كان يحدث الفرس , فتحت الأميرة عينيها لتنظر نحو الفارس الذي أصبح موازيا لها فأمسك بحبل اللجام و هتف
_ هل أنت بخير ؟!.
ردت بصوت بارد مرهق و ساخر : بخير جداً و كأنني في الجنة.!
ضيق جبينه الناعم و بان وجهه تحت ضوء القمر... قال بصوت آسف : لا يمكن أن تكوني , آوه أنت مبللة و....
و أخذ يتأمل شكلها المزريّ برعب تصاعد في عينيه, فتوقفت الفرسين و خلع الفارس عباءته وهو يضعها يده برقه على شعرها.. قال مجدداً بصوت غريب قاس :
_ من الذي فعل بك هذا , لو أخبرتني أن....
قاطعته وهي ترتجف و تغمض عينيها : دعني و شأني رجاءاً , فقط أريد الفرس لبعض الوقت..
هز رأسه وهو يقول بصوت غاضب : و إلى أين تذهبين , أنتِ لم تخبريني من تكوني.
فتحت عينيها وهي تنظر إليه بحده , عيناها بلون العسل الصافي تلمعان كالنار.. قالت بحرارة : أنني لا أكون شيئا !! , لقد تخلى عني والدي , أني لست شيئا الآن , و لا حتى أحقر شيء !!.
كان مصدوماً ينظر نحوها غير قادرة على التفكير , قال بصبر و عيناه تلمعان : لا أحد يقول عن نفسه هكذا , أخبريني مالذي حدث؟! , سوف أقتص لكِ...
صرخت به و لم تعد تحتمل : آآه لم يحدث شيء حتى تتحدث هكذا , المهم أنني فررت بحياتي..
فقد صبره وهو يشد لجام الفرس حتى أصبحت ملاصقه لفرسه... مسح على رأسها حتى أمسك بذقنها برقة , لكنها مع هذا شعرت بألآلآم تعود ... ألآلآم الضربات و تحطيم عظام فكها... فتأوهت و سالت دموعها...
صدم و شعر بارتجافها بل انتفاضها الشديد.. قال وهو يحرك وجهها قليلا ليراها : آوه يا ألهي, ما هذا ؟!.
رأى الضربة الحمراء على خدها قد أزرقت متورمة بشدة ... تأوه ثانية بغضب...
قال بحدة : أنا مصر على أن تخبريني ما حدث !؟ و من هو هذا اللعين الذي شوه وجهك ؟!
زفرت هواءا حاراً لفح يده الباردة الملمس و همست بهدوء : حسنا سأخبرك لكن ليس بكل شيء.. فأنت لا يزال لا شأن لك بهذا..
قال مزمجراً بصوت مخيف : أنا الذي يقرر أن كان لي شأن أم لا...!!!
فتحت عينيها و قد خفق قلبها لكن ليس خوفاً أنما صدمة منه... كان قوياً جداً و صوته صارم للغاية.. زمجر ثانية وهو يرى كدمات مؤلمة رمادية حول فكيها الدقيقين ..
_ و هذا أيضا , سحقـاً مالذي يمنعني الآن من العودة و قتل أحدهم ؟!.
قالت ببرود : لو أعطيتني الفرس منذ البداية ما حدث كل هذا...
تجهم و عبست عيناه الزرقاوين اللؤلؤيتين أنه خطأه إذن... و لم تلاحظ أن الفرس و الحصان يمشيان معاً بشكل مستو تماماً..
أطرق برأسه ثانية ثم همس بأسف : آسف جداً , كنت مشغول البال ,سيلفرين و إينوس مرهقين بالفعل...
سألت بخفوت : لمن هذه الفرس ؟!.
قال بعبوس : التي تمتطينها , أنها لي أيضا..
أخذت تبادله النظر في عينيه , و بدا شعره الذهبي الداكن يشابه لون عينيها العسلية الذائبة...
طرف بعينيه كأنه أفاق من أحلام بعيدة , أخرج بعض الماء و سكبه على منديله , ثم انحنى قليلا نحوها و وضعه على خدها.. ثم مسح برقة حول فكيها..
همس بحنان طالبا العفو : اعذريني على فضاضتي و فقدان صبري .
كانت عينيه مركزتان على عينيها... اختلط الأزرق الؤلؤي بالذهب السائل...
