تلفه هالات عدة من الصفات ، إنسان يتخذ المثالية وجهاً أخر له ،
ذاك الوجه الذى يرغبه بإنهاء ما عليه من أعمال بسرعة وبإتقان . . الطموح ، المثالية في الدراسة ، المثالية في العمل ، المثالية في العلاقات الاجتماعية . .
لكن هذه المثالية لها حد ، فالحب الأول والأخير ، كان تجربة حياتية تبرهن حقيقة واضحة
" لن تطال أنامله المثالية في ثوبها الكامل فقط ليتخذها مهرباً " إنسان ذو رأس مكدود ، أقصر الطرق له لحل العقد تكمن في البحث والتنقيب
والإستنتاج بالإسترسال في التفكير ، حتى يصل لنتيجة مرضية !! كلاسيكي متناقض يفكر بإستراتيجيات لتطوير التكنولوجية المعقدة .
.فقط بطريقته الخاصة .
العمر لم يكن له ، لكن لماذا يعطى عمره لشخص أخر ربما هذا الشخص ،يستحق منه شطراً !!
ألأنه معطاء إلى حد أن يفعل هذا ! وأعظم ما ولد بهذا الإنسان منذ نعومة أظافره ،
شيء يسمى بالإخلاص ذو البصيرة . .
لنلقي معاً نظرى على بعض ما حدث في حياته ، لربما تكتمل الصورة
أو نستنتج شيئ !!
\
-25 يناير ، 2002-
[3:28 صباح الجمعة ، نيس ، فرنسا]
إسترسلت الدموع في الهطول من عينيّ
امرأة جميلة تقبع وحدها بمطبخ إحدى المنازل
ذات الطراز المميز . . ،
بينما تعلقت عينيّ أحدهم بالأرض في شجن شديد ،
ولكن سرعان ما شد على يده ووطأ أرض المطبخ في هدوء \
" أمي ، هل تبكين وحدكِ مجدداً ؟! "
مسحت السيدة الجميلة الدموع وإبتسمت إبتسامة باهتة . .
فبادلها كذلك بإبتسامة باهتة تختلط بحنان خالص . . .\ " أسفة حبيبي ، ولكنــ . . محاولة تفادى الأمر والتصديق بأن والدك رحل
لهو أمر عسير !
" هذا الشتاء كان أبرد من ما توقعت . ."
" أعلم ، أعلم بهذا أمى ، ومع ذلك . . أبى لن يسامح نفسه لو رأى حبيبته
التي عاشت معه إلى نهاية العمر بهذا الشكل الواهن "
أبعدت عينيها عنه وتخطت بناظريها النافذة لتنظر إلى السماء ، كأن زوجها
الفقيد يلوح لها من أعلى !! \
" هيلبرت ، سيأتى عليك يوم ما ستشعر فيه بأن أحداً ما إخترق حياتك
وأحدث خلل كبير في مشاعرك . .
عندما تلقاه أو تنظر إليه ، تشعر بشوق ، قلبك سيخفق بإضطراب ، إرتباك
عفوى لا إرادى ، لن تستطيع طرده من خاطرك وتشعر بسعادة من نوع جديد
تلتمس قلبك . . ، وتتعاظم كل لحظة
عندما تخوض أكثر بهذا ، وعندما تشعر بأنك تملك قلب ذلك الشخص . .
عندها ربما تشعر
بشتات غريب لن تمر به إلا عندما تخوض بشيء جديد عليك تماماً ،
إنه الحب يا بني "
\
كان يمتلك هيلبرت من والدته الشبه الأكبر ، فوالده كان ضخم الجثة
ذو خصلات بنية كثيفة إلى حد مميز ، إن وقعت عينيك على وجهه ،
تشعر بإنسان . .
لم توجد مهمة خطيرة أو إستكشافية مجهولة النتيجة ، إلا وقد جربها !!
أما والدته فكانت تمتلك خصلات شقراء داكنة قليلاً ،
طويلة بحيث أنها تصل إلى الركبة !!!
جمال هادئ ، عينين هادئتان . . شخصية طيبة تشعر بسعادة
كبيرة إذا ساعدت شخص ما على أداء مهمة مهما كانت بسيطة ، تحب أن تبتكر وأن تصنع أشياء جديدة . .
