[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:70%;background-image:url('http://www8.0zz0.com/2015/02/27/17/521660796.jpg');border:3px solid gray;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center] (16)
" درسنا معاً لعدة سنوات بالجامعة .. كثيراً ما اختلفنا، وتشاجرنا وابتسمنا ..
في العام الأخير من الجامعة، قررت أن أخبرها بأنني أحبها، أردت أن اكون معها ماتبقى من حياتي ، ولكن .. حدث شيء غير مجرى حياتي آنذاك .. لقد عيُنت في سلك الجيش، حتى أكون طبيباً خاصاً للجنود ،
ابتعدت عن بلدتي وتركتها خلفي، حتى بدون أن أخبرها بأي شيء .. لقد ظنت بأنني تركتها بكامل ارادتي .. بعد عدة أشهر وصلتني منها رسالة .. "
تسائلت بسرعة بعد أن توقف عن السرد :
- ماذا؟ ماهي الرسالة ..؟
- " عماد، أنا مريضة للغاية .. " كانت تلك هي الرسالة . ولهذا حصلت على إجازة سريعة وعدت أدراجي . لم يكن مرضها خطيراً ولكنها رفضت العلاج في تلك الأشهر الماضية مما جعل مرضها يتطور .. وبعد فترة أخرى، أنا لم أستطع أن أعالجها، لقد ماتت حتى بدون أن اخبرها بأي شيء.
" انه بهذا البرود حتى مع الفتاة التي احبها لسنوات متتالية " ترقرت الدموع في عيني لينا وتسائلت وهي تكبت البكاء :
- لماذا لم تخبرها ؟
- لأنني كنت أقول دائماً بأنه ليس الوقت المناسب .
" هذا خطأ كبير للغاية .. " شعرت بالارتباك قبل أن تسأله :
- مازلت تـُـحبها ..؟
السؤال الجمه الصمت! جعله غير قادر على التفكير في الأمر، توجه بناظريه نحوها والتقت عيونهما لفترة ، مما جعله يقول :
- إنني في رحلة منذ عامين لكي أحاول النسيان، واظن بأنني نجحت .
في ذلك الجو البارد ، أصبح جبينه يتصبب بالعرق، كان متوتراً وابعد ناظريه عن لينا وهو يتكلم مع نفسه " ربما أنا أوشكت على النجاح .. تلك الفتاة بجواري، لقد التقينا خلال أشهرٍ قليلة، ولكن قلبي أصبح متعلقاً بها، لقد جعلتني أنسى كل شيء حولي ولا اهتم إلا بسواها .. " عاد ينظر إليها مجدداً ليفاجأ بسؤالها :
- إذاً، لم تحتفظ بتلك الصورة بداخل حقيبتك؟ هذا لن يساعدك على النسيان !
" لماذا تكذب ؟ أرى ذلك في عينيك، هذا التوتر والألم ليس له معنى آخر سوى بأنك لم تنساها ولو لدقيقة واحدة! انت مازلت تحبها .. " خيم الضيق على الأجواء بجانب الجوع والعطش الذي يحلق حولهما ..
تمتم عماد بخفوت متجاهلاً السؤال :
- لن نستطيع البقاء جالسين وحسب في هذا الجو الحارق، مارأيك أن نستمر بالمشي؟
أومأت لينا بالايجاب ومشى الاثنان متجاورين، وعندها تكلمت لينا بصوتٍ متعب :
- ربما لن ننجو تلك المرة! لا يبدو بأن هناك بلدة قريبة ..
- تفائلي فقط ..
وصل الاثنان إلى جرفٍ كبير، يشبه ذلك الذي شاهدا من فوقه مدينة الأمير سامي ، تطلع الاثنان للأسفل ولكن لم يكن هناك أي شيء سوى الأشجار والمساحات الفارغة .. تسائل عماد كأنما يكلم نفسه :
- هل يمكن أن نسير كل تلك المسافة؟
صاحت لينا بضجر وجلست على الأرض وهي تفرد ساقيها وتتأوه بتعب، أما هو فقد ظل يذهب ويعود وهو يحاول رؤية أي شيء يدل على الحياة في تلك المنطقة .. تكلمت لينا قائلة وهي تراقبه :
- اليس من الأفضل لنا أن نعود إلى بلود..؟
- ونموت قتلاً بالسيوف بدلاً من أن نموت عطشاً ...؟
تحسست لينا رقبتها وهمست :
- سوف يكون الموت بالسيف أسرع بأي حال .
