عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 04-30-2013, 05:28 PM
 












♣ الفصل الثاني ♣



في الساعة الثامنة صباحاً في يوم صيفي حار ألقى كلوندين بجسده على الأرضية الباردة وهو يرتدي بنطالاً يصل الى مابعد الركبة وقد تدّلت تلك القلادة من عنقه ..لم يكّن يفكر ألا بكلام السيد جورج ديكات فقد كان في السابق رجلاً هادئ ولكنه بدا بالأمس متوتراً ومرتبكاً بسبب رسالة تهديد ...لم يقتنع كلوندين لذلك فالسيد ديكات ليس من السهل أخافته بتلك الرسالة فهو رجلاً رياضياً حازم ..مالذي بأمكانه أن يخيفه لتلك الدرجة بحيث أنه كل ما كان يتلفظ به طلاسم مغمورة بالحيرة فتذكر كلوندين تعابير السيد كلاويس عندما أخبره ديكات بأنّ هذه الرسالة قد بعثت من السماء أليه بالذات

فأطلق ضحكة قوية وهمس لنفسه بسخرية :-

-عقول الراشدين تبدو غريبة ..ومملة وسخيفة .

أزعجته تلك الطرقات الحاسمة التي لم يكن من الصعب على كلوندين تخمين من صاحبها .

-الجو حار ..هل هناك أي مانع ؟!

هكذا أجاب كلوندين على نظرات كلاويس المتسائلة وهو يحدّق به بذهول

فأشار كلاويس ناحية المكيف ولكن كلوندين تجاهل ذلك فقال بحماس شديد:-

-مالذي أسفرت عنه تحرياتك ؟!

-ليس هناك أي جديد !!

قالها كلاويس وهو يدفع كلوندين الى الداخل.

فأستطاع كلوندين أن يمنع نفسه من السقوط فقد أمسك بالعصا المرتكزة بجانب خزانته

فمضى السيد كلاويس يذرع غرفة كلوندين جيئة وذهاباً ..فأمسك كلوندين بقميصه وأرتداه من دون أن يغلق أزرار قميصه الأسود

فقال لكلاويس بتضجر :-

-ليس هناك أي جديد ؟! ..كيف تقول هذا بينما غاص عقلي بالأفكار الشيطانيه .

هزّ كلاويس رأسه بهدوء وقال :-

-هذه مشكلة عقلك ..أما عقليّ فهو مازال يتمتع بذكاء لاينضب .

عبّس كلوندين بوجهه وقال متحدياً :-

-لنرى من سوف ينجح ..أنت أما كاتب البرقية الشجاع ؟!

كانت كلماته الأخيره مكتسية نبرة حادّة وساخرة بنفس الوقت فحملق به كلاويس

وقال له كمن يعرف نقطة ضعفه :-

-ولكن ماري ..تشجعني فقد قالت لي :بأني سوف أكتشف من هو الفاعل قريباً .

أجفل كلوندين عندما جرح أصبعه بأبرة الخياطة فنظر أليه متسائلاً قبل أن يطرح سؤالاً :-

-ماري ؟! ..وكيف علمت بالأمر ؟! ...ولم تكن متواجده .

عدّل كلاويس من جلسته فأجاب ببرود :-

-لقد أخبرتها بكل شيء .

أجاب كلوندين وهو يخفي صرخة مكتومة :-

-يبدو معقولاً هذا القرار !! .

-السيد مارشلو ؟! ..هل تعتقد بأنه قد تدّخل بذلك ؟!

خطا كلوندين الى النافذة فقال بأصرار:-

-لا يمكن ..إنه رجل أعمال شهير ..ومالذي سوف يدفعه للقيام بذلك ؟! ..ليس هناك ماينقصه !!

-أنت محقّ ،ولكن ماذا لو أدّمن ذلك !! .

عقد كلوندين حاجبيه فقال لكلاويس :-

-إدمان ؟! ..ليس هناك مايدعو الى ذلك ...فهو من الأشخاص الذين يمكن تصنيفهم بالقائمة العظيمة .

دق كلاويس بقبضته على المقعد ونهض وهو يعطي أشارة لكلوندين بالقدوم معه
فخطا كلوندين بخطا متكاسلة ومتثاقلة الى خشبة المسرح كما يسمي الغرفة الرئيسية
حيث يتم حل القضايا وتناقش الآراء بينهما .

