عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 04-07-2013, 02:19 AM
 
.











.


تقاطرت حبات المطر الباردة مضيفة تلك النكهة الفريدة لأجواء باريس الباردة في شتاء قل نظيره

توقفت العربة منبئة عن وصولهم لوجهتهم المنشودة .. أمام فندقٍ كبير ذو طرازٍ فيكتوري قديم

فُتح الباب ونزلت تعينها خادمتها ذات التسعة عشر ربيعاً

رفعت رأسها تحملق بعينيها الرماديتين الباهتتين في تلك البقعة الجديدة

ذرات المطر التي تجمعت على نظارتها الثخينة حجبت عنها الرؤية أكثر

انما اكتفت بالصمت وتحريك عكازها الغليظ متجهة نحو الفندق تسندها ماريزا خادمتها اليافعة



وقفت تحدق في الفراغ وهي تجلس على الكرسي العتيق بملابسها المبللة ووجهها الشاحب

بينما كانت ماريزا على مقربة منها تتحدث مع ذلك الأسباني الوسيم ذو البدلة الرسمية الأنيقة

وضحكاتهما تخترق مسامعها وقد اكتفت كعادتها بالصمت ولاشيء سواه !

عادت لها ماريزا بعد فترة ثقيلة رغم قصرها .. وهي تقول : هيا انهضي سآخذكِ لغرفتكِ

رفعتها وأسندتها من جديد ثم أشارت لفتاها مودعة بينما كان يقول لها بتهكم :

لما تغادرين بهذه السرعة وددت أن تبقي معي أكثر..

أجابته بضجر وهي تشير بعينيها للعجوز : ماذا عساي أن أفعل .. سآخذها لغرفتها وحالما أنتهي سأعود لنتناول العشاء معاً .. اتفقنا ؟

ابتسم بسرور مجيباً : اتفقنـــا..



في تلك الغرفة الباردة .. جلست على السرير بعدما أبدلت لها خادمتها ملابسها بأخرى جافة،تركتها بعدها ووقفت أمام المرآة تهيأ نفسها لموعدها..

سدلت شعرها البني ذو التموجات الناعمة الجميلة .. وزينت شفتاها بلونٍ أحمر يتناسق مع بشرتها البيضاء وخديها الموردين..

ورسمت بعض الكحل الناعم على جفنيها ليضفي رونقاً خاصاً لعينيها الزرقاوتين المشرقتين..

ثم ارتدت معطفها الأحمر بلون شفتيها فوق ثوبها الأبيض الحريري الدافيء،

وحملت حقيبتها الفضية اللامعة ..


توجهت ناحية العجوز التي كانت تتأملها بحسرة وألم طوال الوقت ثم وضعت المائدة أمامها ثم قالت وهي تجهز علبة الدواء :



سأخرج الآن .. تناولي طعامكِ بعد ربع ساعة .. ولاتنسي بعد ذلك أن تتناولي دوائكِ .. أعتقد أني سأتأخر لذلك لاتنتظريني واخلدي للنوم ..أراك قريباً..

أشارت لها مودعة ثم خرجت وهي تغني ببهجة .. وأقفلت خلفها باب الغرفة التي بدت كالسجن بالنسبة لهذه العجوز الغامضة !، والتي أخفت بداخلها الكثير من الأسرار !! ..



أمام النافذة الباكية جلست تتأمل السماء التي لم تتوقف لحظة عن سكب دموعها مصافحة أرجاء باريس ..


