[ محاولات للهروب ! ]
لا تدري أبداً لماذا يراودها الشعور بالقلق الرهيب مما سيحدث ... قرارها سيحدد أشياءا كثيرة ... و شيء واحد محدد سيتضح لوالدها عندما تقر بالجواب ...
أنه لا يريدها أن توافق لأن سعادتها أهم شيء بالنسبة إليه الآن ...
مالذي سيحدث ؟ الأميرة تكاد تموت توتراً ... أمير احلامها لم تعد تستطيع استدعاء صورته لعقلها .... ولم تعد
متأكدة مما سيحصل
عندما حل المساء , كانت الأميرة "مارسيلين " قد تأنقت و سلمت على زوجة والدها الملك "كاميلا" التي كانت سعيدة حقاً برؤيتها وهي امرأة عطوفة جداً ... فشعرت الأميرة بالدعم و سعدت بها ... رافقت أباها للقاعة الكبرى حيث الحفل قد أقيم ... و القاعة مزينة بأبهى زينة و الموسيقى الرقيقة تصدح و هناك من يرقصون...
عندما دخل الملك مع ابنته توقف الجميع و انحنوا احتراماً و وقف الوزراء و المساعدين ... و أجلس الملك مارسيلين بجانب الملكة و جلس هو ثم جلس الجميع و اكملوا احتفالهم ... و تقدم الكثيرون للتحية و السلام ...
قالت الاميرة بقلق في نفسها " أنهم فرحون جداً لتقدم الخطبة , لكني لم أوافق بعد ... ماذا سيحدث الآن ..! "
و استرقت النظر إلى والدها .. ثم نظرت إلى الملكة التي تبسمت لها بحنان و كانت الوصيفات يقفن خلف كرسيها قرب الستار و خلف الملكة للخدمة ... تناولت مارسيلين العصير و هدأت من روعها .. ثم استرقت النظر مجدداً للملك .. كان يتكلم مع وزيره الأول و لم ينظر نحوها... فكرت بهدوء بعدما توافق على خطبة "ترافيـس" سوف يبقيها والدها عنده ... لكنه قال بأنها ستعود للبرج بغض النظر عن جوابها ! .. إذن لا حل آخر سوى الهرب...
و فجأة عالى صوت الأبواق عن قدوم شخص مهم !!..
و دخل شاب وسيم الملامح أسود الشعر هادئ النظر و يبلس زي أميري فخم جداً و سيف طويل في حزامه وهو يلقي بالنظر أولا على الملك ثم يساراً حيث تجلس مارسيلين و الملكة... صمت الجميع ... و تقدم الأمير "ليلياك" بثقة ... ثم انحنوا برؤوسهم تحية له و دخل من خلفه اربعة فرسان توقفوا قرب الأبواب ...
قال بصوت جهوري و ابتسامه ساحرة : عمتم مساءاً جميعاً , مولاي الملك , مولاتي الملكة... وأختي الأميرة !.
تبسم الملك برزانة و الملكة ابتسمت بكل حب إلى ابنها .... بينما رفعت "مارسيلين" كأس العصير إلى فمها وقد ارتاح قلبها لرؤية أخيها الغير شقيق.... لقد أتى بالرغم من كل شيء... لكن , أين زوجته ؟!.
انحنى إلى الملك وهو يصافحه ثم قبل يدي والدته و اتجه إلى مارسيلين وقفت وهي تحييه برقه .. قبل يدها وهمس لها بابتسامه : أكل شيء على ما يرام ؟!.
همست ضاحكة : تقريباً .
"فتاتي الصغيرة , تبدين جميلة , لكن سيكون كل شيء رائعا لو... ظهرت بعض الشياطين الليلة ".
ردت ضاحكة بعجب : ماذا تقصد ؟!. – هي دوما تعرف ليلياك مع أنها تراه قليلا لكنه متهم جدا بها وهو ... حسنا شاب شقي و تدور بعقله دوما الأفكار الغير رصينة لتسوية الأمور الصعبة !.
هي لا تزال ترى ترافيس أميرها الوحيد وتنتظر هذه الليلة بفارغ الصبر... كما أنها وعدت والدها بحسن التصرف !...
قال بغموض : اختى الصغرى ! , أنت ترين بأن والدنا ينتظر شيئا ليحدث !... هناك أمر مريب !.
بالطبع هنالك شيء مريب ... شعرت مارسيلين بهذا منذ أرسالها للبرج !!.. لكن غضبها شديد و هي تعجز عن التفكير بصفاء ...
قالت الملكة برقة لهما عندما لاحظت طول سلامهما : عزيزي أتخذ مكانك ...و دع أختك ترتاح !.
رفع حاجبيه و همس وهو يلتفت : سأكون بصفك دائماً...