وأفكار جديدة بالنسبة لمجال الديكور والمعمار ، فهى في الأصل مهندسة
معمارية توقفت عن مزاولة المهنة بعد الزواج . . ، ورث عنها هيلبرت أغلب
الصفات . .
\
- 31 أغسطس ، 2008-
[1:15 بعد ظهر السبت، مارسيليا ، فرنسا]
ترجل هيلبرت من السيارة وأسرع بإبتسامة على وشك أن تغدوا ضحكة
إلى فتح الباب لوالدته ، وإنحنى لها \
" وصلنا إلى البيت الجديد بسلام سيدتى ، نرجوا أن تكونى قد إستمتعتِ بالرحلة . ."
وما إن ترجلت والدته حتى أسندها لتقوم بفرك خصلاته ضاحكة . .
وإتجه إلى السيارة حتى يأتي بالحقائب . .\
" من بين جميع المنازل والفيلات والقصور ، لم أجد أروع من هذا . .
كما أنه مناسب جداً
لطريقتى وطريقتك في العيش بسلام "
أطلقت ضحكة عقب الجملة الأخيرة ، وأردفت \
" ومع أننى قمت ببعض التعديلات هنا حسب طريقتى الخاصة ،
لكن القصر لم يتغير كثيراً
، أيضاً قررت أن تأخذ الغرفة المطلة على الفناء الخلفي. .
ستعجبك الغرفة كثيراً . .
أه ! لقد نسيت ، تعال معى لترى ورودى الفاتنة كيف أصبحت . . "
أكملا حديثهما المرح متوجهين إلى الباب ، هيلبرت يحمل حقيبتين كبيرتين
ووالدته تحمل الحقيبة الصغرى . .
\
[فجر الأحد ، 4:30]
كان يظن هيلبرت أنه سيستطيع النوم بغرفة أعجب
بها كثيراً وبما تطل عليه من حديقة
ذاخرة بورود الكاميليا اليانعة . .ومع ذلك ، لم ينم طوال الليل ، بالرغم من
أنه سيستيقظ غداً لأجل بعض المقابلات تمهيداً لدخول إحدى الجامعات
الداخلية ، التي وافقت عليها والدته بصعوبة بالغة . . فقط عليه أن يفي
بالشرط ، وهو أن يقوم بزيارتها كل يوم جمعة وأن يأتي في الإجازات . .
تقلب مراراً وتكراراً بفراشه بلا جدوى ، كم مقت وبغض تلك الليالى الفارغة !
وكما هجرت الأوكار من الناس ، هجرت عينيه من زيارة النعاس لهما ليلاً . .
سحقاً لهذا الرأس الذى هوى التفكر لليال طوال أكثر من أي شيء . .
لم يقترف غير مد جسده فوق الفراش ، وإغلاق عينيه ، يستعيد الأحداث
القليلة التي تتكرر تقريباً كل يوم ، يستغل فطرة هطول الأفكار الجديدة
وحلول لنظرياته ومعادلاته المعقدة إضافة لحلول بعض الواجبات التي لم
ينتهى منها ، تنثال على خاطره إعتقادات بأنه لو خلطنا مادة ما مع مادة
أخرى فيمكننا الحصول على مادة فريدة الخواص ، وفكر أخرى لخطط إختراع جهاز ما . .
سيقدمه لمشروع التخرج ، مستقبلاً ، طموح لأبعد حد مثل والده ، ربما هذه
الإهتمامات المستأثرة لديه والتي تملأ خواء تلك الأيام التي تمر ببطئ ، طويـــلة المدى . .
تعلق إنتباهه بالسقف حيث يتخيل لوحة ما يكتب عليها رموز وأرقام
مزدحمة ، وفى لحظة تعثر عقله وتعطل عن العمل ليفقد التركيز ، ويدرك أنه
على أعتاب صداع قوى ، أسيذوى أكثر من هذا !؟
نهض بسرعة وفرد جسده لأعلى ، تجول قليلاً ببصره حتى توقف عند النافذة
، تأملها أولاً ، باسقة تكاد تطال ارتفاع الأبواب ، لكن منتصفها الأعلى
إستتر خلف الستائر الشريطية المحببة لهيلبرت ، وأحس بفضول لمعرفة
كيف سيكون منظر أفياء النعيم السفلى بالحديقة
ليلاً ، حديقة وساعة إمتلأت بقوس قزح من الزهور ، وصفوف مستقيمة من
الورود ، وسور صغير يحيط بها من الفطر أحمر الرأس المنقط باللون الأبيض ،
وركن طويل زرعت به السيدة أكوانت صف من الماطم وصف أخر من القرع . .
