عرض مشاركة واحدة
  #62  
قديم 07-04-2013, 07:25 PM
 
انتفضت بخوف وهي تهب جالسة... همست وهي تضم يديها فوق قلبها " أنا في عداد الموتى !!! "
ارتجفت مجدداً ... بما كانت تفكر ... في الواقع التفكير كان آخر ما يأتيها ..!
شتمت حظها وهي تسمع وقع خطوات سريعة متواترة و صوت العجوز "تالين" متهدج عالي و قلق أيضاً... حسنا هي لا ذنب لها و تشعر بالرعب .. أما كل المصائب الحقيقة و المتاعب لم تأتي سوى من أسفل رأس .... "مارسيلين" !.
تأوهت وهي تنظر للنافذة ... أتهرب ؟!... أنها أكثر فكرة مجنونة تطرق علقها بلا هوادة مغلقة على كل الأفكار العقلانية التي يمكن أن تراودها ... حسنا ... أنها تأخذ الطريق الأقصر لأي مشكلة .. حتى لو كان حلاً خاطئاً... و ربما كانت فكرة الهروب دوماً هي الحل الخاطئ و الوحيد الذي تفكر به الأميرة ...!
_ مولاتي ؟!.
تجمدت بخوف .. هه ؟!... لقد نسيت أن "سيدريك" هنا واقف في الركن المظلم للغرفة قرب الباب .. قبل أن تنطق بأي شيء... طرق بابها و ظهر العجوز الطيبة لكن وجهها قد اختفى منه لونه و عيناها مهتزتان من الخوف...
حدقت بها العجوز بقلق بالغ و كادت الأميرة تنهار تحت وقع نظرتها .. فكأن العجوز تودعها !!!.
قالت بصوت خفيض النبرة كي تخفي ارتجافه : الملك هنا ...
صمتت لثوان متوترة ترى الفتاة تشحب بسرعة فقالت محاولة أن يكون الوضع أخف وطأة : وسيادة الوزير معه ..!
حسنا .. أن حاول والدها شنقها فهناك شخص ما يمكنه أن يهدئه... حاولت النطق لكن لم يظهر سوى صوت ضعيف منها يقول : أجل...!.
ألقت العجوز نظرة على ملابسها بتوتر ثم للتو تنبهت لوجود سيدريك فأخذت تحدق به مرعوبة لثوان ... ثم هزت رأسها و قالت متسائلة لتستوعب ما تراه .. أهو الحارس أم تمثال ما ..
_ سيدريك ؟!
أومأ لها بكل هدوء .. وكأنه فهم تماماً نبرة صوتها... ثم تحرك بكل خفة و صمت كأنه ظل مجسد و خرج من الغرفة ... قالت العجوز لـ "مارسيلين" بهمس : اتبعيني ...
في البداية كانت تشعر بأن قدميها مثبتتان بمسامير .. و غادرها الأمان بمغادرة الحارس... في اسوأ الأحوال والدها لا يضربها قط ... لكنه يمسك بذراعها بشدة و يهزها معنفاً وهي لا تتحمل أبداً صراخ أبيها إليها...
أخذت تدعو بقلبها بخوف بالغ ... ثم تحركت بثقل شديد تلحق بالعجوز.... تسحب قدميها سحباً و تحاول أن تهدأ قلبها للمواجهة القادمة ... ما أن دخلت غرفة المدخل للكوخ المعتم في هذا الوقت من الفجر .. لا يوجد سوى مصباح طفيف..
وقع بصرها على الرجل المهيب الضخم الواقف بكل جلال بالرغم من ملابسه الغير مبهرجة بل قاتمة جدا و عباءة سوداء رمادية تطيح من كتفيه العريضين ... لم تطق النظر أبداً لعينيه المشابهة لعينيها الخضراء ... رأت ظل آخر خلفه .. ظل الوزير .. أدركت أنه بلحظة غضب والدها يتطلب منها أكثر من وزير واحد ليهدئونه !!
بقيت تحدق بـ "سيدريك" الصامت الغامض الواقف في الركن المظلم بجانب النافذة كأنه شبح , فتمنت لو أنه قرب منها تحتمي به قليلا .. فهو يبدو ثابتاً جداً...
توقفت العجوز قربها وشعرت هي بالامتنان لها ... لكن فجأة ظهر صوت الملك العميق المنذر بموجة من الغضب :
_ اتركوني وحدي مع ابنتي...
شحب وجهها بسرعة خاطفة و شعرت بأنها ستسقط مغشيا عليها قبل كل شيء... نظرت للعجوز تتوسل . لكن العجوز ألقت إليها نظرة مشفقة و غادرت للخارج تتبع الوزير...
لكن ... "سيدريك" لم يتحرك !.
رفعت "مارسيلين" متشجعة بصرها إلى عيني والدها بنظرة خاطفة .. فرأته يرمقها بعيون ضيقة غير راضية تماماً .. تكلم وعيناه على ابنته : سيدريك ؟!.
انحنى سيدريك بشكل طفيف و همس بهدوء وثبات و بطء : اسمح لي بالبقاء مولاي .
