عرض مشاركة واحدة
  #171  
قديم 05-15-2013, 11:14 AM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://im36.gulfup.com/vpjl3.png');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]







وقف رايان مستندا إلى باب سيارته الرياضية الحمراء ،
خارج أستديو التسجيل التابع لشركة الإنتاج .. عند مواقف السيارات الخاصة.

البرد كان يتسرب إلى عظامه رغم أنه احكم إغلاق سترته الجلدية ..
و الذي كان -كما هو واضح- غير كافي ضد الجو الذي بدأ يثلج من جديد قبل قليل ..

مازال أمامه ساعة على موعد تسجيل الأغنية المتفق عليه ،
ساعة .. فترة زمنية أكثر من كافية لإجراء المكالمة الهاتفية التي مازال مترددا في القيام بها !
حدق بالهاتف المحمول في يده بتعبير حانق ..
بقدر ما كان رافضا لفكرة إجراء هذا الاتصال ،
بقدر ما كان واجبا عليه ذلك !
إنها فترة عيد الميلاد .. تحديدا العيد الخامس الذي يمر على غياب جوني ،
يستطيع أن يتصور مدى صعوبة هذه الفترة على أسرته ..
والديه بالتبني لايزالان غير قادرين على استيعاب كيف رحل ولدهما مختفيا فجأة !
كيف تشتتت تلك العائلة الصغيرة السعيدة برحيل جوني أولا .. و إنزوائه هو بعد الذي اكتشفه ثانيا !!
فكرة أنهما سيقضيان العيد وحيدين عصية عليه ..

تنهد بعمق و أنفاسه تتكثف خارج شفتيه على هيئة بخار ..
خليط من المشاعر المتضاربة ينتابه جنبا إلى جنب مع الذكرى القديمة التي استعادها ذهنه بوضوح الآن ..
رفع رأسه إلى السماء ..
مراقبا نتف الثلج تتساقط عليه بخفة ..


بحركة مشابهة لهذه تماما و قبل سنوات عدة ..
كان رايان يرفع رأسه إلى السماء الغائمة بابتسامة ..
مستمعا إلى تطلعات الطفلة الصغيرة ذات الشعر الذهبي ، التي تسير إلى جانبه على الرصيف :
_إنها تثلج من جديد ، غدا سنصنع رجل الثلج .. أكبر رجل ثلج .. أليس كذلك رايان ؟!

التفت إليها و هز رأسه :
_أنا أكثر حماسا بشأن الحلوى و الهدايا ، لا يهم إن لم نبني رجل ثلج سارة .. المهم ما ستحصلين عليه كهدية في العيد ، في بالي شيء محدد أتمنى أن يجلبه لي والدي !

عبست تلك الصغيرة بعدم رضا :
_غير صحيح ... بناء رجل ثلج مهم تماما مثل الحلوى و الهدايا و سانتا يكون سعيدا إذا ..

قاطعها بسخرية :
_لا وجود لسانتا سارة .. ألا تعلمين ؟!

عقدت حاجبيها و زمت شفتيها بقوة بينما تتوقف أمام صديقها الصغير هاتفة :
_سانتا موجود ، أنت تكذب رايان براندون .. و الكذب شيء سيئ !
هز رايان كتفيه قائلا بلامبالاة :
_أنا لا أكذب .. أحيانا تكونين طفلة غبية سارة .. إنها حقيقة يعلمها الجميع !

دفعته بيديها بقوة مما جعله يتراجع بضع خطوات إلى الخلف ،
قالت بغضب باكي :
_أنا لست غبية .. و أنا لا أحبك و لن ألعب معك ثانية !

قطب رايان حاجبيه بعبوس هو الآخر :
_لو كنت صبيا لضربتك لهذا ... و انظري إن كان يهمني أن لا تلعبي معي مجددا !


_كفى أيها الطفلان المزعجان .. أنتما تسببان لي الصداع !

تذمر ذلك الفتى الأكبر منهما سنا و الذي كان يسير خلفهما ،
زفر وهو يدس يديه في جيبي معطفه مواصلا :
_لا تجعلاني أندم على اصطحابكما خارجا .. هيا تصالحا الآن ، تكونان أجمل عندما لا تتشاجران !

