[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:70%;background-image:url('http://www8.0zz0.com/2015/02/27/17/521660796.jpg');border:3px solid gray;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
(17)
" آآآه! اختفت المدينة .. هل كان وهم؟ ام سراااب! " ازداد الجو برودة مع هطول الأمطار الغزيرة، وشعرت بأنها بدأت في الارتجاف ولكن عماد تكلم وهو يرفع حاجبيه بلا مبالاة :
- لا تقلقي هذا بسبب الضباب، لقد ازداد كثيراً وحجب الرؤية عنا ..
- هل انت متأكد؟
نظر إليها بتلك النظرات الواثقة وابتسم قائلاً بهدوء :
- نعم، أنا متأكد ..
وضع حقيبته على الأرض فتحها واخرج منها المعطف الرمادي ثم اقترب منها واضعاً إياه فوق كتفيها وهو يقول :
- تشعرين بالبرد ..؟
" ذلك الشاب الأخرق، قريب .. قريب للغاية، ماتلك الحرارة التي اشعر بأنها تنبعث من جسده ! " اعتصرها الخجل، فتسائلت بدون أن تنظر إليه :
- هل انت مريض .. ؟
" ياله من سؤالٍ غريب ! " رفع حاجبيه وقال :
- أنا بخير!
- لكن، حرارتك مرتفعه؟
- ليست كذلك !
زفرت بضجر ولكنه اقترب منها مجدداً واخفض رأسه نحوها وهو يقول :
- تريدين أن تتحسسي جبهتي لتتأكدي ..؟
سرت القشعريرة في جسدها وصرخت وهي تركض بعيداً :
- لا أريد أن اقترب منك حتى! ابتعد عني!
" يالها من طفلة عنيدة " توالت ضحكاته ومن ثم حمل حقيبته وهو يسير خلفها محاولاً اللحاق بخطوات ركضها السريع.
جلس الاثنان تحت شجرة ضخمة ليحتميا من الامطار الغزيرة، كان الجو بارداً وضبابياً ، ولانها أصيبت بالبرد الشديد تقوقعت حول نفسها وفركت يديها محاولة جلب الدفء، كان عماد يراقبها بهدوء وعندها تكلم قائلاً :
- تشعرين بالبرد لأنك تبللتي ..
رفع شعرها المبتل بمياه الأمطار قليلاً فشعرت بالخجل وامسكت بشعرها بسرعة فعاد يقول بخفوت :
- ارفعيه بعيداً عن رقبتك ..
- هـ .. هذا ليس من شأنك !!
حلت فترة صمت قصيرة وعندها نظرت نحوه ولكنه كان يراقبها عن كثب فجنحت بنظاراتها بعيداً وهي تقول بغضب مصطنع :
- انت ايضاً تبللت لماذا لاتشعر بالبرد!!
- لأن شعري قصير!
قالها بشكل مازح وضحك فهمست :
- يالك من أحمق!
اقترب منها أكثر ، كانت انفاسه الساخنة تلفح رقبتها، رفعت كتفيها محاولة الابتعاد ولكنه وضع رأسه ببطْ فوق كتفها وتكلم قائلاً :
- هذا المكان، يبدو مألوفاً لي .
شعرت بالحرارة تتدفق إلى وجنتيها " تقصد هذا المكان؟ أم ذلك التصرّف .." ، ابتسمت بشكل لا إرادي وعادت إليها الذكريات عندما تقابلا في القطار ونزلا منه لأول مرة كانت الامطار قد بدأت في الهطول وجلسا تحت شجرة مثل تلك .. تكلمت :
- أتعلم؟
- ماذا؟
- عندما نزلنا من القطار ومشينا لبعض الوقت، أصبحت مريضاً ، ووضعت رأسك فوق كتفي هكذا ..
رفع رأسه من فوق كتفها وحدق إليها وهو يقول بخفوت :
- متى حصل ذلك؟ أنا لا اذكره .
ألقت نظرة نحوه ثم قالت بخجل وهي تحك أصابعها مع بعضها بتوتر :
- في ذلك اليوم، اصبتُ بالذعر وتحسست جبهتك .
