العــقــبـــةُ الا خيره : تسليطِ جندِه عليه بأنواع الأذى باليد واللسان والقلب على حسب مرتبته في الخير , فكلَّما علَتْ مرتبتُه , أجلبَ عليه العدوُّ بخيلِه ورَجِلِه , وظاهرَ عليه بجندِه , وسلَّط عليه حزبَه وأهلَه بأنواعِ التسليط , وهذه العقبةُ لا حيلةَ له في التخلصِ منها , فإنه كلَّما جدَّ في الاستقامةِ , والدعوةِ إلى الله , والقيامِ له بأمرِه , جدَّ العدوُّ في إغراءِ السفهاءِ به , فهو في هذه العقبةِ قد لبِسَ لأْمَةَ الحربِ , وأخذَ في محاربةِ العدوِّ للهِ وباللهِ , فعبوديتُه فيها عبوديةُ خواص العارفين , وهي تسمّى عبودية المراغمة , ولا ينتبه لها إلا أولو البصائر التامة , ولا شيءَ أحبُّ إلى اللهِ من مراغمةِ وليِّه لعدوِّه وإغاظتِه له . وقد أشار - سبحانه - إلى هذه العبودية في مواضع من كتابه ؛ أحدها : قوله : " ومَن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة " , سَمَّى المهاجرَ الذي يهاجرُ إلى عبادةِ اللهِ مراغماً , يراغمُ به عدوَّ اللهِ وعدوَّه , واللهُ يحبُّ منْ وليِّه مُراغمةَ عدوِّه وإغاظتَه كما قال تعالى : " ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين " , وقال تعالى في مثل رسول الله وأتباعه : " ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار " . فمغايظةُ الكفار غايةٌ محبوبةٌ للربِّ مطلوبةٌ له , فموافقتُه فيها من كمالِ العبودية , وشرعَ النبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - للمصلِّي إذا سها في صلاته سجدتين , وقال : " إن كانت صلاتُه تامةً , كانتا ترغمان أنفَ الشيطانِ " , وفي روايةٍ : " ترغيماً للشيطانِ " , وسَمَّاها " المرغمتين " . فمن تعبّدَ اللهَ بمراغمةِ عدوِّه , فقد أخذَ من الصّدّيقيّة بسهمٍ وافرٍ , وعلى قدر محبةِ العبدِ لربِّه وموالاتِه , ومعاداتِه لعدوِّه , يكون نصيبُه من هذه المراغمة , ولأجلِ هذه المراغمة حمدَ التبختر بين الصفين , والخيلاء , والتبختر عند صدقة السر , حيث لا يراه إلا اللهُ , لِمَا في ذلك من إرغامِ العدوِّ , وبذلِ محبوبِه من نفسِه ومالِه للهِ عزَّ وجلَّ . وهذا بابٌ من العبوديةِ ؛ لا يعرفُه إلا القليلُ من الناس , ومَن ذاقَ طعمَه ولذّتَه , بكى على أيّامِه الأول , وباللهِ المستعان , وعليه التكلان , ولا حولَ ولا قوّةَ إلا بالله , وصاحبُ هذا المقام إذا نظرَ إلى الشيطان , ولاحظَه في الذنبِ , راغمَه بالتوبةِ النصوح , فأحدثتْ له هذه المراغمةُ عبوديةً أخرى , فهذه نبذةٌ من بعض لطائف أسرار التوبة , لا تستهزئ بها , فلعلك لا تظفرُ بها في مصنفٍ آخر ألبتة , ولله الحمدُ والمنّةُ , وبه التوفيقُ .
__________________ إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ
فإن مهمة الرماة
الذين يحفظون ظهور المسلمين
لم تنته بعد..!!
طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله،
طوبى للقابضين على الجمر،
كلما وهنوا قليلاً
تعزوا بصوت النبيِّ
صل الله عليه وسلم
ينادي فيهم:
" لا تبرحوا أماكنكم " ! |