أسرعت سارة تتعلق بذراعه قائلة بشكوى الأطفال :
_جوني .. لقد قال عني غبية ، و قال أن سانتا غير موجود !!

لوح رايان بيديه المغطاتين بالقفازات الصوفية مؤكدا على كل كلمة ينطقها :
_لكنه .. غير .. موجود .. بالفعل !!

نظر إليها بتبرم .. مراقبا كيف تحتمي بجوني ثم أردف :
_و هذا أخي الذي تشكينني إليه !

_جوني قال أنه أخي أنا أيضا !

أدار رايان عينيه إلى الأعلى شاكيا :
_و تغضب حين أدعوها بالغبية !


ضحك جوني مربتا على رأس سارة المتعلقة به ثم قال :
_كف عن مضايقتها رايان .. و أوقفا هذا الشجار فأنا أعلم جيدا أنكما تحبان بعضكما أكثر مما تحبان أي شخص آخر ، هل نسيت كم كنت حزينا و مكتئبا حين لم ترى سارة طيلة الأسبوع الماضي ؟!!

عبس رايان الصغير محاولا الانكار ،
لكنه كان لايزال يذكر كم كان سعيدا لرؤية سارة من جديد هذا الصباح !
تمتم وهو يركل الثلج عن الرصيف ببطء :
_حسنا .. لا أريد أن أشاجرك سارة .. أنت لست غبية ، يمكنك حتى أن تأخذي جوني ليكون شقيقك .. لكن سنبقى أنا و أنت صديقين دائما !

ابتسمت سارة ابتسامة كبيرة دون أن تترك ذراع جوني ،
بينما هز الأخير رأسه بابتسامة هازئة :
_كم هذا نموذجي منك .. تبيعني لأجل الحب منذ الآن أيها العاشق الصغير !!

_ليس هكذا .. حتى إن كنت شقيق سارة فستكون أخي ، أنت قلت ذلك ... حسنا قلته معكوسا !

أومأ جوني برأسه نفيا وهو يتجاوزه ممسكا بيد سارة :
_محاولة جيدة "آشي" .. لنرى من سيعلمك التقاط الكرة من اليوم وصاعدا !

عبس رايان و قد احمرت وجنتاه .. همس بينما يلحق به :
_لقد وعدت بأن لا تناديني بهذا الاسم أمام سارة !

راحت سارة تغيضه هاتفة :
_آشي راي .. آشي المشاكس !

ثم قهقهت هاربة حين اندفع رايان خلفها بغضب ..

_لا تبتعدا كثيرا كي لا تضيعا في الزحام !

لم يجد جوني مصغيا لكلماته .. فركض خلفهما ،
كونها فترة الأعياد فقد كانت الشوارع مزدحمة بالناس و السيارات ..
حتى مع أن هذه المتاجر القريبة من حيهم ما كانت أسواقا كبيرة أو معروفة.

غابا عن بصره لعدة دقائق ..
كان يتلفت حوله بقلق خلالها .. باحثا عنهما بين المارة ،
نادى :
_آشي .. سارة !!

استرخى حين وجدهما يندفعان عائدين إليه و يداهما متشابكة و كأنهما لم يكونا يتشاجران قبل قليل ،
لكنه تفاجأ ما إن اقتربا منه .. برؤية سارة التي كانت تبكي ..
احتضنته من فورها مخفية وجهها في طرف معطفه ..
‏‏‏‏‏فأدار رأسه جهة رايان الذي تمسك بمعطفه من الجانب الآخر و سأله :‏‏‏
_ماذا فعلت لها ؟!

هز رايان رأسه نفيا و بدا خائفا هو الآخر :
_لست أنا ... إنه ذلك الرجل الذي اصطدمت به !

أشار رايان إلى رجل طويل بمعطف أسود ،
تقدم من بين الزحام و عيناه مثبتة عليه ،
ندبة كبيرة كانت تخترق حاجبه الأيمن و تمتد حتى ذقنه .. تمنح وجهه المتحجر التقاسيم مظهرا مخيفا !
بدا للصغيرين بشعره الأسود المصفف إلى الخلف و بعينيه اللامعتين بدهاء .. كالأشرار في القصص و الأفلام !