أغمضت عينيها بأرهاق و أجابت بابتسامه خفيفة للغاية : سأفكر بهذا...
سمعت صوت نفَسه و كأنه يكتم ضحكة... فقال بلطف : لم أعرف اسم مرافقتي الأميرة الجميلة..
صدمت و حدقت به.. قالت بقلق : من قال لك بأنني أميرة ؟!.
لسبب ما شعرت الأميرة بأن الأفصاح عن هويتها الحقيقية خطر..!!
ضيق عينيه اللامعة و قال بكل ثقة العالم : هذا واضح !. بهذا الجمال و الكبرياء.. أنت لست وصيفة أو حتى نبيلة.. أنت أميرة !
شعرت بأنفاسها تضيع... فقالت مستسلمة لحذقه : حسنا.. أنا أميرة لكن أنا لا أشعر بالأمان لـ....
قال بحدة و قد شعر بإهانه خفية : أنت بأمان معي ... بأمان تام !! لا أعرف من يجرؤ لكني سوف أقتص منه بيدي هاتين..
قالت آسفة : لا أرجــوك... سيسبب هذا مشاكل كثيرة . لوالدي خاصة و ...
حدق بها بعينين خطيرتين و قال ببرود : والدك الذي تخلى عنك... لقد فهمـت.
و كأنها استعادت قوتها جلست باستواء وهي تلف عباءته حولها , رجته :أني أرجوك أيها الفارس , فليبقى هذا سراً..
هز رأسه مستنكراً و قال بصوت خفيض : لا يمكنك , أنتِ تضحين بنفسك..
قالت متألمة وهي تمسح على كدمة رأسها : ليس مهماً الأمر.. أريد فقط أن.. أنعزل قليلاً.
ظل يحدق بها حتى ظنت بأنه لن يطرف بعينيه أبداً , قال وهو يمد يده إليها : ستأتين معي إلى قصري.
ضيقت عينيها اللامعة و هي تحدق بيده و انكمشت على نفسها , قال بصوت رقيق دافئ : ثقي بي . لن أؤذيك .
تأوهت بشكل خفي و مدت يدا مرتجفة لتمسك بيده... تبسم لها بشكل آخاذ و همس برقة مجدداً : ستكونين بأمان و سأحفظ السر الذي لا أدري ما هو تماما حتى !.
فعضت "آنـابيلآ"على شفتيها كي لا تضحك... قال متجهما : لا تخفي بسمتك..!!
قالت بهدوء : لن أكون ضيفة عند أحد..
رد بحدة : أخبريني , لماذا..؟
ترددت كثيراً , لكنها قالت بصوت ضعيف : أقبل دعوتك لكن ليس كضيفه , أريد أن أعمل في القصر..
اتسعت عيناه و قال مصدوما غاضباً : ماذا ؟! , لا يمكنك ..!! لن أقبل عملك كخادمة..
قاطعته بهدوء و تعقل : سوف يتسائلون عن هوية ضيفتك هذه , لا أريد من أحد معرفة هويتي...
قال بغضب : أنا أرفض تماماً , تحولك من أميرة إلى خادمة في القصر !! فيما تفكرين ؟!.
قالت بإصرار : لا أريد الاختلاط بالناس سيعرفون من أنا حتما حتى بدون نطق اسم ! , و بعدها سيعرف والدي ثم ذلك الرجل ثم...
هز رأسه وهو يصر بين أسنانه : لا... قطعاً لا.
شعرت "آنـابيلآ" باليأس وهمت بقول شيء لكنه سبقها وهو يقول بعبوس : لن يعرف أحد هويتك , لن تقابلي أشخاصا لا ترغبين بمقابلتهم , و ستكونين بأمان تام..
قالت بهدوء و هي تخشى أن ينفجر غاضبا وسط البرية المظلمة : هل يمكنني أن أكون وصيفة في القصر إذن ؟!
حدق بها غير مصدق و قال بحدة : لا...لا.
همست و عيناها تلمعان : سيشكون بي مهما فعلت , هذا هو الحل الوحيد..
زمجر : تتحدثين و كأنك لصه هاربة !.
قالت بصوت متألم : أرجوك وافـق .
زفر بحدة و ظل يفكر بعصبية , ثم قال ببرود : لا يمكنني التخيل.. هذا صعب.. لكني لا أريد الضغط عليك.. هل تكونين وصيفة خاصة لأمي .