و عندما بدأ الرقص اصطحب الملك ابنته لمنتصف القاعة و افتتحوا الحفلة و فجأة ظهر الأمير "ترافيس" , شعر داكن و عينان عسلية و قامة ممشوقة ... و انحنى للملك ثم استلم يد مارسيلين المذهولة ... ظلت تنظر إليه غير مصدقة ... ابتسم لها و قال : كيف حالك ؟!. تبدين لي قلقة .. لا تفعلي عزيزتي.
قالت بخفوت : آوه . أنا بخير . كيف حالك أنت ؟!.
" سعيد جداً , والدك اعطاني موافقته المبدئية .. و سيقام زفافنا في قصر والدي الكبير ... "
حدقت به بتوتر... لقد قرر بعقله أنها موافقة و هي فعلاً موافقة تقريبا قبل أن تسمع كلمات أخيها الغامضة... قررت أن تمثل البرود ... تبادلت معه بعض الكلمات المؤدبة و الأحاديث العادية لكنه يصر على الدخول في ترتيبات الزفاف ...
" أعلم بأنك تعشقين الكاميليا الحمراء , لقد أمرت بزراعتها في الشمال منذ شهر .."
"آه حقا ؟! , شكراً لك..."
و تلفتت حولها بشكل بسيط , رأت أخيها فجأة واقف يتحدث قرب شخص مختفي تقريبا خلف ستائر ثقيلة ذهبية في آخر القاعة .. و كانت تود أن تكلم أخيها بسرعة ... لقد ذكرت أمه شيئا على أنه سيغادر قريبا جداً قبل انتهاء الحفلة لأن زوجته في بداية حملها وهو يريد البقاء معها... سيسافر بعيداً....
و نجحت أخيراً وهي تعتذر من ترافيس كي تحدث أخيها متحججة أنها لن تراه إلا بعد مدة طويلة...
رفعت ثوبها الحريري قليلا وهي تتقدم من خلف أخيها ... همست : ليـلياك ؟!.
فلتفت إليها بهدوء مبتسما بينما هي صدمتْ من رؤية الشخص الذي يتحدث معه... كان ..
....فارساً ربما لكنه مختلف جداً .. بلباسه الأسود الثقيل و قفازاته السوداء الطويلة وسيف في حزامه العريض ... لم تظنه فارس بل محارب ما ... و فوجئت بوجهه الوسيم الملائكي .... شعره بلون الليل و وجهه شديد البياض و الصفاء , لكن عيناه لأول مرة ترى عينان بلون البنفسج ... كانتا بنفسجيتا اللون عميقتا النظر و بعيدتان جداً و كأنه عليهما طبقة من ضباب لم يكن ينظر إليها و لم يطرف و بدا عقله بمكان بعيد...
أن سألها أحد أن كانت قد رأت ملاكاً سوف تجيب بنعم ... فالشخص الذي أمامها لا يبدو من هذا الكوكب... شعرت بقوته الهائلة الساكنة و هو طويل جداً ربما أطول من أخيها المقاتل المعروف .. وملابسه تخفي عضلات ضخمة ... لكن مع هذا يبدو خفياً كالأشباح , لم هما مندسين هنا خلف الستائر ؟!...
و لاحظت شيئا بنظرته ... كأنها زجاجية لا تراها ! , أنه حقا لم يطرف و لم ينظر إليها .. و شفتين الحمراوين رقيقتين و مطبقتين بشكل هادئ و لم يبدو عليه التوتر ... كان ساكنا للغاية ... كهدوء الليل الغامض...
بعدها انحنى ببطء و غادر كالسحر لم يحييها و لم ينظر نحوها حتى... أنها حقا لم تقدر على النطق عندما رأته...
" إذن عزيزتي ما كنت تريدين ؟! ".
سألها أخيها بقلق وهو يرى وجهها المصدوم... طرفت بعينيها الخضراء كثيراً و قالت بخجل : آسفة على مقاطعتك...
" لا بأس .. آوه ".
وهو ينتبه إلى أن الفارس قد غادر... نظر إلى اخته مبتسما بغموض ...
سألته وقد نسيت ما جاءت لأجله : من .. هذا ؟!. فارس؟ !.
توسعت ابتسامه وهو يرفع حاجبيه : أنه فارس نعم و كنت نتكلم عن أمر ما , دعك منا . كيف حال خطيبك؟ .
قالت مارسيلين بضيق وهي تضم يديها معاً و تنظر حولها : أشعر بالتعب , و لا استطيع التفكير . هل تأخذني معك ؟!
صدم منها ثم قال بحزن : آوه مارسيل الصغيرة . ليتني أقدر . لقد تشاجرك مع والدك حتى تسكنين عندي لكنه يرفض ان تبتعدي عنه !.
