>قلبك يتحدث<..(من أنا؟) لقد أمسكت بالقلم قبل قليل وجعلته يتحدث ويخبرني بمن أكون!.. ولا أصدق بماذا أخبرني؟...لقد صعقت تماماً...من الجيد أنني اتفقت مع قلمي بأن نجعل الأمور مشفرة قليلا...لذلك أحبتي من لم يفهم أسلوبي أو ما أشير أليه , فأعتذر له مقدماً لأنه يصعب للمرء بأن يفهم ما يقصده الأخر , لكن فعلاً هذا ما أشعر به عندما تخاطبنا أنا و القلم الليلة .
لعل مشاعري أصبحت الشخص الثالث و جلسنا نتشاور كثيراً , منهم من قال " أبقها لديك و أنسحب " و منهم من قال " لن يفهمك أحد مهما نحت و كتبت " , أنتصرت أنا و قلت " لما لا أجرب " .
فأنتجنا لكم هذه المنحوتة الصغيرة على أمل أن تعجبكم , أي رد نقد أرحب به . أنسدل ستار أشعة الشمس المبهرة , و اختبأت خجلاً خلف تلك السحب الثقيلة , وبعد ثواني قليله أمتلئت شوارع مدينتي بالأمطار الغزيرة. خرجت من منزلي الصغير مسرعة , " إنها فرصتي " .
ركضت نحو قطرات المطر الباردة .
لا أعلم , لماذا فعلت هذا ؟ , و لكنه شعور غريب خالجني منذ مكوثي هنا , هناك أمر ما أريد رؤيته بشده .
إنه شعوراً يجعلك تفتقد الشيء الذي بداخلك , أشعر بأنني ضائعة في شوارع المدينة .
إنها مدينتي فعلاً , و لكنني غريبه عليها , لا أعلم ! , لماذا أشعر بأنها المرة الأولى التي أزور بها هذا المكان .
إنها مرتي الأولى عندما رأيت مصابيح شوارع المدينة تشتعل تارة و تطفئ تارة أخرى .
إنها مرتي الأولى عندما لمست قدماي العاريتين زقاق المدينة المتسخ , لقد كان جافاً و بارداً في نفس الوقت .
نظرت حولي يمنة و يسرى , و لكني لم أرى أحداً في مدينتي الغريبة .
لعلهم اختفوا من المكان , أو أنهم خائفين من أن يتبللوا بتلك القطرات النقية من سماءٍ لم تعرف معنى المشاركة .
لقد كانت سماء واحده طوال حياتها و كذلك أنا !.
كنت وحيده بمنزلي و اليوم ها أنا أخرج لمدينتي التي لم تعرفني تماماً , يبدو أنها من نستني و لست أنا !.
هدأت قطرات المياه عن ضربها لجسدي المبتل و كأنها تعلم بأنه يكفي ما حصل .
وقفت في باطن المدينة و لم أسمع من حولي سوى , صوت صرير الأبواب و النوافذ الغاضبة , لتهب رياح بارده لفحت جسدي الغريق و لكنه صمد تماماً .
و كأنه يخبرني بأنني لم أتأدب بعد !.
يا لها من رياح قاسيه !.
أرخيت جسدي جالسه و ضممت يدي حول قدمي الباردتين , شعرت بدفيء يخرج من عيني , إنها دموعي قد جعلت من ذلك المكان البارد , دفئاً يغمرني .
هل البكاء نعمة أم نقمه ؟ , هل سيتحرر جسدي من هذا العذاب الذي يلفني بسلاسل خفيه بارده طوال الليل ؟ هل سأتحرر من مدينتي التي نكرت وجودي و جعلتني سجينتها الوحيد ؟.
دمعة خلف أخرى تجعلني أعيش يوماً أخر بهدوء .
كانت دموعي تناجيني :
" كوني متفائلة , لعل غداً تجدين مكاناً أفضل " .
حاولت أن أبتسم , لكنني لم أستطع !.
" يجب علي أن أتعلم الأبتسامه " هذا ما اخبرتني به الدموع الدافئة .
سأحاول و لكن ... لا أستطيع , لربما كنت خائفة من السماء و قطراتها الباردة أو تلك الرياح الهائجة التي كادت أن تطرحني أرضاً في أحد المرات , أو ... ماذا لو ابتسمت فسوف تبتلعني المدينه حينها .
أنهم يمقتونني لسبب لا أعرفه , فكرت و ناجيت دموعي لسنوات و لكن لم أجد نتيجة تجعلني أخرج من هذا السجن المقيت .
هل أنا أشكل تهديداً لهم ؟! .
لو كنت كذلك لجعلتني المدينة أغادر هذا المكان الموحش منذ زمن بعيد , أو جعلت هناك من يسكنها .
لكنني مجرد فتاة واحدة أمام مدينه و هناك ما هو أسوء .
لم أعلم ما حدث بعد ثواني من بكائي , فقد خرجت تلك الشمس الخجولة و واجهتني , ذلك العنصر الوحيد المختبئ طوال جلوسي في بيتي الصغير , ظهرت أشعتها المبهرة حول المكان , شعرت بوجود أشخاص من حولي , رفعت رأسي سريعاً .
