BACK ارتحل الامام الشافعي الى مدن كثيرة لطلب العلم رحمه الله ومنها : فلما انتشر اسم الاما مالك بن انس امام المدينة وقد بلغ مبلغاً عظيماً في العلم والحديث هاجر الامام الشافعي الى المدينة سعياً في طلب العلم وقد روي عنه انه قال :فارقت مكة وأنا ابن أربعة عشر سنه لا نبات بعارضي من الأبطح الى ذي طوى، فرأيت ركباً فحملني شيخ منهم إلى المدينة فختمت من مكة إلى المدينة ست عشرة ختمة ودخلت المدينة يوم الثامن بعد صلاة العصر فصليت العصر في مسجد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولذت بقبره فرأيت مالك بن أنس رحمه الله متزراً ببردة متشحاً بأخرى يقول: حدثني نافع عن ابن عمر عن صاحب هذا القبر يضرب بيده قبر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فلما رأيت ذلك هبته الهيبة العظيمة فذهب الشافعي الى الامام مالك ولما رآه الامام مالك قال ( يامحمد اتق الله واجتنب الماعصي فإنه سيكون لك شأن من الشأن إن الله قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه بالمعصيه ) وقد روي عن الشافعي أنه قال قدمت على مالكٍ وقد حفظت الموطأ ظاهراً، فقلت: «إني أريد أن أسمع الموطأ منك»، فقال: «اطلب من يقرأ لك»، وكررت عليه فقلت: «لا، عليك أن تسمع قراءتي، فإن سهل عليك قرأت لنفسي»، قال: «اطلب من يقرأ لك»، وكررت عليه، فقال: «اقرأ»، فلما سمع قراءتي قال: «اقرأ»، فقرأت عليه حتى فرغت منه وفي رواية أخرى عن الشافعي أنه قال: وقدمت على مالك وقد حفظت الموطأ، فقال لي: «أحضر من يقرأ لك»، فقلت: «أنا قارئ»، فقرأت الموطأ حفظاً، فقال: «إن يك أحدٌ يفلح فهذا الغلام وبعد أن روى الشافعي عن الإمام مالك موطأه لزمه يتفقهُ عليه، ويدارسُه المسائلَ التي يفتي فيها الإمام، إلى أن مات الإمامُ 179 من الهجرة ، وقد بلغ الشافعي شرخ الشباب، ويظهر أنه مع ملازمته للإمام مالك كان يقوم برحلات في البلاد الإسلامية يستفيد منها، ويتعلم أحوال الناس وأخبارهم، وكان يذهب إلى مكة يزور أمه ويستنصح بنصائحها وبعد أن مات الامام مالك رحمه الله وأحس الشافعي بأنه قد نال من العلم أشطراً وقد كان في ذلك الوقت فقير ففكر بأن يبحث عن عمل يكتسب منه ما يدفع به حاجته /♥ وصودف في ذلك الوقت انه قد قدم الى الحجاز واليمن فكلمه بعض القرشيين في ان يصحبة الشافعي فأخذه الوالي معه ويقول الشافعي في ذلك: ولم يكن عند أمي ما تعطيني ما أتحمل به فرهنت داراً فتحملت معه فلما قدمنا عملت له على عمل وفي هذا العمل تبدو مواهب الشافعي فيشيع ذكرُه عادلاً ممتازاً ويتحدث الناس باسمه في بطاح مكة ولما تولى الشافعي ذلك العمل أقام العدل وكان الناس يصانعون الولاة والقضاة ويتملقونهم ليجدوا عندهم سبيلاً إلى نفوسهم ولكنهم وجدوا في الشافعي عدلاً لا سبيل إلى الاستيلاء على نفسه بالمصانعة والملق ويقول هو في ذلك: «وليت نجران وبها بنو الحارث بن عبد المدان وموالي ثقيف وكان الوالي إذا أتاهم صانعوه فأرادوني على