عرض مشاركة واحدة
  #19  
قديم 04-10-2013, 10:46 AM
 
الدكتور نايف عيد جابر السهيل صاحب كتاب " الإباضية في الخليج العربي "

كان لا بد أن تكون هناك منافسة شديدة في السيطرة على الطريق البحري التجاري بين الهند وعمان ، ويبدو أن المراكب العمانية كانت تتعرض من حين إلى آخر لهجمات القراصنة الهنود (د/نايف السهيل، 69 - نقلا عن مايلز، س،ب الخليج ، مسقط ، 2).

مما دفع بالأئمة العمانيين لحماية نشاطهم التجاري بإحداث أسطول حربي قوي يقف في وجه هجمات أولئك القراصنة ، وقد أنشأ الإمام غسان بن عبدالله اليحمدي (192هـ) أسطولا بحرياً مسلحاً لحماية الشواطئ العمانية، ولتأمين الطريق البحري من القراصنة ، وقد قوي هذا الأسطول في عهد الإمام مهنا بن جيفر اليحمدي ما بين (226-237) إذ استطاع أن يكون أسطولاً ضخماً على درجة رفيعة من العدة والعتاد ، قيل أنه تتكون من ثلاثمائة بارجة حربية مسلحة (المرجع السابق).

هذه العوامل جميعها عززت العلاقات بين البلدين ودفعت العمانيين إلى الهجرة والاستقرار بالساحل الغربي لبلاد الهند، فعمروا بعض البلاد وبنوا بها منازل لهم مثل ميناء تامه ، وقندرينا ، وكبايه ، وجرفتين ، وكلها موجود بالساحل الغربي المعروف عند القدامى بساحل ملبار (المصدر السابق).

ومن هنا كان استقرار كثير من التجار العمانيين في هذه الأرض مدعاة إلى الدعاية إلى الإسلام بين أهلها ، إضافة إلى أولئك الدعاة الذين كانوا يتوافدون من حين إلى آخر لغرض التجارة ، أو لغرض الدعوة نفسها ، وكان بعضهم يستقر فيها نهائياً حيث يتزوجون من أهالي الهند ، ويتخذون لغتهم وكثيراً من عاداتهم وتقاليدهم التي لا تتنافى مع الإسلام ، وبذلك كانوا مؤهلين تماماً كدعاة إباضية لنشر الإسلام في هذه البلاد وخصوصاً بين الهنديات اللاتي تزوجن من هؤلاء الوافدين ، وأيضاً بين الهنود الذين ارتبطوا معهم بعلاقات تجارية. (المصدر السابق)

ومما لا شك فيه أن الذي ساعد على الحركة الإسلامية الواسعة في هذه البلاد داخلا وساحلا هو ما رآه أهل تلك البلاد من أخلاق المسلمين العالية، ومعاملتهم الحسنة ، عندما بلوهم بالمصاهرة، والمتاجرة والمعاشرة ، مقارنين بين حالتهم الاجتماعية السيئة التي كانوا عليه في ظل حكم نظام طبقي يسيطر فيه رجال الدين على الناس بالاستغلال والاحتقار والقهر .. فرحبوا بالدين الإسلامي الذي لا يعترف بالطبقية في كل شيء.

والإباضية هم أصفى المسلمين تمثيلا لهذا الفكر الذي لا يؤمن إلا بالتقوى ميزانا ، ومقياسا .. ومن ثم انتشر الإسلام في كل مكان وصلة تاجر ، أو داعية ، أو فقيه مسلم ، وخاصة في سواحل الهند وهضبة الدّكن وغيرهما من أنحاء الهند ، وأقاليمها العديدة مثل البنغال ، وغيرها ... (يراجع أرنولد ويلسون: تاريخ الخليج ، تر: محمد أمين عبدالله مسقط ، ط ، 1985، ص 314-323-403.

وقد حظي الذين دخلوا في الإسلام من أهالي هذه البلاد بالاحترام والتقدير اللذين حظي التجار الغرباء بهما أيضا، الأمر الذي دفع بالحركة الإسلامية دفعات كبيرة بين الهنود ملوكا ورعية.

ويحرص المسلمون من الهنود على تأكيد الروابط التي تجمعهم بالتجار العمانيين الذين كانوا سبب إسلامهم ، فيقولون أنهم ينحدرون من أنجال هؤلاء التجار المسلمين الذين أقاموا في بلادهم منذ أزمنة بعيدة ، وهم يمدحون ذلك حتى في الوقت الحاضر.

.... وهكذا نرى نتيجة لجهود إباضية عمان وغير العمانيين انتشر الإسلام في الهند ، والتزام الهنود بتعاليم الإسلام وتقاليده ، وحافظوا على دينهم وغم ما يتعرضون له من هجوم شبه مستمر من ملوك الهند ومهراجاتهم. (د/نايف السهيل ، مرجع سابق (بتصرف) ص 172.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
وهناك إشارات تدل على تأثر (جاوة) بالتجار الإباضية العمانيين ، حيث عثر على مساجد أثرية قديمة كثيرة العدد بغير زخارف، مما يدل على أنها من بناء التجار العمانيين ، أو على الأقل متأثرة بالطابع العماني (المرجع السابق 67) في بناء المساجد وهو طابع معروف ببساطته.

وقد استجاب أهل أندنوسيا للإسلام وحافظوا على تقاليده، وقد ظهرت الاستجابة في الثقافة العربية التي أصبحت مستخدمة عندهم ((فقد انتشر مفردات وكلمات عربية كثيرة في لغاتهم مثل اللغة الاتشهيليزية، وهي إحدى لغات سومطرة التي استعملت الأبجدية العربية أثناء تحولها من لغة شفوية إلى لغة مكتوبة)) يراجع أرنولد: الخليج العربي 26-427.
وكان طبيعيا أن تكون هذه المفردات تتعلق بالدين الإسلامي الذي حرص العمانيون على نشره في تلك البقاع.

ويقال إن إسلام مملكة (سوكدنه) كان على أيدي العرب وإن هؤلاء العرب أتوا من سومطرة ، ولما كان العمانيون يشكلون أغلبية العرب الذين كانوا يعملون بالملاحة والتجارة في هذه الجهات ، فإن المرجح أن التجار العمانيين هم الذين كان لهم فضل تحويل مملكة سوكدنه إلى الإسلام ، كما أدخلوه إلى الجزيرة ملوكس التي كانوا يجلبون منها الفلفل الذي يوجد في أراضيها ، وخصوصا في جزيرة (ترنات) التي اعتنق أهلها الإسلام ، وكان سلطان هذه الجزيرة كما يحكي البرتغاليون أول زعماء ملكوس دخولا في الإسلام على يد أحد التجار المسلمين. يراجع د/نايف السهيل/ مرجع سابق ، 76.