![قديم](stylev1/statusicon/post_old.gif)
09-08-2007, 08:54 PM
|
|
رد: مسابقة في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم كتاب الشيخ مصطفى العدوي "مفاتيح الفقه في الدين":
مسألة الخضاب بالسواد(248)
هذه المسألة من المسائل التي لأهل العلم فيها آراء ثلاثة، فمن أهل العلم من يقول بتحريم الخضاب بالسواد، ومنهم من يقول بالكراهية فقط (بلا تحريم)، ومنهم من يقول بالجواز بلا كراهية. لكل قول من هذه الأقوال قوته ووجاهته. وإن كنت أختار منها رأيًا، وهذا شيء من البسط للموارد في هذه المسألة:
أما القائلون بالتحريم فعمدة أدلتهم دليلان؛
الدليل الأول: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه؛ الذي أخرجه مسلم في صحيحه، قال فيه جابر: أتيَ بأبي قحافة(249) يوم فتح مكة، ورأسه ولحيته كالثغامة بياضًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((غيِّروا هذا بشيء, واجتنبوا السواد)).
الدليل الثاني: حديث ابن عباس رضي الله عنه؛ الذي أخرجه أبو داود(250) بإسناد صحيح، وفيه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ((يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام, لا يريحون رائحة الجنة)).
فهذا بالدرجة الأولى عمدة القائلين بالتحريم.
وقد أجيب على ذلك بما حاصله:
بالنسبة للدليل الأول- وهو مجىء أبي قحافة ورأسه كالثغامة-:
فأجاب بعض العلماء عليه بأن هذا واقعة عين خاصة بأبي قحافة، ومن كان في مثل سنه، وفيمن صار شيبه مستبشعًا.(251)ً
ويشهد له ما نقله الحافظ في الفتح عن ابن شهاب قال: كنا نخضب بالسواد إذا كان الوجه جديدًا، فلما نفض الوجه والأسنان تركناه. فكبير السن الطاعن فيه, إذا صبغ رأسه بالسواد رجع كالصبيّ، فأصبح مثارًا للسخرية منه والتهكم عليه.
فعلى سبيل المثال: إن كان ثَم امرأة عجوز طاعنة في السن لبست ثوبًا أبيضًا به ورد أحمر، فإن الناس سيسخرون منها لكونها ارتدت ثيابًا لا تتناسب مع وقارها وسنها.
أما الجواب على الدليل الثاني، وهو: ((يكون قوم في أخر الزمان يخضبون بالسواد..)):
فقد أجيب عليه بما حاصله أنه يحتمل أن يكون المعنى أنهم لايريحون رائحة الجنة لأفعال وبدع في الدين تصدر منهم. ويكون من سيماهم الصبغ بالسواد، لا أن المراد بالدرجة الأولى ذم الصبغ بالسواد.
وإلى هذا أشار ابن الجوزي في الموضوعات بقوله 252)
(واعلم أنه قد خضب جماعة من الصحابة بالسواد؛ منهم الحسن والحسين, وسعد بن أبى وقاص، وخلق كثير من التابعين. وإنما كرهه قوم لما فيه من التدليس، فأما أن يرتقي إلى درجة التحريم، إذ لم يدلس فيجب فيه هذا الوعيد، فلم يقل بذلك أحد. ثم نقول: على تقدير الصحة, يحتمل أن يكون المعنى: لا يريحون رائحة الحنة, لفعل يصدر منهم أو اعتقاد، لا لعلة الخضاب. ويكون الخضاب سيماهم، فعرفهم بالسيما, كما قال في الخوارج: ((سيماهم التحليق)) وإن كان تحليق الشعر ليس حرامًا).(253)
ومع هذا الذي ذكرناه من أوجه الجواب, إلا أنه قد ذهب فريق من أهل العلم إلى القول بالتحريم كذلك.
قال النووي(254)- رحمه الله-: ومذهبنا استحباب خضاب الشيب للرجل والمرأة بحمرة أو صفرة، ويحرم خضاب بالسواد على الأصح، وقيل يكره كراهية تنزيه. والمختار التحريم. لقوله صلى الله عليه وسلم: ((واجتنبوا السواد)) هذا مذهبنا.
أما القائلون بالكراهية فهم كثير، وهذه بعض أقوالهم, والآثار عنهم بذلك:
* أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه(255) بإسناد صحيح عن مجاهد أنه كره الخضاب بالسواد.
* وكذلك أخرج ابن أبي شيبة(256) بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير، وسئل عن الخضاب بالوسمة، فكرهه، فقال: يكسو الله العبد في وجهه النور، ثم يطفؤه بالسواد.
* وأخرج أيضًا(257) بإسناد حسن عن مكحول أنه كره الخضاب بالسواد.
* وأخرج الطبراني بإسناد صحيح(258) إلى خالد الحذّاء قال: كان أبو قلابة يخضب بالوسمة, ثم تركها بعد ذلك.
* وفي "الموطأ"(259) قال يحيى: سمعت مالكًا يقول في صبغ الشعر بالسواد: لم أسمع في ذلك شيئًا معلومًا، وغير ذلك من الصبغ أحب إليّ.