نظر الرجل إلى الطفلين بعد أن توقف أمامهم ،
فما كان من سارة إلا أن اختبأت خلف جوني كاتمة شهقاتها المرعوبة ،
و اشتدت قبضة رايان على معطف أخيه ..

استغرب الصغيران كيف تحدث جوني إلى الرجل المرعب بأريحية :
_لقد أخفتهما حقا !

قالها جوني مبتسما .. فانحنى الرجل الذي لم يكن قد رفع عينيه الثاقبتين عن رايان ،
و قرفص أمامه محدقا في وجهه .. ثم قال بهمس خشن :
_هل أنت خائف ... الرجل الحقيقي لا يخاف أبدا !

شد رايان شفتيه بتوتر ، ثم قال دون أن يفلت معطف أخيه :
_لست خائفا !

_كم أصبح عمرك الآن ؟!

رفع رايان رأسه يلقي نظرة على أخيه الصامت الذي علا وجهه تعبير غريب .. ثم أجاب :
_ستة .. ست سنوات ..

_لاتزال صغيرا جدا !

تشبث رايان بأخيه بقوة حين رفع الرجل المريب يده إليه ..
لكنه لم يقم سوى بالتربيت على رأسه .. قبل أن يعتدل واقفا !

رآه رايان يهمس لأخيه ببضع كلمات ..
أومأ جوني برأسه إيجابا كرد عليها ..
ثم تحرك الرجل الغامض مغادرا المكان ... مختفيا بين جموع الناس !

راقب رايان شقيقه الذي بدا مختلفا في تلك اللحظة ،
و حتى مع سنوات عمره الصغير كان قادرا على استشعار شيء غريب يربط أخاه و ذلك الرجل الغامض ...
قطعا لم تكن تلك المرة الأولى التي يرى جوني الرجل فيها ،
و بدا هذا ... شيئا غير جيد بنظر رايان ..


قال جوني بعد فترة صمت قصيرة :
_لا تفزعا أيها الصغيران .. الرجل لم يقصد شيئا !

مسحت سارة دموعها بهدوء ... بينما نظر إليه رايان بإرتياب !

تنهد جوني قائلا :
_هيا إلى البيت .. الجميع بانتظارنا الآن و قد أعدوا العشاء و انتهوا من زينة العيد حتما ، و لمعلوماتكما ..

توقف لحظة ليتأكد من أنه يحظى بانتباههما ، قبل أن يواصل بابتسامة غير واضحة المعنى :
_إن أهم شيء في العيد .. هو تجمع الأسرة للاحتفال معا !


بغض النظر عن الغموض الذي يلف جوني بشكل أو آخر ،
كان دائما ما يردد تلك العبارة التي مفادها أن العائلة تأتي أولا قبل أي شيء !

كان الأخ الأفضل و الابن الصالح .. إلا أن جانبا فيه بقي خفيا عن الأعين دوما !
و لذا كان رحيله المفاجئ قبل خمس سنوات صدمة لم يتوقعها أحد ،
بإختفائه تاركا جامعته .. شقته الصغيرة .. كل شيء من خلفه ،
و متواريا عن الأنظار بشكل مريب .. كاد يدفع والدته إلى الموت قلقا و خوفا من مكروه قد يكون أصابه !

لتأتي تلك المعلومة من أحد أصدقائه بعد وقت عصيب ،
تخبرهم أنه سافر إلى أوروبا لأجل فرصة عمل !
لم يكن رايان ليصدق ذلك ،
فما من شيء يدفع جوني إلى الاختفاء فجأة لو كان هذا صحيحا.
و كما بدا أن والداه لم يصدقا أيضا .. لكنهما لم يملكا شيئا آخر ليفعلاه !
لم يفهم أحد ذلك الشاب بالقدر الكافي ..
و كان عبثا أن يحاولوا فهمه الآن بعد مغادرته !‏

لسبب ما .. ظلت صورة ذلك الرجل الغامض ذي الندبة تقفز إلى رأس رايان كلما فكر في رحيل جوني ،
كان قد رآه عدة مرات خلال السنوات التالية .. و في كل مرة كان يتكرر ما حدث في اللقاء الأول !
تحدق فيه عينان ثاقبتان أشبه بعيني الصقر ،
ثم يهمس صاحبها لجوني ببعض الكلمات قبل أن ينصرف عائدا من حيث أتى !