رفت برموشها برقة و ابتسمت له بشكل ساحر جعل كل ملامح غضبه تختفي , قالت بامتنان : شكـرا لك كثيراً.
ابتسم لها بعذوبة و مد يده وهو يهمس : أعدك بأنك ستكونين بأمان تام . أعطني يدك..
مدت يدها بقليل من التردد فمسح عليها برقة ثم صمت فجأة و رفعها ليحدق براحتها... قال متجهما : و ماهذا ؟!.
رأى جرح غائر شبة ملتئم عريض لكنه مشوه و الدم قد تجمد حوله , حاولت سحب يدها بسرعة فهذا الجرح بسبب زجاج الزهرية الكبيرة لأنها بذلت جهدا كبيراً في القبض عليه بقوة كي تجرح ذلك الرجل .
قالت متلعثمة بقلق : أنه لا شـ....
قاطعها بغضب : لا , بالطبع أنه شيء مؤلم يدل على حدوث مصيبة..كل هذه الآثار عليك..!!
قالت بغضب أشد و عيناها تدمعان : هذه المصيبة لم تحدث...! لقد دافعت عن نفسي...
زفر غاضباً : كم من الأسرار تطبع على جسدك ؟!.
أحمر وجه الأميرة غضبا و أهانة و حزن و هي تسحب يدها بقوة و ترد و دموعها تسيل بلا شعور :
_ أتعجب من قدرة تبدل نفسك , لقد أهنتني...!
شد على قبضته الفارغة و صك أسنانه مرت دقيقة قبل أن يقول بهمس : اعتذر..
شهقت بصوت باكي وهي ترد : لو تدعني أرحل بعيداً.
تفاجئ و حدق بها قائلا : ماذا ؟! , لا ... قلت بأنك ستكونين في قصري !.
_ لا أريـد.. دعنـ....
قال يائسا بغضب : أني آسف جداً , لقد تفوهت بغباء... سامحيني.
كانت عيناه تلمعان في ضوء القمر بصدق... فارتجفت وهي تقول : حـ.. حسناَ..!
_ اعطني يدك أرجوك...
ارتجفت مجددا و نظرت في عينيه الساحرة و هزت رأسها بشكل خفيف رفضا مؤدباً..
فقال بهمس حزين : لن اسامح نفسي أن لم تعطني يدك الآن...
ترددت لثانية ثم مدت يدها بشكل يسير فمد يده كثيراً حتى أطبق برقة عليها و رفعها إلى شفتيه ليقبل جرحها..
شعرت بأن قلبها أخذ يقفز من مكانها ... أخفض يدها و ظل ممسكا بها وهو يقول بصوت حنون :
_ لم تخبرني أميرتي باسمها..
خجلت و قالت وعيناها على رأس الفرس : سأخبرك باسمي الأول فقط...
عبس قليلا لكنه قال : حسنا , لأنني اعطيتك وعداً.
_ آنـابيـلآ..
طرف بعينيه مرتين و قال مبتسما بسحر : جميـل جداً .
و كان ينظر نحوها متأملاً بشكل مهذب و عيناه تلمعان كالخيـال بكل صدق الأرض و حنانها و دفئها.. مرة ثانية حاولت أخفاء ابتسامتها و قالت :
_ جاء دوري لتخبرني من تكون ...
هز كتفه بلا اهتمام و قال : سأخبرك باسمي الأول فقط حتى لا تتكون بيننا عوائق الرسميات , نادني "أليكسس".
هزت رأسها وهي تهمس : كما تشاء.. أنني أكره الرسميات , أنها عديمة الفائدة و مليئة بالزيـف..!
ابتسم بسحر وهو يمسح بإصبعه على ظاهر يدها ...همس بلطف : معك حق , آنـابيـلآ...
همس باسمها و كأنه يجرب نطقه هكذا... فاحمرت وجنتا الأميرة و تنهدت بأسى.. كان يراقبها , قال بعطف : أنتِ مرهقة جداً , يمكنك أن تغفي قليلا قبل أن نصل..
همست و رجفة غريبة تسري : هل قصرك بعيد ؟!.
_ كلا أميرتي . سنصل قبل منتصف الليل , هل تشعرين بالبرد؟!
_ آوه لا.. أنني بخير. تمــــ الجـــزء : )) |