عرض مشاركة واحدة
  #195  
قديم 04-15-2013, 04:26 PM
 











" آلفْصْلُ الرَّابِعْ : آلوصيَّة وَ الحقيْقَة المُؤلِمَة ! "









كَانَتْ يدَاها قَد أحكَمتْ علَى كيْسَة مِن الثَّلْجِ لـ
تضعَها , علَى خدِّ ليُو لكِنَّ الأخيْرَ المُتمْلِمَل , والقآبِعَ على السَّريِر إلَى
جآنبِهَـا .. أمْسَك بالكيْسَةِ وأبْعدَهـآ قائِلاً :


- ييرْمَـآ قُلْت لكِ , أنَا بخيْر ! لكْمَة ودفعَةٌ وآحِدَةٌ لَن
تقْتُلَنِي .



ولكِنَّ ييرْمَـآ أخذَت تنْظُر بـ خيْبَةِ أملٍ ناحِيَة الغُرْفَةِ الصَّغيْرَة
قليْلَةِ الاثآثِ , كثيْرَةِ الصَّنادِيق والَّتِي لَم تحْوِي
سوَى نآفِذَةٍ صغيْرَة وسجَّادَةِ أمـآم
سريْرٍ خشبيِّ قَديْم ودُرْج صغيْراً أشْبَه بخزآنةٍ أفْرَغ فيْهَـآ ليُو
بعْضَ أمْتعَةٍ احتلَّت زاويَةً مِن زوآيا الغُرْفَة .


قالَت بحُزْن : إذَاً , أنْتَ الآنَ تسْكُن هُنـآ !


وسارَتْ نحُو الجُدْرآنِ المُتصدِّعَة ذآت الّلُونٍ الْبَاهتٍ
آلمُصْفَـرّ , لكِنَّ يدَ ليُو ربتَتْ علَى كتفِهَا لـ يقُولَ بمـرَحْ :


- مـآلّذِي جعَل أخُتِي تتأنَّقُ وتذْهَب
لـ مكانٍ كـذلِكَ المَكآنْ ؟!


آبتسَمت والتفَتتْ إليْهِ لتقُول :


- دُعيْتُ بواسِطَةٍ صديْقٍ يعْرِفُ صاحِبَ تلْكَ الحفْلَة !


- آهـ !َ هلْ صديْقُكِ هُوَ الفتَى الّذِي آعْتذَر إليّ ؟!


- لآ لآ .. ذلِكَ هُوَ صاحِبُ الحفْلَة واسْمُه آيريْك , صديْقِي
هُو شخْصٌ آخَـر



تنهَّد ليُو قائِلاً : آهـآ ,ولكِن بدَا لِي شخْصاً ثريَّاً جدَّاً,
ذلِك القصُر كَان جميْلاً .. أتعلمِينْ !؟
تردَّدُت بالدُّخولِ حيْنَ طُلَب مِنِّي تُوصيْلُ
آلبيْتزَا لـ مكانٍ كذلِك المكَآن !


وقهْقَه بمرَح ! , آبتسَمت ييرْمَـا قائِلَةً :


- معكَ حقْ , منْزِلُ جميْل جدّاً .. ثُم أرْدفَت : دعْكَ مِن هذَا الآن
هَل أنْت جائِع ؟!



ولكِنَّ هاتِفَها رنَّ فجْأةً مُقاطِعَاً كلآمَ ليُو , لـ تلْتقِطَهُ
مجيْبَةً :


- أهلاً آيملِي !


همسَ ليُو : سأذْهَب لـ الاسْتِحمام , آنتَظِري هُنا !


تلَتْهُ إيملِي ذآتُ النَّبْرَةِ القلِقةِ المُضْطرِبَة :
لَم آستطِع النَّوم كُنْت قلقَةً عليْكِ , آيْنَ ذهبْتِ ؟! بحْثتُ وَ ديْفِيد
عنْكِ طُويْلاً , لكِنَّ آيريْك قالَ إنَّكِ غادرْتِي بسببَ مُشْكلةٍ مَّـا !
ماذَا حصَل ؟!



آبتسَمت ييرْمَـآ مُطمْئِنَةً : لآ تقْلقِي ,
ليُو تورَّط بشجارٍ بسيْطٍ فِي الحفْلِ !



- ليُو ؟! , ولِمَ هُوَ فِي الحفل ؟!



