وعد مع الطيور / بقلمي وقف ينظر إليه , يتفحص نظراته الحادة , لم ينسى تلك النظرات , نظر إلى السماء , إذ بالطيور تطوف من حوله , ابتسم لها , فقد جاء تنفيذا لوعد قطعه على نفسه معهم . وجاءوا يشهدون تلك اللحظة .
كان لا يزال طفلا لم يتجاوز الخامسه , لم يفطن لما يدور من حوله , لايذكر سوى تلك النظرات القاسية , يومها فقد أبواه , فقد بيته , فقد جذوره , كان لا يستطيع الربط بين تلك النظرات وما حدث له , لكنها حفرت في أعماقه , هزت جسده النحيل , أرعبته , لكنه الآن لها بعد أن اشتد عوده , أصبح شابا يافعا قويا , لم يحسب صاحب النظرات الحادة حسابا لهذا اليوم .
لاينسى ذلك اليوم , يومها كان يرتعد , زائغ النظرات , يجلس ضاما ساقيه إلى صدره محتضنها بساعديه , مفترشا الأرض , متخذ من الحائط مسندا , ينتحي احد أركان الفصل , فقد انضم لمدرسه الأيتام في أقصى الجنوب , اقتربت منه , جلست أمامه مبتسمة تهدئ من روعه , تمسح على رأسه , كانت فتاه جميله , حنونة رغم صغر سنها , فهي متطابقة معه في السن والظروف , ولكنها سبقته إلى المدرسة بعام , اعتادت فيها المكان , اتخذت منه صديقاً , أجلسته بجانبها , أصبحت محور حياته .
نظرت إليه مبتسمة وأشارت إلى النافذة , لم يفهمها , اتجهت إلى النافذة وأشارت له أن يتبعها , كانت تخرج يوميا من خلال فتحه في سور المدرسة الخشبي , تزيح اللوح المخلوع ثم تخرج وتعيده مكانه حتى لا يكتشف أمرها احد , لم يعرف سرها سواه , لأول مره لا تخرج وحيده , سابقا الريح بين أشجار الزيتون , تختبئ منه ويبحث عنها , تتعالى ضحكاتهما , يفترشان الحشائش , يستلقيان على ظهريهما , ينظران إلى السماء , يتابعان سربا من الطيور , شعرا وكأن الطيور تراقبهما , تحوم حولهم أينما ذهبوا , نظر إليها , طبع قبله على جبهتها , مد يده إلى وردة على غصن قريب , شعر وكأن الوردة تمد عنقها إليه ليقطفها , كانت أول هديه يقدمها لها , وكانت اغلي هديه أ مسكتها يديها .
أصبحت تلك الرحلة من مناسكهم اليوميه وكان من دواعي سعادتهم تلك الطيور التي تتابعهم , فقد بدأت تحط على الأرض من حولهم , أصبح بينهم ألفه ,واتسعت دائرة الصداقة
كانا في ذالك اليوم يتابعان المعلمة عندما شعرا بحركة غريبة خارج الفصل , تبعها صراخ وهرج ومرج , لم يفهما ما يحدث , لكن نظرات الرعب التي ارتسمت على وجه المعلمة سرت إلى بدنيهما , شعرا وكأن شيئا جلل يحدث , نظر إليها ونظرت إليه , فهمها , اتجه إلى النافذة وهى خلفه , فهم يعرفان السبيل للهروب , قفز من النافذة , مد يده ليجذبها , وما أن خرجت بنصف جسدها حتى سمع طلقات ناريه , ثم بدأت تسقط منه داخل الفصل , تشبث بيدها . محاولا رفعها لكنه كان اضعف من أن يستطيع ذلك , كانت تنظر إليه مبتسمة , تحاول أن تفلت يدها منه , تريده أن ينجو بنفسه , لازال ممسكا بها حتى خارت قواه , سقطت داخل الفصل , الدماء تحيطها , امتزجت دموعه بدمائها , قرر ألا يتركها , لولا أن رآه , نفس النظرات الحادة , واقفا , مصوبا تجاهه , بعد أن سلبه ماضيه جاء ليسلبه حاضره ومستقبله , فزع من تلك النظرات , اتجه إلى السور , خرج يعدو ولكنه اليوم وحيد, يقتلعه الرعب , يتذكرها تارة وهى تجري بجواره فتعتليه ابتسامه , ثم يتذكرها غارقة في دمائها , فتنهمر دموعه , حتى وصل إلى مكانهما , فوجد الطيور وقد جاءت تسأل عنها , أخبرهم بما حدث لها واقسم لهم ألا يترك ثأرها وأشهدهم على ذلك .
الآن وقد أصبح فتيا قويا يستطيع أن يصد النظرات . أن يقاوم , أن يثأر ,
نظر لصاحب النظرات الحادة , بينما كان يقوم بتفتيشه أمام إحدى نقاط التفتيش ومن حوله الزبانيه , ثم نظر إلى الطيور في السماء, ابتسم لها وجذب الفتيل,,,,,,,,, |