نحو ذلك فلم يجدوا عندي لما نزل الشافعي الى اليمن ومن اعمالها نجران كان بها والٍ ظالم وكان الشافعي ينصحه وينهاه ويمنع مظالمة من أن تصل الى من تحت ولايته وربما نال الشافعي ذلك الوالي بالنقد فأخذ ذلك الوالي يكيد له : بالدس والوشاية والسعاية وقد كان ذلك في حكم العباسيين جاء والي نجران العباسيين من هذه الناحية، واتهم الشافعي بأنه مع العلويين فأرسل الى الخليفة هارون الرشيد :إن تسعة من العلويه تحركوا ثم قال في كتابه: إني أخاف أن يخرجوا وإن ها هنا رجلاً من ولد شافع المطلبي لا أمر لي معه ولا نهي وقيل أنه قال في الشافعي: يعمل بلسانه ما لا يقدر عليه المقاتل بسيفه فأرسل الرشيد أن يَحضرَ أولئك النفرُ التسعةُ من العلوية ومعهم الشافعي ويقال أنه قتل التسعة ونجا الشافعي بقوة حجته وشهادة القاضي محمد بن الحسن وأما قوة حجته فقد كانت بقولة للرشيد وقد وجه إليه التهمةَ بين النطع والسيف: يا أمير المؤمنين ما تقول في رجلين أحدهما يراني أخاه والآخر يراني عبده أيهما أحب إلي؟ قال: الذي يراك أخاه قال: فذاك أنت يا أمير المؤمنين إنكم ولد العباس وهم ولد علي ونحن بنو المطلب فأنتم ولد العباس تروننا إخوتكم، وهم يروننا عبيدهم وأما شهادة محمد بن الحسن فذلك لأن الشافعي استأنس لما رآه في مجلس الرشيد عند الاتهام فذكر بعد أن ساق ما ساق أن له حظاً من العلم والفقه وأن القاضي محمداً بن الحسن يعرف ذلك فسأل الرشيدُ محمداً فقال: له من العلم حظٌ كبير وليس الذي رُفع عليه من شأنه قال: فخذه إليك حتى أنظرَ في أمره وبهذا نجا لمحنة خيراً له فقد وجَّهته إلى العلم بدل الولاية وتدبير شؤون السلطان ذلك بأنه نزل عند محمد بن الحسن وكان من قبلُ يسمع باسمه وفقهه وأنه حاملُ فقه العراقيين وناشرُه وربما التقى به من قبل أخذ الشافعي يدرس فقه العراقيين فقرأ كتب الإمام محمد وتلقاها عليه وبذلك اجتمع له فقه الحجاز وفقه العراق اجتمع له الفقه الذي يغلب عليه النقل والفقه الذي يغلب عليه العقل وتخرج بذلك على كبار الفقهاء في زمانه ولقد قال في ذلك ابن حجر: انتهت رياسة الفقه في المدينة إلى مالك بن أنس فرحل إليه ولازمه وأخذ عنه وانتهت رياسة الفقه في العراق إلى أبي حنيفة فأخذ عن صاحبه محمد بن الحسن حملاً ليس فيه شيء إلا وقد سمعه عليه فاجتمع علم أهل الرأي وعلم أهل الحديث فتصرف في ذلك حتى أصَّل الأصول وقعَّد القواعد وأذعن له الموافق والمخالف واشتهر أمره وعلا ذكره وارتفع قدره حتى صار منه ما صار أقام الشافعي في بغداد تلميذاً لابن حسن ومناظراً له ولأصحابه على أنه فقيه مدني من أصحاب مالك ثم انتقل بعد ذلك إلى مكة ومعه من كتب العراقيين حِملُ بعير ولم يذكر أكثرُ الرواة مدة إقامته في بغداد في هذه القدمة ولا بد أنه أقام مدة معقولة تكفي للتخرج على أهل الرأي ومدارستِهم ولعلها كانت نحو سنتين عاد الشافعي إلى مكه وأخذ يُلقي دروسه في الحرم المكي والتقى به أكبر العلماء في موسم الحج واستمعوا