السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
أخي المؤمن ,, إنك لو تبصرت في حال كثير من أهل الفسق و الفجور قد تجد أنهم يتقلبون بين نعمٍ كثيرة و مُتعٌ وفيرة
يرتعون على بساط النعماء الأخضر و يجوبون الأرض بطولها فرحاً و مرحاً كما لو أنهم ملكوا الدنيا و ما فيها ..
بينما لو أمعنتَ النظر في حال بعض الصالحين و الأتقياء الزّهاد لرأيتَ أنّهم في نقمٍ و سقم إذ أعيتهم الغموم فلا تفتأ تطل برأسها على صدورهم بين الحين و الآخر
و كأني بنفسي أراك مُسائلاً سرّك عن السرّ وراء ذلك الحال الهانئ و التقلّب البهيج فتبدأ بإطلاق الأعنة للأفكار و إسبال إزار الوساوس الشيطانية
فتتبعثر على قلبك و تستلذ العبث فيه حتى إذا كان بمقدورنا الإطلاع على ما يجول في خلدك و تسنّى لنا قليلاً أن نتبحّر في خلجان قلبك
لوجدنا فيه اعتراضًا شديداً على أمر الله و سأمًا مُستميتًا من حكمه و قضاءهـ و قد يصل الأمر إلى التشكيك بعدالته تعالى الله عمّا يظنون
لكن لو أنّنا نظرنا في محكم آياته و مصداق أحاديث نبيه الذي لم ينطق عن هوى و تدبّرنا في كل معنى و تفكّرنا بكل مغزى
لما أفسحنا المجال للشيطان على هيّنة فنال من عقولنا و قلوبنا شر نيلة .. يقول الله عزّ و جل :
( لايغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد ، متاع قليل ثم مأواهم جهنم و بئس المهاد * لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلاً من عند الله و ما عند الله خير للأبرار ) آل عمران : 196-197
فهذهـ الآية حلت الإشكالية و كشفت عن السر الدفين وراء تقلب الكفار الأبغياء بالنعم و الصالحون الأتقياء بالنقم ,
فالدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر , منزل الأحزان و مستودع الهموم و موطن الغموم , فيها ما يقض المضطجع و ما يوغر الصدور
تنزل فيها الخطوب الأجاجة المرّة فتكبّل القلوب و تزج بها في معاقل الأحزان
فحقيقٌ بالمؤمن أن يحسن الظن بربه و يدفع بالهواجس و الأفكار التي من شأنها أن تنعكس سلبًا على نفسه
فتستوطنها و تطعن بخنجر الشياطين كل ثقةٍ و إيمانٍ بالله عز و جل ..
و لهذا فإنني أخاطبك كـ مسلمٌ موحّدٌ تنتسب إلى أشرف العقائد و أنقى التوجّهات , مؤمنٌ بقضاء الله و قدرهـ
تؤمن بأنّ كل نعيمٍ يحل بك فإنّه منٌّ و تفضّلٌ من الله تعالى و أن أي مصيبة تنزل بك ( و هي لك و إن بدت و كأنها عليك ) فـ بعدلٍ من الله عزّ و جل و حكمة و علم ..
فسبحانه ذو العزّة و الجبروت ليست تخفى عليه خافية أو تغيب عن انتباهته صغيرةٌ و دقيقة ..
جديرٌ بنا أن ندرك أيّما إدراك أن ما نلتمسه من نعيمٍ في حق أهل الكفر ما هو إلا باستدراجٍ لهم
كي يتمادوا بفسقهم و طغيانهم فيأتيَهم الموت بغتة و هم في غيّهم سادرون ..
لهذا على المؤمن الكيس أن يٌقابل البلايا بالصبر و أن لا يكون في صدرهـ حرجٌ و ضيق مما قضى الرحمن
فقضاءهـ كله خير و قدرهـ جلّه عدل منطوٍ على حكمةٍ و تدبير يريد ليمتحن بالبلايا صبر المؤمن و قوّة ثقته و تعلق قلبه به
أ فلا يكون لنا دأبٌ كـ دأب المؤمن الذي قال فيه نبينا صلى الله عليه و سلم
(عجبًا لأمرِ المؤمنِ ، إنَّ أمرَه كلَّهُ له خيرٌ ، و ليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمنِ ، إن أصابتْهُ سرَّاءُ شكر وكان خيرًا لهُ ، و إن أصابتْهُ ضرَّاءُ صبرَ فكان خيرًا له)
الراوي: صهيب بن سنان المحدث:الألباني - المصدر:صحيح الجامع- الصفحة أو الرقم:3980
خلاصة حكم المحدث:صحيح
دمتم في رعاية الله وحفظه