[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:70%;background-image:url('http://www8.0zz0.com/2015/02/27/17/521660796.jpg');border:3px solid gray;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
آسسفةة على التأخير:madry:
(18)
" كما يخرجون معاً، يصبح من الصعب أن يرجعوا معاً، تظل الأماكن موجودة .. مهما توالت عليها الأجيال .. الأحداث كلها تنطبق عليهم ، الشخصيات الخيالية تجتمع في مملكة عجيبة وتتكرر نفس القصص كل مرة ولكن الأشخاص المتنافرين، يذهبون بلا رجعة! وعندها يتحرك القطار من خلف الثواني ويغلق أبوابه ثم يرحل بدونهم .. وعند الوصول إلى المحطة، تصبح الأسماء موجودة .. ولكن الأجساد مفقودة!"
عادا إلى المقصورة وهما يشعران بالانهاك، تكلم عماد وهو يلقي بجسده على الاريكة :
- كان الطعام لذيذاً .. ولكنني .. أكلتُ كثيراً!
كان كلمات عميد القطار، الذي رحل بسرعة، مازالت ترن في اذني لينا التي لم تستطع تناول طعامها بسبب الخوف والتفكير فيم حصل، ابعدت حقيبة عماد قليلاً وجلست بجوار النافذة وهي تتسائل :
- هل تصدق كلامه؟ هل تصدق أن هناك شيء يدعى العودة بالزمن؟ والمملكة العجيبة والكلام من هذا القبيل .. هذا شيء مستحيل .
الصق رأسه بالنافذة هو الآخر وقال بجديّة :
- ولكن .. كيف تفسرين ماحدث معنا؟ قصرُ سامي ومدينته البدائية! ومع ذلك عامل الفندق كان يعرف الكينتات الحديثة، تلك العجوز التي كانت تعيش منذ مائتي عام وتعرف اسمك ولديها صورة تشبهك تماماً! كل تلك الأشياء لك تكن واقعية .. حتى إن هاتفي المحمول لم يكن يعمل على الإطلاق!
وضعت رأسها على الطاولة وأغمضت عينيها تحاول استيعاب الأمر .
وتابع عماد كلامه وصوته ينخفض تدريجياً :
- من الجيّد أننا بقينا سوياً حتى تلك اللحظة. وإلا ، كنا سنضيع في ذلك الزمن إلى الأبد!
" نعم، كان هذا جيداً ، لقاؤنا كان مثل القدر .. " رفعت رأسها لتنظر إليه .. شاهدت ابتسامة خفيفة ترتسم على وجهه بينما يتأمل من النافذة وعندها نظرت فلمحت الجليد المتراص على قمم الجبال الذي بدأ في الظهور .. كانت تريد الشعور بالسعادة، ولكنها بدلاً من ذلك شعرت بالألم الذي يتسلل إلى قلبها عندما فكرت بأن تلك الابتسامة كانت فقط لأنه مشتاق .. مشتاق إليها.
تنهدت وهي تحاول طرد تلك الأفكار من رأسها، فلن تزيدها إلا عذاباً! شعر بتلك الآهه الحزينة التي خرجت من صدرها " فيم تفكر الآن؟ عن عائلتها؟ هل يمكن أن تكون قد عاشت في الملجأ منذ طفولتها .." شعر بالضيق من التفكير في هذا الأمر لكن الارهاق الذي يشعر به أوقفه عن التفكير في أي حديث مرح لكي تتغير تلك الأجواء .
وكأنما انقذته من التفكير في موضوع ما، تسائلت لينا :
- منذ متى وانت تعمل طبيباً؟ لا تبدو كبيراً في السن ..
صمت قليلاً وهو يفكّر ، وعندها قامت لينا باستفزازه قائلة :
- يبدو بأن الطبيب المزعج لم يعمل بمهنته مطلقاً!
اعتدل في جلسته وقال بتكشيرة بسيطة :
- ماذا؟ لقد أتممت التاسعة والعشرون من عمري .
