عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 04-10-2013, 01:53 AM
 


الشيخ / عمر محمد صالح با من السنغال مالكي المذهب .


يقول في مؤلفه عن الاباضية : " غير أن المبرر الذي نعتبره أكثر إلحاحا لتعريف الناس بالمذهب الأباضي ، هو السعي لإزالة فهم تاريخي خاطئ عن هذا المذهب تداوله الكتاب ، وأصبح سائدا في الأوساط العلمية وغير العلمية " التقليدية "وهذا المفهوم يتحمل تبعته كتاب غير دقيقين في كتاباتهم ولا مقدرين مسئولية نحو المادة العلمية التي يقدمونها إلى الجمهور كشيء خالد له دوره في تكوين الفكر البشري "

ويقول عندما عرف الحقيقة عن المذهب الاباضي : " والحق أن كتاب المقالات جنوا على التاريخ وجنوا على العلم وجنوا على أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

جنوا على التاريخ لأنهم زوّروه وكتبوا وقائعه على نحو سقيم واعتدوا على قوم أبرياء – قلميا – وزيّفوا مبادئهم ، وقالوا في ألسنتهم ما لم يقله هؤلاء .

وجنوا على العلم ، لأن كتبهم – مع عدم صحة ما ورد فيها وانتفاء الثقة عنها – أصبحت مراجع يرجع إليها من يريد الاطلاع على آراء الفرق الإسلامية ، والتزود بمادة علمية منها . والحال أنها خالية من أية مادة علمية . وجنوا على أمة محمد صلى الله عليه وسلم لمحاولة تفريقها والإمعان في تمزيقها " .


ويقول في موضوع -الأباضية في أقلام كتاب المقالات - "من الواضح أن تضييق الفجوة بين خلافات المسلمين ، أو القاء ضوء كاشف على المسائل التي تباينت فيها الآراء ، لم يكن هدف كتاب المقالات ، بل ان الوازع كان مجرد شعور حزبي كما يكتب أي صحفي ، أو كاتب محترف في صحيفة تابعة لحزبه مدافعا عنه ومهاجما الأحزاب الاخرى المعارضة.

وهكذا ، فيفهم روح العداء للفرق من أقوالهم واللهجة التي يستخدمونها للتعبير عن الفرق حيث وصفوها (بالفرق الضالة) ، فهم –إذا- كانوا منطلقين من مبدأ مقتنع بضلال الفرق ، وفي كتاباتهم وضعوا مقاييس ومعايير سموها منطقية ابتدعوها "وهي تخصهم وحدهم" ، ولو كان هدفهم هو دراسة هذه الفرق وآرائها واجتهاداتهم ، ثم التمييز بين ما قالته هذه الفرق ، وبين ما دس فيها من أقوال من قبل خصومها ، لنحوا نحوا آخر أكثر منطقية وأكثر اتصافا بالاصلاح لذات البين ولاتخذوا مراجع الفرق وكتبها المعتمدة لديها (وهي أيضا) المصادر ، إذ ليس من المنهجية العلمية في شيء أن تكتب عن فئة معينة لها رأيها المستقل وكتبها المدونة ، بدون أن تستمع إلى آرائها تلك ، ومن فمها مباشرة وتقرأ كتبها التي تعكس أفكارها سالمة مستقيمة ، وإلا كنت غير أمين كاذبا فيما ترويه وتكتبه.

فكتّاب الفرق –كما أسلفنا- انطلقوا من مبدأ إثبات فساد معتقدات الفرق الأخرى ، ومن هنا فلا ينتظر منهم –مسبقا- أن يكونوا عادلين في أحكامهم ، لأن العدل والانصاف ليسا واردين في مقدمة تفكيرهم في الغالب ، ولم يجشموا أنفسهم مشقة الرجوع إلى الكتب المعتبرة لدى الفرق التي كتبوا عنها ، ولم يستمعوا إليهم مفترضين صحة ما تقوله الفرق مع وضع التفريط والإفراط في عين الاعتبار ، شأن البشر كلهم ، لا بل ، فإن لسان حالهم كان يقول: بما أن هذه الفرق ضالة ، وعليه فإن كل ما تقوله ( هو ضلال في ضلال) فلا داعي إلى الاطلاع على كتبهم.