مازالت الأوراق مبعثرة لم يتم ترتيبها فقد غادرت ماري
بعد أعدادها للفطور بناءاً على طلب السيد كلاويس ..
لم يكترث كلوندين بهذا فأمسك بتلك الورقة
وحدّق بها بتوتر
وقال لكلاويس بتوسل:-

-يجب عليك تحريك دماغك ..فلربما سوف تنتج أموراً سيئة .

-لا تقلق ..مازلت أنتظر أحداث أتوقع حصولها ..وبذلك سوف تتم عناصر الجريمة .

أفلت كلوندين الورقة بذهول فقال لكلاويس بتوتر :-

-لا يمكن ..هل شاهدّت فيلم بخصوص هذا !! .

-كلا ياعزيزي ..فالأمر سوف يتضح ألا... أذا دخل عنصر آخر فسوف يكون أشبه ..

فقاطعه كلوندين وهو يأرجح رجليه في المقعد :-

-بأخراج شعرة من العجين .

أبتسم كلاويس وهو يوقف هذا التأرجح الذي يطلق صوتاً مزعجاً
بلكزة قوية على قدم كلوندين

فرمقه كلوندين بحدّة وقال بتهكم :-

-هذا التأرجح ..مفيد من الناحية العسكرية !! .

أشعل كلاويس سيجارته فقال وهو يقرّب أذنه الى سماعة الهاتف :-

-أخشى أن يسبب لك تخلفاً عقلياً .

هتف كلوندين :-

-رائع ...أستطعت أن أسمع كلمة هزلية منك !! .

-هزلية ؟! .

قالها وهو يكتم ضحكة عن كلوندين الذي كان يرتب الأوراق بطريقة فلسفية
فأنزلقت أحدى الأوراق من يديه فالتقطها

وقال بسعادة :-

-هذه رسالة لم تنتبه أليها ...إنها من دائرة الكهرباء لتسديد الدفعات اللآزمة .

فأسترسل بالحديث وهو يرفع عينيه الى السقف :-
-هذه هي مفآجآت الصيف .



-أياك أن يعلّم أي أحدٍ بالأمر

هذه هي تحية الصباح الصاخبة التي وجهها جيمي لأخيه روبرت
وهما يتناولان فطورهما على تلك الطاولة الممتدة في الغرفة
وقد بسطّت بغطاء أبيض مزكرش من جوانبه ..
لم يكّن جيسي متواجداً
وهذا ماسمح لجيمي بقول هذا
وبصوت صاخب نوعاً ما ..

مسح روبرت فمه بالفوطة التي كانت بجانب الطبق ونهض وهو يحاول عدم النظر الى وجه جيمي
فتوجه الى المغسلة ليغسل يداه ولكنه صفع بوجود منديلاً تفوح منه رائحة غريبة كانت تلك
الرائحة مقززه وتسبب صداعاً ومرضاً سطحياً ..فكر روبرت بأخفائها
ولكنه تراجع عن قراره عندما لمح عينا جيمي تراقبنه وبحدة
فأدار صنبور الماء ليوقف تدّفق الماء الساخن وخطف المنشفة المتدليه على الرّف
وهو ينشف يداه بهدوء غير مكترث لأنفعال جيمي .

-هل تستطيع أصطحاب جيمي الى السيد "جورج ديكات " ؟!

-لماذا ؟! .

تسأل روبرت وهو يعيد المنشفة الى مكانها
فأستدار جيمي وهو يرمقه بحدّة :-
-ليس هناك مايدفعني لأبين لك السبب .
-من الطبيعي أن يسألني جيسي عن ذلك .
-تجاهله ...سوف ينسى ذلك حالما يلتقي بصديقه القبيح .

لم يخض روبرت جادلاً آخر مع جيسي بل أكتفى بهز رأسه
ومضى الى غرفته فنظر ناحية التقويم الشهري
وتمتم بسعادة :-
-قريباً ،سوف تنتهي سيطرة جيمي .

