كان فيما كان . في قريب الزمان . وحاضر العصر والأوان
رجلٌ قريبٌ من بلاط السّلطان . تجوب شهرته أرجاء البلاد . معروفٍ بالخير بين العباد
وفي يومٍ من الأيام .مرَّ فقيرٌ بسوق الكلام . فوجد بين الزحام . أُناساً بتحدّثون بسيرة فلان ابن فلان
ويذكرون موالاته لبلاط السلطان . وفاجأه من بين الكلام . صلة الرجل بأهل الاتّهام والتعذيب والآلام
عاد الفقير إلى بيته . وحدّثَ بالأمر بعض إخوته . فعجبوا لعَجَبِه من أمرٍ معتاد .شائعٍ في الأصقاع
والبلاد .
وأخذوا يلتمسون للرجل الأعذار . ويحسبونه بشهادة الخَلقِ من الأخيار .
لكنّ حال الفقير كان كمن قيل له : لماذا تنفخ في اللبن وهو بارد ؟ فقال : لأنّ حليبه كواني .
ألقى الفقير دنيا العباد وراء ظهره . ودخل المحراب يناجي ربّ الأرباب :
(( سبحانك يامن أظهرت للعباد نقص العباد . فأنعمت بذلك على القلوب بأن صَرَفْتَها عن الانبهار
بالخَلْقِ إلى معرفة الخالق واشتغال القلب بالسعي لإرضائك والشوقِ للقائك
سبحانك يامن جعلت الإخلاص والثّبات امتحاناً لا ينتهي إلاّ بانتهاء الحياة .حتى لا يركن العبد لعمله
ويغترَّبما يظنُّ بأنّه من لدن نفسه .إنّما هي أفضالٌ من ربِّ العباد .يزيد بها من استزاد .
إمّا للجنّة وإمّا للنار . أعاذنا الله وإياكم من عذابها .وبَلّغنا بفضله ومَنِّه جنّة الرّضوان))
يانفسُ عُمرُ المَرءِ لا يَسَعُ الهوى
فالفوز يبغي باقياتٍ مثمرة
والقلب إن لم نشغلنّه بالهدى
أفضى إلى الدّنيا وعافَ الآخرة
قد يقبل الله مصاباً قلبُهُ
يرجو شفاءً في ليالٍ ساهرة
فارجو إلهك أن يُجيرَكَ من هوىً
إن جابَ في القلب كواهُ وبَعْثَرَه