ورآحَت ييرْمَـا تسْرُد بالتَّفْصِيل مـآ حصَل لـ صديْقتِهـآ الَّتِي
لمْ تكُن لـ تترُكَ قلقهَـآ ينْجلِي مـآ لَم تعْرِف كُل تفْصِيلٍ صغيْرٍ لمَ حدَث .
وحيْنَ آنْزاحَ عنْهَـآ كُل ذلِك أغْلَقت الخطَّ مُتنِّبَهةٍ لـ مُنبِّه السَّاعةِ الّذِي
أشآرَ نحُوَ الرَّابِعَة فجْراً ! لـ تْخلُدَ للنُّومِ سريْعاً .



كَانتْ خيُوطُ الفجْرِ قَد نُسِجَت للتُّو لـ تمْنَح زُرْقَةَ السَّماءِ الدَّاكِنَةِ
لُونَاً أفْتَح يُبْرِزُ بضْعَ غيُومٍ هُنآ وهُنـاك , وهبَّ ذلِك النَّسيْمُ مصْحُوباً بالهُدوءِ
التَّامْ .. فالحيآةُ لَم تبْدَأ حتَّى الآنْ ! ولكِنَّ كـآنتْ هُنآك تحرُّكَاتٌ خفيْفَةٌ
لـ مُوزّعِيْ الصُّحف والبريْدِ هُنـآ وهُنـاك , فلآ يُسْمَع بجانبِ صٌوتِ الطُيُورِ
سِوى أصْواتِ درَّاجتِهمْ الهُوائِيَة .



كَان سطْحُ المْبنَى الذِي يسْكُنه ليُو صغيْراً ولكِنَّهُ لَم يمْنَع ييرْمَـآ
مِن الاسْتِمتاعِ بهذِه اللَّحظاتِ الهادِئَة بجانبِ شقيْقِهـآ الّذِي أخذَ يُشآرِكُهـآ
هذَا التأمُلّ , بصَمت . وكأنَّ الأخُويِن باكسْتِر قَد اتَّخذَا مِن هذِه اللَّحظة
فُرْصَةٍ لـ تبادُل الأفْكارِ بصمْت ! الأمْرُ الّذِي لَم يحْدُثْ مِنذُ آمَدٍ طُويْل

قُطِعَت حبَالُ ذلِك الصَّمْتُ بنبْرَةٍ عميْقَة غلبَها الحُزْن :


- لُو لَمْ , لُو لَم يمُت والِديْنَا .. هَل كُنَّا لنُكوَن أسْعَد ؟!


وضَغط ليُو وتراً مُؤلِماً فِي قلْبِ ييرْمَـآ وقلْبِه بتلْكَ
النَّبْرَة مصْحُوبَةً بذلِك السُّؤالِ الّذِي لَم تفْتأ ييرْمَـآ تطْرَحُه ولكِن ليْسَ
بهذَا الصُوت العالِي !


ولكِنَّ إجآبتَها أتتْ لتقُول : لُو عآدَ بنَا الزَّمُن إلَى الورآءْ , هلَ
نخْتارُ المُوتَ بجانبِهمَا أمْ إنْقآذهُمـا مِن المصيْرِ المُؤلِم الّذيْ كَآن
ينْتظِرُهمـا ؟! .. والتفَتت إليْهِ قائِلَةً : هذَا هُو السُّؤالُ الحقيْقِي !





وعمَّت لحْظَةُ صمْتٍ تُغرِقُهمَا فِي المزيْدِ مِن الأفْكآر , والتَّساؤُلات
المزيْدِ من الأشْوآق وَ الأحآسيْس , والكثيْرِ مِن الحنيْن .. إلَى ذلِك
الاسْم الحميْمِي " عـآئِـلَــة " .







***






ومَضِت الأيَّامُ تجرُّ معَها هُدُوءاً مُضْجِراً بعْدَ كُلِّ ذلِك الصَّخبِ الّذِي
حملَتْهُ الأيّامُ القليْلَةُ الماضِيَة , ولكِن لَم يكُن ذلِك الهُدوءُ سوِى
سكُونُ مآ قبْل العاصِفَة , تلِكَ الَّتِي تجسَّدتْ
فِي الجُوِّ الّذِي احاطَ بمنْزِل عائلَة باكْستِر ! .


فهآهُوَ ليُو يقِفُ خلْفَ بابِ المنْزِل , مُتجِّهَم الملآمِح ولكِن ليْسَ
قلِقاً كـ ييرْمَـا أو مُترقِّباً كـ مآرْسِيل اللَّتانِ وقفتَا خلْفَ البآبِ لتسْتقِبلآهـ ..
همـَس بنَبْرةٍ جآدَّة :


- مرْحباً , هَل وصَل المُحامِيْ ؟!


