عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-06-2013, 12:47 AM
 
طَائِرٌ بِلا جَناحْ




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عائلتى الكريمة فى المنتدى..أصدقائى واخوانى..
مرحباً بكم..
اليوم أضع بين أيديكم قصتى القصيرة آملةً أن تحوز على إعجابكم..
إنها بعنوان " طَائِرٌ بِلا جَناحْ "
وأتمنى منكم أن تقيمونى فى محاولتى الأولى لكتابة قصة قصيرة..
والأمر سيكون أجمل برؤية انتقاداتكم البنائة فهى ما أصبو اليه..
وللحديث تتمة..
بعد أن أعرض عليكم عملى المتواضع..


وحدى..فى هذه القلعة الشامخة..
ظننت بمجيئى هنا فى البداية أنها تضم أملى فى الحياة..
ذلك الصدر الحانى الذى طال انتظارى له..
لكنى قد تغيرت بتغير الفصول وتعاقبها..
كل ما أتذكره أننى كنت طفلة بريئة تلعب فى مرج من الأزهار الذابلة..
مد يده لى متوعداً اياى بالسعادة..
فقبلت عرضه وأمسكت يده..
ومنذ ذلك الوقت وروحينا متصلتان ببعضهما..
أو هذا ما يردده..ذلك العجوز..


بريطانيا فى 2004/1/13

شقت تلك السيارة الرمادية طريقها وسط الأمطار الشتوية الغزيرة
حتى توقفت أمام قصر غلفه الصمت من كل جانب
بحيث يبدو للناظر اليه من الخارج كما لو كان مهجوراً...سوى من الأشباح
ترجلت من السيارة فتاة تبدو فى ربيعها الثالث والعشرين ذات بشرة حنطية مائلة للاسمرار
وشعر فاحمٍ حريرى خصلاته اللامعة منثورة على عينها اليمنى بشكل انسيابى
وقفت هناك أمام البوابة الكبيرة تتأمل سجنها الأسود وقد خطته بعض الخيوط الذهبية فى جوانبه الأربع
لتتقدم بعدها وهى تحطم ما تبقى من الأزهار الذابلة وتحولها الى هشيمٍ فى طريقها
- "(عجباً ، لقد نسى ذلك العجوز إغلاق بوابة القصر مجدداً..
أتمنى بأن يكون شخصٌ ما قد تسلل وقتله)".

دخلت القصر بخطىً ثابتة فهى تعرف وجهتها...غرفة الجلوس فى الطابق الأول
فعمِدَتْ إلى هناك وكانت تماما كما تركتها قبل خروجها
حافلة بشتى أنواع القطع الأثرية النادرة مرتبة بعناية..
تلك النافذة الواسعة المقابلة للباب بستائرها المخملية ..الطاولة البيضاء الصغيرة وأزهار صاحب القصر..
ثم وجهت نظرها الى الباب الأبنوسى الضخم المفتوح على مصراعيه..

خيوط العناكب والغبار هما الرفيق الوحيد لساكن هذه الغرفة
عجوز فى خريف العمر يسابق الزمن ليحتفظ بحياته ولكنه دائما يخسر
حتى انتهى به الأمر على كرسىٍ متحرك غير قادرعلى تحريك أطرافه
وبالكاد يسمع صوته
لا يفعل شيئاً سوى النظر من خلال نافذته ومراقبة مطر الشتاء

تحاملت على نفسها قليلا ووقفت تنظر إلى ذلك العجوز منتظرة أن يقول شيئاً
ولكنها فقدت الأمل من هذا الأمر وهمت بالخروج حتى استوقفها صوته المتهدج
-"(كيف جرحتِ يدك؟)"

التفت اليه لتجده ينظر اليها بنصف ابتسامة غزت تقاسيم وجهه المنهكة
لم تستطع أن تخفى حَنَقَها فهو لم يحدثها منذ عام كامل وهذا ما يقوله لها الآن..
ومع ذلك تملكها شئ من الدهشة فهى لم تشعر بألم ذلك الجرح على الاطلاق
ولكنها مع ذلك كظمت غيظها وأجابته
- "(بإمكانك أن تقول بأن هذا الجرح هو ضريبة دفاعى عن نفسى)".
ثم استدارت لتذهب الى غرفتها قبل أن تفقد أعصابها ولكن صوته استوقفها مجدداً
- "(يجب أن تنتبه لنفسك أكثر يا طائرى الصغير فاليوم عيد مولدك..
لذلك يجب أن تكون بأفضل حالاتك)".