إليه وفي هذا الوقت التقى به أحمد بن حنبل وقد أخذت شخصية الشافعي تظهر بفقه جديد لا هو فقهُ أهلِ المدينةِ وحدَهم ولا فقهَ أهلِ العراقِ وحدَهم بل هو مزيج منهما وخلاصةُ عقل الشافعي الذي أنضجه علم الكتاب والسنة وعلمُ العربية وأخبار الناس والقياس والرأي ولذلك كان من يلتقي به من العلماء يرى فيه عالماً هو نسيجٌ وحدَه أقام الشافعي بمكة في هذه القدمة نحواً من تسع سنوات ولا بد أن الشافعي بعد أن رأى نوعين مختلفين من الفقه وبعد أن ناظر وجادل وجد أنه لا بد من وضع مقاييس لمعرفة الحق من الباطل أو على الأقل لمعرفة ما هو أقرب للحق فإنه ليس من المعقول بعد أن شاهد وعاين ما بين نظرِ الحجازيين والعراقيين من اختلاف ولأصحاب النظرين مكانٌ من احترامه وتقديره أن يحكمَ ببطلان أحدِ النظرين جملةً من غير ميزان ضابط دقيق لهذا فكَّر في استخراج قواعد الاستنباط، فتوافر على الكتاب يعرف طرق دلالاته وعلى الأحكام يعرف ناسخها ومنسوخها وخصائص كل منهما وعلى السنه يعرف مكانها من علم الشريعه ومعرفة صحيحها وسقيمها وطرق الاستدلال بها ومقامها من القرآن الكريم ثم كيف يستخرج الأحكام إذا لم يكن كتاب ولا سنة وما ضوابط الاجتهاد في هذا المقام وما الحدود التي تُرسَم للمجتهد فلا يعدوها ليأمن من شطط الاجتهاد لأجل هذا طال مقامه مع أنه كان صاحب سفر فهو لا بد في هذه الأثناء قد انتهى إلى وضع أصول الاستنباط وخرج بها على الناس ولعله عندما انتهى إلى قدر يصحُّ إخراجُه وعرضُه للجمهرة من الفقهاء سافر إلى بغداد التي كانت عشَّ الفقهاء جميعاً إذ ضَؤلَ أمرُ المدينة بعد وفاة الإمام مالك وبعد أن صار ببغداد أهلُ الرأي وأهلُ الحديث معاً
قدم الشافعي بغداد للمرة الثانية في سنة 195هـ وقد قدم وله طريقةٌ في الفقه لم يسبق بها، وجاء وهو لا ينظر إلى الفروع يفصِّل أحكامَها وإلى المسائل الجزئية يفتي فيها فقط، بل جاء وهو يحمل قواعد كلية أصَّل أصولها وضبط بها المسائل الجزئية فقد جاء إذن بالفقه علماً كلياً لا فروعاً جزئيةً وقواعدَ عامةً لا فتاوىً وأقضيةً خاصةً فرأت فيه بغداد ذلك فانثال عليه العلماء والمتفقهون وطلبه المحدثون وأهل الرأي جميعاً وفي هذه القدمة ذُكر أنه ألف لأول مرة من كتاب الرسالة الذي وضع به الأساس لعلم أصول الفقه وقد رُوي أن عبد الرحمن بن مهدي التمس من الشافعي وهو شاب أن يضع له كتاباً يذكر فيه شرائط الاستدلال بالقرآن والسنهوالاجماع والقياس وبيان الناسخ والمنسوخومراتب العموم والخصوص فوضع الشافعي كتاب الرسالة وبعثه إلي فلما قرأه عبد الرحمن بن مهدي قال: ما أظن أن الله عز وجل خلق مثل هذا الرجل وقيل أن الشافعي قد صنف كتاب الرسالة وهو ببغداد ولما رجع إلى مصر أعاد تصنيف كتاب الرسالة أخذ الشافعي ينشر بالعراق تلك الطريقةَ الجديدةَ التي استنَّها ويجادلُ على أساسها وينقد مسائل العلم على أصولها ويؤلف الكتب وينشر الرسائل ويتخرج عليه رجالُ الفقه ومكث في هذه القدمة سنتين ثم عاد