وقفت وسارت بتثاقل نحو جذع شجرة لتستند عليه، كان وجهها مصفراً وشفتيها متقشفتين اثر العطش، حاولت أن تصبر نفسها " سننجو، بالتأكيد سوف يجد عماد حلاً وسنخرج من هذا المأزق .. مثل كل مرة .. " ابتسمت بشكل طبيعي وهي تراقبه يروح ويجيء حاملاً حقيبته السوداء ..
شعرت بأن جفنيها ثقيلان للغاية، فهي تعمل طوال يوم أمس، ولم تنم دقيقة واحدة .. انها فقط بحاجة للنوم .. ولهذا .. استسلمت للنعاس .
تكلم عماد مخاطباً لينا :
- ليس هناك حلٌ آخر يجب أن نصبر ونعبر تلك المسافة مشياً، ربما نجد طريقة ما .
لم يسمع أي اجابة من لينا، فنظر خلفه ليفاجأ بأنها نائمة على الأرض! " هل أصابها مكروه ..؟ " اقترب منها وهو يشعر بالقلق، منظرها النائم على الارضية جعل ذكريات الغرق السيئة تتوارد إلى عقله وتسبب له الرجفة ..
ازدرد لعابه بصعوبه وبدأ ينادي :
- لينا؟ ارجوك إذا كنتِ تسمعينني قولي شيئاً ..
جثا بجانبها على الأرض وأمسك بيدها وتشابكت أصابعهما وهو يقول :
- حسناً إن كنتِ تسمعينني .. شدي على يدي .. أرجوك .
ضغط على يدها برفق ولكنها لم تتحرك أو تصدر أية اشارة، فتح جفنيها، ثم تحسس رقبتها ، نبضات قلبها كانت سريعة وغير منتظمة، وكذلك التنفس .. ، بدا له بأنها فاقدة لوعيها اثر الارهاق، وضع حقيبته ورفع رجليها فوقها ..
مرت بضعه دقائق عاد عماد ينادي فيها على اسمها، ولكنها تلك المرة أظهرت استجابة بسيطة وأخرجت صوتاً يشبه التأوه ثم عادت للنوم .
" ليس هناك حلٌ آخر .. إنها مرهقة للغاية .. " نظر إلى وجهها الجميل ملياً و اسرع بحمل حقيبته من الأمام ، ثم رفع لينا فوق ظهره وحاول نزول الجرف بصعوبة .. " لاتخافي يا صغيرتي ، سوف أوصلك إلى بر الأمان .. " ، عندما وصل إلى نهاية الجرف .. استمر بالمشي طوال الطريق نحو الشرق .
- عماد .. عماد ..
هكذا تمتمت لينا بعد ساعات وهي تشعر بالدوار .. " إنه يحملني .. " بدأت بالاستيعاب حولها عندما صدر إليها صوته الذي تسائل بنبرة باهتة :
- هل تشعرين بالتحسن ..؟
- أنا عطشى للغاية ..
- لا بأس لقد وصلنا تقريباً ..
" لا أصدق، هل وجد بلدة حقاً .. ؟ " رفعت رأسها بصعوبة وشاهدت أضواء المدينة من بعيد .. وعندها تسائلت وصوتها لا يكاد يخرج :
- هل حلّ الليل بتلك السرعة ..؟
" سأخبرك بصراحة انه كان أطول يومٍ مر علي منذ ولدت .. " ضحك ضحكة قصيرة وقال :
- نعم ، انسيتي بأننا في الشتاء والنهار قصير للغاية .
لفت ذراعيها حول عنقه وقالت هامسة :
- لقد تعبت كثيراً ، دعني أنزل الآن . أنا بخير .
- لستِ كذلك .