أوْمـأت ييرْمَـآ برأسِهَا وتبْعَتْهآ مارسيل خلْفهَما ليُو نحْوَ ,
غُرفَةٍ جلُوسٍ صغيْرةٍ اتّخذَ ذلِك الرّجُل مُتوسِّط العُمْرِ أكْبَر أريْكَةٍ فيْهَـآ مكاناً
لـ جلُوِسه وبسْطِ حقيْبتِه السَّوداءِ فُوقَ طاولَةٍ بُنيَّة أمـآمهَآ ..

كَان يحْتسِي قهُوَتهُ السَّوداءَ بملامِحَ جامِدَةٍ تماماً ,كـ مُوظَّفٍ يقْبُع فِي مكْتبِه
بمَللْ فهذَا العمَل لمْ يكُن جديْداً على السَّيْدِ المُحآمِي جُونْ !
وَ ما سيقُوم بهِ هُو عمَلٌ رُوتينيُّ مُملُّ بالنَّسْبَةِ لهُ ولكِنْ
ليْسَ بالنِّسْبَةِ لـ مَن حُولَه ! , فقَد حيَّـآهُـ ليُو مُصافِحاً علَى عجَل ,

وجلَس مُقآبِلهُ بجانبِ ييرْمَـآ ومارْسِيل , وإلَى أريْكَةٍ علَى يمْينِه
كـآنتْ تقْبُع بهُدوءٍ لَم يكُن مِن عادِتهَا أبداً ! . وكأنَّ السّيْدَة مارِي تحْبِسُ
أنْفآسَها ومشآعِرَهـا خلْفَ هذَا الصّمْت

الأمْرُ الّذِي أقْلَق ييرْمَـآ الَّتِي وجَدت نفْسَها عاجِزَةً عَن تخْميِن
ما سيحْدُث ! , بيْنمَـآ أثَار فُضُولَ مارْسِيل الَّتِي كآنتْ ترَى أنَّ خالتَها ماريْ
ليْسَتِ امْرأةً قاسِيَة القلْبِ ولكِن حادَّة الطِّبآعِ فقَط ! لذَا لمْ يكُن فِي
عيْنَيْهَـآ قلقٌ كبيْر . أمَّـآ ليُو فكآن يُحلِق فِي سمآءِ أفْكآرِهـ غيْرَ مُكْترثٍ
لـ وجُودِ خالتِه فهُو لَم ينْظرُ إليْهَـا حتَّـى ! .



أعلَنت السَّيْدةُ مآرِي قائِلَةً : حسناً الجميْعُ
حاضرِوُن ,آبْدأ مِن فضْلِكَ سيِّد جُون !



أخْرَج السِّيِد جُون مظْرُوفاً بُنِّي اللَّونِ , مُحْكَم الإغْلآق بداخلِه أوْراقٌ بيْضاءُ
كُتبِ عليْهَآ الكثيْر وخُتِمَت كذلِك باسْمٍ واضحٍ تماماً | جُون بآكْستِر | ,



وبدَأ حديْثَهُ قائِلاً : كُنت قَد اسْتَلمْتُ تُوكيْلاً مِن المحْكَمةِ
بالإشْرآفِ علَى كشْفِ وصيَّةِ السَّيْدِ والسّيْدَةِ بآكْستِر بعْدَ أن تقدَّمت الآنسَة
ماريْ بطلَبٍ بذلِكَ بصفتِهَا الوصِيَّ علَيُكم , وهذِه الأوْرآقُ
هِي النُسْخَةُ الأصْليَّةُ لـ الوصيَّة الَّتِي كتبَها الزُوجَانِ الرَّاحِلانِ
قبْل وفآتِهمَا بسنَتيْن !






وبدَأ يقْرَأ تلْكَ الكلِماتِ الَّتِي آنْتظَرهـا الجميْعُ بشغَف :

" فِي حالةِ وفاة السَّيد جُون بآكستِر وَ السّيْدَة جآكْليِن بآكْستر ,
فإنَّ الأمْلآكَ المُكوَّنة مِن منْزلِ العائِلَة وَ مبْلَغ ملْيُونيْن دُولآر فِي المصْرِف
العَام , تؤُول إلَى الوصيِّ علَى الأبْنآء : ليُو باكْستِر وَ مارسيْل باكستِر
وَ ييرْمَا باكسْتِر , وهذَا الوصيِّ هُو خالتُهمَا السّيْدَة ماريْ هاتُوري ولهَا كامُل
الحقّ فِي التَّصرُّفِ بالإرْث وإدارَة بما يتناسبُ مَع مصالِح الأبْنآء " .






