رد: عظماء لا نعرف عنهم شيء صنعو لنا المجد: ولادة النبي صلى الله عليه وآله كان مولد النبي صلى الله عليه وآله في عام الفيل يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول أو لسبع عشرة خلت منه في شعب (1) بني هاشم (2) . ولما ولد النبي صلى الله عليه وآله رُجِمَت الشياطين ، وانقضَّت (3) الكواكب وزُلْزِل إيوان كسرى (4) فسقطت منه ثلاث عشرة شُرافة (5) وخُمِدت نار فارس (6) . قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام : لما طُلِقت آمنة بنت وهب وأخذها المخاض بالنبي صلى الله عليه وآله حضرتها فاطمة بنت أسد امرأة أبي طالب فلم تزل معها حتى وضعت فقالت إحدهما للأخرى : هل تَرَيْنَ ما أرى ؟ فقالت : وماترين ؟ قالت : هذا النُّور الذي قد سطع ما بين المشرق والمغرب ، فبيناهما كذلك إذ دخل عليهما أبو طالب فقال لهما : ما لكما من أي شيء تعجبان ؟ فأخبرته فاطمة بالنّور الذي قد رأت ، فقال لها أبو طالب : أبشِّرك ؟ فقالت : بلى ، فقال : أما أنّك ستلدين غلاماً يكون وصي هذا المولود (7) . وكان أول لبن شربه لبن أمّه آمنة ، ثم دفعه جدّه عبد المطلب إلى حليمةالسّعديّة فأرضعته وبقي عندها أربع سنين ثم أعادته الى جدّه وأمه (8) . النبي صلى الله عليه وآله
في كفالة جده عبد المطلب توفيت آمنة أم النبي صلى الله عليه وآله وكان عمره الشريف ست سنين وثلاثة أشهر وعشرة أيام (1) . ورَقَّ عليه عبد المطلب رِقَّة لم يرقها على ولده (2) ، وكان إذا أُتي بالطعام أجلس النبي إلى جانبه وربّما أقعده على فخذه فيؤثره (3) بأطيب طعامه وكان رقيقاً عليه بآدابه ، فربَّما أُتِيَ بالطعام وليس رسول الله حاضراً فلا يمس شيئاً منه حتى يؤتى به ، وكان يفرش له في ظل الكعبة ويجلس بنوه حول فراشه إلى خروجه فإذا خرج قاموا على رأسه مع عبيده اجلالاً له ، وكان رسول الله يأتي وهو غلام جَفْرٌ (4) فيجلس على الفراش فيأخذه أعمامه ليؤخروه فيقول عبد المطلب : مهلاً دعوا ابني ما تريدون منه ؟ ثم يقول : دعوه فإن له لَشأناً أما ترونه؟ (5) ويُقبِّل رأسه وفمه ويمسح ظهره ويُسَر بكلامه وما يَرى منه (6) . كان عبد المطلب بصيراً بما سيكون من النبي صلى الله عليه وآله في المستقبل لِما عنده من العلم بخبره عن ابائه عن ابراهيم عليه السلام ، وما يرى من القرائن والعلامات في رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولِما سمعه من سيف بن ذي يزن ملك اليمن وجماعة من علماء أهل الكتاب بذلك (7) . وعندما أدركت عبد المطلب الوفاة ، بعث إلى أبي طالب ، فجاءه ومحمد صلى الله عليه وآله على صدره وهو في غَمَرات (8) الموت ، فصار يبكي ويلتفت الى أبي طالب ويقول : يا أبا طالب انظر أن تكون حامياً (لهذا) الوحيد الذي لم يشم رائحة أبيه ولا ذاق شفقة أمه . يا أبا طالب إنْ أدركت أيامه فاعلم أنّي كنت من أبصر الناس ومن أعلم الناس به ، انصره بلسانك ويدك ومالك ، فإنّه عن قريب سيسود ويملك مالم يملك أحد من آبائي (9) . قال ابن إسحاق : إنَّ عبد المطلب توفي ورسول الله ابن ثماني سنين . النبي صلى الله عليه وآله