ليس هذا هو الشيء الذي يشغله الآن ..
ليس ظروف رحيل جوني الغامضة ..
بل العبارة الدائمة التي كان يرددها عن أهمية الأسرة .. بالإضافة إلى والديه الذين مازالا خائفين على مصير ابنهما الغائب !

عاد رايان ينظر إلى الهاتف المحمول في يده ..
يقرأ الرقم الذي حصل عليه بشق الأنفس ..
الرقم الخاص بأخيه بالتبني الذي لم يكلف نفسه يوما طيلة خمس سنوات بمخاطبة أحد أفراد عائلته لطمأنتها عليه !

أكان رايان غاضبا منه .. أم خائب الأمل ؟! لم يعد واثقا !
لكنه ما كان راغبا في إجراء هذا الإتصال ..


_لأجل العائلة !


ردد رايان بزفرة قبل أن يضغط زر الإتصال في هاتفه ،‏‏‏‏‏‏‏‏

انتظر الرد من الطرف الآخر متحصنا بواجهة من اللامبالاة ..

استمر الصوت الرتيب يصله عبر الهاتف لدقيقة ، قبل أن يتحول إلى المجيب الآلي ..
استمع رايان إلى الصوت الانثوي المسجل يتحدث بلغة لم يفهمها ،
ثم انطلق يتكلم بعد صافرة التسجيل دون أي تمهيد أو تحية :
_ارفع السماعة إن كنت هناك جوني هذا أنا .. رايان ..

صمت برهة ثم أردف بهدوء :
_لن اسأل لما أنت في إيطاليا ، أو عما كنت تفعله طيلة سنوات فهذا ليس شأني ، فقط اتصل بوالديك .. هما يائسان الآن ، و ستسعدهما إن فعلت .. إنها فترة الأعياد كما تعلم !

ظل صامتا لبضع لحظات أخرى منع نفسه خلالها من التفوه بأي شيء قد يغير هذه الرسالة من الرسمية التي غلفها بها !

قطع الخط بشكل مفاجئ .. دون تحية أيضا ، و أغلق عينيه متنهدا بتعب ..
لقد فعل ما عليه .. يمكنه أن يبقى جانبا الآن .. يمكنه أن ينعم بشيء من الهدوء دون القلق على أحد !


نغمة .. تعلن عن وصول رسالة إلى هاتفه قطعت عليه أفكاره ،
نظر إلى الرسالة ليدرك أنها من الرقم ذاته الذي كان يتصل به قبل قليل ..
قرأ الكلمات القليلة العائدة لجوني بحاجبين معقودين و يده تضغط على الهاتف بشدة ..



_تلك العائلة و ذلك الماضي لم يعودا يعنيان لي شيئا ، ظننتك تفهم هذا أكثر من الجميع ..
لا تتصل بي مجددا فأنت لا تريد لعالمي الحالي أن يفسد لك حياتك الجديدة أو أن يلوث نجوميتها ،
دعهما ينسيان أمري .. هذا للأفضل !

ميلادا مجيدا "آشي" _


سحقا ..
كانت كل ما تمتم به رايان .. معيدا الهاتف إلى جيبه ،
قبل أن يخطو متوجها إلى داخل المبنى ..
محاولا أن يرمي جانبا أي شعور غاضب لا حاجة له .. تجاه جوني ..







كان وقت الانصراف المعتاد .. حين عبر ليو مع رفاقه بوابة المدرسة ،
متوجها إلى ساحتها المفتوحة على مواقف السيارات ..
ينتظر سيارته الخاصة التي ستظهر في أي لحظة الآن لتقله بعيدا عن هنا كما لا يطيق صبرا ليحدث.