كَانتْ لحْظَةُ صَمْت عصيْبَة , آتَّسَعت عيْنَـا ليُو وملأَتِ الدَّهْشَةُ تقاسيْمَ وجْهِة
بيْنَما كَانتْ ييرْمَـا قَد ترَكت نفْسَها تغْرقُ فِي خُوفٍ مِن تلَك الابْتسامَةِ
الّتِي كشَّرت عنْهَـآ السَّيْدَة ماريْ وهِي تقِفُ قائِلَةً :


- شُكراً لكَ سيَّد جُون تسْتطِيُع الـمُغـ ....!


قاطعَها ليُو واقفاً بغضَبْ : لحْظَة , هذَا كلامٌ غيْرُ معْقُول أريْدُ أنْ
أقرَأ الوصيَّة نفْسِي !


مدَّهـآ المُحامِي ببرُودٍ , ليسْحبَها ليُو ويدَهُـ ترْتجِفُ وهُو
يُقلِّبُ عيْنِيهِ .. بيْنَ تلْكَ الأحْرُفِ المُؤلِمَةِ الَّتِي حملَتْهـآ الوصيَّة
وذلِك الختْمِ فِي نهايَةِ كُل صفْحَةٍ فيْهَـآ ,

كـآنت الكلِماتُ مُفصَّلـةً تماماً لتُثْبِتَ أحقَّيةِ الآنسَة مآرِي بكُلّ شيءْ
ولكِن بسَاطَة سرْدِ المُحامِي لتلْكَ الحقيْقَة جعلَتِ الأمْرَ مؤُلِماً أكْثَر
لـ الأخَوة بآكْستِر .. فقَد أخذَ ليُو يُردِّدُ وهُو يُقلِّب الأورَاق مُتأمِّلاً
ورقَة ملِكيَّةِ المنْزِل , وَ كشْفَ حسآبِ
رصيْدِ البنْكِ والاقْرَار بأحقَّيَةِ الخالةِ ماريْ بكُل ذلِك ! .



كآن ليُو يُردِّد بيْنَ الفنيَةِ والأُخرَى وهُوَ يُقلِّبُ صفحاتِ الوصيَّة :
- لآ أصدِّق .. غيْرُ معْقُول .. !


ولكِن الآنسَة مارِي أتَت لـ تقُول :


- وآلانْ ! هَل لديْكَ شَيءٌ آخَرُ تتشآجرُ لـ أجْلِه سيِّد ليُو ؟!



كآنَت نبْرَة السُّخريَة والتَّهُكِم باديَتيْن تماماً , أكْثَر مِن أيَّةِ مرَّةٍ
بعيْنيِن آكتسَحهُمـآ بريْقُ يقُول : " ساسحـقكمْ " !!



أنْزَل ليُو الأورَاق ببُطْءِ وَ قَد كسَآهُـ اليأسْ , فهُاهو لـ أوَّل مرَّةٍ
يتذُوقُ شعُورَ الإهآنَةِ ممُزُوجاً بالخيبـةة, شعُورَ
الأمآل حيْنَ تتحطُّم فِي لحْظَةٍ وآحِدَة

بـ ببضْعِ كلمَاتْ , قُضِيَ علَى مُسْتقبلِه ومُسْتقبَلِ أِخوَتِه وحُكِمَ
عليْهِمَا بمصيْرٍ مجْهُول الهُويَّة ..


آنْكسَ رأْسَهُ بحُزْن وهمَس : لمَآذَا ؟! , لمَاذَا قدْ يُوصِي
والديْنَا بكُلّ شَيءٍ لكِ ؟!


- لأنَّهُمـآ أخذَا مِنّي شيْئاً ثمْيناً !