تنهدت بثقل وأغمضت عينيها هنيهة تستعيد رخاء روحها المكلومة

فتحتهما من جديد وأخذت تتأمل ذكرياتها على النافذة العتيقة وهي تستعيد أحداث آخر لقاء لهما



تماماَ بجانب مصباح الشارع الذي يبعد عن الفندق بضع سنتيمترات





كان يقف وقد بلله المطر .. مخبأً يديه في جيبيه دون أن يحمي رأسه



والذي انسابت من شعراته الناعمة ذرات المطر النقية



نزلت من العربة تحتمي بمظلتها ... واتجهت نحوه بكبرياء وتململ كأنما ذلك اللقاء لايعنيها



نظر لها بابتسامة باهتة قائلاً بصوته المخنوق : ساعة وعشر دقائق وخمسون ثانية



نظرت له ببرود قائلة : قل ماكنت تريد قوله فلا وقت لدي .. الجو بارد كما ترى



ابتسم مجدداً وقال مذكراً اياها : انتظرتكِ في هذه الأجواء الباردة كل ذلك الوقت .. ورغم هذا .. مجرد رؤيتكِ بعدها لهو أمر نادر الحدوث ويسعدني حقاً أنه حصل ..


نظرت له مستنكرة ثم قالت ولم تنسى الحفاظ على كبريائها وجبروتها : لا أظنني طلبت منك انتظاري يوماً .. فأنا لا يملكني سواي .. وطالما كنت كما تقول فلما انتظرتني كالأبله كل هذا الوقت .. أترى انه خطأك لا خطأي ..


بضيق أجاب وهو يحاول ابقاء ابتسامته على محياه : ليس من الجيد الاستسلام الآن .. فهو لقائنا الأخير على كل حال ..


لسبب ما كلمته تلك ضربت أوتار قلبها بعنف انما لم يرمش جفنيها ولم تبذل جهداً بابداء مشاعرها المضطربة تلك ..


لزمت الصمت بينما اكمل وهو يقترب بضع خطواتٍ منها : ملاكي الشيطاني .. كنت حقاً أسعى لترويضكِ .. لكن الأمر خرج كثيراً عن حدود قدراتي فما عدت أقوى التجلد أكثر .. طالما سعادتكِ ستكون حالما أبعد عنكِ .. فلا أريد سواها .. انما تذكري .. أنكِ ان بقيتي على هذه الحال أكثر .. فلن أكون أنا جل ماتخسريه ..


بصمت ظلت تنظر لعينيه الصادقتين المحبتين .. واللتان تألمتا لحالها



ربت على كتفها الأيمن بخفة ثم تجاوزها ليغادر تلك البقعة .. تاركاً الحيرة تعصف كيانها المتجبر .. والذي أبى الخضوع أو الاستسلام ولو للحظة !







عادت من أنين ذكرياتها التي مزقتها ..


و التي خلفت جرحاً عميقاً بقلبها لايمكنها نسيانه
" ديورا .. الملاك الشيطان .. لقب مزدوج هو مالقبت به حينما كانت في مثل عمر ماريزا

بجمال يأسر القلوب .. تلكما العينان الخضروان المزدوجتان بزرقة خفيفة شفافة

وشعرها الحريري الأصهب المنسدل على كتفيها بأريحية ..

نظراتها الحادة الواثقة .. كل شيء تبدل تماماً .. فهاهي عجوز لاتقوى على الحراك بلا معونة..

اختفى بريق عينيها وجمال شعرها ووجهها .. ولم يبق منها الا روح خاوية بالية

تذكرت كيف رفضت العالم وتجبرت وقد سيطر كبريائها وغرورها على كل شيء

فتربعت عرش نفسها وفرضت على العالم سطوة روحها

وأذلت الجميع وأخضعتهم لسلطانها ..

واستعذبت عذاباتهم في سبيل ارضاء أهوائها ونشوتها

فما كان لأحد أن يمتلك قلبها الذي لم يكن يوماً ملكاً لسواها

أبعدت الجميع عن ملكوتها وحكمت عليهم أنها الأفضل والأمثل .. فخسرت "

- خسرت كل شيء .. خسرت جميس المحب .. وخسرت ايزابيل صديقتي الوفية

خسرت كل من أحبني بصدق وحاول الامساك بيدي قبل أن أقع

لكنني رفضتهم جميعاً .. وغدوت وحيدة

وحيدة تحتجزني .. شوارع باريس

والتي كانت في يومٍ من الأيام

كلها .. ملكٌ لي ...

انتـــــــــــــــــــــهى