قطع أفكاره صوت صديقه يقول :
_إذا .. هل أعجبتك الرسالة و الهدية ؟!

قطب ليو حاجبيه ملتفتا إلى صديقه الواقف بجواره قائلا بانزعاج :
_ألن تنسى هذا الأمر ؟!

هز الفتى رأسه نفيا مبتسما بمكر ، ثم قال :
_لا تنكر .. أنت تعرف من هي تلك الفتاة و لا تريد لأحد أن يعرفها .. ربما تكون معجبا بها حقا كما يتناقل الجميع !

تأوه ليو بانزعاج أكبر :
_أسدي إلي خدمة و اصمت !!

قهقهة صديقه المستمتعة جاءته كرد ..

جال ليو ببصره في المكان بتملل ..
فالتقت عيناه بعيني كيلي التي كانت على وشك صعود سيارة فخمة واقفة على يمينه ..
رجل ضخم ببذلة سوداء كان من فتح لها الباب الخلفي للسيارة الداكنة باحترام ،
تلكأت قليلا تمنحه ابتسامة شكر خجولة ،
ثم ركبت السيارة ليغلق الرجل الضخم الباب من خلفها.

انطلقت السيارة ذات النوافذ السوداء مغادرة المكان ..
و لم يدرك ليو أنه ظل ينظر في إثرها حتى سمع رفيقه يقول بعجب :
_متى أصبحت مهتما بكيلي متيشل ؟!

قال ليو ساخرا :
_أليس برأسك غير هذه الأفكار ؟!

هز صديقه كتفيه قبل أن يقول :
_على كل .. إنها جميلة فعلا لكنها فتاة مستحيلة !

التفت إليه ليو باستغراب :
_و ما معنى هذا ؟!

قال الفتى و كأنه أمر بديهي :
_ألا تعرف أنها ابنة روبرت ميتشل .. وزير المالية ؟!!

ارتفع حاجبا ليو دهشة ، بينما واصل صديقه :
_إنها لا تختلط بأحد لأنها أهم من أن تفعل ، ثمة أعين خاصة عليها طوال الوقت .. فإذا حاولت الاقتراب منها ...

صمت بإيحاء قصده أن يكون مخيفا ،
لكنه لم يحصل على ردة الفعل المطلوبة من ليو ،
و قد كان يعقد حاجبيه مفكرا بينما إحساس بالإثارة يتصاعد داخله .. همس لنفسه :
_هل يمكن أن تكون هي ... فتاة الرسائل نفسها ؟!







ارتفع رنين الهاتف بالنغمة المميزة لمعزوفة البيانو العاطفية ،
في تلك الغرفة ذات الديكور الذكوري البني اللون ..

و تقلب رايان في فراشه الكبير .. في محاولة يائسة للعودة إلى النوم و تجاهل الموسيقى الصادحة من هاتفه المحمول ،
و لما لم يستطع رفع رأسه بزمجرة غاضبة .. و بعثر شعره الرملي الطويل ،
قبل أن يلتقط هاتفه الذي كان على المنضدة المجاورة له ،
أجاب على الهاتف بينما يغوص مجددا بين وسادات سريره الكبير :
_ماذا هناك سارة .. هل تعرفين كم الساعة الآن ؟!

أتاه صوتها مستعجلا كما لو كانت تتحرك في الطريق :
_صباح الخير .. إنها الثامنة أيها الكسول ، ألم نتفق أن تلقي التحية أولا ... لكن بصراحة لم أظنك سترد علي حتى !

همهم وهو يتثائب بنعاس :
_الوقت باكر جدا بالنسبة لنجم مثلي ، و "بصراحة" حاولت تجاهل المكالمة لكني لم أنجح و الفضل يعود لرنتك الخاصة !

_أحب عندما تكون صريحا ... أصغي الآن فهو أمر مهم ، هل قرأت جريدة اليوم .. القسم الخاص بأخبار الفن ؟!

تمتم رايان متهكما :
_لقد كنت نائما حتى أيقظتني سارة ، فماذا سأقرأ أثناء نومي ... قولي فقط أي صورة وجدت هذه المرة ؟!

