\\[ سراج من الحقيقة ! ]//
كان الصمت يطبق على كل شيء , و أنفاسها قد هدأت بمرور الدقائق الطويلة .. الظلام ساكن لا يتحرك وقد احتل المكان بكل سرور , عضت شفتيها و هزت رأسها من تفكيرها الحانق و الحاقد على كل ما يحيط , لعبت بأصابعها بارتباك فوق حجرها و هزت شعرها الأسود المظلم مجدداً .. لمعت عيناها الخضراوان الجميلة وسط الظلمة وهي تعبث بعبائتها لتخرج لفافة الورق ...
نهضت لتمشي حافيه على أطراف اصابعها نحو النافذة المقوسة و ببطء و حرص شديد ثم جلست على حافتها و فضت اللفافة لتقرأ على ضوء القمر الشاحب خط رقيق لموعد و مكان سريّ ... ابتسمت بخطورة و قررت بنفسها كل القرارات نهضت مجدداً و لفت نفسها بالعباءة و شدت حزامها حول نفسها لبست جوارب طويله و قبضت على حذائها بيديها...
راقبت الممر و الدرج ! , و تعجب ! أين الحارس ؟!. نظرت مجدداً في الظلام مدققة و مركزة لكنها لم ترى سوى زاوية مظلمة ...!
فتحت الباب بحذر, نزلت الدرجات بخفة وبطء أولاً ثم أسرعت الخطى .. و أسرعت أكثر وهي تلتفت كل هنية لترى هل الحارس خلفها .. لكن ليس هنالك من أحد...!
قالت بنفسها بإصرار " هذه فرصتي الوحيدة للهرب .. ذلك الحارس ليس هنا , والمكان غير بعيد ... لكن ترافيس سيأخذني معه بعيداً حيث السعادة... ".
مشت في الظلام بين أشجار الغابة و ضوء القمر يسوقها و أحيانا يتلاشى بسبب الغيوم الخفيف ... ظلت تسير بلا كلل و عبق الحرية يملء صدرها و روحها فشعرت بالسعادة حقاً و أن مافعلته هو الصواب الحقيقي .
توقفت قرب نهر صغير و رأت ظل واقفا و حصاناً هادئا بجانبه .. فاقتربت اكثر و عرفته ... أنه خطيبها !.
التفت إليها وضحك وهو يمد ذراعيه يناديها , فأسرعت "مارسيليـن" إليه بلا انتظار و تعلقت به و كأنه طوق نجاه .. قال الأمير غير مصدق :
_ " لقد أتيت يا عزيزتي ! , ظننتك لن تتخلصي من حراسك ! , آه كل هذا لأجلي ".
ضحكت برقة وهي تجيبه : بلى فعلت , و أنا أريد أن نذهب من هنا بسرعة ".
كانا متماسكي الأذرع و متعانقي النظرات وسط نسائم الليل التي تحرك ثيابهم , سألها باستغراب : لكن قدمتِ مشياً على قدميك ! ,من أين أتيتِ يا عزيزتي ؟! ".
_" مكان قريب , هيا لنبتعد من هنا قبل أن يعلم الحارس.. ".
_" حسنا لنركب الحصان.. وبعدها ستقصين علي كل شيء...".
ساعدها لتجلس خلفه وانطلقا نصف مسرعين داهم الأميرة النعاس و قد نسيت و تجاهلت كل شيء عن ماقد فعلت , أو ما يمكن أن يحدث معها و يمس سمعتها , لكنه خطيبها وسيبتعدون فقط عن اولئك الناس الذين يفرضون سلطتهم عليها خاصة ويحبسونها فوق أبراج بدون أي سبب واضح ...
ولكن فجأة اهتزت الصورة الباهتة لعينين بنفسجيتين ينظران بعيداً , فتحت مارسيلين عينيها بقوة و اهتاج الحصان بعنف ... صرخ الأمير "ترافيـس" يهدأه لكن السهم الذي مرق بسرعة البرق سبب خوفاً كبيراً للحيوان ..!
لم تقدر الأميرة على التمسك جيداً وانفلتت يداها فسقطت عن ظهر الحصان لتتكور على الأرض وهي تصرخ ألماً ...
_ " مارسيــلين ! ".
قفز الأمير عن حصانه الذي فر بعيداً وركع بجانبها , أخذ يهدأها و يتفحص أن كان قد أصابها مكروه .. و لكن الأميرة نظرت خلفه فزعه وهي ترى مجموعة كبيرة من الفرسان على خيول سوداء أحاطوا بهم ... وقائدهم أمامهم كلهم بأقنعة غريبة على وجهوههم ... أشار عليهم و بدأ الهجوم ...