هُنا فقَط التفَتت الآنْظارُ نحُوَ نبْرَةِ السّيَدةِ ماريْ ,
وقَفتْ ييرْمَـآ ومارْسِيل بانْتِظار إجآبةِ المرأةِ الوآقِفَة إلَى يمْينهِم
تلْكَ الَّتِي تغيَّرتْ نبْرَتُهـآ لتبْتعِدَ عَن السُّخرَيةِ


بقُولِهـآ : كَآن الفقْرُ المُدقِعُ مِن نصيْبِي ,فِي الوقْتِ الّذِي تزوَّجت
فيْهِ شقيْقَتِي الكُبْرَى ! ممَّآ دفعِني لـ آرْتكابِ حماقاتٍ كثيْرَةٍ ظنَّاً مِنّيْ
أنَّها ستُخلِّصُنِي مِنْه ! ولكِن ..
لَم يكُن خلآصِي سوَى باسْتغلالِ أخُتِي لِي وأخْذِ
الشَّيءِ الثَّميْنِ الوحيْدِ الّذِي حضيْتُ بِه فِي حيآتِي ..


وصمَتت لـ تتدحْرَج دمْعَة مِن عيْنيْهَـآ ويْرتِجفَ صُوتهـآ
وهِي تنْطق : مـآرسيــل !


هُنـآ آكتسَحتِ الحيْرَةُ الجميْع , بمآ فيْهِم مارسيْل
لتكُملَ مآرِي :


- كُنتْ قَد أنْجبُتَها فِي وقْتٍ كآنَت فِيْه شقيْقَتِي
حامِلاً بطْفلٍ لَم يُقدَّرْ لهُ أنْ يعيْش , ولأنَّنِي لَم أكُن قادِرَةً
علَى تحُمل أبْسَطِ نفقاتِها , فقَد وعدَتنْي هِي بذلَك ,فقَط إذآ .. إذَا
تبنَّتْهـآ ! وَ حرَمتْنِي منْهـآ !


وهُنـآ علَآ صُوتَها : ألآ يحقُّ لِي بعْدَ كُل سنوآتِ الحرْمآنِ هذِهـ
بأنْ , أرِث تُعويْضاً لَن يكْفِي حْجَم ألمَي لـ فُقْدآنِ آبْنَتِي وهِيَ حيَّة
وجْعلِها تُعامِلُ آمرأةً أخُرَى كـ وآلِدتهَا !




وكآَن لـ الدُموع مِن نبْرَةِ السًّيَدِة ماريْ نصيْبٌ
كبيْر فقَد غلبَها الحُزْن وشهقاتُه وهِيَ تقُول : كَنتُ أتعذّبُ وأنآ
أرآهـا تُكبرُ أمآمِي ولكِنْ دُونَ آن آقتِربَ إليْهَـآ أو أقُولَ لهَا الحقيْقَة



وبعْدَ تلْكَ الدّقائِق الّتِي آكتسَحتْهـآ , حقآئِقُ آلخالةِ ماريْ المُفاجٍئَة
عمَّ صمْتٌ مصْحُوب بدهْشَـة ممُتزِجٌ بالكثيْرِ
مِن الصَّدْمَـة , كفْكَفت خلآلَه مآرِي دمُوعهَـآ
وودَّعتِ المُحآمِي لـ تعُود إلَى حيْثُ يقْبُع الآخرُون ..


بيْنَ ييرْمَـآ الَّتِي وقَفتْ مذْهُولـَة بجآنبِ ليُو وَ مآرْسيِل الًّتِي
لمَ تُسْعِفْهَـآ الصَّدْمَة فجلَست ويديْهَـآ تُغطِّي ملآمِح وجْههِآ الَّتِي عصَفت بهَآ
ريَـاح تلْكَ الحقيْقَـة المُفآجِئَة , تلْكَ الَّتِي بدأ ليُو وييرْمَـا بتقبُّل وآقعيِّتها
بعْدَ أنْ آسْتعادَا شريْطَ السُّنواتِ الماضِيَة , فلـَمْ تكُن مآرْسِيل ضمْنَ
قائِمَة التٌّوبيْخ ونظرآتِ الحقْدِ , وشتآئِمَ الخآلَةِ ماريْ .. بلْ كآنَت تحْضَى بكُل
مآ كَانت تحْضَى بهِ حيْنَ وفآةِ والديْهـآ , ورُبَّمـا أكْثَر - مِن النَّاحيَةِ المادِّيَةْ -


علآ صُوت السَّيْدَة مآرِي مُوجِّهـةً كلآمَها نْحُو ليُو :
أرْجُوا أنْكَّ فهِمَت الآنَ , أنٌّه لآ حقَّ لكَ بأيّ شيءٍ هُنـآ ..
لذآ غـــَادِر حالاً !


لَم يُجادِل ليُو الَّذِي تملَّكُه اليأسُ حدًّ الآنْهاكِ خالتُه
هذِه المرًّة , مضَـى مُتجاوِزاً الجميْع بصَمْت .. ولكِنَّهـآ وقَفتْ مُقآبِلهُ وهمَستْ :


لآ أريْدُ رُؤيَة وجْهِكَ هُنآ مرَّةً أُخرَى !!