* وقال ابن عبد البر في "الاستذكار"(260): وأما قول مالك في الصبغ بالسواد أن غيره من الصبغ أحب إليه، فهو كذلك، لأنه قد كره الصبغ بالسواد أهل العلم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم،- عام الفتح إذ أتيَ بأبي قحافة ورأسه كأنه ثغامة-: ((غيروا شعره, وجنبوه السواد)).
* وقال ابن قدامة في "المغني": ويكره الخضاب بالسواد، قيل لأبي عبد الله: تكره الخضاب بالسواد؟ قال إي والله.
أما الذين خضبوا بالسواد ورأوا جوازه؛ فهم كثير أيضًا:
فمنهم الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما.
فقد أخرج البخاري في" صحيحه"(261)من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسين بن عليّ فجعل في طست، فجعل ينكت، وقال في حسنه شيئًا. فقال أنس: كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مخضوبًا بالوسمة.(262)
وأخرج الطبراني في "المعجم الكبير"(263)بإسناد صحيح عن العيزار بن حريث قال: رأيت الحسين بن عليّ يخضب بالسواد.
وأخرج الطبراني أيضًا(264)ً في"المعجم الكبير" بإسناد حسن أن الحسن ابن عليّ رضي الله عنه كان يخضب بالسواد.
وكذلك صح عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه كان يخضب بالسواد، ويقول: نسود أعلاها وتأبى أصولها.(265)
وأخرج الطبري(266) بإسناد صحيح عن الحسن البصري أنه كان لا يرى بأسًا بالخضاب بالسواد.
وأخرج الطبري(267) أيضًا بإسناد صحيح عن شعبة قال: رأيت عمر ابن أبي سلمة يخضب بالسواد.
وأخرج الطبري(268) كذلك بإسناد حسن أن عروة بن الزبير كان يخضب بالوسمة.
وقال محمد بن عليّ عن الخضاب بالسواد: هو خضابنا أهل البيت.(269)
وصح كذلك عن أبى سلمة أنه كان يخضب بالسواد.(270)
وصح عن ابن عون أنه قال: كانوا يسألون محمدًا عن الخضاب بالسواد, فقال: لا أعلم به بأسًا.(271)
وكذلك صح عن إبراهيم النخعي أنه قال: لا بأس بالوسمة، وإنما هى بقلة.(272)
وصح عن الزهري أنه كان يصبغ بالسواد أيضًا(273),
ومما استدل به المجوِّزون؛ حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن اليهود والنصارى لا يصبغون, فخالفوهم)).
قالوا: فهذا نص عام في تجويز الصباغ بعمومه.
والحاصل عندي في هذه المسألة- بعد هذا العرض السريع-:
أن الأمر في الصبغ بالسواد على الكراهية، ولا يصل حكمه إلى التحريم، والله تعالى أعلم
هذا وبالنسبة للنساء:
فهذه الكراهية المذكورة تقل في حقهم، ما لم يكن في صبغهن بالسواد غش ولا تدليس، وقد ذهب إلى الجواز إسحاق بن راهويه(274) وغيره من أهل العلم.(275)
وذلك لأن النساء ينشأن في الحلية منذ الصغر، كما قال تعالى: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ([الزخرف:18]. ومع أن الذهب والحرير حرام على الرجال، إلا أنهما حلال للإناث كما هو معلوم، والله أعلم وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
______________________________
(248) ولأخينا في الله فريد فويلة بحث في هذا، ولشيخنا مقبل- حفظه الله تعالى- رسالة في تحريم الخضاب بالسواد، ولغيرهما أيضًا.
(249) أبو قحافة هو عبد الله بن عثمان والد أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
(250) أبو داود حديث (2412)، وانظر ما سيأتي قريبًا من تعليق على هذا الحديث.
(251) وإلى هذا أشار ابن عاصم في جوابه عن الحديث- كما نقل عنه الحافظ في الفتح (10/367)- فقد قال الحافظ في الفتح: وقد رخص فيه (أي في الخضاب بالسواد) طائفة من السلف؛ منهم سعد بن أبى وقاص، وعقبة بن عامر, والحسن والحسين وجرير، وغير واحد، واختاره ابن أبي عاصم في " كتاب الخضاب" له. وأجاب عن حديث ابن عباس رفعه "يكون قوم يخضبون بالسواد لا يجدون ريح الجنة" بأن لا دلالة فيه على كراهة الخضاب بالسواد، بل فيه الإخبار عن قوم هذه صفتهم، وعن حديث جابر: "وجنبوه السواد" بأنه في حق من صار شيب رأسه مستبشعًا، ولا يطرد في حق كل واحد.
(252) وقد أورد ابن الجوزي الحديث في الموضوعات باعتبار أن في إسناده عبد الكريم، وذهب ابن الجوزي إلى أنه عبد الكريم بن أبي المخارق، وعبد الكريم هذا غير ثقة، فمن ثم حكم ابن الجوزي على الحديث بالضعف، لكن قد وقع في بعض نسخ أبي داود نسبة عبد الكريم وهو(الجزري)، عبد الكريم الجزري ثقة، فالله أعلم.
__________________ اللهم أرنا الحق حقاً و أرزقنا إتباعه ،، و أرنا الباطل باطلاً و أرزقنا أجتنابه
أسأل الله أن يغفر لي كل ذنب أذنبته
أشهد الله و اشهدكم أني بريئ من أي موضوع يخالف الدين في أي قسم من الأقسا م التي أشرفت عليها
سامحونا .. و أدعوا لنا |