#الفصل الرابع# أسدل الليل ستاره على المدينة وبعث الظلام رعبه فوق سمائها وازدادت غزارة المطر متخللة برياح باردةتفتت الجسد ولم أكن ألبس ألا ملابس المدرسة ذات اللون الاحمر وأنا حاضنة صورة يوساقي سان. برق ..ورعد .. وصواعق كانت هذه هي حالة الطقس في تلك الليلة التي تحطم بها قلبي الصغير الذي عانى من الكثير من الأحزان . موت أبي ..موت أمي ..مفارقة أخي الحنون ..وخيانة معلمي الذي وقعته به من دون أن أشعر لم أكن أتخيل يوماً بأنه سوف يفارقني . عضضت على شفتيّ بخنق عندما تذكرت كلماته وهو يقول لي :- -في الحقيقة أنا لا أميل الى الجنس الآخر ولكن أهتمامي بك كدليل صادق على حب أخيك . ابتسمت ساخرة وقلت في نفسي هامسة :- -وما تفسير ماحصل الآن ؟! أستلقيت مجدداً على الأرضية الباردة وأنا رافعة رأسي الى الأعلى أمرر الذكريات السعيدة سريعاً في مخيلتي التي لم تتصور أنا تحتضن أفكار الحب والفراق . بقيت أصارع النوم الذي كان يداعب أجفاني برقة وأنا أحاول جاهدة عدم النوم بدأت عينيبالأستسلام رويداً.. رويداً ولم تجد مقاومتي أية فائدة. أسقطت الهاتف الجوال من يدي ودفنت الصورة في جيبي وغرقت بالنوم . -ماذا تفعلين هنا ؟! فتحت العين اليمنى وأنا ناقمة على الشخص الذي أيقظني من أحلامي الوردية فنهضت بملل وأنا أداعب خصلات شعري . -هاي ،أنا أحدثك الآن . -ماذا ؟؟! هكذا أجبت وبكل برود لأني مازلت مخدّرة بسحر النوم الدافئ ..تثاءبت وعاودت النوم ولكن ضربة منه كانت كفيلة أن تخرجني الى العالم الحقيقي . نهضت بغضب وقلت له بحدة وأنا ممسكة بالعصا التي التقطتها من الأرض :- -من تعتقد نفسك حتى تقوم بضربي بهذه الطريقة ؟! -أنتي التي كان يجب عليك الأستجابة ؟ أجابني الشاب الذي لم يظهر على وجهه أي نوع من الخوف او الغضب فتأملت وجهه الجميل الوسيم وعيناه البنيتان المتقدتان ذكاءاً وشعره الازرق الذي يغطي نصف جبهته . فالتف الى الخلف ناوياً المغادرة لكني أمسكت بمعطفه القرمزي اللون فنظر اليّ بتعجب والتف ناحيتي وقال بلطف :- -أهناك خطب ما ؟ -لا . هكذا قلت وأنا خافضة رأسي الى الأسفل وقد فتنت بقسمات وجهه الهادئة الباردة . وتورد خدايّ خجلاً عندما أخرج منديله الابيض ومسح به وجهي وكأنه قد مسح الأحزان في قلبي فأحسست بشعور دافئ وكأنني قد تحررت من قيد أشلّ كل أعضائي . -لماذا أنت هنا ؟ فالطقس بارد هذا اليوم . قالها وهو يخلع معطفه ويضعه على كتفي بكل رقة فنظرت أليه واستجمعت بعض الكلمات : -في الحقيقة ،تهت عن منزلي . أصدر ضحكة خفيفة آستطاعت أن تهيج مشاعري وتشتت أفكاري وتعقدّ لساني . وقال مبتسماً ومداعباً خصلات شعري:- -هل أنتي طفلة صغيرة حتى تفقدي عنوان منزلك ؟ الأبتسامة هي اللغة التي استطعت اجادتها أمامه وفجأة جذبني من يدي وصعدّ بي الى الأعلى وأنا لم أستوعب تصرفه هذا . -آسف على هذا السلوك غير اللائق ،ولكن أنا فقط أهرب من الواقع . شدتني هذه الجملة التي نطق بها فمه المرسوم في وجهه بشكل رائع يتناسب مع الجمال الربّاني البديع . وقلت له بعطف:- -ماذا تقصد؟ لم أسمع أي إجابة منه بل لاحظت سحابة حزن رسمت على وجهه فاستطعت تدارك خطأي عندما قلت له :- -هل توقف المطر ؟ عادت أليه طبيعته ففتح النافذة وقال لي بمرح :- -نعم ، أنه ينظف كل شيء كما ينظف الثوب الأبيض من الدنس . نهضت ووقفت خلفه فأطلقت تنهيدة تدل على الأرتياح الشديد وقلت وأنا أشاركه سعادته :- -جميل ،إن هذا المنظر خيالي . -أنا دائماً آتي الى هنا . -ولماذا ؟ - لأني بهذا المكان أستطيع دفن مشاعري بكل أريحية . هكذا قال وهو يتكأ على النافذة الخشبية فأكمل بعد أن أخذ نفساً عميق :- -الحياة لن تدوم بالشكل الذي نتمناه ولكن نحن نستطيع الوصول الى مانريد بعد صراع شرس مع الحياة . شعرت بكلماته تلامس جدارن قلبي فهذه الكلمات سوف تنطلق من شخص قد عانى الكثير من الحياة فالشخص الذي تعودّ الرفاهية والترف لايمكنه التفكير على هذا النحو وهذا مادفعني لقول هذه الجملة وقد آرتسمت الأبتسامة على وجهي :- -نحن متشابهين . صفرّ بدهشة وهو يتأملني جيداً فأغمض عينيه قبل أن ينطلق ويقول :- -حقاً إن مفاجأت الحياة لاتنتهي . كانت هذه نهاية اللقاء لهذا اليوم فقد رنّ هاتفه وكان يهمهم بكلمات تبين خطورة الأمر . فنظر اليّ وابتسم أبتسامة كشفت عن جماله الساحر وقال لي :- -يجب عليّ المغادرة -لا بأس هكذا قلت له قبل أن ينزل من الدرج الطويل الممتد أمامي ويغادر عتبة الباب مبقياً في قلبي مشاعر لم تتحرر بعد نزلت الى الاسفل وتقدمت الى حقيبتي الملاقاة بأهمال بجانب الطاولات القذرة فابتسمت ساخرة :- -لقد تصدّقت عليّ بملابسي وهذا شيء جيد . انحنيت لأفتح حقيبتي فانزلق معطف الشاب من على كتفي فأطلقت صرخة وقلت :- -ياألهي ،لقد نسي معطفه . خلعته وطويته بشكل أنيق وطبّعت عليه قبلة تائهة ماكنت سوف أفعله مع يوساقي أبداً . أخرجت معطفاً وردي اللون وبنطالاً أسود طويل ليدفئ ساقيّ قليلاً ولبست حذاء طويل يصل الى ماقبل الركبة وصففت شعري وربطته الى الخلف مبقية خصلة واحدة للأمام . خرجت من عتبة الباب وقد أخفيت حقيبتي في درج خلف الطاولة الكبيرة الموضوعة للأستقبال . كان الثلج قد ألبس المدينة فستاناً أبيض ناصع البياض عندما خرجت فالتقطت بعض كرات الثلج التي تكومت ورميت بها عالياً في الهواء . كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة عندما رأيت هاناي مقبلاً ناحيتي وقد ارتدى معطفاً أحمر ولف عنقه بوشاح أسود حريري مما أضاف عليه لمسة سحرية جميلة وأنيقة فتمايلت خصلات شعره الأسود الفاحم وبقيت أنظر على وجهه الأبيض وقد تهلل فرحاً عند رؤيتي توقف مبقياً بيني وبينه مسافة ليست بالقصيرة ولا الطويلة فمرّ سكون ملحوظ شعرت فيه بالضجر فاندفع هاناي وقال :- -هل أجد تفسير عما حدّث اليوم ؟! . سرت رعشة في جسدي لا أجد أي تفسير لحدوثها هل يعلم بما حدّث لي ؟! ماذا يقصد بكلامه هذا ؟! أزال حيرتي وتعجبي عندما نطق هاناي بحدّة :- -لماذا تغيبتي الحصص الماضية ؟ وأنتي تعلمين بأن لدّينا دروس للأستعداد للمهرجان الثقافي . أحسست بالطمأنية وهدأت أعصابي وتنحنت قليلاً قبل ماأنطق بخجل :- -لم يكن لدّي مزاج في التدريب !!. -بربك ماذا تعنين بهذا ؟ لاوقت للمزاج الآن ،الموعد قد اقترب وأنت تضيعين الكثير من الفرص . كرّهت لهجة هاناي القاسية فنظرت الى الأسفل بحزن وأنا ألعب بالثلج المتراكم وقلت له بعد أن أشارأليّ بالحديث :-