كَآن فِي الجُملَةِ الأخيْرَة , الكثيْرُ مِن نشْوَةِ آلانْتِصآر
وكأنَّ السَّيَدة ماريْ تخلَّصت أخيْراً مِن مصْدَر عبْئِها الأوَّل !



أمَّآ ييرْمَـا فحيْنَ همَّت بمُغآدَرةِ الغُرْفَةِ بعْدَ آنْصِرآفِ
ليُو بدقآئِق , وجَدت خالتَها وآقِفَة أمَآم البابْ مُتَّكئِةً وتحْمِلُ
لـ ييرْمَـا نصيْباً مِن العبآرَات الَّتِي آلْقَتْهَا علَى ليُو :


- مَآذَا تنْتظرِيْنَ ييرْمـآ ؟! , آحْزِمي امْتِعَتِك


فآرْتجَف فِي ييرْمَـا ذلِك الشعُّور بالخُوف , لأوَّل مرَّة
فمآذَا عسَـآهـا لتفْعَـل ؟! الآن ! , أيْنَ تذْهَـب ؟!

مضَت وقَد تحجَّرتِ الكثيْرُ مِن الدُّموعِ فِي عيْنيْهَـا , فلَم تخْسَر
مآرْسِيل فقَط بلْ ليُو , فالآن لآ قلُوبَ مُتقآرِبَة ولآ سقْفاً واحِداً
يجْمعُهـا بهِم يُتيْحُ لهَـآ قليْلاً مِن الشُّعورِ بالأمآنِ .. ذلِك الّذِي علِمَت
أنَّهـا ستفْتقِدُهـ كثيْراً فِي أيَّآمِها القادِمَة


سحَبت حقائِبهَـآ بهدُوء , فتَحتْهَـآ وبدأتْ تُوضِّبُ أشْيآءَهـآ
وكُل أشْلاءِ قلْبِهـآ وشظآيَا أحْزآنِها الَّتِي رمتْهَـآ علَى جُدْرآنِ غُرْفتِهـآ
وبللَّتْ بِهَا وسَادتَها ذآتَ يُومْ ! .



نصْفُ سآعةٍ فقَط , أوْصَدت بعْدَهـآ ييرْمَـا بابَ المنْزِل
نظرَت إلى الرَّصيْف الطَّويْلِ أمـآمَها إلى الغرُوب , ضمَّت معْطَفهَـآ
بشدَّة إلَى جسدِهـآ لتُطوِّق بهِ برُودَة لَم يكُن الجُو سببَهـآ
بقدْرِ مآ كَـان ذلِك الخُوفْ .



" أيْنَ سأذْهَـب ؟! ومَآذَا سيَحِلٌّ بِي ؟!
مَآذَا علّي أنْ أفْعَـل الآن ؟! " .. والكثيْرُ مِن الأسْئَلة
حملْتْهَـآ معَ حقائِبهَـآ الثَّقيْلَـة بيدْيهَـا المُرْتجفَتيْن ,
ووجْهِهَـا الشَّاحِب ! .



وفِي غُرْفَة الجلُوس الَّتِي خلَت مِن كُل شَيءٍ سوَآهـآ , قبَعت مارسيْل
بَل لَم تتحرَّكْ .. يْديِهَا ما تزآلانِ تُغطِّيَانِ وجْهَهـآ !


أتَـآهـا صُوتٌ يقُولْ : مارْسِيل ؟! ...


لكنَّها قاطعتْهُ بقُولِهـآ : أرْجُوكِ , لآ أريْدُ سمَاع شيْءٍ آخَـر !!


ومضَت أوْصَدت بابَ غُرفتِهـا , أغْلَقت الأضْوآءَ .. وأسْدَلت
ستائِرهَـآ , آرْتمَت فُوق سريْرِهـآ أغْمَضت عيْنيْهَـا .. ليْسَ لتنـآمْ
بلْ لـ تبْكِيَ كذْبَـةً عاشتْهـا باسْمِ " العائِـلَـة " خمْسَ عشْرَة سنَـة ! ,







***




كَآنَ صاحبُ الأُجرَةِ قَد شعَر بالمَللِ , فأبْدَى ذلِك
علَى نبْرَةِ صُوتِه وهُو يقُول :


- إذَن يآ آنِسَة , أَمِن فُنْدقٍ مُعيَّنِ تُريْديْنَ الإقآمَة فيْهِ ؟!