- بلى! أرجوك دعني أنزل ..
- سوف اسمح لك عندما نصل إلى مدخل المدينة .
مازالت تشعر بالدوار والأرهاق، لم يكن هذا سهلاً، الوقوف على مدخل المدينة، عندما نزلت على الأرض شعرت بأن الكون يدور وبشكلٍ لا أرادي تشبثت به ..
- لا تزالين متعبة، دعيني أحملك مجدداً ..
حركت رأسها معترضة وقالت :
- أنا بخير! سأتشبث بك قليلاً فقط ..
" لكن أنا أريدك أن تتشبثي بي طويلاً، وان تفعليها مراراً وتكراراً .. " بداخل قلبه، كان يشعر بالسعادة لأنها ماتزال إلى جانبه، وهي كانت تشعر بالامتنان لوجوده معها ..
بعد السير لفترة ، شاهدا مطعماً قريباً ، وبدون التأكد من أي شيء اندفعا نحوه طالبين المياه والطعام ،
- آه لقد ظننت بأننا سنموت في تلك الاحراش!
نظرت إليه وهو يجرع المياه إلى فمه كل مرة وقالت باسمة :
- وكنت تخبرني بأن اتفائل ..؟ يالك من مزعج!
تبادل معها النظرة ثم قال بمرح :
- لكننا الآن على قيد الحياة نشرب المياه الباردة ..!
" يبدو لطيفاً مع ذلك الوجه المتسخ، وذلك الشعر المبعثر" ابتسمت بامتنان ثم نطقت بشكلٍ مفاجيء :
- شكراً لأنك معي .
توقف الطعام في حلقه ورفع رأسه ينظر إليها وهو يفكر " هل ستخبرني الآن بأنها ستذهب في طريقها الخاص ...؟ " تأمل وجهها وهو يترقب ما ستقوله، ولكنها بدلاً من ذلك قالت باسمة :
- سوف أذهب معك إلى مملكة الجليد، ربما أعمل وأعيش هناك .
- حقاً؟
ضحك بسعادة مثل الأطفال، ولكنها قاطعت فرحته بقولها :
- ولكن ..
- ماذا..؟
" كيف سأقولها؟ أنا أشعر بالخجل الشديد .. " كانت تحك كفيها في بعضهما بتوتر أسفل الطاولة، واستطاعت القول أخيراً بسبب نظرات عماد المشجعة :
- لقد كانت لدي تذكرة بداخل حقيبتي، ولكنها الآن ليست موجودة ، لهذا أنت ..
وضع الملعقة أمام وجهها وقال على الفور :
- توقفي! لا تفكري في تلك الأشياء البسيطة فلدي الكثير من المال ..
فكر عماد " أيضاً لا تذكري حقيبتك دائماً فهذا يصيبني بالإحباط ! .. " وهمست لينا بخجل :
- شكراً لك، سوف أعمل وأرد لك تلك النقود يوماً ما .
قال مع ابتسامة :
- لكن أنا لا أريد منكِ أن تقومي بردها، فقط استمتعي بالرحلة بدون التفكير في تلك الأشياء الجانبية . اتفقنا؟
- ولكن ..
وضع الملعقة أمام وجهها مجدداً وهو يحاول ايقافها عن الحديث، عندها توقفت لينا عن الجدال وابتسمت بصمت .
بعد انتهائهما من تناول الطعام قاما بسؤال صاحب المطعم عن مكانٍ للنوم، ولكنه أخبرهما بأن تلك القرية صغيرة للغاية وأن المدينة تبعد اميالاً بسيطة ..
لم يكن عماد قادراً على السير مجدداً، ولهذا وافق الاثنان على المبيت في غرفة جانبية للمطعم .
دخل عماد أولاً وتبعته لينا ، اشعل الرجل عدة شموع ثم خرج وهو يتمنى لهما اقامة طيبة ، تأمل عماد المكان " ياله من مكان عتيق .." وفكرت لينا " على الرغم من كل تلك الشموع إلا انه لايزال مظلما ومخيفاً .."