لم تكلف نفسها حتى عناء الاستدارة ومخاطبته ولكنها عوضاً عن ذلك
واصلت سيرها الى غرفتها عبر ذلك الدرج المتهالك
بينما هو يشيعها ببصره وقد لاحت ابتسامة ساخرة على محياه
أما هى فبعد أن ارتقت درجات السُلَم
توقفت لبرهة محدقةً إلى يدها المصابة وهى تنزف
- "(غريب ، لست أشعر بأى شئ على الاطلاق)"
فجربت أن تضغط على قبضتها لكن ذلك لم يؤتى ثماره سوى أن كلفها المزيد من الدماء

صعدت إلى غرفتها وأغلقت بابها الخشبى الأبيض بإحكام
كان المطر والعرق اللذان يجفان يثيران البرودة فى عظامها لذلك وقبل كل شئ
استبدلت ثيابها المبللة بأخرى دافئة
ونظفت جرح يدها بتكاسل وضمدته بإهمال
ثم جلست على كرسيها وأسندت يديها إلى مكتبها الصغير وبعثرت نظراتها فى أطرافه
قبل أن تستقر عيناها أخيراً على المفكرة فى المنتصف
لقد اشترت هذه المفكرة لتدون فيها عن حياتها..لتكون رفيقتها بدلاً من هذه الوحشة التى داهمت حياتها
منذ لحظات كان رأسها مليئاً بالأشياء التى ابتغت تدوينها ولكن الآن عقلها فارغ تماماً..

فظنت أنه ربما يكون من الأجدر بها أن تبدأ بالتعريف عن نفسها.
فأمسكت أناملها القلم وكتبت تلك الكلماتِ التى مَقَتَتْها أكثر من أى شئ آخر..
اسمى إيزابيل ديفون
عمرى غير معروف
حياتى بائسة

شعرت بثقل يجتاح قلبها فتخلت عن إكمال يومياتها
وألقت بجسدها المُرهق على السرير المبعثرة أشياؤه
ورفعت كلتا يديها فى الهواء وهى تتذكر كيفية إصابتها

كانت كعادتها تسير أسفل المطر لإدراكِ وجهتها ألا وهى محل يبيع الأدوات المكتبية
دارت بخلدها فكرة أنه يجب أن تدون شيئاً يتذكرها الناس به
فذهبت لشراء مفكرة صغيرة تحكى فيها قصتها
لكنها وأثناء عودتها فوجئت برجل ضخم الجثة ، مخيفِ الهيئة يعترض طريقها
هى لم تعره اهتماماً..حتى عندما أخرج سكينه مهدداً إياها حتى تخرج ما بحيازتها من أموال
ربما تجاهلها هذا هو ما أثار غيظه لينقض عليها بسكينه

لكنه فوجئ بها لم تنبس ببنت شفة ولم تحاول حتى تفادى ضربته المميتة
بل اكتفت بإمساكِ سكينهِ الحادة بيدها العارية غير مبالية بما قد ينتج عن ذلك
للصدق ، اندهش الرجل فى البداية من برودة أعصابها وهدوئِها..
ولكنه سُرعان ما بدأ يتلفظ بمختلف ألفاظ الهِجاء والسِباب..
- "(وداعاً)"..
- "(ماذا!أيتها الـ....)"
يدها الباردة التى امتدت أعماق جوفه وانتزعت قلبه بكل وحشية منعته من إكمال جملته
لتخمد كشعلة عصفت بها الرياح وأطفأتها
بينما ألقت ذات القلب الحجرى قلبه بعيداً وسارت مبتعدة عن جثته وكأن شيئاً لم يحدث..

أغلقت عينيها فى امتعاضٍ محاولة محو صورة ذلك اللص من عقلها
هى ليست نادمة لأنها قتلته...كانت تدافع عن نفسها
- "(هو جلب ذلك لنفسه..إنه خطأه هو...أنا لست قاتلة)"..
كانت تلك الكلمات التى ترددها بين الفينة والأخرى عسى أن تمحو دماء ذلك الرجل
التى غطت يداها تاركة أثرً عميقاً فى نفسها
إنها تهتم..تشعر...إذاً مازال لديها قلب...
قلبٌ ليكتنز كل مشاعر الكراهية والبغضاء لذلك العجوز...

لم تملك أن تفعل شيئاً لتغيير قدرها..
لم يكن بإستطاعة جسدها الهروب ، أما أفكارها فكانت تستطيع..
كانت تأخذها بعيداً عن هذا المكان المريع..بعيداً جداً..
حتى سمحت للنوم بأن يعانق جفنيها الحالمين فتمددت بارتياحٍ على سريرها..وغفت..