قالَها مُوجِّهاً كلآمُه للفتآةِ ذاتِ المعْطَفِ الأخْضَر
القابعَةِ فِي الخلْف , والَّتِيْ بدَت حائِرَةً فقَد قالَت بترُّددْ :


- توقَّف هُنـآ مِن فضْلِك وأشآرَت إلَى رصيْفٍ أطلَّتْ مِنْهُ
مطآعِمُ ومتاجُر صغيْرَةٌ عدَّة !


توقَّف الرُّجل , بآنْتِظار ييرْمَـا الَّتِيْ ترجَّلتْ , لتُجْرِي
مُكالمَةً لَم تُرِد أنْ تلْتَقِطـها أُذَنِيْ السَّائِق .. فهِيَ ذآتُهـآ رفَعت
هاتفِهَـآ بترَدُدٍ , ليأتِيهَـآ صُوتٌ يُجيِبْ :


- مرْحباً ييرْمَـا !


- أهلاً إيملِي , فِي الوآقِع .. أنـَا !



وشعَرتْ ييرْمَـآ بأنَّها ستفْقِدُ الكثيْرَ مِن كرآمِتها ,
وتحْضَـى بالكثيْرِ من نظرآتِ الشَّفقَةِ الَّتِي تكْرُههـآ .. بعْدَ أنْ
سألَت آيملِي المكُوثَ فِي منْزلِهَـآ تحْتَ الظُّرُوفِ الرَّاهِنَة .
ومضَت بيأسٍ تجرُّ أذْيآل الكثيْرِ من الحُزْن معَهـآ
سائِلَةً السَّائِق التُّوجَهُ إلَى منْزلِ صديْقَتِها الَّتِي آستقْبَلتْهَـا
بكُل حفآوَةٍ وترْحيِب ! .


***


ومرَّتْ ثلآثةُ أيَّام , جدَّد الحُزْن فيْهَا ثُوبَه وخيَّم على الكثيْرِ مِن
لحَظآتِ مارْسِيل الَّتِي لمْ تتحدَّثْ كثيْراً .. منْذُ علِمَت بالحقيْقَة ! .
رُغْمَ أنَّ السَّيْدَة مارِي كـآنتْ قَد حاولَت بيْنَ الفنْيَةِ
والأُخرَى اسْتجداءَهـآ لـ تقُول أيَّ شَـيْءٍ تُريِدُهـ



" أكَآنتْ كِذْبَة ؟! أبِي , أميَّ , ليُو وَ ييرْمَـا ؟!
أكُنت طُوالَ الوقْتِ أعيْشُ بيْنَ أشْخاصٍ لآ أنْتَمِي إليْهِـم ؟!

أيُّ بُؤسِ هذَا ؟! , كُنْت فقَط مُسْتبَدلَةً بشخْصٍ آخرْ ,
وكأنَّ مُوتَهُ آفْسَح لِي المجالَ لـ أتطفَّل وأحْمِل اسْماً ليْسَ
باسْمِي

هه ! .. مارْسِيل باكْستِر , أنـآ لا أعْلَم حتَّى
مَن هُوَ والدِي ؟! وأيُّ آسْمٍ كآنَ يُفْترَضُ بِيَّ أنْ أحْمِلَـه ؟! "



وآبْتسَـمت بسُخْريَةٍ وهِيَ تجْلِسُ علَى أريْكَةٍ قُرْبَ نافِذَةِ
غُرْفَتِهَـا , تلْكَ الَّتِي تسلَّل إليْهَـا ضُوء القمَـر .. وإضَاءةٌ
صْفراءُ فِي أقْصَـى زاويَةٍ لهَـا , ممَّـا أضْفَى جُواً يتناسبُ مَع أحْزآنِهـا
وقيْثـارةُ الألَم تعْزِفُ بداخِلَها أشَّد أنْوآعِ الألَم

والكثيْرَ مِن ألْحانِ الفرآق , فـ اليُوم ذاتُه الّذِي طُرِد فِيْهِ أخويْهَـا
آنْكشَفت لهَا حقيْقَةُ أنَّها ليْسَت مِنْهُم !
أمْسَكت آلبُوماً جمَع صُوراً كثيْرَةً لهُم , وفِي كُل صُورَةٍ كانَت
لهَا ذْكَـرى .. !