سرح بانظاره يتأملها " انا لم أدرك أنني فعلت ذلك من قبل .. ولكنها الآن .. تبدو جميلة ولطيفة للغاية .. " ابتسم وهو يحك ذقنه بخجل، ثم تكلم قائلاً :
- لقد سببت لك الكثير من القلق في تلك الرحلة! لكن أتعلمين؟ انت تكرهين البرد .. لن تعجبك مملكة الجليد على ما أظن ..
تكلمت بشكلٍ عفوي :
- ولكنني لا أشعر بالبرد الآن !!
ابتسم وتساءل :
- اتعنين بأنك لا تبالين بالبرد .... مادمت معي ..؟
تفاجأت من سؤاله حتى أن جبهتها بدأت تتصبب عرقاً " هل علي أن أقول الحقيقة .. أم الكذب ..؟ " نظرت إليه ببطء وتقابلت نظراتهما للحظات، أردات أن تكذب ولكنها لم تستطع، فقط اجابت بمايتبعه قلبها :
- نعم ..
بدا ان الإثنان قد سرحا في عالمٍ آخر ، حيث لا يوجد غيرهما .. بدأ المطر يتوقف شيئاً فشيئاً وتكلم عماد حيث أصبح صوته كالهمس المنخفض :
- إذاً ، أنا وانت سنبقى مع بعضنا في أي مكانٍ سنذهب إليه ..؟
وكأنما أفاقت على صوت الرعد القوي الذي هزّ المكان، حركت كتفيها إلى الأعلى ثم أبعدت خصلات شعرها عن وجهها وهي تقول بسرعة :
- هذا غيرُ ممكن!
- لماذا؟
" ذلك الأحمق، هل نسي كل شيء عن الفتاة التي يحبها ..؟ أم إنه لا يصنع الحدود في مثل تلك المواقف .. " رمشت عينيها بتوتر وهي تجيب :
- أنت، لن تكون معي في كل مكان .. أليست لديك امرأة في حياتك ..؟ إنها لن توافق على هذا !
- لكن لابأس مادمنا أصدقاء ..
ارتسمت تكشيرة صغيرة على وجهها وقالت معترضة :
- هذا ليس مناسباً لي! ماذا إن صادفت فارس أحلامي بينما أتجول معك؟ سوف تخبره بأنني زوجتك وتقوم بتشويه سمعتي ..!
" فارس أحلامها ..؟ دائماً ما اقول كلاماً لا أعرف كيف أنهيه .." قبل أن يتوقف قلبه بسبب الغيظ ، وقف على الفور وفرد ذراعيه في الهواء وهو يهتف :
- آه! إنها مضيعة للوقت! هيا بنا نتابع الطريق ..
سار بحماس مصطنع بينما تبعته لينا بناظريها وهي تفكر " لماذا عاد للتجاهل .. حقاً أنا لا أفهم ذلك الشخص المعقّد! "
سارت خلفه وهي تشعر بالاحباط ، ومالبثت أن توقفت عندما رأته من بعيد يقف مذهولاَ، اقتربت بسرعة وعندها شاهدت القطار يقف وسط الأشجار وأبوابه مفتوحة على مصراعيها ..
ذلك الجو الضبابي .. وذلك المكان وسط الغابة قطعاً يذكرهم بشيء ما ..!!
إنه نفس المكان الذي هبطا من القطار فيه ..!
ملامح الذهول لم تختفي وهو يتسائل :
- هذا المكان! هل عدنا إلى نفس نقطة الأنطلاق!؟
صاحت وهي تشعر بالخوف يجري في أوصالها :
- في ذلك الوقت، رأيتُ القطار يمشي مبتعداً!!
- وأيضاً لا يعقل بأنه توقف هنا في تلك الفترة الكبيرة!
" كان محقاً عندما أخبرني بأن المكان مألوف .. " كانت تفكر وهي تنظر إلى شكل القطار الرابض في مكانه، وعندها أمسك عماد بيدها وقال وهو يجرها خلفه :
- إذاً هيا لنركب !
صاحت وهي تجاريه في الركض :
- فيم تفكّر ..؟
قفز فوق باب القطار ومد يده لها وهو يقول وعلى وجهه ابتسامة مشجعة :
- لن نضيع الوقت، إذا كنا ذاهبان لنركب القطار، فهاهو قد جاء إلينا ..!
