-أيمكن أن تؤجلي ذلك ؟! نظرّت أليّ النادلة البدينة ..ذات الوجنتين الصغيرتين المتناثر عليها النمش ورمقتني بحدّة وكأنها كانت تطمع مني المزيد ...أمسكت بالرسالة التي أرسلت بطريقة غريبة وقرأتها بعيني ((لن تمانعي بمقابلتي في مقهى آيم دوري )) الأمضاء :- س.ح . مرت دقيقتين قبل أن يتقدّم اليّ رجل يناهز الثلاثين من عمره ...يشوب وجهه بعض الدمامة وعيناه الزرقاوان تشعان بالعبقرية فجلس على الكرسي المقابل لي وقال لي بمرح :- -لقد سمحت لنفسي بالجلوس . تأملته باحترام وقلت له بلهجة تثير المرح :- -لأبأس . -آسف آنسة أوكايهو ،سوف أقدم نفسي الآن . قاطعته وقلت له وحاجبي مرفوعان للأعلى :- -أنا لا أعرفك ياسيد ..فكيف تعرفني ؟! . قال لي ضاحكاً :- -نعم ،من حقّك أن تعرفي . أخرج من جيبه صورة يوساقي سان وقال لي بدهاء :- -لايمكنك أنكار ذلك !! . لم أستطع الكذب أو الخداع فأومأت برأسي تصديقاً . فقطع حدّيثنا صوت النادلة الكريهه وهي تقول بجفاء :- -أخيراً أتى صديقك ...حسناً ماهو طلبكما أيها العاشقان؟! . شبّك الرجل أصابعه وتطلع أليها وهو يصقل نظارته فنظّر أليّ بعمق فقال بهدوء للنادلة :- -أسألي عشيقتي أولاً . تولاني الخجل وددّت لو أن الأرض تبتلعني و لكني حافظت على توارني وقلت لها باستخفاف :- -مايطلبه المغرم . فابتسم أليّ وقال للنادلة التي قد غاص وجهها بالغضب ورأيت علامات الضيق على وجهها :- -لابأس بقدح شاي . -حسناً . هكذا قالت وهي ترمقنا بحدّة فاستدار الرجل ناحيتي وقال :- -بماذا كنا نتحدث؟! فأشرت الى الصورة فقال لي وهو يشعل سيجارته ويرفعها بكل عناية ورقة :- -نعم ،لقد طلب مني هذا الشاب التعيس أن أنقل لك ... صمت الرجل عندما وضعت النادلة قدح الشاي بكل حدّة فتمتم الرجل بكلمات الشكر وشكرتها بأبتسامة مكلّفة فقال الرجل بعد أن أحتسى بعض الشاي :- -لكي أكون صادقاً معك ..فأنا أحد الممرضين الذي يولون المريض اهتماماً كبير لذلك فقد طلب مني منذ زمن أن أقوم بعمل شيء ولكنّي انشغلت نوعاً ما بالأعمال الخاصة ..وتذكرتك الآن . فاندفعت أقول بسرعة :- -إن هذا شيء يسعدني ..وسوف أكون سعيدة لو تركت فلسفتك جانباً ودخلت بالموضوع . تطلع أليّ وقال برقة :- -بالطبع ياعزيزتي ،لقد طلب مني أن أقوم برعايتك . قلت له باستخفاف :- -كم هو لطيف هذا اليوساقي !! -الأمر جديٌ ياآنسة !! -وماذا في ذلك ؟! -لأنني متزوج ،وزوجتي شديدة الغيرة لذلك أستطيع أن أؤجر لك غرفة مناسبة بسعر رخيص . مضيت أفكر قليلاً فانفرجت شفتاي لتقول :- -لا ، أنا لا أحب أن أكون عالةً على الآخرين . -ولكني أنفذّ فقط . -إن كنت حقاً محافظ ..فاختر لي عملاً شريف . وثب الأعجاب الى وجهه وحملّق بي بأعجاب وقال :- -هل أنتي متأكدة ؟! أجبته بعزم :- -نعم . -مالذي تجيديه ؟! وقفت مذهولة أمام سؤاله فاستطردت قائلة :- -الغناء. رفع حاجبيه الكثيفين بذهول وتمتم بشرود :- -هل تجيدين الغناء ؟! تولاني الأرتباك وقلت :- -نعم ،وأذا أردت الدليل على ذلك بإمكانك أن تحضر المهرجان الثقافي لهذه السنة في مدرستي . -جيد ،وما هو العنوان ؟! -هل لديك ورقة ؟! أشار على الصورة ففهمت المعنى فأمسكت بالقلم الذي أضعه دائماً في حقيبتي وانحنيت على الصورة وكتبت العنوان فتطلّع أليّ برهة قبل أن يقول :- -ماعلاقتك مع ذاك الشاب !! قلت له وأنا أرّكز على الكلمات التي أتلفظ بها :- -مجرّد يد بيضاء ظهرت في حياتي . -وصفتيه بشكل مذهل . -لأنه ..نعم ...هكذا يجب أن يوصف . نظر أليّ برقة وقال :- -هناك شيء تخفيه عني ،اعتبريني بمثابة ورقة تكتبين بها ماتشائين . قلت له برفق :- -لا ،ليست الأوراق متشابهة . كان شديد البطء حتى يفهم ماأعنيه لذلك قال لي وهو حائر :- -هل هناك توضيح ؟! صمتت ولم أردّ وكان يتأملني بشدة أزعجتني نوعاً ما فحرك الكوب خطوتين الى اليمين وقال :- -هذا كل شيء !! كانت كلماته الأخيرة تدّل على انتهاء اللقاء فنهضت من مقعدي وانحنيت احتراماً له وغادرت من دون أن أقول كلمة شكر مناسبة على قدح الشاي فغمغمت بين شفتيّ :- -على كلِ لم أشرب منها شيء . كنت شاردة ولم أنتبه الى الاقدام التي كانت تسير خلفي فالتفت سريعاً وهتفت :- -أيري !! ابتسمت أيري في حنان وقالت لي :- -بماذا كنت تفكرين ؟! أستدرت وقلت لها :- -لا شيء . سارت أيري بجانبي وقالت لي بامتعاض :- -لا تقولي بأن ذاك الشخص الذي يشبه وجه الحصان هو حبيبك !! صحت بشدّة :- -كلا !! تنفستَ بارتياح وقالت وقد عادت أليها الأبتسامة :- -أنتي شخص لايمكن القلق عليه . نظرّت أليها بإعزاز وضحكت ضحكة خفيفة وقلت لها برقة :- -وأنتي شخص تحبب مرافقته . ابتسمت لي وسارت بجانبي الى أن وصلنا الى الجسر الذي يقع أعلى البحر فوقفت أتأمله بحزن فقد سرنا ثلاثتنا في عيد ميلاد أخي بهذا المكان والتقطنا صورة رائعة الجمال . استقرت عيني على أيري وهي تضع ذراعيها على الحاجز العظيم وشعرها الأشقر يرفرف مع النسيم البارد المنعش فأطبقت شفتيها بحزن واستدارت ناحيتي وقالت :- -هل تعلمين سبب غياب هاناي ؟! رفعت حاجبيّ عجباً فأيري لم تكن تطيق رؤية هاناي ولا التطرق بالحديث عنه فأجبتها :- -لا . ومرة أخرى استدارت ناحية الحاجز وانسدل شعرها على عينيها وصاحت بحدّة :- -لقدّ تعرض لحادث!! . *يرجى عدم الردّ*