تقدم إلى هناك ورفع الزجاج ، لم تنحرف عينيه يميناً أو يساراً . . فأول ما وقعت عليه أبصاره
كانت أنثى ، أو ربما شبح امرأة !!
ولكن لم يؤكد هذا ، فلم تكن شاحبة الوجه كالموتى ،
إنتصبت بأعلى شرفة بالقصر المجاور
كانت الشرفة بوجه نافذته ، لكنها لم تلحظه ، لأنه توارى خلف ظلام
الغرفة ، بل وكانت عينيها حالمة بأرجاء السماء ، مناجية ، راجية ، متعلقة
بلا حراك ، تجلس على سور الشرفة بثبات يمنعها من السقوط ، ترتدى
فستان أبيض كشف عن ساقيها ، داعبت الرياح خصلاتها الحالكة ، وما
تزال تداعبها . . كان أغرب ما يمكن مشاهدته فجراً !
\
[فجر الإثنين4:20]
هذه المرة تردد في أن يراقب الشرفة التي وجدت بها تلك الفتاة البارحة . .
كانت ليلة ماطرة شق فيها البرقبرعده سماء غاضبة كشفت أركان المجرمين
في مخابئهم مرتعدين بجنح الليل . .
تنهد ومضت ثوان صامتة نهض فيها وذهب للنافذة ، إتسعت عينيه قليلاً
وضغط بيده اليمنى على قلبه الذى ما إن وقعت عينيه عليها ، خفق بقوة . .
لقد إنتصبت تناجى السماء ، ترتجف ، غارقة من أعلى الرأس إلى أخمض
القديمن ، إلتصق الفستان بجسدها لتظهر كاملة الأنوثة ذات قوام فارع ،
لازالت مراهقة صغيرة . . جميلة
أدهشه أنها لم ترتعد من صراخ الرعد أو قرب البرق الذى يمكن أن يصل إليها
في غمضة عين !
\
-15 فبراير ، 2010-
ظل هذا النهار وحيداً في قصر بدون هيبة . . ، تركته والدته التي لم تفقد
الجمال الهادئ أو النشاط بالرغم من قرب نهايتها . . ، كانت ذاهبة لتشترى
بعض من أدوات ومستلزمات للزراعة ،
لقد غدت أفنية ذلك القصر ، كأنها قطعة
صغيرة من الجنة !
إستسلم مرة أخرى لمراجعة الدروس المقررة لإختبار هذا الشهر ، بالرغم من
مراجعته لها أكثر من عشر مرات إلا أنه غير واثق من أن المعلومات ثبتت
بشكل جيد . .
وأثناء إسترساله بالمراجعة وربط الخيوط ببعضها لتثبيت المعلومات
وفهمها أكثر . . تهدم كل شيء أمام صوت طرق الباب ، أسرع لأسفل ، \
هيلبرت\ إشتقت لكِ أمــ . . .
" مرحباً "
تفاجئ !
" صباح النور "
لم تسع السعادة شفتيه . . ولم يفهم ما الذى يفعله . . لطف زائد ،
في مواجهة برود
" من فضلك أن تخبر السيدة أكوانت بأن عمتى هيذر تدعوها لتناول الشاي هذا المساء "
" لا تقلقى عزيزتى ، سوف أخبرها لأجلكِ ، وعد "
رمقته بنظرى وقحة ، وإنصرفت كالجنود في مشيتها !!
أطلت ! وإتسعت عيونه بالبداية ولكنه إبتسم ، لم تسع الإبتسامة قدر
السعادة لرؤياه تلك الفتاة ، التي كانت تقف كل فجر بالشرفة تناجى
السماء ، منذ أول مرة . . ، لم يترك فجراً إلا وتأملها فيه منذ أن تستيقظ
وتناجى السماء ، حتى تغفل وتعود للداخل . .