-هاناي ،ليس الناس متشابهون ويملكون ظروف متحدّة . -ماذا ؟! شعرّت وكأن هاناي قد تمنى الأنتحار في الوقت الذي نطق به هذه الكلمات فاقترب قليلاً وقال لي بلطفه المعتاد :- -هل حدّث شيء ؟ -لا -دائماً ماأسمع هذه الاجابة منك . هذا ماقاله وقد تغيرت ملامح وجهه الى ملامح غاضبة وكارهةً للأجابة التي قيلت له وقلت له وأنا أدير ظهري مخفية أمتعاظي :- -أنا أعتذر ،ولكن لايوجد لديّ سبب لأخبرك بما يحصل . لم أستطع رؤية ملامحه الغاضبة ألا بعد ماأمسك بكتفي وأدارني بقوة العاطفة وقال وعينيه تتلألأ دمعاً : -لماذا ؟ لماذا ؟ الكل يقول لي هذا الشيء وأنا المتكلف الذي أحاول جاهداً أن أدخل قلب كل شخص في حياتي بهذه الكلمات الصادقة حرّك هاناي مشاعري فابتسمت له وأنا أحجز دموعي عن الهطول وقلت له :- -لأن قلوب الناس كالزجاجة إما تكون قد كسرت من قبل شخص حقير لذلك لاتستطيع أعادة الزجاج المتناثر الى حالته الطبيعة ،حتى وأن عاد فسيبقى هناك شرخ لا يستطاع أعادته كما في السابق أبعد يديه عن كتفي وأدار ظهره بحزن شديد وقال وصوته ممزوج بالبكاء :- -وها أنت قد كسرت أحدى الزجاج . قالها وابتعد عني ولمحت دموعه المتساقطة ولم أستطع أن أستدير عطفه بدموعي وصراخي البائس .فجثيت على الأرض وأنا ناقمة على تصرفي القاسي معه . -أنا قادمة . فتحت الباب فتاة رشيقة جميلة ذات شعر بني جميل مصفوف بطريقة عصرية بقيت بجانب الباب وقلت لها وأنا أبتسم بتكلف :- -صديقة أتت لزيارتك ،فهل تقبلين ضيافتها؟! . أمسكت أوكايمي بيدّي وضمتني أليها بقوة وقالت وهي تبكي :- -لقد قلقت عليك أوكايهو . -أوكايمي . هكذا قلت وأنا أحتضنها وأفرغ دموعي على كتفيها وتعالى بكائنا وكأنه نغمات بيانو مزعجة أدخلتني الى منزلها المتواضع الصغير حالها كحال أي فتاة تدّرس وتعمل بنفس الوقت . جلست على السرير الابيض الناعم وأنا أداعب غطائه بسعادة متكلفة . -أعذريني فليس لديّ ماهو جديد . هكذا قالت أوكايمي وهي تقدم كوب من اللبن الدافئ ووجهها الصغير الجميل قد صبغ باللون الأحمر أخذته منها وهمست لها بنغمات حزن مدفونة :- -كوب اللبن هو كل ماأتمناه الآن. ابتسمت أبتسامة تدّل على رقة مشاعرها وجلست على مقعدها وقالت لي بتردد وهي تنظر أليّ تارة وتنظر الى الأرضية تارة أخرى:- -هل حدّث لك شيء ؟ خفضت رأسي وشددّت على كوب اللبن وأنا أحاول أعادة بعض الهدوء الى مشاعري وأمنعها من التدفق الصاخب . -أنا آسفة ...أنا لن أرغمك أبداً عزيزتي . -في الحقيقة ،لقد تعرضت لخيانة ،فراق ،عذاب،طرد . نطقت الكلمة الاخيرة واستلقيت على السرير وأنا أبكي بشدة وبحرقة لم أتعرض لها من قبل فجلست أوكايمي بجانبي وهي تشاركني ألمي بكل صدّق فنهضت وارتميت في أحضان أوكايمي ربتت أوكايمي على كتفيوأنا أشعر بدموعها الدافئة تسقط على يدي فقالت لي :-
-لاتقلقي ياعزيزتي . هذا كل ماأستطاعت أوكايمي قوله فقد انخرطت بعدها في نوبة بكاء ألمتني بشدّة . بعد فترة من حفلة البكاء الصاخبة قالت لي أوكايمي وهي تمسح دموعها بمنديلها الحريري المحاك بطريقة جميلة :- -أنا أفهم مشاعرك جيداً فلقد تعرضت لخيانة أليمة . *الرجآء عدم الرد :$! |
التعديل الأخير تم بواسطة أغاثا كريستي ; 04-06-2013 الساعة 10:06 PM |