لكن شيئا لم يمسهم .. كان الأمير الشاب قد تجمد مصدوماً لا يدري مالذي يحدث ... كان هناك حصان كبير مدجج بالدروع ,حارس الأميرة يمتطيه بمهارة بيد واحدة وأخرى ممكسه بالسيف الكبير الذي يصد أي شيء يقترب ...
نهضت مارسيلين يساعدها الأمير وهما يتراجعان ببطء و خوف من كل الغبار الذي بدأ يتعالى و أصوات السيوف و الأحصنة القوية ...
_ " تبا ! , مالذي يجري ؟! , ما هؤلاء الفرسان ؟! ".
مؤكد هؤلاء الفرسان الذين يريدون القضاء على الأميرة ... ومن يرافقها ...!
رأت أجساداً تسقط صرعى على الأرض و دعت بقلبها ألا يصيب "سيــدريك" مكروه !.
اقترب منهما الحارس فوق حصانه , قفز منه و أمسك بالأميرة بلا انتظار و أركبها فوقه , ثم أمسك بالأمير أيضا و ساعده بسرعة على الصعود ...
ظهر صوته الأجش العميق من خلف القناع يقول بوضوح :" إلى خلف النهر , و سألحق بكما...! ".
انطلق الحصان دون أن ينتظر من أحد أن يشد لجامة و التفتت مارسيلين تنظر للحارس الذي يسقط الفرسان بقوة من أحصنتهم و قدميه ثابتتان على الأرض كأنها الجبال ... كان يمسك بيد و يضرب بأخرى , حتى الأحصنة توترت منه و فزعت ...!
قال الأمير متسائلاً مذهولاً من خلفها : من يكون هذا ؟!.
ردت بحرارة وخوف لا تدري مالسبب : أنه ... الحارس , الذي كان معي..
_ أنتِ لم تقولي شيئا بأمره ! , كان بالأمس في حفلتنا... لماذا لـ....
قاطعته بتوتر : أرجوك !, ترافيـس , لنتحدث لاحقاً..
قفز الحصان مرتين فوق الحشائش و عبر الجسر الضيق عند النهر .. وظل يركض تارة و يهرول تارة أخرى هذا الحصان الذكي يعرف تماما إلى أين يذهب , حتى قرب الفجر ثم توقف الحصان من تلقاء نفسه قرب كوخ مخفي بين أشجار ضخمة معمرة .. فترجل الأمير و ساعد مارسيلين على النزول ...
فجأة خرج من باب الكوخ , شخص ما قصير القامة قليلا و هرع يركض نحوهما .. كانت هي العجوز , السيدة "تالين"
_ " يا ربي الرحيم !! ".
أمسكت بـ الأميرة و عانقتها قليلا , ثم عنفتها بقوة وهي تشد على ذراعيها : أي جنون تمتلكينه أنت !! , يا ألهي لو يعلم الملك !! , يا ألهي لو يعلم القصر بما تفعلين !! , أتهربين هكذا و معك هذا الأمير أيضا ؟! , مالذي كان سيحدث لو أن سيدريك لم يلحق بكما !. كانوا هناك اؤلائك الشياطين ... عرفوا مكانك ! , لكنك ستبقين هنا أكثر أمانا وهذا الأمير سيعود لقصره قبل أن تنتشر الفضيحة !!.
قال الأمير ترافيس بصوت متوتر : من كانوا ؟! , وماذا يريدون ؟!. ألهذا تختبئ مارسيلين في....!
_ هلا صمتْ !! , أنت تفضح كل شيء !!. يجب أن تغادر الآن , هنا حصان آخر خذه وغادر لمملكتك قبل أن يعلم أي أحد...
عندها تبادل هو و الأميرة نظرات عميقة , فقال لها بهدوء و نظرته غريبة : لم أكن أظن بأنك مطاردة هكذا , وهناك عصابة تريد قتلك , تلك الأشاعات لم تكن كذبة ... لقد ... خبئت الحقيقة عني مارسيلين , كيف تفعلين هذا ؟!.
حدقت به الأمير مصدومة ومذعورة بينما شكلها يثير الشفقة مشعثة و مرهقة ..
قالت بتعب : عن أي شيء تتحدث ؟! , أنا نفسي لم أكن أعلم لقد....
همس بهدوء : هذا يكفين أنا كنت أظنك بالقصر ! , كنت أظن بأن منعك من رؤيتي هي ألاعيب الكبار فقط !!. لم أتخيل كل هذا... سوف أغادر مارسيلين, و.... سوف نتحدث لاحقاً لا أدري متى ...