ولكِن سُرْعَـان ما تبلَّل ألبُومَهـآ بالدّمُوع , تحْتَ
قسُوَةِ تلْكَ الحقيْقَةِ الَّتِي تصْرُخ بداخِلَهـا .. زيْفَ تلِكَ الذّكريآت !
وعَدمِ جدْوآهـا



قطَع شهقاتُهـا يدٌ ربتَتْ علَى كتفهَـا , آلتفَت لـ تلْتقِيَ عيْنيْهـآ
بالسَّيَدِة ماريْ , الَّتِي كانَت تحْمِل لهَـا الكثيْرَ مِن عباراتِ المُوآسَاةِ
بداخِل نظارَاتِها تلْك ..

آحْتضَنت ابْنتَها بصمْت , كاَنت سعادتُهَا غامَرة , فحتَّى
امرأَةٌ بقَسْوَة السَّيْدَة ماريْ , قادرٌة عَلى آخْتزالِ تلْكَ العُواطفِ
فِي زاويَةٍ مِن زوايَا قلْبِهـا لـ الشَّخْصِ الّذِي اعْتبَرتْهُ الانْجازَ الوحيْدَ
فِي حياتِهَا البائِسَة , آبْنتُهـا مارسيْل




***




لَم يكُن حالُ ييرْمَا أفْضـل مِن أُخْتِهـآ , فرُغَم الغُرْفَةِ الجميْلَة الَّتِي
وفَّرتَها لهَـآ عائَلةُ برآوْن , وتلْكَ العبآرَاتُ المُواسِيَةُ الصَّادِقَة والتَّرْحيبَ
المُخْلِص بُوجُدِهـآ بيْنَهُم إلَّا أنَّ الوُحْدَة تتمكَّنُ مِنْهَـا حيْنَ

تتذكَّرُ أنَّهُ مـآ مِنْ مكانٍ آخَرٌ تلْجأُ إليْهِ , يحْتضُن دمُوعَها
الَّتِي لَآ تظْهَرُ سوَى فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ تحْتَ فرآشِهَا الأثيْر !.



تتذكَّرُ أنَّ حُلَم العائَلةِ الّذِي تفائَلت بعُودَتِه غدَا
ضرْباً مِن الجنُونْ , فأختٌ لَم تُعد أُخْتَهـا .. وأخٌ لَم تقْوَى علَى
الاتِّصالِ بهِ , لتُصْبِحَ عبْئاً علَى كاهلِه الضّعيْف !

ولكِنَّها حتْماً لَن تتوقَّفْ هُنـآ , لَن تسْمَح لـ السَّيْد والسًّيْدَة بروآن
بأنْ يُوفِّرآ لهَا المزيْدَ مصْحُوباً بنظرآتِ شفقَـة , لَن تُخْسَر آيملِي بعْدَ
أن يمَّل والدَاها مِن وجُودِهـا بيْنَهُم ! . لَن تكُون عبْئاً ,



"
قررَّتُ لـ أوَّل مَرةٍ أنْ أحْمِل ذآتِي , وأُوفِّر لنْفِسي ملْجأً
لآ يسْتطِيعُ أحدٌ أنْ ينْتزِعَهُ منِّي ! , منْزلاً ..
وحيَـاةً أكُون أنَـا الرًّكُنَ الوحيْدَ فيْهـا "




هذَا مـآ حدَّثتْ بِه ييرْمَـا نفْسَهـا , وهِيَ تنْزِلُ درجَاتِ السُلَم
هذَا الصَّباحِ لتبْحثَ عَن منْزلٍ وعمَـل , فقَد أيْقَنت أخيْراً ..
أنَّ الحيَـاة الطَّبيْعيَـة الَّتِي يحْضَـى بِهَا غيْرُهـآ , لَن تكُونَ لهـا !
وأنَّهـآ الآن وحيْدَة إمَّـا أنْ تنْهَض أو تسْقُطَ فِي الهاويَةِ إلَى الأبَد .









كم علامة من (30 ) تعطوني :ha3:

مالذي سيحل بييرما هل ستجد عملاً جديداً ام انها ستقط بالهاوية حقاً

ايريك ذلك الذي غاص في الظلمة ، قد يكون له جانب جيد في حياة ييرما برايك م هو ؟

توقعاتك لاسرة باكستر ! ؟


بلييز ابي تقييمات ولايكاتك

طبعاً ه من كرمكم :ha3:

الا اذا كنتم بخليين :baaad: ، شسمه بس حبيت امزح وتسذا

المايك لكم الحين
__________________


:7b:




:7b:


I lovè ÿòû