زم الملك شفتيه ثم قال بلا اكتراث : أبقى إذن ..في الواقع هنالك شيء يخصك ..
التفتت الأميرة تنظر نحو الحارس بقلق رهيب وهي تضغط على يديها معاً .. كانت عيناه البنفسجيتان قاتمتان هادئتان جداً .. وهو بدا ضخما صامتاً مطبق شفتيه الرقيقة و شعره الداكن يهتز بشكل خفيف كلما مرت نسمة باردة من النافذة .
_ مارسيلين !!.
قال الملك بحده كي تنتبه له .. فنظرت نحوه بقلب راجف .. قال بجدية مخيفة وهو يقترب منه خطوة كبيرة ارعبتها :
_ فسري لي كل شيء من البداية ؟! لمَ تهربين من كل مكان أضعك به و تلاحقين ترافيس !.
خفق قلبها و عينيها الخضراوان ترتجفان .. راودها شعور شديد السوء , وفجأة بدت سخيفة للغاية لتفتعل مشاكل من لا مكان ..!
هزت شعرها الأسود الحالك و هي تهمس : لم أفهم ما تقوله ! .. أنا...
زجر والدها فجأة وهو يحرك يديه بالهواء : أنت لست سوى طفلة متهورة لا يمكنها البقاء يوم واحد بمكان واحد , لقد أصبت بخيبة رهيبة ! , أنا لم أربك هكذا قط ! ولا والدتك لا أفهم بما تفكرين وكيف تتصرفين فقط تهربين هكذا وكأنك سجين ما .. لقد أفهمتك مراراً ما يجب فعله ألم أفعل ...؟ أجيبيني مارسيل مما تهربين ؟؟.
تجمعت الدموع و اختنق صوتها وهي تتراجع قليلا عنه : لكنك لم تقل لي شيئا عن عصابة ما تريد قتلي !!. لقد أوهمتني بأنك تحميني من الأشاعات !.
حدق بها و قال متهدجاً : مهما يكن .. تظنين بأن الهروب هو الحل ! , بربك مارسيل منذ الخطوبة و أنت منفعلة هكذا لا تقدرين على التفكير السوي ولا تلجئين لي للحديث !.
_ عماذا أتحدث ! , أنت لا تنصت لي كنت أريد بعض الحرية لكنك تستمر بتقييدي !.
اشتعلت عيناه غضباً و خطورة وهو يقترب منها خطوتين : لقد هربت مرة ! , ومرة أخرى و ثالثة !!. وهذا يعيدني إلى سيدريك أيضاً...
وهو يرمق الحارس بحده شديدة ... قالت بتوتر وهي تراقب نظرته : ما... ماذا ؟!.
_ ماذا؟!.. أنا أخبرك مالذي يجري .. هاتي يدك ...
خافت مارسيلين بشدة و أسرعت تحتمي بذراع الحارس عندما مشى نحوها الملك بقوة وغضب... اندست خلف الحارس وهي تجعله بينها و بين والدها ... همست بخوف له " لا تبتعد..."
_ تراجع سيدريك ...!
أمر الملك بنفاذ صبر وهو يرمق ابنته بغضب رهيب يشتعل بعينيه ...لكن الحارس لم يتحرك وبقي كأنه تمثال ضخم ..كان أضخم من والدها و أطول ... بينما تعلقت به الأميرة تمسك بقوة ملابسه السوداء الملتصقة بظهره لأنه كان قد انتزع درعه قرب النهر لحظة انقاذها...
نظر إليه الملك يحده و قال : إذن أنت أعلنت العصيان .. وتجاهل أوامر الملك.
_ محال , مولاي.
ظل الملك يرمقه طويلا بنظرة غريبة , ثم نظر إلى ابنته المختبئة واعتدل وبان حزن غريب يحيط الغضب الرهيب الذي يحاول السيطرة عليه .. هز رأسه و سأل ببرود :
_ لمَ تركتها تهرب ؟! , لقد سمحت لها بالهرب و العودة مع العواقب الوخيمة !.. لقد انهارت كل هيبتنا فوق رؤوسنا !. لقد تركت هذه المتهورة تفعل ما تريد وهذا بالضبط عكس ما أمرتك به..
_ اغفر لي. مولاي.
_ أجب !!.. قال الملك بحده رهيبة أفزعت الأميرة ... مالذي يقصده .. بأنه تركها تهرب ...؟!
ظلت شفتيه مطبقة لثوان ... ثم نطق ببطء وأتزان : كان على الأميرة أن ترى بنفسها وتعرف ما تريد معرفته...
تراخت قبضتها مصدومة .. أعرف ماذا !.. شعرت بأنها بلهاء كبيرة .. سببت خيبة عظيمة .. آوه من الأفضل أن تدفن نفسها تحت هذه الأرض...!.
رفع الملك أحد حاجبيه ببرود لكن الغضب لا يزال مضرما في عينيه ..
قال بحده : حقاً ؟! , أظن بأني أمرتك بوضوح ما يجب عليك فعله .. وأنت أيضاً بدأت تصرفاتك غريبة .. ستعاقب سيدريك وآسف لقول هذا .. لكنك فشلت .. وبعدما حدث بالأمس في المجلس .. أنا لا أقدر عن التغاضي عن أي شيء و التظاهر بأن كل شيء يسير على مايرام ..