و التفت ثم غادر ببطء نحو حصان مربوط بجانب الكوخ ... صعده و غادر سريعا في طريق بريّ ... وكان الظلام لا يزال يحيط بالمكان .. شعرت الأميرة بالبؤس ... فجلست أرضا على العشب وهي مذهولة لا تقدر على التصديق ....!!
هل ذهب قبل قليل خطيبها ... الذي خاطرت و هربت لأجله ؟! , قائلا كلمات لا تفهمها وناظراً نحوها بشكل , وكأنها مجرم هارب !!.
رتبت على كتفها العجوز بلطف و قالت : تعالي للداخل ! , انت ترتجفين...
كانت الأميرة ترتجف ليس برداً أنما غضباً و قهراً ... شعرت بأن هنالك أشياء مخيفة في الظلام تعضها و تمزقها ... بأي حق يحدث لها كل هذا ... ودت لو تركب هذا الحصان و تلحق بـ ترافيس , تخبره بأنها لا تعلم شيئا من حولها , و أنها مجرد أميرة بلهاء يحبسونها هنا و هناك لأجل حمايتها من أشياء لا تدري ما هي ...؟!
ارتجفت مجدداً و أمتلئت عيناها الخضراء بدموع غاضبة حزينة ... قالت بصوت مبحوح : أتركيني وحدي ..
بائسة هكذا .. وحيدة و غبية ... أكملت جملتها بداخلها ... خافت أن تفقد خطيبها ... لكنه قال بأنه سيعود للحديث . و إن لم يفعل .. ستذهب هي إليه و تخبره ... بعد أن تعرف ما يجري حولها ...
اضطجعت على الأرض العشبية الباردة المملؤه بقطرات الندى , و الفجر يبزغ بطئياً هادئاً... انتبهت أنالعجوز تركتها بصمت مع ألمها ... هذا أفضل... اشتم أنفها رائحة العشب و أغمضت عينيها لتسيل دموع حارقة فوق الوريقات ... ثم لم تلبث إلا أن سالت الدموع كثيراً حارة أليمة و غاضبة ... أين عساها ستفرغ كل هذا ....؟!
صدر صوت صليل حديد خفيف ... ثم اقترب قليلا... رأت الأميرة نفسها ملقية على الأرض و كأنها جثة .. فتحركت قليلا و رأت الحارس يقترب بهدوء ... و لكن. هناك شيء غريب في مشيته... ضيق مابين عينيها في عتمة الفجر الخفيفة و لاحظت شيئا !!.
هناك خط أحمر يسيل ببطء من وسط الدرع , .... توسعت عيناها و نهضت جالسة ثم وقفت بتعثر مع ثوبها الكبير ...
حارسها مصاب !!!.
نادت مدهوشة : سيدريـك !!. ولاحظت بأن صوتها ضعيفاً خافتاً...
فهرعت نحوه تتخبط , وهي تكرر اسمه بقلق ... عندما اقتربت من الجسد الفولاذي تعثرت و كادت تسقط لكن ذراعه امسكت بها بأحكام و أوقفها ... تشبثت به وهي تتفحص الدم على درعه بعيون جاحضة !!.
قالت برعب : سيدريك ! , لقد أصبت !!... أين ؟! أين ؟!.
لم يرد عليها و هذا أخافها , جاءت العجوز "تالين" باللحظة المناسبة وهي تركض و تتعثر إليهما ..
نادت بعجلة و خوف : أدخلا ... يا ألهي سيدريك , أخلع الدرع لقد أخاف الأميرة تظنك مصاباً...!!
حدقت بها مارسيلين بصدمة ! , إذن دماء من هذه ...؟!
لكن بالفعل لاحظت بأن مشيته الثقيلة التي بلا صوت غريبة قليلا , جلسا أخيراً في الكوخ القديم ... لكن الأميرة بقيت واقفة أمامه .. و طالبت بتوتر :
_ سيدريك ! , أخلع درعك هذا ... هل أنت مصاب تكلم ؟!.
قالت بعصبية كلمتها الأخيرة , فتحرك من مقعده و وقف شامخاً أمامها , ثم قبض بقوة على درع صدره و خلعه ثم درع ذراعيه و ألقى بهما على الأرض مصدراً صوتاً رناناً ..لكنه ترك الحزام و السيف و قناع وجهه و قبضتيه ...