ابتسمت .
ظهرت ابتسامتي , إنني أعلم من يكونون ؟ .
لقد درست مع هذا , و صادقت هذا , ذلك صديق طفولتي العزيز ,
تلك جدتي الغالية , ذلك أخي الصغير , و هذا أخي الثالث .
لكن الغريب في الأمر , رأيتهم يغمرهم اللون الأسود و الأبيض .
و هناك أناس أخرين أعلمهم أيضاً , يغمرهم ألوان متعددة , و كأن الأمر مقارنه بين فلم أسود و أبيض و الأخر يغمره الالوان .
نعم !.
لقد ركضت نحو الفئة الأولى , فكنت ألمس سراباً , ليس له وجود بل أن مخيلتي جعلت لهم ذكرى معينه في رأسي .
و الفئة المغمورة بألوان قوس قزح البهيج , لمستهم فشعروا بوجودي و لكنهم ينظرون نحو فراغ ليس له وجود .
أصرخ , أتكلم , أشير بيدي العاريتين , و لكن لم يستجيبوا لأي شيء .
يبدو أن الشمس البهيجة لم تكن ممتعه بتاتاً .
اختفت الإبتسامة التي تعلمته سريعاً , بل أنها محيت من مخزن ذاكرتي و أتت دموعي مرة أخرى لتحاسبني على ما فعلته الأن .
" لم تتعلمي و لن تتعلمي شيئاً , ستبقين كما أنتِ , شخص يفعل ما يخبره قلبه و ضميره , " .
تحدثت لها بلكنة قاسيه لم أسمعه من شفتاي من قبل :
" و ماذا لو تغيرت ؟ ".
انسدلت قطرة أخرى حتى ذقني و أخبرتني قبل أن تفارقني و تاركةً لحظتها الأخيرة :
" إنها لحظتي الأخيرة , لن أبقى معك و أدفئك بمائي الدافئ مرة أخرى , لربما سوف تضع قناعاً ملون كالأخرين و لكن الحقيقة المره , بأنكِ ستعودين و تتكلمين بقلبك مرة أخرى ".
و قبل أن ترتطم في الشارع الرخامي القاسي و تتحول لقطع صغيره , سمعتها تصرخ :
" لن تتغيري أبداً , أبداً ".
أختفى الدفئ من وجهي , و اجتاحني البرد مرة أخرى , و اختفت الشمس الخجوة بين السحب السوداء , لتخبرني بأن هناك مطر قارس سوف يأتي .
عندها سمعت صوتاً قوياً يخرج بين جدران المدينة الخالية , إنها الرياح و قد تحولت لإعصار قوي يجوب المكان باحثا عن شيئاً ليبتلعه .
شعرت بأنه سوف يبتلعني بلا شك !.
ركضت و ركضت ... و ركضت !.
و لكنه فتح فمه أمامي مباشرة , يود أن يرحب بي بأنيابه الأماميه ,
حسناً , يبدو بأنه يجب أن أستسلم أم .....؟!.
لم أشعر سوى بتلك الكثبان الرمليه , تعتصر جسدي كاملاً و تدور بي بكل ما أوتيها من قوه , لم أشعر سوى بقدمي تختفيان من الوجود !.
لقد ذهلت و أصابني الرعب , و لكن لازالت تلك الفكرة في خاطري :
" أستسلمي لقدرك , أنكِ فعلاً لا تناسبين هذا المكان , أختفي من الوجود , إن المكان لن يتأثر بوجودك أو عدمه ".
أغمضت عيني و بدأت بتقبل الواقع , و جلس الأعصار الرملي يفتت جسدي قطعة قطعة .
حتى لم يبقى سوى وجهي يدور كالكره داخلها , لا أعلم لماذا فعلت ذلك ؟!.
لقد ابتسمت عندما أختفى وجهي تماماً .
لا بد أنني سوف أكون سعيدة , ابتسمت لأنني غادرت المكان الموحش أخيراً , لربما سوف أصبح أسوداً أو أبيض أو سوف أكون رياحاً قويه أو ...!.
يجب المغادرة !.
المغادرة هو كل ما أريد ... فأين باب الخروج النهائي ؟!.
أنتهى ...
__________________ صرخت صديقتي في لحظة عتاب بحرقة : " أكرهك " . فهمت أنها تُحبني جداً و أنها لذلك عاتبتني بشدة و قد صح حدسي فقد اعتذرت مني حين هدأت و أخبرتني بأنها لم تعني ما قالته.
تفهمتها جيداً و قدرت خوفها علي رغم أنه أرعبني . ما شعرت بشيء حينها لكن و حين أدرت ظهري عائدة شعرت بحرقة في صدري و تلألأت الرؤية أمامي ، أيضا شعرت بقطرة باردة تدحرجت على خدي !!! كم كانت موجعة .
.. "أميرةالانمي": . |