قالت بيأس : لا . أنا تحديداً أريد الابتعاد عن كل شيء... حتى أن "ترافيس" يغيظني !.
توسعت عيناه لكنه ليس متفاجئا جداً . أمسك بيدها و قادها إلى كرسي , قدم لها كأسا فاخراً من عصير بارد .. و قال بخفوت : مالذي قاله ترافيس لتحزني هكذا ؟ !.
" أنني ليست حزينة بل مغتاظة ! ... قالت بعبوس ... " وهو يخطط لكل شيء ثم يأتي ليقول لي...! "
" لكن مهلاً أنتي لم تعطيه كلمتك حتى الآن ."
" قال بأن والدي اعطاه موافقته المبدئية !! "... قالت مارسيلين و عينيها الخضراء تلمعان بالدموع !.
قال ليلياك بهدوء : عليك التماسك اختي الملك قال له هذا فقط لأنه لا يعلم ما تريدين قوله و القرار النهائي بيدك أنت فقط, اخبريه بأنك تحتاجين لوقت حتى ترتاحي و تخبريه برأيك بهدوء...
قالت مارسيلين بضعف : لكن... لكن... لا أقدر , سوف يشك و .. يحزن...!
رفع ليلياك حاجبيه ببرود و قال : من الأفضل أن يحزن هو وليس أنتِ , هل تريدين مني أن أكلم والدك ؟!.
قالت بسرعة و قلق : لا... لا تقل شيئا له .. – هي تعلم بأن والدها يحب ليلياك كأبن له تماما , لكنهما يتشاجران حقا !!
"آوه مارسيل ! , لا يمكنك أن تقبلي هكذا وأنتِ مشوشة ! اقترح بأن تجلسا و تخبريه بكل صراحة بأنك متعبة و لن تقولي شيئا اليوم !."
" لكن.. الجميع ينتظر و أبي ... و الحفلة كلها لأجل هذه الكلمة الغبية !.
قال ليلياك بتفكير متمرد : أتعلمين , بدأت أفكر جيداً باقتراحك بأن أخذك معي !!.
قالت بأمل وهي تشد على يده : نعم , أرجوك لنهرب...!!
قال مستاءً : لكن مارسيل نحن لا نريد الهروب !.
" آووه ... ما هذه المشكلة ! " فكرت مارسيلين بيأس أشعر بأن أفكاري قد اختلطت تماماً و تشوشت أكثر عندما ... آه عندما رأيت ذلك الغريب الذي يتحدث معه أخي ...!! , تبا يجب أن أقرر تأجيل الأمر ... و سأخبر ترافيس بكل رقة و سيتفهم... و ان استدعى الأمر سوف.... أقوم بالخطة البديلة ... آخ لكن والدي يراقبني بعينين كالنسر و أنا مع ذلك الأمير ! ".
و نهضت وهي تقول لأخيها بجدية : سأرتجل !
_ هذه اختي .. آه مهلا ماذا ؟!..
ابتسمت له وقبلت وجنته وهي تقول بنعومة وعيناها الجميلتين تبرقان : شكراً لك أخي , أنا سأفعل ما يجب علي فعله !.
ضحك بسعادة و قال بمرح : هذه النظرة تعجبني , أتمنى لو أبقى لنهاية السهرة , لكني سأغادر الآن ..
و عانقها برقة و قبل جبينها ثم قال : سأودع والدتي و الملك و أغادر .. أنا مطمئن عليك لديك حراسة صحيح؟ .
قالت فجأة وقد تذكرت "سيدريـك" : آه أجل ...
و تلفتت حولها تبحث عن المحارب الفولاذي الأسود ... لكنها لم تره ... و شعرت بتوتر غريب...
غادر أخيها وهي سارت إلى حيث يقف الأمير "ترافيس" مع بعض الأمراء و الأميرات يتحدث بكل ثقة...
قالت من خلفه بنعومة يعدما تمالكت نفسها : ترافيـس !.
فلتفت إليها و اعتذر من الجمع بلباقة وهو يمسك بيدها قال بمرح : رقصة آخرى ؟!.
_ آوه لا ... دعنا نتمشى تحت النجوم !. " قالت بنعومة وهي تطرف بعينيها ..
ابتسم بسعادة وهو يهمس : يبدو هذا أكثر من مناسب لنا .
و شعرت بأن والدها الذي يجلس على عرشه يراقبها بدقة ... و ألقت نظرة سريعة إليه .. و كان عابساً...!
ثم التفت لشخص ما يقف خلف الستار و أشار بيده ذات القفاز الأبيض... شعرت الأميرة بأن هنالك مؤامرات خفية تدور !...
|