تجهمت العجوز وهي تقول بينما الأميرة تحدق بتوتر بلباس الحارس القماشي الأسود :
_ هل أصبت يا بني بمكان ما ؟! , أني أعرف بأنك لا تصاب غالباً , لكن اؤلائك الجنود كتيبة كاملة و أنت وحدك !.
لم يجب , فقالت مارسيلين بضيق وهي تقترب أكثر منه حتى أصبحت مقابلاً له :
_ سيدريك ! , نحن قلقون عليك .. أجب , ثم .. أخلع هذا ...
ومدت يديها بطول ذراعيها كاملا حتى تصل لقناع وجهه المعدني فأمسك به و قالت برقة وعطف : سأساعدك لا خشى شيئا مني...
لم يبدي أي اعتراض أو حركة .. خلعت القناع المعدني ببطء و أخفضت ذراعيها !, تمنت لو الأضاءة من ذلك الفانوس أقوى أو أن الشمس قد طلعت كلياً .. لكنها رأت ملامح خفية في الظلام وشعر أسود حالك ناعم حول وجهه الأبيض ...
كان ينظر بمستواه بعيداً .. وكأنه يحدق متأملاً من نافذة ما.... شفتيه مطبقتان و أنفه مستقيم كحد سيفه .. ظلت الأميرة تمعن النظر به غير مصدقة أن هذا هو حارسها طوال الوقت ... خط الفجر الأول أظهر ملامحه الملائكية بفخر يرتسم على وجهه...
قالت العجوز ببرود من خلفها عندما لاحظت جمودها : حسنا ! , لا يبدو بأنه أصيب في وجهه ...
شعرت الأميرة بأن الأرض تدور وهي تنظر نحوه .. بصعوبة انتشلت نفسها و قالت بصوت مبحوح وهي تهز رأسها
_ أنا واثقة بأنني رأيت شيئا ما خاطئاً بمشيته...
همست بتوتر وهي ترفض النظر بوجهه الهادئ الثابت : اسمح لي , سيدريك...
ودارت من خلفه , لتصدم وهي ترى جرحاً غائراً في جنبه الأيمن لوسطه تحت حزامه الجلدي تماماً ...
قالت فزعه وهي تتلفت حولها : سيدريك مصاب ... سيدة تالين أنظري ..
جاءت العجوز بسرعة و نظرت نحو الجرح وهي تشهق قالت : لماذا لا تتكلم و تقول , الملك لم يمنعك ... يا ألهي أخلع هذا بسرعة واستلقي...
تحدث فجأة بدون أن يتحرك : هذا جرح بسيط , سوف أعالجه بنفسي بعد أن أطمئن على المنطقة .
حدقت به الأميرة , ظهر صوته الحقيقي بلا قناع , عميق هادئ و ناعم بنفس الوقت , كأنه صوت جدول ماء ...
هزت رأسها تفيق مجدداً, ثم قالت بعصبية وهي تلكزه بصدره : أسمعني جيداً أنت لن تتحرك لأي مكان حتى نعالجك جيداً , هيا عد للجلوس , ثم ... أنظر إلي وأنا أحدثك !!.
قالت جملتها الأخيرة بحده وحزن من تجاهله هكذا , أنكس هو رأسه ليسقط شعره قليلا إلى الأمام , همس : سامحيني يا مولاتي...
ظلت الأميرة متعجبة و ثائرة إلا أن أمسكتها العجوز بحده من ذراعها و جرتها لطرف الغرفة ... همست بأذنها بعصبية
_ لا تصرخي هكذا عليه يا أميرة ! , أنظر إلي ! هل أنتِ بوعيك ألا تدرين بأنه لا يرى سوى الظلام !!.
فغرت الأميرة فمها و دارت بها الحجرة , فقالت متعبة ولاهثة : ماذا ؟, تعنين ... لا يرى سوى الظلام ...؟!
_ سيدريك أعمى وهذه الكلمة تعني أنه لا يرى شيئا يا فتاة , عيناه لا تبصران...
مشت الأميرة مبتعدة عن قبضتها قليلا ثم اتكأت على الطاولة الخشبية بمنتصف الغرفة تسترد أنفاسها و تقبض على عقلها قبل أن يقع في دوامة لا يرجع عنها...
فجأة سمعت صوته الهادئ الرقيق وهو يلتفت نحوها و ينحني قليلا :
_ يا مولاتي الأميرة , سامحيني .. أني أنفذ أوامر الملك , ولكني أطيع أوامرك أيضاً . فأن أردتِ مني الرحيل فسأرحل..
