عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09-03-2007, 08:11 AM
 
كلام جميل وراقي..!


كيف يشرق قلب صور الأكوان منطبعة في مرآة قلبه؟
‏أم كيف يرحل إلى الله وهو مكبل بشهواته؟
أم كيف يطمع أن يدخل حضرة الله وهو لم يتطهر من جنابة غفلاته‏؟
‏أم كيف يرجو أن يفهم دقائق الأسرار وهو لم يتب من هفواته‏؟



شرح الحكمة:
1- كيف يشرق قلب صور الأكوان منطبعة في مرآته؟
الإنسان قفص صدري يشترك بذلك مع جميع الحيوانات و هو قلب و عقل، بهما كانت الحضارة و العمران، فالعقل يعي و يُدرك، و القلب مجمع للعواطف و الوجدان، فالعقل مهمته الإدراك و الوعي، و القلب هو مُلتقى العواطف الدافعة (الحب و التعظيم) و الرادعة (الخوف و الكراهية) و المُمجدة (الانبهار و الإعجاب و الإجلال)
و القلب لوحة ذات حساسية مرهفة تتفاعل مع ما يقع عليه بصرك من الدنيا، فإن كان منسجما مع لوحتك أحببته، و إلا كرهته. فالقلب إذن ليس إلا مرآة تنعكس صور من أحوال صاحبه. فإن وُجهت إلى بئر مظلمة صارت سوداء، و إن وُجهت إلى شمس ساطعة كانت بيضاء...
فإن كانت الدنيا هي آمال الإنسان، كان قلبه و عواطفه مجندة لتحقيق ذلك، و أنى حينها لوجود الله أن يجد متسعا في قلبه ؟؟ (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) المطففون:14. فالران حينها يطبع القلوب و يمنع صاحبه عن العودة إلى الله بالرغم من معرفة الطريق الصحيح، حتى إذا أراد العقل نبت نبتة خير، لم يجد مكانا خاليا لذلك.

لكن لماذا أُغلق القلب بتلك الطريقة؟ و لماذا استقرت صور الأكوان في القلب بدل صفات المُكون، رغم أن العقل موقن بالله و وحدانيته و صفاته ؟هذا التساؤل يُجيبنا عليه المقطع الثاني من الحكمة:
2- أم كيف يرحل إلى الله وهو مكبل بشهواته؟
إن صور الأكوان لا تنطبع في القلب إلا بسبب الشهوات التي تُكبل و تُخلد إلى الأرض، فتُنسي المُكون....
فالعلاج إذن هو التحرر من الشهوات...لكن كيف ؟

هذا التساؤل يُجيبنا عليه المقطع الثالث من الحكمة:
3- كيف يطمع أن يدخل حضرة الله وهو لم يتطهر من جنابة غفلاته؟
أصل الوقوع في الشهوات هي الغفلة عن الله عز و جل و علاج ذلك...

4- أم كيف يرجو أن يفهم دقائق الأسرار وهو لم يتب من هفواته؟‏
فكثرة الهفوات توقع في الغفلة عن الله عز و جل، فإن غفلت عن ربك، كان وقوعك في الشهوات سهلا، و إن ألفت الشهوات، غلب على قلبك الران و العياذ بالله.
فالحل إذن هو التغلب على أصل المشكلات و هو الاستسلام للهفوات و الآثام، و ليس مطلوبا العصمة، و لكن المطلوب هو الحرص على الابتعاد عن المعاصي جهد المستطاع ثم التوبة المستمرة و استشعار مراقبة الله عز و جل.
إن من نتيجة التغلب على الهفوات هو التحرر من الغفلة فتدخل بذلك حضرة الله عز و جل، و هي مرتبة الإحسان " أن تعبد الله كما تراه، فإن لم تكن تره فإنه يراك ". و هذه اليقظة القلبية تجعل نفسك تكبح جماح شهواتها، و ترحل إلى ربها، فيزيد حب الله في قلبك.


لكن...قد يتسائل الفرد كيف ترى العينان صور المكونات، ثم لا تستقر الصورة في الذاكرة و من ثم على صفحات القلب ؟
و الجواب...
كل ابن آدم ينقل صور المكونات من عينيه إلى الذاكرة و منها إلى القلب، فإن كان نابضا بحب الله، فإن الصور التي يتلقاها هي بمثابة آيات ناطقة بوجود الله و وحدانيته، و إن كان غير ذلك يتيه بالآثار عن المُؤثر و بالصنعة عن الصانع ثم يغفل و يبدأ في الانزلاق. فآيات الله هي إنما جسر إليه (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ ) آل عمران:190
...
بتصرف..

__________________
..

المغالطة الرابعة
في فهم قوله تعالى :"إن الله لا يغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "

المحاضرة العشرون

..