتي
والوسادة عشيقتي
وأنا أصبحت مؤلمة نفسي