كان الوقت قد تجاوز الساعة الثامنة صباحاً عندما صلصل جرس الهاتف في الردهة مطلقاً صدىً مزعج
مخترقاً الهدوء والهيبة التي كانت تلف ذاك المنزل الكبير الممتد على مساحة كبيرة من الأرض .
هز رأسه بهدوء ومنح كتابه بعض الراحة من قبضة يده الشديدة
فقد تفاعل روبرت مع مضمون ذاك الكتاب ..
إنه من الغريب أن يموت الأنسان موتاً
قصيراً ويدفن خطأً ...

سرّت رعشة بجسده عندما جال شبح فكرة سيئة تشير بإن هذا الأمر محتمل الحدوث ..
فتجنّب عدم الأصطدام بجيمي عندما رآه يخرج من غرفته
وهو حاملاً حقيبته المدرسية
أراد العودة الى غرفته ولكنه
وجم بمكانه عندما
سمع تصفيقة الباب .

"لقد تجاهل الهاتف "

قالها روبرت وهو يخطو بخطوات ثقيلة متكاسلة ناحية الردّهة ...توقف بجانب طاولة الهاتف ليصفع كوّن سلك الهاتف قد قطع أمسكه بحذر وتلفت يمنة ويسرة قبل أن يفأجئ بظل جيسي يتمدد على الحائط .

"من المتصل ؟"

كان هذا السؤال من الطبيعي لطفل بعمر السابعة أن يطرحه
فأبتسم روبرت وانحنى
وهو يلتقط دمية أخيه الصغيرة وقال :-
-لقد تأخرت بالردّ .

أستدار جيسي بخيبة أمل وشوقه لأبيه يعصف بقلبه الصغير الذي مازال لم يتعافى من الحادثة
التي حصلت بالأمس ...لم يستطع جيسي النوم مطلقاً لمحاولته حل ذاك اللغز الشائك الذي
يسيطر على طموحه كمحقق عبقري ...ولكنه بنفس الوقت كان يتوقع الكثير
من الأمور المرعبة ..

أراد مصارحة روبرت بخوفه الشديد وعدم رغبته للذهاب الى المدرسة ولكنه تراجع عن قراره
ومضى الى غرفته وهو يحملّق على البساط بعينان زائغتان .
فأرتدى ملابسه وهو يكتم دموعه ..وقد تمكّن منه الشوق الى والده
فأندفع خارج الغرفة وأمسك بكم روبرت
وقال له بنبرة باكية :-

-روبرت ...أنا أريد والدي .

جملة جيسي الأخيرة فجرّت مشاعر الألم والشفقة في قلب روبرت
فنزل الى مستوى أخاه وضمه بقوة وقال له :-
-عما قريب ...إنه مشغول بالآوانة الأخيرة ياصغيري .

أنسابت دموع روبرت على خدّه بحرقة كما يناسب الماء في الجدول الصغير
عندما خرجت تلك الكلمات الريئة من فم جيسي :-
-وهل سوف تكون والدتي معه ؟! .

تولاه الأرتباك ..لم يستطع أن يقول لأخيه بأن والدتنا قد توفيت ..
حاول وبكل طريقة أخفاء دموعه لكنه لم يستطع
فقد شعر بها جيسي عندما نظر الى وجه
روبرت فمدّ يده الصغيرة وهو يطمأن روبرت كما يفعل معه دائماً :-
-ماما ،سوف تعودّ ..لا تقلق ..روبرت .

مالذي سوف يفعله ؟! ،،،،
هل يهز رأسه بالأيجاب ،،،
أم يصارحه بالحقيقة ؟! ..
أم يتجاهل هذه الطريقة الطفولية ؟!
لم يكن لديه خيار سوى تجاهله ..
تبّع جيسي خطوات روبرت الخافتة والمتوازنة الى غرفته فأراد أن يكمل حديثه
ولكن روبرت قاطعه قائلاً :-
-لقد أتصل والدي على هاتفي ..أليس هذا أمر جيد ؟! ..إنه مشتاق ألينا أيضاً .
-حقاً ؟! .
أندفع جيسي وأطل من خلف روبرت الذي كان ممسكاً الهاتف وهو يدّعي كذباً بأن والده طلب منه الأتصال به لاحقاً ..لم يكن هناك اتصالاً من والده فقد كان روبرت يقرأ رسالة من جورجي ..
ولكنه أراد دفع جيسي عن هذا الموضوع المؤلم فزم شفتيه وقال بهدوء :-
-يجب أن نسرع حتى نصل قبل الحصص الدراسية .
-رسالة أبي ؟ أودّ قرأتها ..
فتمتم متوسلاً :-
-روبرت !! .
تعمدّ روبرت تجاهل تلك التوسلات فقال له وهو يحمله بحنان :-
-يجب أن نسرع ياصغيري .