" يبدو أصغر من عمره بكثير " انفجرت ضاحكة وهي تقول :
- مخلوق ٌ فضائي! كيف يمكن لشاب ذو وجه طفولي أن يكون على مشارف الثلاثين من العمر ..؟
ضحكة ساخرة ارتسمت على شفتيه بينما كان يفكر " أنا ذو وجه طفولي ..؟ حسناً سوف أجادلك قليلاً أيتها الطفلة البائسة .. " رفع احدى حاجبيه وتقدم إلى الأمام قليلاً وهو يهمس :
- هل من الممكن أن تكوني أكبر عمراً مني ..؟
هتفت والقهر يعتصرها :
- هذا مستحيل ياذا الوجه الطفولي! أنا اصغر منك بكثير!
ضحك على ردة فعلها وقال :
- لقد عملت لمدة عامين في المستشفى الكبير، لدي بطاقة طبيب أيضاً . ولكنني تركت العمل فجأة، ربما أكون قد طردت بشكل ما أو تم فصلي .
فتح حقيبته وأخرج منها بطاقة عليها صورة صغيرة له وبجانبها اسمه ومهنته ، رفعت عينيها مندهشة وهي تختطف البطاقة من يده وصرخت :
- طبيب أطفال! أنت !!
جلس على مقعده وهو يتثاءب ، ثم همس :
- ولم لا ..؟
تأملت البطاقة مندهشة وأومأت بالرفض وهي تمتم :
- مساكين! هؤلاء الصغار الذين سيكونون تحت رحمتك!
صمتت لبعض الوقت، ثم راودها سؤالُ :
- هل عملت في ذلك المشفى لفترة طويلة ..؟
لم تستمع لإجابة منه ، رفعت رأسها ولكنها فوجئت ، لأنه كان مغمض العينين، يستند برأسه على النافذة وكأنما فقد وعيه فجأة!
وقفت بخوف وهتفت :
- عماد؟
لكنه لم يجبها، ركضت حول الطاولة وجلست إلى جواره ثم تحسست جبهته، لكن حرارته لم تكن مرتفعه، عندها فتح عينيه ببطء وقال بتعب :
- أنا ، فقط نائم لفترة قصيرة ..
شهقت فزعة وهي تبعد يدها .. شعرت بخجل شديد وحدقت إلى الطاولة وهي تلتقط انفاسها .. " لماذا تنام وتستيقظ فجأة، لقد كنت خائفة لا أكثر! " عادت تنظر نحوه ببطء ولكن، بدا أنه عاد إلى النوم .
عادت إلى مكانها وهي تفكر " اخبرني بأن هاتفه المحمول لم يكن يعمل ، لقد عرفت الآن كيف يتواصل مع والدته وخطيبته .." كانت تتأمله بينما هو نائم، عادت تنظر إلى صورته في البطاقة، كان وجهه آنذاك مفعماً بالنشاط والحيوية .. لم يكن شاحباً مثل الوجه الذي تراه الآن ..
أمسكت بحقيبته لكي تعيد البطاقة إلى مكانها و تسائلت أين كان يضعها؟
ولذا، فتحتها لكي تضع بطاقته الطبية في مكانٍ أمين، ولكنها لمحت شيئاً ما .. شيئاً تعرفه جيداً!!
بدون شعور منها، أخرجتها !! وهي تنظر باستغراب والصدمة تعلو ملامحها .. بدأت تتمتم بجزع :
- حقيبتي .. حقيبتي ..؟!
فتحتها وفتشتها بجنون، إنها بالفعل حقيبتها .. كل شيء موجود في مكانه!!
كان عقلها عاجزٌ عن التفكير .. ماذا ستفعل ، ماذا ستقول ..؟
عادت تنظر إلى وجهه النائم ..! كيف يعقل بأنه اللص ..؟؟
أعادتها بداخل حقيبته بشكل عشوائي وابتعدت مسافة كافية وهي تنظر من النافذة وتفكر .. أرادت أن تنسى ، أن تفقد الذاكرة .. أن يعود الزمن بها لتلك الدقائق لكي لاترى الحقيبة !!
كانت تشعر بالضيق الشديد!