كان المكان عبارة عن غرفة صغيرة، بها قنديل وعدة شموع متناثرة ، دولابٌ خشبي صغير يقبع في الركن، وسرير متوسط الحجم عليه مفارش قرمزية قطنية وفوقه رفٌ صغير عليه بعض الكتب والشموع، كانت الستائر الداكنة متهالكة، وفي الجانب الآخر توجد أريكة حمراء داكنة، أمامها طاولة دائرية سوداء قصيرة، و خلفها باب الشرفة الكبير الذي تغطيه ستارة ثقيلة .
تمتم عماد وهو يرمي بحقيبته السوداء على الطاولة الدائرية ومن ثم يلقي بنفسه فوق الأريكة :
- سوف أنام هنـا و ..
توقف عن الكلام فنظرت لينا نحوه وشاهدته يغط بالنوم .. ولهذا ابتسمت وهمست وهي تقترب منه :
- ستنام هكذا ..؟
أمسكت باللحاف وقامت بتغطيته، ثم جلست بجانبه وتأملت وجهه النائم للحظات قبل ان تقف مجدداً وتتوجه إلى السرير.
------------------------
تناولا الإفطار مع صاحب الفندق، رجل كبير في السن، أشيب الشعر ، ودود جداً ولطيف المعشر .. وبينما تسائل عماد عن القطار السنوي، تكلم معه عن مدينة جميلة تدعى كيتاليا يسمع بأن بها قطارٌ حديث!
في الطريق توقف الاثنان أمام منظر مدهش، كانت شجرة عملاقة ذات جذع ضخم وملتفة حول نفسها، بدا عدد الأغصان والأوراق وكأنه غير متناهي، أصدرت لينا صوت تعجب وقالت بانبهار وهي تدور حولها :
- لم أر في حياتي شجرة كهذه!
- لقد أخبرني الرجل المُسّن في الفندق بأننا سنصادف الكثير من الظواهر الرائعة عندما نسير في طريق كيتاليا.
" كما توقعت منه! سأل عن وجهتنا حتى قبل أن نخرج من هناك" تسائلت وهي تقفز لتلتقط ورقة شجرٍ صغيرة :
- حسناً ماهي خطتك؟
لم تسمع الإجابة فاستدارت لترى مالأمر وعندها فوجئت بأن عماد كان ينتظر لحظة التفافها ليلتقط صورة لها مع تلك الشجرة العملاقة ..
سقطت ورقة الشجر من يدها وعادت تتسائل بنبرة مندهشة :
- ما! ما الذي فعلته للتو!؟
ابتسم وهو يقول مع غمزة من إحدى عينيه :
- لا يجب أن تضيع تلك الأماكن الجميلة هدراً!
- لماذا أنا أيها المزعج؟
نظر حوله وهو يقول ساخراً :
- وهل يوجد أحد غيرك؟
قالت باعتداد :
- أعني! إنه يمكنك تصوير الشجرة بدون أن أكون هناك ..
ابتسم ابتسامة غريبة، فقد كان يشعر بالخجل الشديد قبل أن ينطق بصوت خفيض لا يكادُ يسمع :
- إنها، أجمل .. عندما تكوني هناك ... أ .. أيتها الحمقاء ..!
" لماذا يتكلم هكذا! لم يتلاعب بقلبي؟" لم تستطع أن تتحدث بسبب ضربات قلبها، نظرت إلى وجهه ثم انتقلت بعينيها إلى يديه اللتان تعبثان على أزار آلة التصوير ، وعندها تكلمت وهي تشعر بألم يجتاح صدرها :
- هيه! هل أنت ودود مع الكل بتلك الطريقة؟ لماذا لا تكون جاداً مع الفتيات الأخريات، هل تريد أن تغضب عليك خطيبتك ؟
أخفض بصره نحوها على الفور، كان وجهها غاضباً، وكل الملامح قد انزعجت وتبدلت ، حتى قبضتيها التي شدتهما في توتر إلى جانبيها .. شعر بتلك الموجة من الكراهية التي تأخذه بعيداً عنها! ازدرد لعابه وزاغت عينيه يميناً ويساراً فهو لا يعرف كيف يجيبها!!