في كفالة عمه أبي طالب وضم أبو طالب النبي صلى الله عليه وآله إليه بعد موت عبد المطلب ، وكان قد انتهت إليه زعامة قريش بعد أبيه (بوصية من أبيه عبد المطلب) ، فكان يحبّه حبّاً شديداً ويُؤثره بالنَّفقة والكِسوة (1) على نفسه وعلى جميع أهله . وكان لا يفارقه ساعة في ليل أو نهار ، وكان لا ينام إلاّ إلى جنبه حتى بلغ ، ولا يأتمن عليه أحداً . قال أبو طالب : لم ارَ منه كِذبة قط ، ولا رأيته يضحك في غير موضع الضِّحك ، ولا مع الصِّبيان في لعب . وكانت فاطمة بنت أسد بن هاشم امرأة أبي طالب وأم أولاده جميعاً تحنو عليه كأنَّها أمه . ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله لما توفيت فاطمة بنت أسد وكانت مسلمة فاضلة ، أنّه قال : اليوم ماتت أمّي ، وكفَّنها بقميصه ، ونزل في قبرها واضطجع في لحدها . فقيل له : يا رسول الله لقد اشتد جزعك على فاطمة ! قال : إنها كانت أمي ، إن كانت لَتُجيع صبيانها وتُشبِعُني ، وتُشْعِثُهم (2)وتُدْهِنُني (3) . حِلف الفُضول ولما صار عمره الشريف عشرين سنة ، حضر حلف الفضول الذي دعا إليه الزُبير بن عبد المطلب لنصرة المظلومين في مكة ، فأجابته بنو هاشم وبنو المطلب وبنو أسد وبنو تيم وزهرة من قبائل قريش فقط ، وتحالفوا على أن لا يظلم بمكة قريب ولا بعيد ولا حر ولا عبد إلاّ كانوا معه حتى يأخذوا له بحقه ، وقال النبي صلى الله عليه وآله بعدما بُعث : (شهدت حلف الفضول مع عمومتي وأنا غلام ، فما أحب أنَّ لي حُمْرَ النَّعم وأَنّي نكثته) (1) زواجه
صلى الله عليه وآله
بخديجة وتزوّج صلى الله عليه وآله خديجة وعمره خمس وعشرون سنة ، وولدت له قبل أن يبعث القاسم وزينب وبعدما بعث ولدت له فاطمة عليها السلام (1) . قال عمّار بن ياسر : أنا أعلم الناس بتزويج رسول الله صلى الله عليه وآله خديجة بنت خويلد ، وانّه ما كان مما يقوله الناس إنَّها استأجرته بشيء ولا كان إِجِّيراً لأحد قط (2) . ولادة علي عليه السلام لما بلغ عُمْر النبي صلى الله عليه وآله ثلاثين سنة وُلِد علىّ وكانت فاطمة بنت أسد قد ضَرَبَها الطلق وهي في الطواف فدخلت الكعبة فولدته (1) يوم الجمعة الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل ، قال الشيخ المفيد : ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله تعالى سواه إكراماً من الله جل اسمه له (2) . وكان النبي صلى الله عليه وآله يسمي هذه السنة بسنة البركة حيث اقترنت ولادة علي ببدء أمور جديدة عليه ترتبط بمقدمات رسالته صلى الله عليه وآله . قال ابن أبي الحديد : وقد رُوي أنّ السنة التى ولد فيها علي عليه السلام هي السنة التى بُدِئَ فيها برسالة رسول الله صلى الله عليه وآله فأُسْمِعَ الهُتاف من الأحجار والأشجار وكُشِفَ عن بصره فشاهد أنواراً وأشخاصاً ولم يُخاطَب فيها بشيء ، وهذه السنة هي السنة التي ابتدأ فيها بالتبَتُّل (3) والانقطاع والعُزْلة في غار حِراء فلم يزل به حتى كوشف بالرسالة وأُنزل