لم يشعر إلا برغبة في الضحك على تلك المشية ، ظل منتصباً عند الباب
حتى بعدما إختفت ، وفاجئته والدته قادمة بالسيارة . . وصلت !
. . .
تسائل كثيراً . .
لما تناجى تلك الصغيرة !؟
أصبح الأن لديه إهتمام أخر ، مراقبتها فجراً ، وحينما تخرج إلى البيت الشجرة مع أصدقائها
عندما كانت تنتبه وتنظر إليه كان يلوح لها بإبتسامة عريضة ، ويتلقى الرفض !
\
[2:00 ظهر الخميس ، 20 فبراير ]
"بحق الجحيم ما الذى حدث الأن . ."
" أوه ، أنا أسف لقد كنت مسرعاً وإستضمدت بك من غير قصد "
" ياله من نهار تعيس ! "
وإنخفضت لتلتقط كم الكتب الذى إحتوى فروض وواجبات منزلية تتطلب
أسبوع لإنهائها !
" إسمحى لي يا . . . مارسيلا اليس كذلك ؟ "
" أجل ، إسمى مارسيلا ،
من فضلك لا تنطق به كثيراً حتى لا يبتذل أكثر من هذا "
إلتقط الكتب ومازالت الرغبة في الضحك تراوده ، تبدوا صغيرة متمردة
ظريفة عندما تغضب ويبرز مقوم الأسنان البلاتينى ، تحاول أن تثبت قوة لم
تجمعها بعد !
" مهلاً ما الذي . . . .؟ "
" لقد إقترب المنزل ، دعينى أحمل قسطاً من الكتب ولأوصلك للمنزل "
" سحقاً لك أيها النهار التعِس "
وكالعادة يكتم ضحكاته لألا تثور أكثر من هذا ، مشيا بالطريق ، ما أطاله
وهو القصير ذلك الصمت الذى رغبته مارسيلا ، عابسة ، سريعة الخطوات ، عنيدة !
" إذاً ، في أي صف أنتِ مارسيلا ؟ "
"ولِم عليّ إخبارك ؟ "
" لأننا جيران ، هل يكفيك السبب أم أعطيك المــ . . . "
" الأول المتوسط "
" أه ، رائع إذاً هل تحبين الكيمياء أم الفيزياء أكثر "
وإنفلت منها الكلام :-
" لا أحب أياً منهما ، لا أحب العلوم ، على أي حال إن بقائى بالمعمل لحصة واحدة
يشعرنى بالمرض ، المواد الكيميائية ، أعتبرها لى ، عداتى بلا شك ! "
وكان أخر ما قيل أثناء سيرهما ،
إلى أن وصلا لقصر أيرسون المجاور لقصره ووالدته . .
" صباح الخير مارسي ، صباح الخير عزيزى هيلبرت . . ،
أظن أنكما إلتقيتما في الطريق "
" عمتى أفسحى لى الطريق أشعر بالعطش . . "
ورمقتها بنظرة غاضبة أسكتتها على الفور . . \
" تعال لتستريح قليلاً ، أيضاً لدى شيء لوالدتك العزيزة
أوصله لها من فضلك "
" شكراً لكِ سيدتى ، نحن محظوظون بجيران مثلكم ،
بالمناسبة كيف حال الجدة ستيفانى "
وقهقهت بلطف \
" إنها بخير ، بل بأفضل حال ، هيا تعاليا للداخل . . "
حملت الكتب عنهما وسبقتهما للداخل ، وعندما تقدمت مارسيلا إلى الداخل
خطوة واحدة ، أمسك بذراعها بلطف ، إندهشت من هذه الجرأة ، بل
إستغربت عينيه التي تفيض بحنان مفتقد كثيراً \
" إنتظرى من فضلكِ "
تلفتت إليه ، تحاول أن تتمسك برباط جأشها \
" ماذا تريد . . ؟ "
" لقد أحضرت لكِ هدية . . "
" بأى مناسبة ، وهل تقرب لى لتهدينى هدية ؟ هل جننت يا سيد ؟ "
سمح لنفسه بالضحك هذه المرة إنحنى إليها \
يالك من عصبية ، بدأ يلعب بكلتا وجنتيها كالأطفال ، ليبرز مقوم الأسنان ،
إحمرت كلتا وجنتيها غضباً وخجلاً ، ليفاجئ بصفعة تلقاها من مارسيلا !