توقفت سيارة "جراند شروكي" بجانب ذاك البيت القديم وقد أحيط بأسوار عالية
فنزل السائق ليفتح الباب وهو منحنى بهدوء فخرجت رجل صغيرة
تلتها رجل كبيرة ترتدي حذاءً رياضياً أسود اللون
فلم يخطئ الخادم متوسط الطول ..ذا الشارب الكثّ
الذي كان يقف بجانب الباب أنها سيارة السيد "مارشلو"
فتقدم أليهما وهو يطمع ببقشيش يقدّم له لأستقباله الحارّ لهما .

مدّ روبرت بصره ناحية ذاك القصر وهو ممسك بيد جيسي الذي كان غير راغب بالمكوث في بيت السيد جورج ديكات .

"تفضلا من هنا رجاءاً " .

قالها الخادم وهو يستقدمهما ليفتح ذاك الباب الخشبي القديم فتطلع روبرت ناحيته وقال :-

-هل بأمكانكم الأعتناء بهذا الصغير الى أن أعود ..فأنا بعجلة من أمري .

هزّ الخادم رأسه علامة الأيجاب فنظر ناحية جيسي ومسح على رأسه بلطف وهو يدخله الى الداخل .

غادرت تلك السيارة و روبرت على متنها وهو يشعر بتأنيب الضمير لكذبه على جيسي
فأسند رأسه على رجاج النافذة وهو يتطلع الى الخارج وقد أنسابت دمعة من عينيه
المتوهجتان ألماً فمازال صدى صوت جيسي الطفولي
يرن بأذنه عندما سأله عن والدته فتنهد تنهيدة ضجر
وهو يحمل حقيبته حالما توقفت بجانب تلك المدرسة القديمة
التي اختارها ليكون بجانب جورجي فلقد مانع والده بشدّة
لكنه أصرّ وأقسم على الهروب أذا لم يوافق والده على رغبته
وعلى أثر هذا القسم وافق والده وهو يشتعل حنقاً فلم يبالي روبرت أبداً فالبقاء بجانب جورجي هو ماكان يهمه .

عبرّ ممرات المدرسة المزدحمة بفتيان وفتيات الثانوية حتى وصل الى فصل جورجي ليجدّ مقعدها فارغاً..فهذا الأمر قد اعتاده
فجورجي تدّرس ليلاً وتعمل كخادمة متنقلة في النهار لتجني ّ قوت يومها ومايساعدها على البقاء
فلمح رسالة قد أظهرت نفسها من خزانة الدرج الشبه مفتوحة فتقدم ناحيتها وهو لايبالي بهمسات الفتيات والفتيان عن مركزه المرموق
وثرائه الفاحش
وغباء دخوله في هذه المدرسة المهترئة
التي لاتليق بمركزه

فالتقط الرسالة التي كادّت أن تسقط بسبب هواء المكيف البارد ودفنها بجيبه مقتحماً خطوط النساء العاطفية
وتوجه الى فصله الذي لايبعد عن فصل جورجي كثيراً فتوقف حالما سمع أنفاساً لاهثة من خلفه ..
التفت روبرت ناحيته وقال بحنان :-
-مابك عزيزي ؟! .
استردّ أنفاسه وقال بقلق :-
-لقد ألقيّ القبض على أخيك جيمي ..لم أستطع فهم أي شيء ..ولكنّ سمعت همهمة بهذا الأمر .
نظرّ أليه روبرت وهو يخفي قلق مكتوم :-
-همهمة ؟!
-بأنه متورط بعملية قتل !! .
قبض روبرت على راحة يده بأظافره حتى أدماها
فقال للشاب بلهجة محاولاً أظهارها بشكل طبيعي :-
-ومتى حدث هذا ؟!
-لا أدري ..ولكن هاري يعلم بالأمر !!





الرجاء عدم الردّ


__________________
/