والثابت أننا لو وجد فينا روح الإنصاف لقلنا إن ما يقال عن الفرق غير سليم ذلك لأنه الرغم من التآخي بين المذاهب الأربعة ، فالاتهامات وتقاذف كلمات السوء والاقذاع والنابز بالسباب واعتبار كل مذهب هو وحده الصحيح ، وجعل أهل المذاهب الأخرى كأهل الكتاب في المعاملات واعتبار مساجدهم كنائس ، كل هذا كان موجودا فينا يوما وتجاوزناه لحسن الحظ ، فلماذا لم نتجاوز تلك النظرة السطحية التي كان ينظر بها بعض القدامى إلى الفرق . لمجرد سوء ظن لعوامل المعاصرة ؟

والحق أن كتاب المقالات جنوا على التاريخ ، وجنوا على العلم ، وجنوا على أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

جنوا على التاريخ لأنهم زوروه وكتبوا وقائعه على نحو سقيم ، واعتدوا على قوم أبرياء – قلميا – وزيفوا مبادئهم وقالوا في ألسنتهم ما لم يقله هؤلاء .

وجنوا على العلم ، لأن كتبهم – مع عدم صحة ما ورد فيها وانتفاء الثقة منها – أصبحت مراجع يرجع إليها من يريد الاطلاع على آراء الفرق الإسلامية والتزود بمادة علمية منها ، والحال أنها خالية عن أية مادة علمية .

وجنوا على أمة محمد صلى الله عليه وسلم لمحاولة تفريقها . أو الإمعان في تمزيقها . وبالتالي إضعافها . ولم يحاولوا فقط تضييق الهوة الناشئة عن نتائج اجتهادات مجتهديها لمسائل فرعية غير جوهرية في الدين وهي إلى السياسة أقرب منها إلى الدين ، أو لأنها بنت سياسة .

والغريب أن بعض كتاب المقالات وضعوا أنفسهم موضع " الحكم " فتراهم قد ذكروا الفرق الناجية منها ، والهالكة ، عجيب . فكيف عرفوا الناجية من الهالكة ؟ ولماذا إصدار الأحكام في صواب رأي هذا وخطأ ذاك ، وحصر الإسلام على معتنقي مذاهب معدودة معينة وتقرير الأمر جزافا وبجرة قلم ؟والمصيبة أن الكتاب المحدثين أصبحوا يعتمدون على كتب المقالات كمراجع وتجدهم يعددون أسماء فرق لم تكن موجودة يوما ما من الأيام أو وإن كان لها وجود يوما فإنها قد ماتت بل هي لم تعد (1) أن كانت فكرة أشاعها شخص أو شخصان ، وانضم إليها بعض قليل من مولعي التهريج وسرعان ما اضمحلت واندرست وذابت في الأثير ، ولم تكن فرقة بمعناها الجماعي ، ولم يكن لها وجود يستحق الذكر ، فالمحدثون يقلونها لمجرد أنها موجودة في كتب المقالات ، فأصحاب المقالات كانوا قد وضعوها أو دونوها لمجرد إكثار عدد الفرق لتصل إلى الثالث والسبعين موافقة للحديث الذي يروونه قائلا ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة ...الخ (2)

والصحيح أنهم لو أمهلتهم الأيام إلى آخر الدهر لرأوا أكثر من ثلاث وسبعين فرقة ، ولا أدري كيف كانوا سيؤلونه ليفق مع الفرق العديدة ، والحق أنهم تعجلوا في تطبيق الحديث وكأن اختلاف المسلمين انتهى في زمنهم ، وسوف لا يختلفون فيما بعد.

فزمنيا ، ليس هناك مبرر في تدريس الطلبة لفرق وهمية لم يكن لها وجود في مسرح التاريخ ، أو لو كان لها وجود فإنها قد اندرست وانتهى شأنها إلى الزوال ، فليس هناك داع يدعو إلى نبشها من أحداث التاريخ السحيق ، اللهم إلا إذا كان المبرر هو مجرد استهلاك للوقت فقط.