_ليس عنك ..

قالت سارة ثم تابعت بجدية :
_إنه مقال عن أليستر !

زمجر رايان من جديد قبل أن يهتف :
_أيقظتني في الثامنة صباحا لتخبريني عن وجود مقالة عن أليستر في الصحيفة ، سارة .. أنا لست فقط لا أفهمك بعض الأحيان بل أتمنى خنقك أيضا !!

_كف عن التذمر رايان و دعني أتكلم .. إنه ليس مقالا لطيفا هذا المنشور عن أليستر ، فكرت أن أخبرك ربما تود تنبيه صديقك بشأنه !

صمت رايان لحظة .. ثم سألها بجدية :
_ماذا تقصدين بأنه ليس مقالا لطيفا ؟!

‏_لن أجيبك لفظاظتك .. ستعلم ماذا أقصد بعد أن تقرأ الصحيفة ، و اطمئن لن اتصل بك مجددا حتى نهاية الأسبوع .. عندما سيتعين علي تذكيرك لتصحبني إلى الحفلة ، يوما طيبا !

و أغلقت الخط بغضب ..
نظر رايان إلى الهاتف في يده متمتما لنفسه :
_يوما ما سأخنقك فعلا !

أغلق عينيه للحظات قبل أن ينهض من فراشه مستسلما ..
غادر جناحه و نزل الدرج الطويل ببطء إلى الأسفل ..
وجد ليو و أليستر في غرفة الطعام يتناولان الفطور على طاولة الطعام العتيقة -قليلة الاستخدام- .. ذات المقاعد الثمان ..
تثاءب من جديد وهو ينضم إليهم .. قال :
_صباح الخير ... هل يصدف أن أجد لديكم نسخة من صحيفة اليوم ؟!

نظر إليه أليستر متعجبا هيئته بثياب النوم و شعره المشعث ..
بينما قال ليو ساخرا وهو يضع كوبه على الطاولة :
_هل رأيت كابوسا يتعلق بالصحف فقفزت من السرير إلى هنا ؟!

سحب رايان مقعدا و جلس قبالتهما :
_مضحك جدا إنما لا ... كوابيسي تقتصر على شيئين لا أريد ذكرهما ، لكني سمعت أن صحف اليوم تحوي خبرا مهما !

ضحك ليو متهكما :
_سمعت .. أم حلمت ؟!

مما جعل رايان يضيق عينيه :
_ألم تتأخر عن مدرستك أو ما شابه ؟!‏

_لست أنا من تأخر .. إنه أنت من تخلف عاما كاملا يا صديقي !

قاطعهما أليستر قائلا بنبرة تقريرية :
_أحيانا تبالغان في إغاظتكما لبعض بحيث تجعلاني أتساءل ...

نظرا إليه باستفسار حين بتر عبارته على ذلك النحو ،
لكنه عدل عن مواصلة ما كان سيقوله سائلا ببساطة :
_ما قصة الصحف على أي حال ؟!

_إنها تحوي مقالة سيئة !

جاءه الجواب من مارتيل الذي دخل الغرفة و بيده صحيفة مطوية ، و الهاتف على أذنه ..
و رغم أن الوقت كان باكرا جدا إلا أن مارتيل بدا كمن خاض حربا طاحنة للتو ..
و قد تشعث شعره الكثيف كما تهدلت ربطة عنقه بإهمال بعد أن تخلص من سترة بذلته في مكان ما !

_ماذا هناك ؟!

وضع مارتيل الصحيفة أمامهم كإجابة على سؤال ليو ،
ثم إنتحى ركنا جانبيا من الغرفة ليواصل حديثه الحانق عبر الهاتف ..

التقط ليو الصحيفة و فردها أمامه ،
فاتسعت عيناه دهشة وهو يقرأ المقال الذي كان معنونا وسط صورة كبيرة لأليستر وهو يحيط بذراعه كتفي فتاة ما مبتسما ، يبدو أصغر و أكثر بساطة في الصورة ..‏
التهم الأسطر .. و في كل مرة يقرأ فيها سطرا كان حاجباه يرتفعان باستنكار أكبر !