خذلت نفسها ، وأحست بأنها خذلت السماء ، تراجعت ، هربت لغرفتها إلى فوق . .
يتبعها بعينيه الحائرتين . .
\
[3:52 فجراً]
هذه الليلة ، ندمت ، بكت ، خجلت من ملاقاة السماء
لكنها إكتفت بأن تجلس على الأرض بإحدى زوايا الشرفة ، ضمت كلتا قدميها . .
" أسف لكِ مارسيلا ، يبدوا أننى تدخلت بما لم يعنينى قط "
وقرر ألا يراقبها مرة أخرى . . وعاد ليتوسد ذراعيه نائماً فوق المكتب . .
\
[6:12 صباح الأحد]
" أنا أسفة ، سامحنى على واقحتى . . يا ، هيلبرت اليس كذلك ؟ "
لم يجيبها إلا بالإبتسام ، إلتقته مارسيلا متعمدة قبل أن يذهب للمدرسة ، لم تلقى بالاً
بباص المدرسة ، بالرغم من أنه شعر بالرضا على نفسه
ولم يتراجع كذلك في قرار ه
أحس بــ "شخص إقتحم حياته " تذكر ما قالته له والدته كلمة كلمة
وحار فيه فهم مارسيلا ، عندما ظل صامتاً ، زفر بمغزى غير مفهوم . . وتقدم
إليها وإنخفض قليلاً \
" أجل ، هيلبرت ، هيلبرت أكوانت . . ، أشقاء ؟ "
ومد لها يده ليصافحها فإبتسمت أول إبتسامة لهيلبرت ،
تلك التي يراها كل صدفة الأن
" بالطبع أشقاء "
وصافحته ، كأنما إتفقا على معاهدة سلام أبدية ، أخرج هيلبرت من جيبه ،
التميمة التي كانت تلك الهدية ، فبدلاً من أن يقول لفتاة صغيرة أحبك !
فضل أن يتوارى خلف قناع الأخوية الكاذب ، وأن يبقى معها ذكرى صغيرة . .
إحتفظت بها مارسيلا حتى الأن ، لم ترتديها غير مرة واحدة ، ليلتها فجراً
وأبقتها محفوظة إلى الأن بقصر أيرسون " القديم " بمارسيليا !
\
[3:00 عصراً ، الأول من يناير ، 2012]
" مارسيلا ، مارسيلا أخرجى "
أطلت مارسيلا من النافذة الصغيرة ببيت الشجرة ،
لتجد هيلبرت المنادى يقف بالأسفل . .
وعفوياً همست بصوت مسموع لم تدرك أنه وصل إليه \
" تباً لك كم أنت وسيم !؟ "
ونزلت إليه \
" هيلبرت ، كيف الحال معك سيد عبقرينو ؟ "
يضحك ، ومرة واحدة تنقطع الضحكات ويعبس شيء فشيء ،
ويبتسم شيء فشيء برضا !
لم تكن مارسيلا بهذا القصر لينخفض إليها هيلبرت ،
كبرت وأصبحت طالبة ثانوية
وبلغت الــ -خامسة عشر-
أما هيلبرت فقد تخرج السنة الماضية وحصل على فرصة مذهلة
للعمل مع كيث أيرسون !
هذا ما أخبرها به ، وهذا ما بدد الإبتسامة الملائكية بثغرها الرقيق . .
" ولكن أين قابلته ؟ "
" لقد كان يأتي ليلقى بعض المحاضرات بالجامعة كمتطوع "
" وإلى أين ستذهب يا هيلبرت ، هل ستبتعد عن مارسيليا ؟ "
لو لم يسيطر على نفسه ، لأخذها من يدها
وشدها إلى حضنه الذى لم يبرد يوماً . .!!