مدت يدها إليه فرفعها إلى القطار، وقف الاثنان يتطلعان إلى الداخل بصمت .. كان هادئاً جداً قبل أن تنغلق الأبواب بشكلٍ مفاجيء ويبدأ بالتحرك ....
" بدأ يتحرك مثل الوحش الذي كان ينتظر فريسته! .. " بدون وعي منها ، كانت تتشبث بذراعه من الخوف! أما هو فقد كان ينظر إليها وعلى وجهه ابتسامة ، وأشار إلى المقاعد وهو يقول :
- دعينا نجلس هناك .
جلس الاثنان بصمت، الجو البارد يجعلهما متقاربين، ولكن عماد اقترب أكثر حتى التصق بها فابتعدت قليلاً وعندها نظر إليها وقال :
- ماهذا ..؟ سوف يخطفك الأشرار إن لم تكوني بجانبي مسافة كافية ..!
لم يكد يتم جملته حتى خرج أحد المسافرون من مقصورته متوجهاً إلى دورة المياه، جفل الاثنان وهما يحدقان إليه غير مصدقين بأنه يوجد بشرٌ آخرون غيرهم!!
في ذلك الوقت كانت لينا قد التصقت به بالفعل بسبب الخوف الشديد الذي يعود إليها كل مرة!
نظر إليها وهو يشعر بالسرور لأنها تتشبث به بتلك الطريقة .. ذلك الشعور الذي يدغدغ حواسه بأنه الأمان والملجأ الوحيد بالنسبة إليها ..
ابتعدت عنه للمرة الثانية على التوالي وتكملت بخجل :
- آسفة .
أراد أن يقول "لا تعتذري .. فقط افعلي ماتشائين .." .. ولكنه لم يستطع إخراج كلمة واحدة وبقيا على هذه الحال فترة من الزمن وهما يراقبان بعض المارّة حتى تكلمت هي :
- لم يأتي الموظف الذي يتطلع إلى التذاكر الخاصّة ..
تثاءب بكسل ثم قال :
- مثل ذلك الشخص غيرُ موجود! لأن القطار لايفتح بابه لكِ إلا إذا اظهرتي تلك التذكره ..
" اتعني أننا ركبنا مجاناً! .. " فتحت عينيها باستغراب وقالت :
- هذا لأن أبواب القطار كانت مفتوحة من الأساس ..
" الآن يبدو القطار طبيعياً، الكثير من الناس .. أطفال .. الكبائن تفتح وتغلق .. كما يكون دوماً " نظر إليها وقال :
- اتعلمين؟ لقد ركبتُ ذلك القطار كثيراً، لكنه لم يكن بهذا الهدوء أبداً كمثل اليوم الذي قابتلك فيه.. وأنا أعتقد ان هناك شيئاً غريباً يحصل ..
بدأت لينا في الارتجاف خوفاً من كلماته الأخيرة ولكنه توقف وسأل أحد المارة :
- من فضلك، ماهي آخر محطة توقف فيها القطار ..؟
- ربما كيتاليا ..؟ لا أعلم فأنا في رحلة طويلة .
- اتعني بأنه لم يتوقف اضطراريا منذ نصف ساعة ..؟
- لم يحدث هذا .
عاد للجلوس بجوارها وهو يقول :
- ارأيتِ ..؟ أخبرتك هناك شيء غريب .. لما لا نتفقد مقصورتي، ربما اسمي مازال مسجلاً عليها .
تسائلت لينا :
- هل هذا ممكن ..؟
- لا أظن بأنه ممكن ولكنني أود تجربة الأمر .
ذهبا إلى المقصورة ذات الرقم تسعة وثمانون . أخرج عماد بطاقته المعدنية الخاصّة بالقطار وقام بتمريرها أمام البوابة ليفاجأ بأن الباب أصدر صوت فتح القفل ..
حرّك المقبض ببطء لينفتح معه بسهولة ، أطل برأسه إلى الداخل ليشاهد المقصورة الفارغة وعندها تسائلت لينا :
- هل هناك شخصٌ ما ..
- لا .. ولكن ..