" الآن أصبحتي تتكلمين بجدية عن خطيبتي ..؟ ألم تفهمي بعد كما أنا متعلق بكِ! " جعله الانزعاج يتكلم بحدة وهو يعلق آلة التصوير على كتفه :
- نعم أنا ودود مع الكل! لقد ولدت هكذا لا يمكنني أن أغير نفسي .. وأيضاً ...
بسرعة اقترب منها إلى حد الالتصاق ونظر إلى عينيها مباشرة وهو يقول بتحدي :
- لايمكن لحبيبتي أن تغضب من هذا الأمر لأنها ... معجبة بشخصيتي .
تركها وسار متقدماً الطريق، بينما وقفت في مكانها وكأن صاعقة نزلت عليها! شعرت بالقهر وأردات أن تصفعه " أيها الأحمق المزعج .. أنا أكرهك أكره وقاحتك وغرورك كثيرا! نعم .. لا أطيق أن أراك أمامي ! " كان جسدها يرتجف وحاولت أن تبدو متماسكة وأن تسير خلفه بثبات .. ولكن بعد مرور القليل من الوقت تسائلت بنبرة غاضبة :
- ألم يخبرك صاحب الفندق متى سنصل إلى كيتاليا ..؟
- عندما تظهر قضبان القطار سنعرف بأنه تبقى القليل من الوقت .
حلّت فترة صمت طويلة لم يتبادلا فيها الأحاديث، كان الجو قاتماً بين هاذين الاثنين .. هو، كان يعرف في قرارة نفسه بأنه يعيد اخطاءه! تلك الأخطاء الفادحة التي تجعله قاسياً ومتجاهلاً على الرغم من تفكيره الجاد بالأمر! إنه يحاول إظهار مشاعره اللطيفة ولكنها تخرج بشكلٍ آخر .. وربما لا تخرج على الإطلاق ..!
أما هي فقد كانت هادئة، أردات أن تسترخي بعض الوقت وأن لا تفكّر فيه ولكنه يقفز إلى ذهنها وفكرها في كل دقيقة تبذلها محاولة النسيان .. ، وكيف يمكنها أن تنساه بعد أن أصبح موجوداً في كل ذكرياتها السعيدة؟
أفاقت من شرودها على صوته :
- يبدو بأننا وصلنا ! رفعت رأسها لتشاهد بعض أبنية متناثرة تظهر كالأشباح من بعيد، وعلى الفور تفقدت الأرض فلم تعثر على أي أثر للقضبان الحديديه! وعندها تكلمت :
- ولكن، أين قضبان القطار ..؟
" هذا صحيح ، يجب أن نعثر عليها في مكانٍ ما وإلا فنحن نسير في الطريق الخاطيء ..! " حك رأسه وهو يفكر في الأمر وأصدر صوت " آه " وهو يتفقد البوصلة ويحاول أن يتذكر ما إن كان هذا هو الطريق الصحيح .. ولهذا تكلمت لينا بقلق :
- هل ضللنا الطريق ..!
أجاب بالهمهمة وعاد ينظر إلى البوصلة وهو يفكّر، أما هي فقد راحت تنظر يمنة ويسرة علّها تشاهد قضبان القطار وبدأت في التفكير " كان علينا رؤية القضبان التي تقطع الطريق إلى مدينة كيتاليا قبل أن نصل، ولكن ماذا عن تلك المدينة المليئة بالضباب؟ أيعقل أنها المدينة الجميلة التي تحدث عنها صاحب الفندق ..؟! "
سار عماد متقدماً ولكنها تكلمت قائلة :
- هل ستدخل إلى تلك المدينة؟ لا تبدو مثل وصف الرجل! إنه مدينة غريبة وضبابية ..
تطلع إلى السماء المليئة بالسحب الداكنة وقال:
- ليس أمامنا حلٌ آخر الليل على وشك الهبوط ، والسماء على وشك أن تمطر .. وأنا اتضور جوعاً !
- يالك من أناني! ألا يكفي ما مررنا به من مشاكل حتى الآن؟ وتريد أن تدخل إلى مدينة الأشباح تلك!