بعد ذلك إليها سنة 198 هـ وأقام أشهراً فيها، ثم اعتزم السفر إلى مصر فرحل إليها وقد وصل سنة 199هـ أما سببُ تقصيرِه الإقامةَ في بغداد في هذه القدمة الأخيرهمع أنها كانت عشَّ العلماء وقد صار له بها تلاميذُ ومريدون والعلم ينتشر بين ربوعها ولم يكن لمصر في ذلك الوقت مكانةٌ علميةٌ كمكانة بغداد أو تقاربها فهو أنه في سنة 198 هـ كانت الخلافة لعبد الله المأمونوفي عهد المأمون ساد أمر لا يستطيب الشافعيُ الإقامةَ في ظله وهو أن المأمون كان من الفلاسفة المتكلمين فأدنى إليه المعتزلة وجعل منهم كُتَّابَه وحُجَّابَه وجلساءَه والمقرَّبين إليه الأدنين والمحكَّمين في العلم وأهله والشافعي كان ينفر من المعتزلة ومناهج بحثهم ويفرض عقوبة على بعض من يخوض مثل خوضهم ويتكلم في العقائد على طريقتهم فما كان لمثل الشافعي أن يرضى بالمقام معهم وتحت ظل الخليفة الذي مكَّن لهم حتى أدَّاه الأمرُ بعد ذلك إلى أن أنزل بالفقهاء والمحدثين المحنة التي تسمى منحة خلق القرآن وروي أن المأمون عرض على الشافعي أن يولِّيَه القضاء فاعتذر الشافعي لم يَطِبْ للشافعي المقامُ ببغداد وكان لا بد من الرحيل منها ولم يجد مهاجَراً ولا سَعةً إلا في مصر ذلك أن واليها عباسي هاشمي قرشي قال ياقوت الحموي: وكان سبب قدومه إلى مصر أن العباس بن عبد الله بن العباس بن موسى بن عبدالله بن عباس دعاه، وكان العباسُ هذا خليفةً لعبد الله المأمون على مصر ولقد قال الشافعي عندما أراد السفر إلى مصر: لقد أصبحتْ نفسي تتوق إلى مصرِ ومن دونها قطعُ المهامةِ والفقرِ فواللـه ما أدري، الفوزُ والغنى أُساق إليها أم أُساق إلى القبرِ قدم الشافعي مصر سنة 199 هـ ومات فيهاسنة 204 هـ وقد رُوي عنالربيع بن سليان أنه قال: وقال لي يوماً (يقصد الشافعي): كيف تركت أهل مصر؟ فقلت: تركتهم على ضربين: فرقةٌ منهم قد مالت إلى قولمالك وأخذت به واعتمدت عليه وذبَّت عنه وناضلت عنه وفرقةٌ قد مالت إلى قول أبي حنيفة فأخذت به وناضلت عنه فقال: أرجو أن أقدم مصر إن شاء الله وآتيهم بشيء أشغلهم به عن القولين جميعاً قال الربيع: ففعل ذلك والله حين دخل مصر ولما قدم الشافعي مصر نزل على أخواله الأزد قال ياسين بن عبد الواحد: لما قدم علينا الشافعي مصر أتاه جَدِّي وأنا معه فسأله أن ينزلَ عليه فأبى وقال: إني أريد أن أنزل على أخوالي الأزد فنزل عليهم وقد ذكر الامام أحمد أن الشافعي قصد من نزوله على أخواله متابعةَ السنةِ فيما فعل النبي حين قدم المدينةمن النزول على أخواله فقد نزل النبي حين قدم المدينة على بني النجار وهم أخوال عبد المطلب وقال هارون بن سعد الأيلي: ما رأيت مثل الشافعي قدم علينا مصر فقالوا: قدم رجلٌ من قريش فجئناه وهو يصلي فما رأيت أحسنَ صلاةً منه ولا أحسنَ وجهاً منه فلما قضى صلاته تكلم فما رأيت أحسنَ كلاماً منه فافتتنَّا به BRB
ارجو عدم الرد الى ان أسمح بذلك |
التعديل الأخير تم بواسطة بعثرة صمت ; 06-21-2013 الساعة 06:12 PM |