عرض مشاركة واحدة
  #305  
قديم 07-05-2013, 02:24 AM
 
الفصل العاشر : المذكرة !

كنت هناك .. في كل زاوية من حياتهم أعيش معاناتهم ومسراتهم

هي أنا في كل حين .. سجلت كل تواريخ ذكرياتهم

واليوم .. هاأنذا أحكي .. سطورهم التي خطتها أناملهم

جميعاً .. تخط ذكرى ذلك اليوم

والذي كان منشأ نقطة التحول في حياتهم !

.................................................

يومٍ مظلم كان ذلك اليوم رغم أشعة الشمس التي أنارت المنزل لكنها لم تتمكن من قلوبنا الصغيرة

لسبب ما شعرت بالجحيم يحيط بنا .. بأن كارثة عظمى حلت علينا .. لكن أحداً لم يكن ليفسر لطفلة لم تتجاوز الخامسة كل ذلك

الحمى داهمتني ذلك اليوم .. لذا لا أذكر سوى الكوابيس التي هاجمتني مع كل غفوة قصيرة حاولت أن أهنأ بها بلا جدوى

هارو كانت تجلس بجواري تفكر تارة وتطل من باب غرفتنا تارة أخرى

عادت لي بعد أن أطالت النظر للخارج : أمي لم تذهب لاحضار الطعام لنا كما ادعت لقد عادت لغرفتها لسبب ما

نظرت ناحيتها وأنا أفكر بقلق أيمكن أنها قد خلت بنفسها لتبكي .. بدت كئيبة جداً وذلك الرجل المخيف قد آذاها كثيراً حسبما قالته هارو

أبي .. لما يفعل معنا كل هذا .. لما لم يحاول انقاذ أمي .. ولما هرب الآن فقط !

شيئاً فشيئاً .. تلك البقعة السوداء بقلبي تكبر أكثر فأكثر .. نحوه باتت الكراهية هي الرابط الوحيد بيننا .. أو لربما الخيبة وحسب حتى الآن .. لكنني أخشى حقاً أن أكرهه .. فقد خذلني حتى الآن .. بما فيه الكفاية .. الى أي قدر ستخذلني بعد .. أبي ؟

...........................................................

اختفاء أبي الغربي هو أكثر ماأذهلني وشل قدرتي على التفكير .. هذا اليوم

كان معي منذ فترة قصيرة وكنا نريد النوم حقاً .. ليلة الأمس كانت عصيبة بفضل كوابيس الجبانة هانا والتي أصابتني بعدوى الخوف ذاتها

ذلك الرجل الغريب الذي اقتحم منزلنا وحكى أموراً غريبة مشينة عن أبي

وأمي التي تبدو يائسة خائفة مكتئبة .. أظن أن والداي قاما بعملٍ ما

وكل منهما يحاول اخفائه جاهداً ..

التفت لهانا التي لاتزال في فراشها خائفة متعبة تنظر لي بشرود دون أن تجيبني مهما تحدثت

لست ألومها فما يحدث هذا اليوم غريب مخيف حقاً

هذا اليوم الطويل .. ألن ينتهي .. تعبت وأريد أن أمرح قليلاً

ألقيت بجسدي على الأرض ممتدة وأنا أصرخ بضجر : اشتقت للمرح حقاً أكره هذا اليوم

.......................................................

هل انتهى حقاً كل شيء .. كل ماحدث كان حقيقة

تلك الجثة الآن ترقد هناك في زاوية غرفتي .. لمجرد التفكير بها أشعر بالقشعريرة تسري بجسدي

لاوقت للتفكير أو الحزن .. طفلتاي هناك وحدهما .. لايمكن أن أستمر بالبكاء الذي لن يغير شيئاً من واقعنا المر

علي اصلاح مايمكنني اصلاحه الآن ... يجب أن أتحرك فلاوقت للحزن أو الضعف

غادر فلورنس .. لا أعلم ان كان قراري هذا صائباً .. لكنه أفضل من بقائه هنا على أي حال

توجهت الى حيث كان فراشنا وقمت بتنظيف المكان عل ذلك ينسيني بعضاً من ألمي

وماان انتهيت حتى غسلت وجهي مراراً وأنا أشعر بألم في عيني ّ

ماكان علي أن أبكي بذلك القدر

خرجت وبدأت اعداد طعام الإفطار الصحي البسيط الذي اعتدت طهيه

ثم توجهت لغرفتهما فلسببٍ ما باتت المكان الآمن الوحيد في هذا المنزل

وماان دخلت حتى توجهت أعينهم البريئة نحوي

الخوف والحزن كان من نصيب هانا .. والملل والاستياء والحيرة لهارو التي أسرعت نحوي دون أن تريح فضولها الذي يكاد يقتلها