والحق أن كل ما يقال عن الفرق ، ليس فقط أمورا لا تقرها الفرق ، وتراها مقحمة فيها ، بل إنما هي أمور خلقت افتراء ، ودست فيها ، وهذا الشيخ علي يحيى معمر يقول في كتابه (الإباضية بين الفرق الإسلامية):

( عندما كنت أقرأ في كتب المقالات ما يتصل بالإباضية تصادفني عجائب في العقائد والآراء التي تنسب إليهم إما بعبارات واضحة صريحة أو بأساليب ملتوية لكنها معبرة ، وتصادفني كذلك أسماء لأشخاص كثيرين يعتبرون أئمة لهم ، وأنا علي يقين كامل بأن ذلك غير موجود عند الإباضية. فإذا كانت هذه هي الحال مع فرقة ينتشر أتباعها في كثير من البلاد الإسلامية ، ولا يخلو قطر من أقطارها من كتبهم فكيف الحال مع من انقرض فلم يبق له أتباع ، ولم يترك كتبا مصنفة فيما يختص به ) (3)

والمعروف المشهور –بعد احتكاك بعضنا ببعض في الآونة الأخيرة- وكما قرأنا في النص السابق ، ان أهل الفرق الأخرى ينكرون بل يتعجبون من وجود أسماء أناس مجهولين مقحمة فيهم ، وهنا يتمثل أمامنا شيئان:

1- ان كتاب المقالات في حربهم مع الفرق كانوا يتخيلون أشخاصا وهميين عمدا ، وينسبون إليهم أقوالا تقولوها فاسدة ، وبالتالي يسوقون هذه الشخصيات الوهمية إلى هذه الفرقة أو تلك.

2- ان كتاب المقالات كانوا يعتمدون إذاً في جرح قوم أبرياء لحاجة في نفس يعقوب ، فتكون نزاهتم –إسلاميا- موضوع شك واتهام ، لتقولهم أقاويل كاذبة لغايات رخيصة كاذبة على أناس أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم رأوا ما رأوه حقا فاتبعوه وتمسكوا به مخلصين ، لقد خانوا ودنسوا القداسة العلمية وحرمتها بوضعهم أحداثا من عندياتهم وتزيدهم واصطناعهم مواقف وأقوالا قالوا إنها تمثل آراء الفرق ونسبوها إليهم بغية التشويش والتشويه ، ونحتوا أسماء شخصيات لا وجود لها في التاريخ الإسلامي إلا في الخيال على غرار عبدالله بن سبأ (4) ، وكل ذلك رغبة في توهين حجة الخصم ولاثبات فساد معتقده ، وكأنه انتصار عظيم.

ولا أعتقد أن هذه الظاهرة قد غابت عن أذهان بعض كتاب المقالات أنفسهم –كحقيقة مرئية- وهذا أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري يقول بصراحة: ( ورأيت الناس (يقصد الكتّاب) في حكاية ما يحكون من ذكر المقالات ويصنفون في النحل والديانات من بين مقصر فيما يحكيه ، وغالط فيما يذكره عن قول مخالفيه ، ومن بين معتمد للكذب في الحكاية إرادة التشنيع على من يخالفه (وشهد شاهد من أهلها) ، وبين تارك للتقصي لروايته فيما يرويه من اختلاف المختلفين ، ومن بين من يضيف إلى قول مخالفيه أن الحجة تلزمهم به " (5) ، فيعلق الشيخ علي يحيى معمر على هذا الكلام فيقول: ( فأنت ترى أن أبا الحسن الأشعري –وهو من أوائل من كتب في هذا الموضوع- قد انتقد عدة عيوب في أولئك الذين يقصدون للحديث عن مخالفيهم كالتقصير في التحقيق واعتماد الكذب ، وإضافة أقوال ، والغلط وعدم التقصي في البحث والزيادة .. الخ

فكل هذا ، إذا ، بغية تمويه الحقائق إمعانا في تنفير المسلمين عن أهل الفرق ، والصحيح أن انطباعا كهذا يؤدي إلى سلوك لا يخدم الإسلام أو المسلمين بأي نحو.

والحق أن من يريد الكتابة في مسألة معينة فعليه بحثها في مظانها ، وهذا هو العلم الحي ، ليزود الناس علما محترما خالصا.