كانت تلك الضجة قادرة على إيقاظها من سباتها العميق
لتقوم بعدها بتململ حتى تتفقد ما حدث
لكن أكثر ما فاجأها كان إيجاد الباب الأبنوسى مغلقاً..
أحست عندها بشئ من القلق فلم يسبق أن تم إغلاق ذلك الباب..
ولكنها هزت رأسها بعفوية يمنة ويسرة لتطرد تلك الأفكار السيئة التى عصفت به فجأة
ومدت يدها فى تريثً لتفتح الباب لتجد ما يصدمها حقاً..

الغرفة..بدت وكأن اعصارً ضارباً قد عصف بكل مقتنياتها فدمرها أيما دمار..
ذلك العجوز النكِد ممددٌ على الأرض وحوله بعض الرسوم والنقوشات الغريبة..
- "(ما الذى حدث لك؟)"
سؤالٌ تفوهت به فى شئ من الضجر وهى تقترب منه شيئاً فشيئاً
- "(هل أنت ميت؟)"
توقعت أن لا تجد اى استجابة منه لكنه حرك يده فى عناء ليشير لها لتنحنى..
وبالفعل قامت بما طلبه منها وأنزلت طرفها لمستواه ليهمس لها..

اتسعت حدقتا عينيها وتسارعت نبضاتها لتفزع من مكانها وتزحف بعيداً عنه فى ذهول
لقد مات..مات وهو يرمقها بابتسامة المنتصر التى زادتها فزعاً..
فنهضت بسرعة من مكانها وتوجهت نحو الباب لتخرج من عندها
لكن الغريب ان اُقفل ذلك الباب تلقائياً فى وجهها
للحظات ظلت واقفة هناك شاردة الذهن..تفكر فيما سيحدث لاحقاً..
لكنها لن تنتظر لتعرف ذلك..
استعملت كل ما أوتيت من قوة لكسر ذلك الباب..بلا فائدة
لم تملك سوى الاستدارة والتحديق بذعر فى جثة ذلك العجوز
وكلماته الأخيرة تتردد فى أذنها
- "(ستموت يا طائرى الصغير)".

أرادت الهرب من هذا القفص..فكرت فى القفز من النافذة الكبيرة
ولكنها توجست للحظة من تنفيذ فكرتها عندما نظرت للنافذة
لقد فات الأوان
أُقفلت النافذة...أُقفل آخر أمل لها بالخروج..
وامتدت أيادى الظلام لتعانق المكان وتفرض نفسها عليه..

توقفت عن التنفس..توقفت عن التفكير..لأجزاءٍ معدودة من الثانية..
عجزت ركبتيها عن الاستمرار فى حمل جسدها الثقيل..
فجَثَتْ على الأرض والدموع تنهمر بكثرة من عينيها البنيتين..
لأول مرة فى حياتها...
ظلت تردد بضع كلماتٍ هى كل ما خطر فى بالها حينها..
- "(أرجوك...كلا.....لا تقتلنى.)".
ساد الصمت المطبق المكان لا يقاطعه سوى صوت شهقاتها المتزايدة..
اقترب ذلك الهامس ذو الصوت الرخيم ليصدح صوته فى أذنها
- "(لقد فات الأوان...)".

وبهذا أُسدل السِتار..تخلصت أخيراً من معاناتها..ودفعت حياتها ثمناً لذلك.
ماتت كما كان يجب أن يحدث..
فليس أمراً جيداً أن تعيش واقعاً ليس لك..
هاتان الجثتان برائحتيهما العفنة...
اثبات على أن أحدهم امتلك يوماً الجرأة ليعيش فى هذا القصر..

لقد حل صباح اليوم التالى وتوقفت الأمطار أخيراً عن الهطول..
استيقظ سكان تلك البلدة للمرة الأولى على صوت صافرة سيارة الشرطة..
لقد جاءت لتحقق فى أمر موت هذان الشخصان بعدما وردها بلاغ من مجهولٍ يخص الواقعة بالذكر..
وكالعادة كان باب القصر مفتوحاً فدخلوا اليه دونما أية مشاكل..
توغلوا قليلاً فى بهو القصر بدهشة من مدى الجمال الذى تجلى على جدرانه.
حوى بداخله عديدً من النفائس الخلابة لم يكن يشوبها سوى خيوط العناكب..
أو ربما كانت تضفى على بعضها رونقاً من نوعٍ خاص..

لفت نظر ذلك الأربعينى غرفة مغلقة..
فتوجه اليها ليفتحها ويعرف ما تحويه..
واذا به يجد جثتين ملقتين على الأرضية الباردة فى وضع مقابل لبعضهما..
عجوز وامراة..بدا وكأنهما يغطان فى سبات عميق..
لم يكن هذا الشئ الوحيد الذى لفت نظره فى تلك الغرفة المبعثرة..
بل كان شيئاً هيناً مقارنة مع تلك العبارة التى أعدت لغزاً قديماً ليداعب عقله مجدداً..
"ودعاً أيها الطائر المحلق!"..كتبت بالدم على واحد من جدران الغرفة..
تماماً كما قرأ فى ملف القضية القديمة..
بدأ يسترجع شيئاً فشيئاً كل التفاصيل المتعلقة بالقضية السابقة..
ثم التفت الى زميله ليسأله عن ما جمعه من معلوماتٍ عن الضحيتين..

