جرت بما تحمله قدماها من قوة خارجاً في الحديقة المظلمة , رأت سائس الأحصنة الواقف في الركن المظلم مع فرسين كبيرتين خارج القصر قرب الحديقة , هرعت نحوه و قالت و صوتها بح تماماً بسبب تنفسها السريع و ضربات قلبها المجنونة...
_ سيدي.. من فضلك أريد العودة سريعا على ظهر حصان...
كان الرجل يمسح أحد الفرسين المتعرقتين بقماش كبير, قال دون أن يلتفت إليها : آسف إن الحصانين ترتاحان الآن.
أخذت الأميرة تشهق رغما عنها من شدة ركضها بكعبها العالي و قالت له بيأس : سوف يعاد سريعاً سأحرص على هذا.
التفت الرجل نحوها ببطء و كأنه يملك كل الوقت... لم يكن سائساً , فملابسه الفروسية الفاخرة لا تدل قط على هذا..
كان بشعر داكن ذهبي ولم تخفي العتمة لمعة عينيه اللؤلؤتين الزرقاوين...
كان مستغرباً منها قال بهدوء متعجب : أنت أميرة و لست خادمة فـارة !!.
هتفت الأميرة و عيناها الذهبيتان تلمعان بخوف شديد : اعرني فرساً سيدي..!
هز رأسه نفياً و قال مصراً : لا و أنا اعتذر , سوف ترهق بسرعة و تقف بنصف الطريق...
ثم همس بلطف : لا تبدين بخير هل أساعـ.....
قاطعته بصوت خفيض غاضب : لقد نفيت مساعدتك قبل قليل . سأمضي وحدي.
التفتت بسرعة و شعرها يتناثر بعشوائية و اختفت في الظلام..
مشت بحذر و رعب بين أشجار الحديقة حتى وصلت إلى طرف من القصر هادئ... فدخلت من البوابة الصغيرة الغير محروسة... كانت مفتوحة على ممرات مفروشة بسجاد فاخر ولكن أضائتها خافتة و غرف قليلة طويلة مقفلة بإحكام... بدا المكان خالياً..و صامتاً جداً.
خفقات قلبها المرعوبة لم تهدأ , ليتها تفر إلى أي غرفة آمنة تقفلها بإحكام حتى ترتاح قليلا و عندما تطلع خطوط الفجر تخرج بعد أن تنظم الخطة في رأسها.
وصلت إلى نهاية الممر و لم تجد شيئاً ثم تذكرت أنها مرت بممر آخر لعله يقودها إلى المطبخ أو غرف ضيوف آخرى.
فلتفتت تريد العودة إلا بظل كبير أمام وجهها... أشد سودا من الظلمة..
شهقت برعب و صاحب الظل يمسك بيديها كلتاهما بقوة يتعصرهما...
صرخ بها : هل تريدينني أن ألعنك ؟! , لقد باعك والدك لي , لا مفر لك أبداً كان المفترض أن نعلن خطوبتنا قبل دقائق لكنك تصيرن على التصرف بغباء "آنـابيـلآ" ! , سوف أخضعك لي و أنتِ تستحقين الأذلال.
صرخت به بغضب و ألم و دموعها تسيل تلقائياً : هل هناك إذلال بعد إذلال والدي لي..؟! تبا لك .
غضب بشدة فدفعها على الباب المقفل من خلفها بقسوة... فسقطت منهارة تماماً...
قال بقسوة و ابتسامه لعينة ترسم على شفتيه : بالطبع أنا سأخضعك تماماً و ستتمنين لو تموتين الآن..
أمسك بوجهها بشدة تشوه شكل فكيها الناعمين , قالت بصوت باكي : دعني أيها الوضيع... لا تلمسني.
_ سأرد لك كل اهاناتك و تتذكرين صفعتك لي بالأمس.. سوف ترد لك أضعافاً و لن تقدري على أن تري وجهك للناس.
....لا مجال للهرب لا أمل في الخلاص من قبضتي الشيطان...
فتذكرت الفارس في الخارج هو ليس بعيداً جداً...كتمت شهقاتها المتألمة و صرخت بضعف شديد : آآآآه !!
لكن صوتها لن يتعدى الجدار بجانبها.. شعرت بألم شديد في رأسها إلا به ينهض وهو يشد شعرها بكامل قوته و كأنها بلا شعور... صرخ بها بقسوة : لن تنجي من عذابي .
فسحبها بشدة إلى غرفة ما مظلمة و ألقاها على الأرض... ثم نزع عنه عباءته الفاخرة و ألقاها فوق سرير كبير يقبع في الظلام... ثم توجه نحوها وعيناها تومضان بخبث شيطان.. قال بصوت يثير الرعب
_ أقسم بأنني سأحطمك و أجعلك تتسولين كثيراً قبل أن تتمني الموت..
حاولت أن تدفعه بقوتها الهشة وهي تصرخ بشكل شهقات مؤلمة : لن يحدث لن أتحطم أيها الوضيع , لن أتوسل
صفعها بقوة على وجهها جعلها تترنح وتكاد تفقد وعيها من شدة الألم , شعرت بأن خدها تقطع بفعل سكين و ليس يد..!
سقطت غير واعية تماما على أريكة طويلة , فتقدم نحوها بجسده الضخم و مزق طبقة ثوبها الأول وهو يقول بصوته الخبيث : لا يا أميرة ليس على الأريكة...