اخرج رأسه ونظر خلفها وهو يقول :
- هل علينا أن نسأل أحد المسؤولين عن الاسم الالكتروني ..؟
- وماذا يعني هذا ..؟
لوح ببطاقته أمام وجهها وهو يقول :
- هذه البطاقة مسجلّة باسمي، إذا لم تكن تلك المقصورة الخاصّة بي .. فلن يفتح القفل الالكتروني مهما حدث!
فتحت عينيها بذعر وهمست :
- ياللتطور !
عض على شفته السفلى وقال بعصبية :
- انت لم تفهمي شيئاً من ما قلته الآن .. صحيح؟
ابتسمت بخجل وهي تفكر " كان يعني بأن نظام القطار .. متطور جداً .. ؟ " همست بتأني :
- إذاً .. ماذا تقصد؟
رمش بعينيه عدة مرات وهو يحاول شرح الامر :
- أعني أن الغرفة مازالت مسجلّة باسمي .. ! وهذا معناه أن القطار لم يسجل نزولنا وصعودنا عليه ..ربما بطاقتك نفس الحال .
" لقد مرّت عدة أسابيع منذ نزلنا من القطار .. " فكرت حول كلامه لبعض الوقت، ولكنها تسائلت بالنهاية :
- هل تعني بأننا نزلنا وصعدنا بينما يظن موظفوا القطار بأننا مازلنا هنا ..؟
- أظن هذا ..
ارتفع حاجبيها من السعادة وقالت مبتهجة :
- هذا جيّد ، موظف القطار لن يسأل عن تذكرتي إذاً ..؟
" هل تفكر حقاً بتلك الطريقة ..؟ " ضحك ضحكة قصيرة وهو يضربها على رأسها بالتذكرة :
- يالك من ساذجة! لقد وعدتك بأنك لن تقعي في المشاكل مادمت معي ..
كانت ترتب شعرها الذي تبعثر بسبب الضربة ، ولكن عندما سمعت جملته قلبت شفتها السفلى ونظرت إليه بطرف عينيها وهي تقول بضجر :
- يالك من كاذب! منذ أن نزلت معك والمصائب تلاحقني !
فتح باب المقصورة وقال :
- إذاً فالنبق هنا حتى نصل إلى محطة مملكة الجليد .. مازال أمامنا بعض الوقت .
جلس بجانب النافذة بعد أن القى بحقيبته على المقعد المقابل ثم نظر إليها يحثها على الدخول، استغرق منها القليل من الوقت .. ولكنها دخلت ببطء وأغلقت الباب ثم تسائلت وهي تجلس بجانب حقيبته :
- بعضُ الوقت ..؟ هذا القطار يعود إلى كل محطة في موعد معيّن من العام ، لأنه يجوب بلدان العالم أجمع..
اسند ذراعيه على الطاولة أمامه وقال بجديّة :
- لكن المحطة الخاصّة بمملكة الجليد قد اقتربت كثيراً .. سنصلُ إليها بعد عدة ساعات وحسب ، هذا لانني لم أركب منها .. لقد تركتها منذ مايقرب العامين .
" عامين؟ خارج بلاده .. ماذا كان يفعل في ذلك الوقت!!.. " رفعت حاجبيها مندهشة ولكنه تابع كلامه :
- يجدر بك أن تعرفي، بأنها المرة الأولى التي أرافق فيها شخصاً ما لتلك الفترة الطويلة، لقد كنت أسير بمفردي وحسب .. بغض النظر عن أنني عشتُ طوال عمري بدون أصدقاء او رفقاء .. لقد كنت معتاداً على هذا .. لذلك ..
تنهد تنهيدة قصيرة ورفع ناظريه إليها وهو يقول :
- أنا لم أستطع أن اهتم بك كما يجب، فلا بأس إذا كنّا معاً في نفس المكان، سوف نكون عوناً كبيراً لبعضنا ..
حاولت استعادة ملامحها الجادة وهي تقول :
- لقد كانت المرة الأولى التي أسافر فيها ..!!
- أعلم ذلك .
استندت بظهرها على الأريكة وشبكت ذراعها أمام صدرها وهي تتسائل :
- وكيف تعلم!!
ضحك عماد بشكلٍ مفاجيء مما جعلها تصيح لتوقفه :
- ما المضحك في الأمر أيّها المزعج؟
" تبدو لطيفة مثل الأطفال الضجرون .. " نظر إليها لثوانٍ قبل أن يجيب وهو يكتم ضحكته:
- أنتِ .. أنت حقاً ..