أرادت أن تصفعه لكي يستفيق وتسأله .. لماذا؟
" لماذا تكبدنا كل تلك المشاق ومعك حقيبتي منذ البداية! حتى أنك لم تكن تعرف بسر القطار! هل لديك أية مبررات! لم فعلت ذلك بي! .. "
مرّت تلك الساعة كأنها عامٌ كامل، حين فتح عينيه ونظر إلى وجهها .. علم أن هناك خطباً ما فقد كانت ملامحها كئيبة، اعتدل في جلسته وهمس بصوت يملأه النعاس :
- يمكنك النوم قليلاً .. ومن ثم ..
قاطعته بنظرة غاضبة وهي تقول :
- لا استطيع النوم حتى فأنا لم أعد أثقُ بك على الإطلاق!
" آه عدنا إلى مسألة الثقة المجنونة .. " حك رأسه بغباء وتطلع إليها متسائلاً :
- ما الذي فعلته تلك المرة حتى تخبريني بتلك الجملة مجدداً؟
" هل يعقل بأنك السارق؟ لكنني لم اشاهدك تسرق شيئاً آخر في خلال رحلتنا ... ام انك لص محترف " يداها ترتجفان وشفتيها تعجزان عن الكلام!
لكنها تريد أن تعرف .. خرج صوتها ضعيفاً وهي تحاول كبح دموعها :
- لماذا .. حقيبتي معك؟
جعلته الصدمة غير قادر على التفكير، انتقل بنظره بينها وبين الحقيبة "لقد كان هذا سريعاً! لماذا اكتشفته بنفسها؟؟ كان علي اخبارها بالأمر بأية طريقة .. " تقارب حاجباه في توتر وقال بحدة وهو يعتدل في جلسته :
- من سمح لك بتفتيش حقيبتي ..؟
" هل يجرؤ على ان يسألني ذلك السؤال الآن .. !!" نظرت إليه باستغراب وأجابت بتردد :
- لم أقصدها عنوة لقد .. لقد كانت مجرد ..
ولكنها توقفت لتغير مجرى الحديث وتقول :
- لم أنت غاضب؟ أنا من يحق لها الغضب الآن والصراخ في وجهك! أخبرني لماذا .. لماذا سرقت حقيبتي؟ لقد وثقت بك!
نظرت الى وجهه، كانت تريده ان يقول أي شيء .. ارادت ان يخبرها بأي سبب، حتى لو كان كذباً .. سوف تصدقه على الفور! ولكنه لم يتحدث .. تقدم نحو الحقيبة واخرج خاصتها ثم وضعها امامها وهو يقول :
- لقد كنت انوي ان اعيدها إليك عندما نصل إلى مملكة الجليد، ولكن تصرفك الوقح كشف كل شيء!
- تصرفي الوقح؟
أمسكت بحقيبتها وهمت بالخروج وهي تمسك دموعها بصعوبة ولكنه اوقفها ممسكاً بذراعها ونظر إلى عينيها مباشرة وهو يتسائل :
- إلى أين؟ نحن لم ننهي الأمر !
انهمرت الدموع من عينيها وهي تحاول ضبط مشاعرها المتأرجحة :
- انت لم تعطني سبباً منطقياً يجعل حقيبتي معك طوال المدة! لقد سجنت ثم أصبحت خادمة وتعذبت الكثير من الليالي بسبب هذا!
ترك ذراعها وهو يفكر "ما الذي سأخبرها به الآن؟ لا يمكن أن أخبرها بالحقيقة .. ستظن بأنه ضرب من الجنون ولن تصدقني " تنحنح قبل أن يتكلم :
- لم انت غاضبة، إنها مجرّد حقيبة تافهة!
- أعلم أنها مجرد حقيبة ولكنها مهمة! والتصرف الذي قمت به ليس تافهاً، لقد افترقنا عدة مرّات هل كنت ستجعلني مشردة حقا لأن أوراق هويتي معك وانا لا أعلم!
صاح بحدّة :
- كنت ستصبحين مشردة بالفعل لوكان السارق شخص آخر!
- لكنه انت! لايمكنني احتمال بأنك تفعل ذلك!
- كنت ستموتين لو لم تكوني معي! حتى ولو كانت تلك الحقيبة السخيفة بحوزتك .
صرخت :
- هذا يكفي! أن لم أعد أطيق رؤيتك!