و اجترها من شعرها الذي تقطع بما فيه الكفاية.... لكن و بينما عيناها تدوران بشكل مشوش , رأت زهرية زجاجية فوق طاولة قريبة منها.. مدت ذراعها بسرعة و أسقطتها لتتحطم أشلاء...
فلتفت الرجل غاضبا و صرخ بها : أيتها الـ....
ضربها مجدداً لتسقط فوق حطام الزجاج .. شعرت بألآف الزجاج يدخل في جسدها , لكن لا مجال للألم ... تلمست بيدها بخفة كسرة زجاجة كبيرة... أتى من فوقها ليشد شعرها وليجعل رأسها يرتفع عاليا..
صرخت به : سوف تدفع الثمن...
ثم بحركة سريعة غير متوقعة جرحت يده بشدة و عمق من رسغه فتركها وهو يصيح غضباً و دمه الداكن بدأ يسيل..
هذه هي الفرصة الوحيدة... نهضت و انطلقت بكل ما أوتيت من قوة إلى الباب المفتوح لحسن الحظ ثم إلى الممرات... لكن مهلا هذا ليس الممر الذي أتت منه... تباً..
_ لن تفلتي مني , سألاحقك لكل مكــان , أتسمعين....؟!
كانت تشعر فقط بضربات قلبها التي جنت بشكل يائس يصل إلى حلقها ليسد عنها النفس . و لكن رأت النافذة ... فتحتها بسرعة و قفزت وهي تسمع صوت جلبته و صراخه الغاضب يشتمها بكل شيء... سقطت وسط شجيرات كثيفة , لكنه سيجدها هنا حتما أن رأى النافذة مفتوحة.. فخاطرت برعب شديد على أن ترفع نفسها و تغلق النافذة... فعلت قبل لحظة ظهوره بجزء من الثانية..
أدخلت نفسها بين الأشجار ثم زحفت كثيراً حتى وصلت إلى بركة ماء كبيرة في الظلام ساكنة...
التفتت إلى الخلف و شهقت برعب مميت وهي تراه واقفا خارجا يتلفت حوله باحثا عنها.. أن رأها فلن تفلت منه هذه المرة و سيقتلها حتماً . لا حل آخر سوى البركة.. زحفت إليها وهي تشكر الظلام القابع في الحديقة...
ثم نزلت وسط المياة المثلجة وهي تنتفض و كأنها ستموت برداً و رعباً... كتمت أنفاسها بشهيق شديد مؤلم ثم غطست كلياً...
أخذت تغوص و تسبح بأطراف مجمدة فقدت الأحساس تقريبا بها... حتى تمسكت بالصخور التي على الأطراف و جاهدت وهي ترفع نفسها... ثم انزلقت و حاولت مجدداً حتى نجحت في الصعود.. كانت تنتفض بشدة و أسنانها تصطك بقوة...
مسحت عينيها لترى مجدداً إلا بها وسط الحديقة من الجهة الأخرى... استندت على الشجرة وهي تضم نفسها بقوة و ترتجف بشكل يثير الشفقة و شعرها الداكن قد ألتصق بوجهها... فكرت أن تجد حصاناً و تهرب به بعيدا جدا...
سمعت صوت جلبة و أناس كثر يصرخون باحثين... مؤكد عنها , لكنها لن تسلم نفسها أبداً.. لن تكف عن القتال أن لزم الأمر ستستخدم أسنانها في العض ...التفتت على شجرتها وهي قد فقدت قدرتها على السير مدت ذراعها و حاولت التسلق كانت الشجرة كبيرة كثيرة الفروع لعلها تختبئ لحين استرداد أنفاسها... لكن ذراعيها خاتناها بضعفهما و ارتجافهما الشديد.. صكت على أسنانها وهي تسمع الجلبة تقترب.. : يا ألهي ماذا أفعل ؟!.
شهقت رعباً فضيعا وهي تسمع صوت صهيل خفيف لحصان من خلفها... فلتفتت مرعوبة .. لتجد فرساً رمادية داكنة واقفة في الظلمة... اقتربت الفرس منها تلقائياً.. و كان عليها السرج و اللجام..!
بلا تفكير ألقت نفسها على ظهر الفرس الكبيرة التي تقدمت إليها و كأنها هدية من الربّ..
أخذت تتنفس و كأن الحياة عادت إليها و تمسكت باللجام , لكن الفرس مشت سريعاً و بخفة بين الأشجار بدون أن تقودها الأميرة....
ثم أخذت تركض بخفة و جلبة الرجال اختفت... رأت سوراً كبيراً أمامهم ..عاليا جداً...
التفتت الفرس بسرعة من تلقاء نفسها و قفزت فوق صناديق كبيرة موضوعة جانب السور .
ثم قفزت من فوق السور و الأميرة تتمسك بها بقوة و تدس نفسها وسط ظهرها و كأن لا أحد فوق الفرس..!!
ظلت تركض وسط مرج كبير قريب فسمعت صوت صفير عالي... ثم صوت حصان آخر يركض..
كانت الأميرة شبة مستلقية فوق ظهر الفرس حتى ظهر حصان أسود آخر يمتطيه الفارس... قال مصدوما وهو يقترب منهما
_ يا ألهي الرحيم , تسائلت أين تكوني "سيلفرين" ؟!
يتبـع.. |