- ماذا؟
- أي شخصٍ سيقابلك سيدرك بأنها المرة الأولى لك ..
" ياله من مزعج .. كيف يعرف ذلك .. " عقدت حاجبيها تفكرّ وقالت :
- بالتأكيد فأنا لم اسافر من قبل وليست لديّ خبرة أبداً !
رفعت عينيها إليه، ولكن نظراته كانت موجهة نحوها ، لم تستطع الحديث .. لقد نسيت ماكانت ستقوله حتى، ولهذا ابعدت نظراتها بسرعه واقتربت من النافذة أكثر وهي تقول :
- متى سيظهر الجليد ..؟
ظل يفكر وهو ينظر إلى وجهها الجميل، كان حائراً كيف سيبدأ فيما يودُ قوله .. " أريد أن أعرف عنها كل شيء .. لكنني لا أجرؤ على سؤالها حتى .. " كانت تشعر بتلك النظرات التي تخترقها! لم تسمع الإجابة فعادت تنظر نحوه ببطء .. وعندما تقابلت عيناهما تسائل :
- أين أسرتكِ ..؟
" الآن أصبحت مهتماً بالتحقق عني . ..؟ ماذا عني أنا التي لا أعرف عنك شيئاً على الأطلاق سوى أنني مغرمة بك و أنك مغرمٌ بفتاة أخرى .." تبادر إلى ذهنها ذلك السؤال فتكلمت :
- في تلك الفترة الطويلة، مايقارب العامين ، هل تركتها خلفك ..؟ ألم تكن بينكما وسائل اتصال ..؟
" لقد عاد الحديث يدور حولها مجدداً .. " لم يبدُ متأثراً بالسؤال ، فملامحه الهادئة كفيلة بأن تخبأ كل المشاعر، ولكنه تسائل بغباء :
- أتقصدين أمي ..؟
رفعت حاجبيها وتساءلت على الفور :
- والدتك؟ إذاً العلاقة بينكما جيدة؟
اومأ بالايجاب . أما لينا فقد لمعت عينيها بشوق وهمست وهي تعود بنظرها إلى النافذة :
- هذا رائعٌ حقاً ..
لم يزحزح عينيه من فوق وجهها وقال :
- إذن، ليس لديكِ عائلة ..؟
كان تكرار السؤال صعباً، احتشدت الدموع في عينيها وصور الحرب والموت تمر من أمام عينيها، لقد حاولت النسيان بكل قوتها ولكن ..
بدا عليها الحزن بشكلٍ واضح مما جعله يقول متداركاً :
- أتعلمين، أنا اتضور جوعاً .. ما رأيك بأن نذهب ونشتري شيئاً ما ..؟
حاولت تغيير مشاعرها التي اصيبت في مقتل، مسحت عينيها محاولة إزالة ذلك الكم من الدموع الذي يريد أن يخرج وهي تفكر " لقد شعر بي، إنه يعرف بأنني أريدُ البكاء .. كم هذا مخجل! .. " أجابت بشكل اعتيادي لكن صوتها بدا ضعيفاً على الرغم منها :
- نعم، هذا جيّد ..
توجها نحو المطعم الصغير ذو الرقم اربعة ، كان يقبع في المقطورة ، هناك طاولات مثبتة في كل جانب من الجانبين وكراسي حديدية ملتصقة بالارض، جلس الاثنان متجاورين، وتطلع عماد اليها بنظرة وهو يحاول ايقاف افكاره السلبية الكئيبة ، كان يشعر بالحزن الشديد لأنه سبب لها الضيق بسؤاله الأحمق، امسك بقائمة الطعام وهو يقول :
- أريد أن آكل كل هذا ..!
ضحكت لينا وقالت :
- تشعر بذلك بسبب الجوع، لكنك لن تستطيع أكله بالكامل!
لمعت في عينيه نظرة تحدٍ وهو يقول بإصرار :
- استطيع !
نزلت بعينيها إلى كتفيه ثم عادت الى وجهه مرة أخرى وهي تقول بشكلٍ ساخر :
- إذا كنت تستطيع ابتلاع كل هذا .. إذاً لم أنتَ نحيلٌ بتلك الطريقة؟!
