06-28-2013, 10:43 PM
|
|
لهثت الأميرة ذات الشعر الأسود المتموج الرائع وهي تساعد نفسها بوضع يدها على قلبها و خلف ظهرها..
قالت بتعب ممزوج بالغضب : آوه ~ هل كان عليه أن يضع غرفتي في أعلى البرج الشاهق هذا ! , عندما أصعد ماذا سيحصل لي , و كم مرة كدت أتعثر و أسقط على وجهي !.
ثم ألقت بنظرة حادة مغتاظة نحو الحارس المعدني و كأنها تلومه !. كان يقف قربها بصمت الجبـال و كأنه مجرد تمثال متحرك بلا روح..
أمسكت بسلتها و اتجهت نحو البوابة الصغيرة المطلة على الحديقة... وها قد خرجت من الحبس.. يالا السعادة .
ابتسمت بلا شعور وهي تتجه بوقار نحو أشجار الورد الأحمر و شجيرات الأزهار و السوسن...
قالت وهي تشتم الهواء المعطر بأجمل الروائح : آآوه ما أجملها .. هذه حديقة الأزهار السرية إذن .
_ الحديقة ليست سرية قط يا أميرة ! , لكنك للتو ترينها !.
التفتت الأميرة مصدومة نحو مصدر الصوت الحاد المزدري.. وجدت عجوزاً قصيرة ظهرها منحني و ملامحها طيبة لكن نظرتها مستحقرة !!.
سارت على عكازها الذي بيدها اليمنى بينما بيدها اليسرى سلة خيزران كبيرة , وقفت بجانب الحارس الحديديّ الذي بدا كالجبل الشاهق بجانبها...
قالت ببرود : أرى أنك خرجتِ بدون طعام حتى.. لذا جلبت هذا و لحقت بك.. أخبريني أن اردت الخروج مجدداً.
كانت الأميرة مصدومة قليلا فهذه المرة الأولى التي تقابل فيها شخصا عجوزاً !!. و وصيفتها أيضا , سمعت بها لكنها لم تظنها هكذا .... ضعيفة الجسد ..سليطة اللسان !!.
صرخت بداخلها بغضب " والدي لم يكتفي بأن أرسل لي مايشبه السجّان الضخم , بل معه أيضاً عجوزاً سليطة !! اكتملت الصورة !! "
لكن قطع عليها غضبها صوت قرقرة معدتها الخالية منذ زمن طويل... كان بودها لو تتهكم هي أيضا عليها لكنها مندهشة و جائعة .. فاستجمعت روحها المهذبة الأميرية لهذا الوضع و
بصوت مهذب رقيق قالت : أجل سأخبرك أن نزلت مجدداً , لكن لا أعلم أين تكونين !.
ابتسمت العجوز فجأة بشكل لطيف و مشت نحوها ثم سحبت الغطاء من تحت سلتها و جلست بتعب وهي تشير إلى الأميرة للجلوس... فجلست الأميرة وهي تنظر بلهفة نحو السلة ...!
_ أنني في كوخ قريب خارج أسوار البرج لكني سأحاول خدمتك و أظهر عند احتياجك لي , اعتقد بأنني سأظهر كثيراً..
تجاهلت الأميرة تعلقيها الساخر وهي تراقبها تخرج الكثير من الشطائر المنوعة و فاكهة بسيطة و قشدة لذيذة و زجاج ملفوف بالقماش لعصير طبيعي...
أخذت الأميرة تأكل كما اعتادت ببطء بالرغم من العصافير التي تزقزق ببطنها..و الفراشات التي تدور.
رفعت العجوز بصرها نحو الحارس و قالت بصوت عطوف : من فضلك .. أجلـب بعض الماء.
رفعت الأميرة رأسها نحوه وهي تراه ينحني بخفه و يسير مبتعدا بين الشجيرات.. تعجبت بشدة منه بالرغم من حجمه و ثقله لكن خطوات رشيقة للغاية و بلا صوت..!!
تذكرت عندما نزلت من الدرج , كانت صوت كعبها عالي مزعج خاصة عندما تعبت و حاولت أن تقفز درجتين.. وهو كان خلفها مباشرة بلا صوت كأنه غير موجـود !!. شعرت بالحرج قليلا من نفسها..
_ يالا هذه الفتاة ! جلبت سلة للأزهار و لم تجلب لنفسها شيء يقويها , أنظري لنفسك جلد و عظم !.
قالت الأميرة مدافعة عن نفسها بالرغم من أحمرار بشرتها البيضاء : لقد كنت متلهفة جداً و..