فتح الباب وخرجت وهي تمسح دموعها ، كان قلبه يضرب بشدة وآلمه صدره وهو يفكّر بأنها ستبتعد!! خرج خلفها وقال :
- الآن ستذهبين؟ لم تعودي بحاجة إلي فقد اصبحت الحقيبة معك .. اليس كذلك؟
" مـ .. ماذا يقول هذا الانسان الغريب " استدارت وهي تنظر اليه بغضب وهمست وهي تكز على اسنانها :
- فيم تفكر؟ لقد اخذتني من قصر بلود عنوة، انا لم اكن يوما بحاجتك!
- بلى كنت تحتاجينني! لقد انقذتك دائماً ، يجب ان تعترفي بهذا ..
" فقط وافقي على كلامي ، اريد ان اشعر بأنني فعلت شيئاً صائباً ولو لمرة واحدة! .." تمتمت وهي تبتعد :
- يالك من شخص مغرور ..
سارت حتى نهاية الممر ثم استدارت مختفية عن ناظريه، عاد إلى مقصورته وارتمى على المقعد وهو يفكر " اركض ورائها، تشبث بها .. انها لا تفهمك .. اخبرها ، اخبرها بأنك تحبها .. بأنك فعلت ذلك لأنك اعجبت بها .. "
امسك رأسه وهو يشعر بألم شديد، أما هي فقد كانت تمشي بسرعة غير مبالية لضيق المكان حتى اصطدمت ببعض المارة، دخلت إلى دورة المياه ووقفت في أحد الأركان وهي تحاول تجفيف دموعها " كان علي أن أفعل ذلك، لا يمكنني أن استمر معه إلى النهاية .. لديه عائلة وخطيبة، كما انه لا يبالي بي، لن يحبني في يوم ما وسأظل انظر إليه واتعذب " آلمها قلبها وشعرت بالخذلان لأنها البرودة تسحقها كلما ابتعدت عنه أكثر وأكثر ..
أخرجت تذكرتها من حقيبتها وتوجهت نحو موظف القطار فوجهها في دهاليز القطار الطويل نحو مقصورتها التي كانت تبعد كثيراً عن مقصورته، دخلت وجلست على الأريكة الصغيرة وهي تشعر بالحزن والألم ، أردات أن يتوقف عقلها عن التفكير فيه وفي ذكرياتهما معاً حتى ولو لفترة قصيرة حتى ترتاح ..
عندما القت لمحة بناظريها إلى خارج النافذة كان الجليد يكسو الأرض، نفخت بفمها على الزجاج ليتكون بخار الماء الذي بدأت تمسحه بطريقة عصبية بسبابتها وهي تحدّث نفسها :
- يجب أن أظل قوية، وأكمل طريقي بمفردي .
ابتسمت بألم وهي تحاول اسعاد نفسها ولكن هذا لم يكن ممكناً، أما هو فقد كان يهرول في الممرات مثل المجنون وهو يفكر أين اختفت بتلك السرعة ..؟
القطار متسع وطويلٌ جداً، ولهذا بدأ يفكر "ربما تكون قد ركضت إلى آخر المقصورات .. ؟ " ركض بطول القطار وعاد إلى مقصورته بلا فائدة ..
ولكنه تذكر فجأة بأنها تملك تذكرة ، وبموجبها يمكنها الحصول على مقصورة مثل كل الركاب.
اتسعت عيناه وهو يدور حول نفسه " هل ضاعت مني للأبد ..؟ هل أضعتها بنفسي " توقف مكانه وهو يستوعب الأمر، لقد ذهبت بالفعل بلا رجعة! تمنى أنا يراها تسير هنا أو هناك أمام ناظريه ..!!
سوف يضمها ويمسح دموعها سوف يخبرها! تكلم بصوت عال :
- ساخبرك!! فقط اظهري!
حملق بعض المارة اليه باستغراب، وبعد أن دار حول المكان عاد إلى مقصورته بخطوات ثقيلة، نظر من النافذة ونزلت عليه ستائر الكآبة الثقيلة وهو يشاهد العاصمة الباردة باضوائها ومبانيها الشاهقة، ارتمى على المقعد بتعب وهو يفكر في لينا، كيف أعادته إلى ذلك المكان المليء بالذكريات السيئة ثم تركته؟
لقد عاد بسببها .. كانت حلمه الجديد، جعلته يحب كل شيء رغبت به .. لقد أراد بالفعل أن ينسى الماضي ويبدأ بداية جديدة .. ضرب على الطاولة بقبضة يده حتى آلمته :
- لماذا !
