إن اليوم الذي ستبيت فيه بقبرك لا ككل الأيام، إنه يوم يتحدد فيه مصيرك عند ربك، في مكان لا يجزي فيه والد عن ولده، كما المولود لا يجزي عن والده شيئًا، هناك حيث الوحشة و الدود، تَري في هذا اليوم أهوالًا عظامًا، و تعيش فيه أحداثًا جسامًا، لا و لم و لن تراها من قبل ذلك اليوم و لا من بعده. فبعد أن يٌشيِّعك ثلاثة فيرجع اثنان و يبقي واحد؛ فيشيعك أهلك و مالك و عملك، فيرجع الأهل و المال و يبقي العمل، كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، حتي إنك ستسمع خفق نعالهم و هم ينفٌضون عن أيديهم تراب دفنك، و ينصرفون.
فحينئذ أيها المسافر تبدأ الأهوال، و يبين لك ما كنت تحياه في الدنيا، أهو حقيقة أم سراب و خيال؟ فإذا ما كنت ممن سلكوا الطريق في الدنيا إلي رضوان الله؛ وجدتَّ من الله تعالي التثبيت، في يوم لا يٌثبِّت الله فيه بالقول الثابت إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات .. إنه آخر امتحان يتعرض له الإنسان في رحلته إلي ربه، لكنه إمتحان مصيري، من فرصة واحدة بلا دور ثان، بل و تظهر نتيجته في التوّ و اللحظة، بلا لجان رصد للدرجات، ورغم أن أسئلته معروفة مقدمًا، فأغلب الممتحنين يرسبون فيه. هل عرفت أيها المسافر، أي امتحان هذا؟ إنه امتحان الواعظ الصامت، الذي وصفه رسولك صلى الله عليه وسلم ، فقال حاكيا حال الناجحين : "....فتعاد روحه، فيأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول : ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا اللرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولان له : و ما علمك؟ فيقول كتاب الله فآمنت به و صدقت. فينادي مناد من السماء: أن قد صدق؛ فأفرشوه من الجنة، و ألبسوه من الجنة، و افتحوا له بابا إلي الجنة، قال: فيأتيه من روحها و طيبها، ويفسح له في قبره مد بصره".
و أما الفاشلون الراسبون: فيقول فيهم رسولنا الأمين صلى الله عليه وسلم : "....فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول :هاه هاه، لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري، فيقولان له: ما هذا اللرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري، فينادي مناد من السماء: أن كذب عبدي؛ فأفرشوا له من النار، وافتحوا له بابا إلي النار. فيأتيه من حرها و سمومها، و يضيق عليه قبره، حتي تختلف فيه أضلاعه.
أي الفريقين أنت ؟!!!
لا دار للمرء بعد الموت يسكنـــها ***** إلا التى كــان قبل الموت يبنيـــها
فإن بناها بخير طـــاب مسكنــــــه ***** وإن بناها بشرٍ خـــــاب بانيــــهـا
أسأل الله الثبات