" نـ .. نحيل! يبدو بأنها لاترى جسدي المتناسق بشكلٍ جيّد .. هذا يعني بأنها ليست معجبة بي على الإطلاق " عاد يرمش بعينيه وهو يحاول أن يجد الإجابة السليمة ولكنه قال بدلاً من ذلك :
- أنت لاتفهمين شيئاً! القوة هي الشيء الأساسي، بالرغم من أن جسدي نحيل ولكنني قوي بشكلٍ لايصدق!
كانت تضحك في قلبها وهي تفكر " بالرغم من هذا أنت وسيم .. " نظرت إليه نظراتٍ متشككة وقالت :
- حسناً سوف نرى!
" مازالت تشك بأمر قوّتي ! " فتح عينيه جيداً وأخذ نفساً عميقاً ثم قال :
- آخ! لقد حملتك يوماً كاملاً ولم أشتكي! كيف لا أكونُ قوياً !
- هل تعني بأنني كنت ثقيلة إلى ذلك الحد! أنا أخف من ريش الطيور!
فتح فمه مستنكراً وهتف :
- لقد كنتِ ثقيلة كـ طنٍ من المعادن!
- يالك من مغرور! كيف يمكن لنحيلٍ مثلك أن يحمل طناً من المعدن! أوفٍ لك!
سمع الإثنان ذلك الصوت القريب، هناك شخصٌ ما يضحك! ولهذا انتبه عماد على الفور " أوه، لقد ارتفعت أصواتنا لدرجة أن أحد الركاب قد سمع حديثنا" نظر الاثنان في الاتجاه الآخر، كان يجلس خلفهما رجلٌ ذو شعر أبيض ، يرتدي بزةّ رمادية أنيقة ونظاراتٍ طبيّة دائرية ترتكز فوق أنفه المعقوف وتتدلى من جانبيها سلسلة فضية تحيط برقبته، ولكنه مع وجود النظارة كان يحدق من فوقها بعينيه التي أحاطتها تجاعيد التقدم في السن وعلى فمه الواسع ابتسامة حقيقية تظهر اسنانه الناصعة البياض .
عندما شاهد كل منهما الآخر تكلّم الرجل قائلاً :
- زوجين لطيفين !
كانت لينا ستجيب، ولكن عماد سبقها قائلاً :
- نحن كذلك! شكراً لك! أنت أيضاً تبدو شخصاً مميزاً .
" يالك من متعجرف لكي تعيد قصّة زواجنا الخيالية مرة أخرى أمام الغرباء .. " كانت تحدق إلى عماد بغيظ وحاولت اخفاء ذلك أمام الرجل الذي تكلم قائلاً :
- أنا عميدُ قطار الليل .
كانت جملتّه غريبة بعض الشيء ولهذا، اعتدل عماد في جلسته أمام الرجل وتسائل :
- الليل؟ ولماذا تدعوه هكذا، القطار يتوقف في المحطات في النهار أيضاً ..؟
تكلم وهو يرشف من كوب القهوة في يده اليمنى :
- إنه القطار الذي يجمع بين الطرق الأكثر غرابة في العالم .
" هذا الرجل، مخيف .. ويقول كلاماً غيرَ مفهوم على الإطلاق!! " اختفت ملامح الانزعاج من على وجه لينا وحلت بدلاً منها ملامح الاستغراب والتوجس .. نظرت إلى عماد الذي ظهر بوجه جامد بينما كان يفكّر "هذا الرجل يعرف السر الخاص بالقطار .. " بدون تردد تكلم عماد قائلاً :
- لقد توقف بنا القطار منذ مايقارب الشهر في وسط مسافة مجهولة بين المحطات، هل تعتقد بأن هذا ممكن الحدوث ..؟
ضحك الرجل العجوز وهو ينظر إلى عماد بنظراتٍ غريبة، ثم همس :
- هذا غيرُ وارد .. ولكنه يحدث في حالاتٍ نادرة!
- وماهي تلك الحالات؟
- عندما يمر القطار في الفجوة ويتواجد الاشخاص مستيقظين في الخارج، يصبحون خارج المكان، والزمان !
[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN][/COLOR][/SIZE]