التمعت عينا العجوز الغريبتين وهي تمسك يدها بشدة مقاطعة كلامها , قالت بصوت غريب ناصح
_ أحذري ! , أحــذري من التلـهف العديم المسؤلية هذا.. عليك بالتفكير في الأمر مرتين قبل الفعل. و اتركي دوما دليلا خلفك...
كانت الأميرة مصدومة منها و خائفة مما تعنيه.. قالت لها بتوتر : لكني مسؤلة جداً , و والدي...
_ المــلك يعرف تماماً وضعك... لقد أحسّن باتخاذه "سيــدريك" حارساً لك... و بقيت بعض الخطوات الصحيحة التي تبدأ من عندك أميرة "مارسيلين"..
لم تستوعب الفتاة سو اسم حارسها.. قالت متعجبة : سيــدريك ؟!.
صرخت بها العجوز : نعم سيدريك.! أليس بشرياً له اسم !!.
هزت "مارسيلين" رأسها غير واعية و قالت : ظننته آلة ما ..من حديد!.
قرصتها العجوز فجأة من فخذها.. فأخذت الأميرة تصرخ آلما وهي تمسد مكان القرصه..!!
قالت و عيناها الخضراوان تلمعان بالدموع : هذا مؤلم للغاية . مالذي قلته أنا ؟!.
_ مالذي قلته هاه ؟!.
فجأة ظهر الحارس المعدني الأسود مقترباً و بين يديه الحديديتين جرتين من الماء..
انحنى و جثى على ركبه واحدة أمام الأميرة التي لا تزال منزعجة من القرصه و مد لها بأحدى الجرتين..
زفرت الهواء بضيق ثم مدت يداها و أخذتها منه... بعدها وضع الجرة الأخرى على الأرض وهو ينهض شامخاً.
حدقت به الأميرة "مارسيلين" و قالت ببرود : ألا تنطـق ؟!.
ردت عليها العجوز بصوت أبرد و أحد : هل تريدين قرصة أخرى؟! دعي الحارس و شأنه.
شعرت الأميرة بالحرج الشديد , و بدأت تشرب وهي تشعر بنظرات العجوز تحرقها من شدة التركيز..
قالت لها بصوت حاد أفزعها : هيا بسرعة فالشمس غابت و أنتِ تشربين !!.
كادت تختنق... ثم قالت برعب : آآووه أكره الظلام لنعـد... لنعد حالا..
نهضت بسرعة و برشاقة , و انتظرت العجوز تنهض فمدت يد العون..
تمتمت العجوز بيأس وهي تحمل سلتها الكبيرة : أنتِ فتاة طيبة لكنك بلهـاء !! من الشخص الذي هربت من أجله تلك الليلة و تقولين بأنك تخشين الظلام !!
تغير وجه الأميرة و شحب بشدة حتى شفتيها أبيضتا... خفق قلبها بألم وهي تقول : أنتم لا تفهمون... بالطبع لا... لن أخبركم قط ... حتى يقتله والدي بوحشية ... أفضل أن أموت أنا دونه...
فلتفتت بعصبية و أسرعت الخطى إلى بوابة البرج..
هتفت العجوز من خلفها : أحذري جيداً , فدرج البرج بلا مشاعـل سوف أحضرها غداً عندما أزور المدينة !.
شعرت الأميرة بالبؤس الحقيقي... الظلام يرهبها.. و عندما حدقت إلى الدرج اللولبي وجدته بلا نهاية و حالك جداً... و بارد... يثير القشعريرة .. ما كان عليها التنزه في هذا الوقت المتأخر !!
قالت متذمرة بيأس : آآآوه !! و أنت أيضا ستشكل مشكلة لي... كيف لي أن أصعد الآن...
و سمعت صرير حديد من خلفها فقفز قلبها رعباً و كاد يقف وهي ترى الحارس الأسود يقف خلفها...
قالت له بحدة :آآه.. لقد أخفتني !! أعلن عن قدومك مجدداً !!.
رفعت ثوبها الحريري البسيط و الفاخر بنفس الوقت ثم وضعت قدمها النحيلة على أول درجة مظلمة...
حدثت نفسها بألم " يا ألهي ســاعدني... الطريق طويل.. سواءاً إلى غرفتي أو إلى سابق حياتي.. "
أخذت تصعد ببطء و توتر وهي تحسب بقلبها عدد الدرجات.. وصلت إلى عشرون و لم ترى مشعل أضاءه واحد.
شهقت وقد نال منها التعب... تذكرت كل خلافاتها و ما مرت به و استهزاء العجوز التي يقال لها وصيفة...