عليه الوحي ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يتيمَّن بتلك السنة وبولادة علي عليه السلام فيها ويسمّيها سنة الخير وسنة البركة وقال لأهله ليلة ولادته (وفيها شاهد ما شاهد من الكرامات والقدرة الإلهية ولم يكن من قبلها شاهد من ذلك شيئاً) : لقد ولد لنا الليلة مولود يفتح الله علينا به أبواباً كثيرة من النعمة والرّحمة ، وكان كما قال صلى الله عليه وآله فانّه عليه السلام كان ناصره والمحامي عنه وكاشف الغم عن وجهه وبسيفه ثبت دين الإسلام ورست دعائمه وتمهدت قواعده (4) . قال ابن إسحاق : وكان مما أنعم الله به على علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كان في حجر رسول الله صلى الله عليه وآله قبل الإسلام . قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي نُجَيح عن مجاهد بن جبر أبى الحجاج قال : كان من نعمة الله على علي بن أبى طالب ، ومما صنع الله له ، وأراده به من الخير ، أنَّ قريشاً أصابتهم أزمة شديدة ، وكان أبو طالب ذا عيال كثير ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للعباس عمه ، وكان من أيسر بني هاشم : يا عباس ، إن أخاك أبا طالب كثير العيال ، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة ، فانطلق بنا إليه فلنخفِّف عنه من عياله ، فقال العباس : نعم . فانطلقا حتى أتيا أبا طالب ، فقالا له : إنّا نريد أن نخفّف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه ، فقال لهما أبو طالب : إذا تركتما عقيلاً فاصنعا ما شئتما (قال ابن هشام : ويقال عقيلاً وطالباً) فأخذ رسول صلى الله عليه وآله علياً فضمَّه إليه ، وأخذ العباس جعفراً فضمَّه إليه ، فلم يزل علي مع رسول الله صلى الله عليه وآله حتى بعثه الله تبارك وتعالى نبيّاً (5) . بناء الكعبة ولما هدم السيل الكعبة وعزمت قريش على إعادة بنائها ، اختلفوا على الحجر الأسود أيُّهم يضعه في مكانه ، وتواعدوا للقتال ، ثم رضوا بمحمد صلى الله عليه وآله وكانت قريش تسمّيه قبل أن يبعث بالأمين ، فَبَسَطَ رسول الله صلى الله عليه وآله رداءه ثم وضع فيه الحجر وقال : ليأت من كل رَبْع (1) من قريش رجل وكانوا قد توزَّعوا على البناء أرباعاً فرفعوه ، ثم وضعه بيده الشريفة في موضعه (2) . طغيان قريش قبيل البعثة قال ابن إسحاق : وقد كانت قريش لا أدري قبل بناء البيت أو بعده (1) ابتدعت رأىَ الحُمْس (2) رأياً رأَوْه وأدارُوه (3) ، فقالوا : نحن بنو إبراهيم وأهل الحرمة وولاة البيت وقاطن (4) مكة وساكنها ، فليس لأحد من العرب مثل حقنا ، ولا مثل منزلتنا ، ولا تعرف له العرب مثل ما تعرف لنا ، فلا تعظِّموا شيئاً من الحِلّ كما تعظِّمون الحَرَم ، فإنكم إن فعلتم ذلك استخف العرب بحرمتكم وقالوا : قد عظِّموا من الحِلّ مثل ما عظَّموا من الحَرَم . فتركوا الوقوف على عرفة والإفاضة منها ، وهم يعرفون ويقرون أنها من المشاعر والحج ودين إبراهيم عليه السلام ، ويرون لسائر العرب أن يقفوا عليها ، وأن يفيضوا منها ، إلا أنهم قالوا : نحن أهل الحرم ، فليس ينبغي لنا أن نخرج من الحرمة ولا نعظِّم غيرها كما نعظِّمها ، نحن الحُمْس ، والحُمْس أهل الحرم ثم جعلوا لمن ولدوا من العرب من ساكن الحل والحرم مثل الذي لهم بولادتهم إياهم : يحِلُّ لهم ما يحل لهم ، ويحرم عليهم ما يحرم عليهم . وكانت كنانة وخزاعة قد دخلوا معهم في ذلك . قال ابن إسحاق : ثم ابتدعوا في ذلك أُمورا لم تكن لهم ، حتى قالوا : لا ينبغي للحُمس أن يأتقِطوا الأَقْط (5) ، ولا يسلأوا (6) السِّمن وهم حرم ، ولا يدخلوا بيتاً من شعر ، ولا استظلوا إن استظلّوا في بيوت الأَدَم (7) ما كانوا حُرُماً ، ثم رفعوا في ذلك فقالوا : لا ينبغي لأهل الحِل أن يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الحل إلى الحرام ، إذا جاءوا حجاجاً أو عُمّاراً ، ولا يطوفوا بالبيت إذا قدموا أول طوافهم إلا في ثياب الحُمْس ، فإن لم يجدوا منها شيئا طافوا بالبيت عُراة ، فإنْ تكرَّم منهم متكرِّم من رجل أو امرأة ، ولم يجد ثياب الحُمْس ، فطاف في ثيابه التى جاء بها من الحِلّ ألقاها إذا فرغ من طوافه ، ثم لم ينتفع بها ولم يمسها هو ولا أحد غيره أبداً . فكانت العرب تسمّي تلك الثياب اللُّقَى (8) ، فحملوا على ذلك العربَ ، فدانت به ووقفوا على عرفات ، وأفاضوا منها ، وطافوا (أي العرب) بالبيت عُراة : أما الرجال فيطوفون عراة ، وأما النساء فتضع إحداهن ثيابها كلها إلا دِرعا مفرَّجا (9) عليها ، ثم تطوف فيه ومن طاف منهم في ثيابه التي جاء فيها من الحل ألقاها ، فلم ينتفع بها هو ولا غيره . فكانوا كذلك حتى بعث الله تعالى محمداً صلى الله عليه وآله ، فأنزل عليه حين أحكم له دينه ، وشرع له سُنن حجِّه : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) البقرة/199 ، يعني قريشاً . والناس : العرب . فرفعهم في سنة الحج إلى عرفات والوقوف عليها والإفاضة منها . وأنزل الله عليه فيما كانوا حرَّموا على الناس من طعامهم ولَبُوسهم (10) عند البيت ، حين طافوا عراة وحرَّموا ما جاءوا به من الحِلّ من الطعام : (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِد وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْم يَعْلَمُونَ (32))الأعراف/31-32 . قال ابن إسحاق : فوضع الله تعالى أمرَ الحُمْس ، وما كانت قريش ابتدعت منه على الناس بالإسلام حين بعث الله به رسوله صلى الله عليه وآله (11) . أقول : إنَّ بِدعة الحُمْس ابتدعتها قريش بعد موت عبد المطلب وادِّعائها ما خصَّ الله صفيَّه عبد المطلب والطاهرين من ذريته من نصرته على أَبرهة وتدمير قوته ، وقالت : إنَّ ذلك لكل قريش ومن ثم سمت نفسها (آلَ الله) أي خاصة الله من خلقه أي أصفياء الله (12) . وقَبِلت العرب منهم ذلك بصفتهم سكان بيت الله الحرام وبسبب ما كانوا يضطلعون به من تعليم الناس مناسك حجهم وضيافتهم . ورافق ذلك ثراء قريش بسبب رحلة الشتاء والصيف الآمنتين إلى الشام والحبشة ورافقه فجور الكثير منهم واتخاذ بِدعة الحُمْس سِتاراً يتستَّرون به . ... |