لما فتح عمرو بن العاص مصر ، أرسل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كتابا يصف له فيه مصر ، وشرح فيه السياسة التي سيتخذها فيها ، وكان نصه : " مصر تربة غبراء(سهلة الإنبات ) وشجرة خضراء ( كثيرة الشجر الأخضر ) ، طولها شهر وعرضها عشر(لعله يريد أن الماشي يقطعها طولا في شهر وعرضا في عشرة أيام ) ، يكتنفها جبل أغبر ( يحيط بها جبل ضارب إلى السواد ) ، ورمل أغفر ( أبيض مائل إلى الحمرة أو الصفرة ) ..
يخط وسطها نهر ميمون الغدوات ، مبارك الروحات ( محمود الذهاب والإياب ) ، يجرى بالزيادة والنقصان كجري الشمس والقمر ، له أوان ( يزيد وينقص فى أزمنة معينة ) ، تظهر به عيون الأرض وينابيعها ، حتى إذا عج عجيجه ( عظم ماؤه ) وتعاظمت أمواجه ( فاضت وتسربت فى الأرض) ،لم يكن وصول بعض أهل القرى إلى بعض إلا فى جفاف القوارب وصغار المراكب ، فإذا تكامل في زيادة نكص ( رجع وذهب ) على عقبه كأول ما بدأ في شدته وطمى في حدته ( ونقص في سدة كما زاد بقوة ) ..
فعند ذلك يخرج القوم ليحرثوا بطون أوديته وروابيه ( أعالي الأرض و أسافلها ) ، يبذرون الحب ويرجون الثمار من الرب ، حتى إذا أشرق وأشرف ( ظهر وبان ) ، سقاه من فوقه الندى ، وغذاه من تحته الثرى ، فعند ذلك يدر حلابه ويغنى ذبابه ( يعظم محصوله ) ، فإنما هي يا أمير المؤمنين درة بيضاء ، و إذا هي عنبرة سوداء ، وإذا هي زبرجدة خضراء فتعالى الله الفعال لما يشاء ، الذي يصلح هذه البلاد وينميها ويقر قطاها ، أن لا يقبل قول خسيسها في رئيسها ، أن لا يستأدى خراج ثمرة إلا في أوانها ، وأن يصرف ثلث ارتفاعها في عمل جسورها وترعها فهكذا تقرر الحال مع العمال في هذه الأحوال تضاعف ارتفاع المال والله تعالى يوفق فى المبتدا والمآل "
فهل تعود مصر يوما .. كما وصفها عمرو بن العاص ؟!