" مارسيلا ، أرجوكِ ، لا تبكى ! ، سأكون قريب ولن أبتعد ، سأستأجر شقة
صغيرة بباريس ، وسأعود إلى هنا لزيارتك وزيارة والدتى ؟ "
\
. . . . . . تسللت لأسفل ، إستغلت أن الجدة نائمة ، والعمة هيذر تتناول
الشاي مع السيدة أكوانت بالردهة الصغرى . . كانت تود الذهاب لبيت
الشجرة ، حيث أنها إتفقت مع هيلبرت أن
يجتمعا لمرة أخيرة ببيت الشجرة خاصتها . .
ومع ذلك كانت معاقبة من عمتها . .
حيث أنها تشاجرت مع عمتها بخصوص العلامات المتدنية التي بالكاد
حصلت عليها بمادة الكيمياء !
وبلحظة خفية صدمت من ما إلتقطته الأذن اليسرى من غير قصد \
" . . . ولم ينتظر أن أودعه بنفسى ورحل تاركاً رسالة لم يمهلنى فيها حتى إلا
بع كلمات بسيطة سأجن من تصرفات هذا الشاب ! "
" لم يخبرنى أخى بأنه أتى لمارسيليا أستغرب عدم زيارته لى ولأمى ؟! "
" يمكننى أن أبعث لهيلبرت رسالة منكِ حتى يخبر كيث بأن يأتي لزيارتكم "
" أشكر لكِ معروفك صديقتى ، ولكن أين يقطن بالظبط ؟ "
" أخبرنى بأنه وجد شقة مناسبة مطلة على نهر السين بباريس . . "
عادت مارسيلا أدراجها لأعلى ، إنفعلت بطريقة مبالغ فيها من أجل علاقة بسيطة
جمعتها مع إبن الجيران العبقرى الفذ ، الفريد من نوعهه بهذه الدنيا !
أغلقت الباب بالمفتاح والقته على الأرض بعنف ، والقت نفسها بعنف على السرير ،
لم تصرخ أو تلقى بالوسادة بل إكتفت بأن تبللها بقطرات دموع ملتهبة !
" ذهبت من دون أن تودعني يا هيلبرت ! "
ومع ذلك ، نفذ هيلبرت وعده وأتى لزيارتهم ، ثلاث مرات فقط . .
كانت الأخيرة عندما توفيت السيدة أكوانت ، ودفنت بجانب هوجارث أكوانت
كانت ليلة صعبة ، عندما أتى مسرعاً من باريس لمارسيليا بعد أن راسلته
السيدة هيذر ليحضر . .
حتى تراه والدته المريضة ! ، ظلت والدته تصارع المرض ليالٍ طوال ، وتهذى
إعتنت بها السيدة هيذر أما مارسيلا فأطرت أن تبقى بجانب جدتها ،
ومع ذلك تذهب لتطمأن على والدة هيلبرت وتساعد عمتها إذا إحتاجت . .
وقبل أن ترحل والدته عن الدنيا تماماً ، ببضع دقائق طوال ،
كانت السيدة هيذر بجانبها تطمأنها على هيلبرت
الذى وصل قريباً من القصر وأخذ يركض حتى يستطيع أن يلحق بعض
الدقائق من حياة والدته التي إنتهت قبل أن يصل . .
شاهدت مارسيلا عمتها من النافذة تحتضن جثة الفقيدة وتبكى . .
كانت ساعتها ببيت الشجرة ، تبكى هي الأخرى ، وعندما شاهدت هيلبرت
يركض من بعيد ليصل إلى والدته ، والسماء شاركتهم ليلتهم التعيسة
بالمطر ، نزلت بسرعة . .
وتقابلا للمرة الأخيرة سنة 2012 تلك الليلة . .
عندما غرقت أجساد القليلين في الشارع الذين يفرون من تحت سماء
باكية،تسللت إلى أجسادهما المياه . .
تنتصب أمامه وعينين ذات شجن يفيض، النظرات فقط تترجم ،
والدموع إختلطت بالمطر . .
الشارع هجر من الناس وقتها ، ولم يبقى سواهما . .
" لقد . . . . ماتت ! "
وركضت إليه لتضمه وتبكى على صدره المتألم . .
كانت أعظم سيدة حتى أخر لحظة من العمر . .
[10:00 ، 31 من يناير]