بدا الأمر لانهائي وهما يحتدان بالنقاش، ولهذا صرخت لينا لكي توقفه عن اقناعها :
- أنا لم أعد اثق بك ..
- لماذا؟ لقد كنت تثقين بي منذ أن نزلنا من القطار السنوي؟ لماذا تغيرتي!
" يالك من أحمق، كيف لم تفهم حتى الآن .." لم تنطق بكلمة أخرى فقط اكتفت بالجلوس على الأرض وهي تتنهد بتعب مع ملامح الضجر التي ارتسمت على حاجبيها المتعاقدين وشفتها المزمومة .
" ما الأمر معها؟ هل علي أن استسلم لفكرتها ونغير وجهتنا؟ ولكن إلى أين .. ؟ " تطلع إلى الشرق حيث الغابات مرة أخرى!
تكلم قائلاً وهو يمد لها يده لتنهض :
- حسناً إذاً، لن ندخل إلى كيتاليا!
ضربت يده لتبعدها ووقفت بنفسها ثم هتفت وهي تنفض التراب عن ملابسها :
- وما ادراك بأنها كيتاليا!؟
عض على شفته السفلى وهو لايدري ماذا يقول، شيء ما داخل قلبه يجعله يظن بأن هناك خدعة ما ، ولهذا تكلم قائلاً :
- ربما ليس هناك وجود لـكيتاليا، ربما خدعنا ذلك الرجل ليقودنا إلى مدينة اللصوص تلك ..؟ ربما .. وربما هي كيتاليا حقاً .. لن نعرف ذلك أبداً بمجرد وقوفنا هنا ..! ليست معي خريطة ، لقد وصف بأنها أول مدينة سوف نصادفها إن سرنا باتجاه الشمال ..
بدأت قطرات المطر في الهطول الخفيف فسار الاثنان على عجل نحو الأشجار وعاد عماد يقول :
- هذا الاتجاه هو نحو الشرق ...
عاد ينظر إلى بوصلته التي بدأت تتحرك في كل الاتجاهات كالمجنونة، تمتم لنفسه وهو يحركها بشكل لا إرادي :
- هذا غريب ..!!
اقتربت لينا ونظرت إلى البوصلة وهي تقول :
- ما الأمر؟
- يبدو ان البوصلة اصابها الجنون، او .. ؟
- ماذا؟
- ربما نحن في منطقة توازن مغناطيسي ..؟ أو .. شيء من هذا القبيل ..
رفع عينيه وإذ به يرى كماً هائلاً من القلق والتوتر حولها، لقد كانت يائسة وخائفة بشكلٍ مفرط ولهذا أسرع بوضع البوصلة في جيبه ثم تكلم قائلاً وهو يضحك ضحكة مزيفة :
- يالها من بوصلة سخيفة! هيا بنا سوف نسير في ذلك الاتجاه ..!!
اسرع بالمشي ولكنها تشبثت بحقيبته وهي تقول :
- ماذا لو ضللنا الطريق ولم نستطع الخروج من هذا المكان؟
- في أسوأ الأحوال سوف نعود إلى تلك القرية!
ترقرت عينيها بالدموع وقالت :
- هل تستطيع العودة حقاً .. ؟
" بالتأكيد لا استطيع .. " رسم ابتسامة عريضة وقال :
- بالتأكيد! لماذا لاتثقين بي تلك المرة وحسب؟
" إنني أثق بك بالفعل، وإلا لماذا أسير معك حتى الآن! " قلبت شفتها وهي تقول :
- هذا لأنني مضطرة !
ضرب كتفها بخفة وهو يقول بجدية :
- نعم! دعينا نتقدم ولا ننظر إلى الخلف ..
في تلك اللحظة ، شعر الاثنان بانهما في حاجة للنظر إلى الخلف .. وعندما استدارا ،، لم تعد المدينة موجودة!
----------------------
[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
__________________
اللي يحب أنمي pandora hearts يكلمني في الخاص
وشكراً
التعديل الأخير تم بواسطة Florisa ; 02-28-2015 الساعة 06:08 PM |