رفع رأسه أخيرا لينظر إلى رايان و أليستر الذين يرمقانه منتظرين ..
ناول الصحيفة لرايان بصمت ..
و الذي اكتفى بالنظر إلى الصورة و قراءة الأسطر الأولى فقط ،
قبل أن يمررها بدوره لأليستر ..

قرأ أليستر المقال بهدوء .. دون أن تظهر عليه أي ردة فعل ،
الأمر الذي استغربه كل من ليو و رايان.

ضيق عينيه حال أن انتهى من القراءة ، طوى الصحيفة و وضعها جانبا على الطاولة ،
ثم و كأن الأمر لا يعنيه .. التقط شوكته و واصل تناول فطوره بجمود !!

قال ليو بعد فترة صمت -لم يكن يسمع خلالها سوى صوت مارتيل الذي يتحدث على الهاتف- :
_أليس .. ألا تنوي أن تغضب أو ما شابه ؟!

أجاب أليستر بذات الهدوء المريب :
_و لما أغضب .. إنها الحقيقة !

قال رايان مستنكرا بحدة :
_الحقيقة أنك محدث نعمة ، دخيل على عالم الغناء ، عملت عازفا في حانة ، بينما عشت حياتك في دار لإيواء المشردين ؟!!!

راح أليستر يقلب الطعام في طبقه بحركة عصبية دون أن يأكل ،
و بريق هائج في عينيه يتزايد قوة مع كل كلمة يقولها رايان ،
لكنه بقي صامتا ينظر إلى طعامه و وجهه غير مقروء التعابير ..
أثار هذا السكون قلق صديقيه أكثر مما كان ليقلقهما انفجاره غضبا ..

تكلم أخيرا بتمتمة باردة :
_هذا ليس بنصف سوء الحقيقة الكاملة حتى .. لكنه جزء من حياتي و لا أستطيع إنكاره !


_أكنت تعيش في دار لإيواء المشردين ؟!

نظر إلى ليو الذي لم يستطع منع نفسه من السؤال ،
لم يكن يعرف الكثير عن حياة أليستر قبل أن يشكل معه هذه الفرقة .. لذا كان اكتشاف حقائق من هذا النوع مفاجئا بالنسبة له !

لم يجد أي أثر للشفقة على وجهه .. فقط إهتمام و ربما شيء من التعاطف ، أجابه أليستر بإقتضاب :
_أجل .. بقيت هناك لعامين !

بدا أن مجرد الحديث عن هذا يجلب له ذكريات سيئة ،
فآثر ليو الصمت مقررا من خلال تلك الإجابة أن بقية المعلومات في المقال صحيحة أيضا .. و إن تمت صياغتها بحيث تبدو أفظع بعشر مرات !

تحدث رايان محاولا أن يكون موضوعيا :
_إنهم يكتبون عن المشاهير دوما .. يكتبون أشياء أسوأ من هذه حتى ، إنها ضريبة النجومية فلا تضايق نفسك !

تراجع أليستر في مقعده و قال بهدوء :
_لست متضايقا أو منزعجا بسبب المقال .. لقد كنت أتوقع شيئا كهذا ، فلابد أن يتحدث أحد عن ماضي كونه مادة دسمة للكتابة !

هز رأسه ثم استطرد :
_أستطيع أن أفهم حصولهم على المعلومات ، لكن الصور ...

_صورك مع جيني ..

قالها رايان غاضبا وهو يعود للنظر إلى الصحيفة ، ثم واصل :
_لا يستطيعون الحصول عليها ما لم تكن ... هي من سمح بذلك !

نهض أليستر واقفا ، و أجاب رايان بنبرة أوصل فيها رغبته بإيقاف الحديث في هذا الأمر :
_سأخرج بعض الوقت .. أحتاج للبقاء بمفردي !

و تحرك بخطوات هادئة -عكس ما يجول داخله- مغادرا الغرفة ..






xX تحذير .. يرجى رجاءا حارا عدم الرد ~

[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
__________________




افتَقِدُني
music4

رد مع اقتباس