نظر إلى حقيبته وأخرج صورة حبيبته السابقة من جيبه ثم تكلم معها والحزن يعتصره :
- لماذا لا أستطيع أن أفعلها؟ حقاً.. أنا لا أريد أن أنساكِ ولكنني سوف أخسر روحي إذا لم أعثر على لينا ..
بدون أن يشعر كان يطبق على الصورة بقبضته ودمعه وحيدة تنزل من إحدى عينيه .. سمع مكبرات الصوت الخاصّة بالقطار تنطلق فجأة وأحد الموظفين يتكلم بلهجة مهذبة :
- على الركاب الراغبين الاستعداد للنزول إلى محطة مملكة الجليد، الرجاء التوجه إلى البوابات وعدم الاندفاع، برجاء التأكد من الحقائب والامتعة قبل النزول، أي شخص ...
خلع سماعة اذنه والقى بها على الكرسي المقابل! لم يرغب بسماع أي شيء حتى انه يفكر بعدم الوقوف هنا . سوف يكمل رحلته حتى السنة الجديدة!
سمعت لينا ذلك النداء ، وقفت حائرة بداخل مقصورتها وهي تضم حقيبتها وتشعر بالوحدة وفكرت "سينزل الآن، ويتركني .. لن اعثر عليه ابداً .. لن أرى وجهه الذي أحبه مرة أخرى ولن .. " انتبهت على ذلك الشيء الصلب في جيبها، اخرجتها .. كانت بطاقته الطبية .. تكلمت مع نفسها باندهاش :
- هذا لايمكن!! كيف أصبحت تلك البطاقة في جيبي ..
اندفعت تركض خارجاً متوجهة إلى مقصورته، كان القطار مزدحماً بسبب الأشخاص الذين ينزلون إلى عاصمة المملكة الجليدية .. وصلت إلى مقصورته التي كان بابها مفتوحاً ! لم يكن هناك! لقد خرج!
شعرت بالدوار ..
نادت باعلى صوتها :
- عماد!
لكن صوتها تناثر واختفى وسط الضجيج، رفعت رأسها تنظر من النوافذ .. لقد كانت البطاقة مجرّد ذريعة لترجع إليه .. في تلك الساعة الأخيرة لم تعرف كيف استطاعت أن تبتعد عنه؟ وبداخل المقصورة لمحت ورقة مجعدة بشدة في شكل كرة .. امسكت بها بدون تفكير وبدأت في فتحها وتسويتها بيدها ولكن الصدمة جعلتها لا تصدق ماتراه عينيها .. " لقد رحل وترك صورتها خلفه بتلك الطريقة ...؟ "
دمعت عينيها وحاولت باختنآق أن تجبر نفسها على الصمت وهي تحدق في الوجوده ربما تراه في مكانٍ ما ..
" أين انت..؟ لطالما كنت بجانبي .. لمَ افترقنا هكذا ..؟ " بدأت تلوم نفسها على الوقت الذي ضاع وهي وحيدة في المقصورة الأخرى، بينما استمرتاعداد الناس بالتناقص، سمعت مكبرات الصوت تنصح الركاب بالابتعاد عن الأبواب قبل أن تغلق فنظرت من النافذة إلى الخارج .. وشاهدته هناك ، يحدق إلى النوافذ ويركض بتوتر يمنة ويسرة وهو يحمل حقيبته السوداء على ظهره كالعادة ..
ركضت نحو الابواب وهي تنوي الخروج ولكن الأبواب قد أغلقت بشكل آلي ، فعادت وهي تنادي و تضرب الزجاج :
- عماد!
اصبح متعبا ولاهثا من البحث بين النازلين من القطار عنها " هل يعقل انها غاضبة فعلاً ؟ لقد ظننت بأنها تعلقت بي، ولو .. قليلاً فقط " أغلق القطار أبوابه فنظر إلى النوافذ وعندها تقابلت عيناهما ..