كان ينظر لابنته بشكل غريب .. بدا يائساً ..حزيناً و أكبر من عمره بكثير .. ألتمعت عيناه ثم تحدث بهدوء بارد :
_ سأبدأ من الأمس وأنا وسط اجتماع كبير و مجلس معقود كان الكل حاضرين , وزرائي و قادتي ومستشاريّ .. و فجأة أتاني ترافيس لوريكس بنفسه وقال أشياء مهولة و فضح الأمور كلها ثم... لم يكتفي هذا التافه بما يقوله عن نفسه ... تحدث عنك وسط المجلس الذي حل عليه الصمت... قال لي بكل وضوح وصفاقة أنه لا يحب أن يلاحقنه الفتيات فما ظنك بفتيات الملوك !.. و أخبرني بأنك لحقتِ به و توسلتِ أن يأخذك معه...
كانت متجمدة وكأن الوقت قد توقف !... لا تصدق ما تسمع ... لا لن تفعل ... لكن ... عينا والدها الداكنة .. أنه والداها وهو لا يكذب أبداً ... و عليها هي ... هو قد يبالغ بأمور ... و يراوغ لأجل حمايتها... لكن هنا .. كل شيء توقف...!!!
همهمت دون وعي ودموعها جامدة باردة في جفنيها : ماذا ؟!... كيف...؟!
ابتسم والدها بسخرية ثم عبس بشدة و قال وعيناه تبرقان بخطر : آآوه حقاً .. لم تفهمي .. قمت أولاً بفسخ الخطوبة منه ثم طردته و توعدت أن رأيته مجدداً فلن يكون حياً لدقيقة أخرى... لا تنظري هكذا كأنك على وشك الموت .. كان هو يخطط لفسخ الخطوبة منذ أن وقعت عيناي عليه عندما أتى المجلس... بالطبع سقطت كل رزانتي و تماسكي أمام كل الحضور .. و لولا وجود "فالكوس" بجانبي لقطعت رأسه...
صمت لثوان وهو ينظر بخفية إلى سيدريك : و قال أمور عنك ... أنك لم تعجبه. ومن يهتم بما يعجب تافه وضيع مثله...
داخت "مارسيلين" وكادت تقع أرضاً لولا تماسكها بذراع الحارس مجدداً , وكأنه شعر بها قبض على مرفقها بإحكام لكن بلطف و أجلسها على الكرسي خلفها...
هزت رأسها لا تصدق ... مالذي يحدث بحق ال....؟!... ولم يحدث لها هذا ...؟!... ترافيس فعل هذا بها ...؟! لا....!!
_ اعطني يدك صغيرتي. دعيني أنزع ذلك الخاتم منك ..
تقدم الملك بهدوء وهي تمد يدها إليه بصدمة و كأن جسدها يتحرك من تلقاء نفسه .. أمسكها برقة و نزع الخاتم ليلقيه وسط رماد المدفئة المنطفئة ... ثم رفع راحتها و قبلها بحنان ... همس :
_ غداً سأرسل عربة إليك ... سنذهب برحلة قصيرة لمكان ما .. انسي ما حدث ..وأنا سأنسى حتماً... أما...
والتفت إلى الحارس . قال بعبوس : أما أنت سيدريك , فلا حاجة لك بعد الآن ... ابنتي ستبقى معي... بالرغم من تصرفك الغريب فأنا لا استطيع التغاضي عنك , غداً سترحل أيضاً خارج البلاد .
طرفت "مارسيلين" بعينيها مرتين وهي تحاول أن تعود للواقع .. نظرت إلى والدها الصامت العابس ثم إلى الحارس... الذي انحنى قليلا و قال بهدوء " أمرك مطاع مولاي " .
ثم طرف بعينيه ببطء و أطبق شفتيه وذراعيه معقودتين حول وسطه ... شعرت بالحزن يضرب قلبها فجأة بقسوة ... ودعها الملك سريعاً وغادر ... سالت دموعها وهي تنحني فجأة فوق ساقيها وتنتحب بحسرة ... لقد ضاع كل شيء...!
و بان بأن خطيبها المحبوب ليس سوى حقير كاذب .. هي قط لم تلاحقه .. هو من أرسل لها رسالة سرية ... و سيدريك يدفع ثمن غباءها لقد نفي !. لقد أنفاه الملك .. وهي ... مالذي سيحدث إن عادت للمجتمع فجأة ... أميرة تغمرها الأشاعات المؤذية , الأميرة التي فقدت رشدها .. تلاحق خطيبها كأنها معتوه !! .. لقد انكسرت الصورة و خاب أملها... لم يعد هنالك ما يستحق اللحاق به... ستستلم للأمر ... و تتخلى عن كل ما تريده من حرية وسلام...
لكن مهلاً .. إلى أين سيأخذها الملك ...؟! هل المحطة التالية ستكون دهليز بأسفل قصر قديم ؟!.
و تربع البؤس في عرش قلبها ~
...