- "(سألت الجيران عن هذا العجوز فقالوا بأن اسمه روبرت ديفون..عمره تسعة وسبعون عاماً)".
-"(هذا فقط ؟!!).
- "(البعض قالوا بأنه يسكن هنا منذ زمن طويل جداً بعد أن بُنى هذا القصر لأجله..و..وهناك شئ آخر.)".
-"(ماذا أيضاً؟)".
فأجابه الضابط الشاب فى شئ من الرهبة وقد وجه طرفه نحو جثة العجوز..
- (بعضهم يقولون أنه كان مهتماً بدراسة الظواهر غير الطبيعية ومُلِماً بالسحر والشعوذة.)"
تنهد الأربعينى فى شئ من الملل من خوف زميله غير المبرر..
- "(أنت لا تؤمن بهذه الأمور صحيح ؟!)".
- "(كلا...ولكن هذا لا يمنع أن تكون هذه الأمور موجودة فعلاً..سيد جون)".
زفر جون بغضب طفيف وحدق فى زميله لينهره عن هذا التفكير ثم حاول تغيير الموضوع
أو بالأحرى تأكيد ما يدور بخلده..
- "(وهذه الفتاة..ماذا عرفت عنها؟)".
- "(لا شئ.السكان هنا كانوا يرونها ترتاد هذا القصر دائماً ولكنهم لا يعرفون عنها شيئاً)".

- "(إنها هى..أنا واثق..)
بدأ الفضول يتسرب إلى نفس بيتر الشاب ليقول موجهاً نظراته إلى جون
- "(هل تعرفها؟!!)".
- "(كلا ، ولكنى قرأت عنها فى أحد ملفات الشرطة..
هذه الفتاة تدعى جوليا والترز..أبلغ أهلها بالتبنى عن اختفائها دونما أثر..)".
- "(أليس هذا رائعاً..لقد حُلت قضيتان..)".
- "(أنت على حق..ولكن المشكلة أن هذا البلاغ كان قبل ثلاثين عاماً..وهذه الفتاة لم تتجاوز ذلك العمر بعد..)".
- "(ربما ليست هى..ربما تشبهها فحسب..)".

لمعت عينا جون بتحدىٍ وشعر بشئ من الحبور لإيجاده أخيراً قضية تستحق التفكير فيها.
ثم التفت إلى بيتر وقال والسعادة تغمره..
- "(انظر إلى رقبتها ، ذلك الجرح الواضح عليها أصيبت به جوليا قبل يوم واحد من اختفائها..
لازال واضحاً..وكأنها أصيبت به بالأمس فقط..)".
للصدق تعجب بيتر من أمر جون..إنه شخص انطوائى بعادته لا يميل إلى كثرة الكلام..
ولكنه الآن يتنقل بين أرجاء الغرفة كطفل صغير حصل على لعبة لطالما تمناها..
إلى أن أشار اليه ليقترب من الجدار الملطخ بالدم وتحدث بصوتٍ إمتلأ غِبطةً.
- "(العبارة نفسها التى كانت مكتوبة على حائطٍ فى غرفة جوليا..بل والخط نفسه أيضاً.)".

فى تلك اللحظة قرر جون أن يتحدى المجهول ويكشف الحقيقة..
ظناً منه أنه سيخوض مغامرة لن ينساها أبداً مع زميله الشاب..
لكنه لم يعلم أن الأمر يفوق حدود تفكيره..أنه يتعامل مع الموت..
لقد دخل وكر الدبابير بقدميه..حيث لا مهرب ولا مفر من العقاب..
إنها النهاية...


ها أنا ذا قد وضعت بين أيديكم ثمرة جهد دام أياماً
باتظار تعليقاتكم عليها وأرائكم التى تبهرنى
فى الحقيقة..
أتوقع أن معظم أخطائى ستكون إما بالبداية أو بالنهاية
فهما الجزءان الوحيدان اللذان كتبتهما على عجل..
وشئ آخر..
لا تهمتموا كثيراً بالتنسيق
فقد صممته بسرعة لشدة تحمسى لإنزال القصة..
مرة أخرى أكرر على أسماعكم
رجاءً.اظهروا لى مواضع الضعف فى قصتى
دمتم بود.


__________________