فلم تقدر على رفع قدم مرة أخرى... جلست منهارة على ركبتيها وهي تضع يديها على وجهها... شهقت مرة و مرتين.. ثم سالت دموعها الحارة.. قالت بصوت متألم : لا أريد أن أكون هنا... لا أريد... لقد حرموا علي الحـب و حبسوني.. لم أكن أعرف بأنه جريمة!! صدقوني.. لو أن أمي على قيد الحياة لكنت الآن بين أحضانها.. آه , لكنها ليست هنا... لا ليست هنا... آه...
مرت دقائق ثقيلة و أسّود الظلام أكثر و أكثر و الأميرة تنحب حالها وسط درجات باردة كالثلج...
مسحت دموعها بمنديلها أخيراً و استعادت وعيها للواقع... بالرغم من أن الغضب و الحزن يعميان عينيها...
رأت الحارس كالتمثال صامتا واقفا بلا كلل خلفها عندما التفتت إليه... كان خلفها بدرجتين فقط...
قالت بتعب و صوت بح تماماً : لا أقدر على الصعود.. أني متعبة..
حدقت به بصعوبة بسبب عينيها المنتفختين الحمراوين..كان أسوداً جداً لا يبين منه أي معالم... لكنها رأته يتقدم منها بخطوة واحدة ثم مد ذراعيه و حملها عالياً بعيداً عن برودة الحجر...
بالرغم من أن درعه معدني فولاذي لكنه ساخن ...كأنه كان يقف تحت الشمس القوية قبل لحظات..!!
ارتاحت بشدة و زال الخدر عن قدميها وهو يصعد بها بثبات و هدوء ...
شعرت برغبة غريبة في النوم الآن... لكنها قاومت و وجدت الفرصة للتحديق بقناع وجهه المعدني و رؤية الشقوق ...لكن الظلام الغامض لا يزال يغمرها..!!
قالت بصوت مبحوح بسبب البكاء : ألا تتحدث ؟!.
و أجابها الصمـت الثقيـل ... ثقيل للغاية... كأنها تتحدث إلى جدار...
قالت مجدداً بغيض : يجب أن تتكلم و إلا ظننتك تستحقر الكلام معي..!
لم تسمع حتى صوت شهيق أو زفير , لا نفس لا أحساس.. شعرت بالبرود و الجمود و أنه حقا يبدو كآلة !!
رفعت رأسها من فوق كتفة الفولاذي و هي تحدق إلى الخلف , إلى الدرجات المظلمة التي تهبط إلى المالا نهاية..
ثم عادت لوضعها الطبيعي , فكرت بسخرية أنها لو تتحرك حوله و تتسلقه فلن يمانع , هو يبدو كتمثال معدني قوي و يمكنه تحمل حركاتها المزعجة اللاعبة . استقرت و حدقت ثانية بقناعة الحديدي..
قالت بهدوء : اسمك سيدريك صحيح ؟!. لن تمانع أن ناديتك به ؟!.
كان تعلم سلفاً بأنه لن ينطق بشيء فحدقت بمكان عينيه بتركيز شديد و توتر.. لا يمكننها رؤية عينيه قط... هذه المرة... لكنها شعرت خلال ثانية بأنه نظر نحوها..
شعرت بالتذمر و بدأ التهور يتسلل إليها , أتتها رغبة جامحة بأن تمسك درع رأسه هذا و تنزعه بقوة حتى ترى أي شخص يكون و تهلل بفخر أهـاا .. لكنها قد وصلت إلى باب غرفتها...
لم ينزلها أنما فتح الباب بقبضته و دخل بثبات و هدوء حتى أنزلها على سريرها.
ابتسمت له بمرح و قالت : شكراً لك.
فكرت بعفوية أن تسأله إن كان بإمكانه أن يحملها دوماُ إلى غرفتها , صمتت بحزن لن تقدر على النزول و الصعود كما ترغب .. هل هذا جزء من خطة والدها في العقاب القاسي هذا ؟!.
نظرت نحوه فوجدته ينحي باحترام ثم التفت و مشى بصمت إلى أن أغلق الباب بصوت كتوم..
تنهدت ثم سارعت إلى ركن دولاب ملابسها فدخلت الحمام المرفق الصغير جدا كما بدا لها , فهي معتادة على الرفاهية , لكن لم يكن صغيراً فمساحته تقريبا ستة أمتار و به حوض واسع ,لكن ليس فخماً .
غرقت بنوم عميق لإرهاقها و حاولت ألا تفكر بأي شيء يكدر راحتها الآن , فغداً سوف ترى ما يمكنها فعله..! |