تكثر الحوادثَ المرورية في عصرِنا الحالي لعدة أسبابٍ منها: التهور، عدم الإلتزام بتعليماتِ المرور للحفاظِ على السلامة، السرعة، عدم الإنتباه عند عبور الشارع و غيرها من الأسباب الأُخرى،و تكثر غالباً بين شبابِنا العربي إذ نجدُ الكثيرَ منهم يحبون السرعةَ و المخاطر لإظهار مهاراتِهم أمامَ الاخرين على حسابِ سلامتهم و حياتِهم.
يحبُ بعض الشباب ما يسمى ب(تفحيطِ السيارات)، يعني أن الواحدَ منهم يقودُ السيارةَ في مكان خالٍ بسرعةٍ كبيرة و يُحركها بطريقةٍ خطرة ليعرض مهاراته و يحظى بمغامرة جريئة، أحدُ هؤلاء الشباب محمد الذي يعتبرُ هذا الأمرَ هوايةً له، بل إنها هوايتُه المفضلةٌ و التي يداوم على ممارستها باستمرارٍ رغم علمه بمخاطرها لكنه يجد أنه بعيدٌ عن هذه المخاطر إذ أنه كما يقول أصبح محترفاً.
محمد شاب ذكيٌ و طَموح، يحبُ الخيرَ، و يهوى المخاطرَ و المغامرات التي لا يجرؤ الكثير الإقدامَ على فِعلها.
لدى محمد الكثير من الأصدقاء الذين يجمع بينهم حسُّ المغامرةِ و المخاطرة، يذهب معهم دائماً لممارسةََ أخطر أنواع المغامرات و أحدُها (التفحيط)، بعد انتهاء محمد من العمل، يعودُ إلى منزله، يأخذ قسطاً من الراحة، يأكل، يصلي، و يمضي معَ أصحابه للبرّ ليمارسوا هناكَ ما يحبونه بعيداً عن الناسِ و عن الشرطة.
في أحد الأيام، ذهب محمد كعادَته بعدَ أن عادَ من العملِ و أخذ قسطاً من الراحة مع أصحابه للبرّ، وصلوا هناك، و استأجروا أسرع السيارات ليقودوها، شرعوا برياضَتهم، مر الوقت مع الكثير من الضحكِ و اللعب و المخاطِر، و في لحظةٍ ما... أخطأ محمد بإحدى حرَكاته فإذا بالسيارةِ تنقلب.. و تنقلب.. و تنقلب..، و مُحمد و علي داخلَ هذه ال..؟؟.
أغمضَ مُحمد عينيه بقوة، تمسكَ بصعوبةٍ ببابِ السيارة و المسنَد الجانبي، ظلَّ يرددُ بعضَ ايات القرءان، تذكر قولَه تعالى:-(( كلا إذا بلغت التراقي* و قيل من راق* و ظن أنه الفراق* و التفت الساق بالساق* إلى ربك يومئذٍ المساق )) القيامة(26-30)، أحسَّ أنها النِّهاية و أنّه الانَ يصارعُ الموت، و ظنَّ أنه لن يغلبه، لن يغلبَ قدر اللهِ الان، سيطَر عليه خوفٌ لم يشهَده في حياته، كانَ علي بجانبهِ يصرُخ و لكنه لم يكن يحسُّ بذلك، فكأنهُ أصبحَ أصمًا في هذه اللحظة.
بعدَ أن استقرَت السيارة، و توقََف الصُراخ، فتحَ محمد عينَيه، لم يعِ أينَ هو و ما الذي حصلَ، نظرَ إلى جانِبه، رأى عيني صديقه شاخصَتين لا تتحرَكان، و الدم يسيلُ من وجهه، ظلَّ محمد صامتًا من هولِ الصدمة، و بعدَ برهةٍ سمِع أصوات أُناس حولَه و سيارات إسعاف، استيقظ من صَدمته، بكت عَيناه على صديقهِ و على نَفسه، بَكت عيناه لأنّه كانَ هو السبب فيما حدَث لكلاهما، بكى، لأن ما حدَث أودى بحياةِ شخصٍ كان أكثرَ من أخٍ بالنسبة له..إنه أخٌ و رفيقُ درب.
وصلَ رجالُ الإسعاف، أخرجوا محمد منَ السيارةِ المدمرة و أخرجوا صديقهُ المتوفى، حمَلوه و صديقَه إلى المَشفى بسيارةِ الإسعاف، ظلَّت الدموع تسيلُ من عينيه دونَ توقف، و الممرضين حولَه يداوونه ريثما يصلُ للمشفى، و لكن مُحمد لم يكن يُحس بذلك فهو لا يزال يُريد أن يكونَ كل ما حدث كان كابوسًا و سوفَ يفيقٌُ منه و يرى حياتَه كما كانت عليه مِن قبل.
وصلَ محمد للمَشفى، أخذوه إلى غرفةِ العناية المركزة للإسراعِ في وقفِ نزيف الدم من جَسده و علاج جُروحه، نامَ محمد، و استيقظَ في اليومِ التالي، وجدَ أصحابه و عدداً مِن أهله بجانبه فقالَ: أينَ أنا و ماذا حَدث؟!،أجابَه إحدى أصحابه: اهدأ يا محمد، لقد حَصل معكَ حادث كادَ أن يودي بحياتِك و لكن حمداً لله على سَلامتك.
شَهقَ محمد شهقًة كادَت أن تَخنقه و قال: ه هذا يعني أنَّ، أنَّ ما رأته عينايَ صائِب، و عادَت به الذاكرةُ حيث كانَ في السيارةِ المحطمة ينظُر إلى صديقه و قَد كانت الدماءُ تسيلُ من وجهِه، و أكملَ حديثَه قائلاً: أخبروني أينَ صديقي، أينَ أخي، هل هوَ حي؟!، أرجوكم أخبروني أنهُ حي، أرجوووكم أخبروني بهذا، شرعَ محمد بالبكاءِ بحرقةٍ و هو يأنُّ و يضرِب رَأسه بيده، و هو يقول: سامحني يا صديقي، سامِحني..
وأخذَ أصحابَه و من حوله يحاولون تهدأتَه أعطاه الأطباء مخدراً فنام.
و َمرت الأيام و الشُهور و السِنين، ولايزال مُحمد يذكرُ تِلك الفاجعة التي أفقدته أعزَّ إنسانٍ على قلبِه فكأنه يعيشُ في هذه الدنيا و نِصف جسَده ميّت، فكيفَ تكونُ الحياة....أيُّ سعادةٍ و أي متعةٍ يعيشها لن يعوضه أحدٌ عنه، لا يوجد أيُّ إنسانٍ يستطيعُ أن يحلّ محلّه مهما حاوَل، استسلمَ لقدرِ اللهِ و رضيَ به.
و صارَ محمد يحضرُ محاضراتٍ شَتّى و يذهَب إلى المدارسِ و الجامعات لينصحَ الشباب بالإبتعادِ عن مثلِ هذه المخاطر حفاظاً على سلامَتهم و سلامةِ مَن حولهم، يقصُّ عليهم حِكايته و كأنها حدثت معه الان، و لم يمضِ عليها إلا سُويعات علهم يعتبِرون بها... عَلّهم يعتبِرون..