رفعت رأسها و رأته و رأت عيناه البنفسجيتان منخفضتان و ملامحه الجميلة مستكينة .. فشعرت بيأس عميق يضربها لا تدري لم ... لو أنه يراها و يتحدثان بشكل عادي... لكن... لا تصدق بأن هاتين العينين الرائعتين لا تريان سوى الظلام ... الظلام الذي لا شيء ...!! و كل هذا الوقت .. و كل هذه الحماية التي يوفرها ... هو لا يرى ...!! و لم يكن يراها أصلاً و لا يدري ما شكلها و ما تكون ... شعرت بأن هذه الفكرة أكثر شيء تميت قلبها...
عندما أدركت ما يقول , فزعت و صرخت بسرعة : ماذا ؟! , لا .. لا ترحل !!.
ثم تنبهت لنفسها و قالت وهي تقترب منه قليلا : لنعالج جرحك أولاً سيدريك ! , ثم لترتاح قليلا.. وهذا أمر !.
و ارغمنه على التمدد فوق أريكة كبيرة ثم عقمن جرحه الذي كان طعنة غدر من الخلف , و وضعن حوله القماش النظيف , بينما كان هو صامتاً جداً لم يتأثر بأي شيء .. قالت الأميرة برقة : سوف تتحسن قريباً جداً , ابقى هكذا لا تتحرك ..
ثم التفتت إلى العجوز و همست : لنتحدث خارجاً...
كانت تريد سؤالها عن كل شيء .. والسبب الذي اختار والدها من بين كل الفرسان سيدريك... لكن أليس واضحاً ! .
كان هو الأقوى و الأمهر و الأسرع , حتى وهو فاقد للبصر .. أطاح بكتيبة فرسان كاملة وهو واقف على الأرض على قدميه...!!
قالت العجوز بأن الملك اختاره لكل هذه الأمور , وأن أي عاهة جسدية ليست عائقاً أمام أي شخص قوي الأرادة , "سيدريك" لا يرى منذ ولادته ؛ وهذا جعل حواسه الأخرى أقوى و أشد حساسية .. خاصة سمعه و خطواته الصامتة كأنه ضباب يسري ...! , العجوز تالين هي من تولى تربيته فترة طويلة لذا تعتبره كابن لها وتحبه جداً...
الملك يعرفه و يدرك بأنه أعمى , لكنه معجب جداً به وهو يعلم بأن هذا الشاب قادر على حماية ابنته من أي شيء كان , بقوته و مهارته , ذكاءه الشديد و صبره الطويل ... كان مثالي لأن يحمي الأميرة ..!!
أخبرتها العجوز بكل هذا و قالت لها ببرود : والآن ! ,إياك أن تنطق بكلمات كـ أنظر ! , ألا ترى ! , ما لون... و ما إلى ذلك ,هو يعلم بأنك فتاة ترتكبين الحماقات لذا هو صبور و هادئ معك...
قالت مارسيلين بضيق : سيدتي !! أنا لست قاسية القلب لهذه الدرجة...
لكن صمتت فجأة تقطع جملها وهي تتذكر ماحدث في الحفلة وكيف عاملت "سيدريك" وكأنها لا تعرفه ! , ولم تدافع عنه أمام اهانات خطيبها ... شعرت بالضيق في قلبها .. كان يسمعها طوال الوقت وهو أنسان له احساسه .. بينما هي لم تبال به فوق كل خدمته لها... عليها أن تنتبه لتصرفاتها مجدداً أمام سيدريك خاصة ..
دخلت الكوخ بهدوء و الشمس قد اشرقت و بدأت العصافير تلحن في الأجواء , بينما ذهبت العجوز تبحث عن الماء في الغابة... نظرت إليه مستلقي مغمض العينين فوق الأريكة بلباس فرسان جميل و درعه موضوع في الزاوية ..
لا تدري هل هو نائم أم مستيقظ .. كان هادئاً للغاية , فاقتربت منه اكثر و رأت يديه بقفاز أبيض رقيق اليمنى فوق صدره و اليسرى إلى جانبه .. وقفت قربه بصمت لثوان وهي تتأمل وجهه ... كم هو وسيم , بل أجمل شخص رأته بحياتها .. كان غريباً , جميلاً جداً , لكن للأسف لا يرى سوى الظلام .. والأسف الأكبر أنه لا يراها هي ... ولكن لماذا لا يتكلم كثيراً , بل نادراً جداً ... هل كانت هذه أوامر الملك ألا يتحدث إليها... و يبقى بدرعه الكامل ..؟!
ابتسمت برقه و همست وهي تلمس يده اليسرى بشكل سريع : آسـفة سيدريك... سامحني .
|