كانت بالداخل .. باكية ، تضرب على الزجاج والألم يعتصرها، وتوقف عن الحراك .. والذهول يتملكه! لأنها بداخل القطار السنوي! الذي لن يعود إلى تلك البلاد إلا بعد عامٍ كامل!
بدأ القطار في التحرك، وبدا جسده بشكل لا ارادي يسير بخطوات واسعة بجانب القطار .. لم يبعد ناظريه من فوق وجهها الباكي، كان قلبه يتمزق وهو يقول لنفسه " لماذا نزلت هنا؟ لو كنت بقيت ... فقط .. لدقائق .. " اصبح القطار أسرع وبدأ يركض بكل طاقته وهو يحاول أن يشبع عينيه من وجهها الذي لن يراه مجدداً!
كانت تراقب بألم وقهر .. لم تستطع فعل أي شيء بينما يتحرك القطار " سأشتاق إليك كثيراً يا عماد ، اتمنى أن تسمعني وأنا أخبرك بهذا الآن .. وأن تعيش بسعادة " .. ازدادت سرعة القطار شيئاً فشيئاً حتى اختفى عماد ..
عادت تسير بتثاقل إلى داخل مقصورتها وما إن دخلت وأغلقت الباب خلفها حتى أجهشت بالبكاء المرير وهي تنظر إلى صورته في البطاقة الطبية .. شعرت بأنها فقدت أهم شيء ظهر في حياتها، همست لنفسها :
- لقد سرقت قلبي .. ورحلت، ولن استطيع استرجاعك أبداً .. أنا متعبة ووحيدة، بدونك .
أما هو فقد توقف أخيراً عن الركض، كان يلهث بتعب وهو لايقوى على الوقوف حتى، وانتهى القطار مبتعداً إلى عاصمة أخرى، احتشدت الدموع في عينيه ولكنها أبت النزول .. كان يسأل نفسه مثل المجنون " لم نلتقط صورة معاً؟ إذا .. لم أعرف عنوان منزلها ؟ اسم بلادها .. كيف يمكنني أن أكون مغفلاً إلى هذا الحد .. "
جلس على واحد من الكراسي الخشبية الخاص بالمحطة، بدأت بتفتيش حقيبته محاولاً العثور على أي شيء منها . ولكنه لم يجد سوى اغراضه وكأنه كان حلم في رحلة قطار عابرة!
" فرقت بيننا مشاجرة تافهة، كنتُ أنا المخطيء .. وربما بالغت لينا في غضبها ، لايهم من المخطيء . لكنني لن أنساك أبداً، ستظل ذكرياتك اللطيفة معي " حاول أن يبدو هادئاً وهو يعود إلى منزله الذي تركه منذ عامين، لكنه كان مكسور القلب، وقبل أن يضغط على جرس المنزل ، تمنى لها حياة سعيدة تعوضها عن طفولتها القاسية، وعن تلك الرحلة السيئة التي صحبها فيها طويلاً، أرادها أن تكون بخير ..
وأخذ نفساً عميقاً ثم ضغط على الجرس .
استمر قطار الليل بالمرور على البلدان، واستمرت الحكايات الغريبة تتراود عنه .. أيضاً ..
كانت ليلة مثلجة وكئيبة على غير العادة .
مع مرور الوقت، ظن بأنها كانت مجرّد حلم جميل بينما كان نائماً في رحلة قطار ينتظر انقضاء الوقت الطويل .. وذات مساء، بينما يجلس في غرفته وحيداً .. أمسك بآلة التصوير عابثاً ، ليشاهد صورة قد نسي بأنه التقطها ..
ضرب قلبه بعنف وتسارعت انفاسه وهو يتأمل وجه لينا العفوي وهي تحدق إليه وخلفها فراغٌ تام .. إنه يتذكر جيداً عندما كذب آنذاك بشأن التقاط منظر للشجرة الضخمة التي لاوجود لها في الصورة، همس وهو يمسح دموعه التي تناثرت فوق الشاشة الخاصة بآلة التصوير ..:
- من الجيّد، بأنكِ لم تكوني حلماً من أحلامي ، بل أصبحت امنية من أمنياتي أن ألتقيك ولو لمرة واحدة فقط .
النهاية
ودممممممممممممممتم سااااااااااااااااااالمين
[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN][/COLOR][/SIZE]