- أين اختفى أبي فجأة ومن ذلك الرجل أمي .. مالذي يحدث لما لاتخبرينا ؟

انها تبدو حقاً أكبر من عمرها حين تتحدث بتلك الطريقة .. رغم كل تصرفاتها المتهورة المزعجة

قررت أن أكون كما عادتي صارمة .. ولكن يجب أن أتحلى بالصبر والهدوء هذه المرة

أشرت لها أن تجلس بجانبي ففعلت بتردد وكأنما فهمت ماأريد وسرعان ما أشارت بيدها بحركة بريئة أن أتوقف : قبل الحديث والتوبيخ سآكل .. جائعة جداً
وبالفعل بدأت بتناول الطعام دون تحفظ مما جعلني أبتسم ضاحكة هذه المرة دون استياء لتمردها المستمر .. لأول مرة بت أرى تصرفاتها تلك .. مختلفة ممتعة مضحكة .. وبريئة .. شخصيتها العفوية المتمردة لم تكن سيئة كما توقعت .. هي فقط تثبت شخصيتها بأريحية على عكس هانا .. والتي يقلقني حالها حقاً ..

لا أعلم مالسبب لكنني بدوت هادئة بالفعل هذا اليوم وحاولت قدر المستطاع أن أستمتع مع زهرتيّ الجميلتين .. وأحتضنهما بقدر الألم الذي اجتاحني .. شعرت أنهما الدواء السحري لكل همومي .. ومصدر قوتي بالفعل !

................................................................

رغم كون كلماتها قاسية مؤلمة الا أنها كانت الخلاص من تلك المعمعة التي كنت سأعيشها هناك

لاأعلم لما لكني لست أشعر بالبؤس بل ان الابتسامة لاتنفك تشق طريقها لثغري بين الحين والآخر

أمري عجيب أليس كذلك .. حتى أنا لست أعي مايحدث معي

هناك كنت أشعر بالذنب والثقل في قلبي .. بألم فظيع .. بأن حياتي سوداء كئيبة وأنني خاطيء لايحق له النظر لأحدٍ أبداً

ولن أخفي أنني لا أشعر بالذنب في الواقع .. لكنني مجبر على أن أشعر به أمام آرياكو .. كي لا تحسبني دنيئاً حقيراً

حين أتسائل عن حقيقة علاقتنا أجدني أنظر لها كأم أو كمربية أكثر منها كحبيبة

تغيرت علاقتنا كثيراً .. في الماضي كانت مختلفة .. صارمة ولكنها مرحة .. لطيفة وخجولة .. كانت حقاً مختلفة

هي الآن قاسية صارمة شرسة كئيبة .. لسبب ما بت أشعر أني من يحتاج أن يبقى بعيداً عنها لفترة عل مشاعري هذه تتغير وتعود لما كانت عليه في الماضي الجميل

هذا اليوم .. لكم أتمنى أن ينتهي سريعاً فقد أتعبني بحق

على ذكر التعب .. أشعر حقاً بالإعياء ولا أعرف تماماً لما

آه كدت أنسى جروحي .. هي ذا مصدر إعيائي اذاً

الجو بارد وقد نسيت حتى حمل معطفي .. ياله من يومٍ سيء

توقفت قليلاً حيث كنت قد دخلت لتوي الغابة التي كانت قريبة من منزلي

وضعت حقيبتي أرضاً ومعها حقيبة تشين التي وجدتها أمام الباب الخلفي لمنزلي

لست أعلم حتى الآن مايجب علي فعله بها

فتحتها لأجد أنها تحوي تلك النقود المسروقة كما توقعت .. فما كان ليهرب خالي اليدين .. كم هو دنيء بالفعل

لوهلة سيطرت علي أفكار أعلم أنها ماكانت لتعجب آريا بل على العكس ستعنفني حينها وتغضب مني .. لكنني مجبر على تنفيذها

بابتسامة جانبية قلت : أجل أنا مجبر .. سامحيني زوجتي

وضعت النقود في حقيبتي وعليها ما أخذته من ملابسي

ورغم اشمئزازي من ذلك المعطف الا أني ارتديته عله يقيني من البرد

لابأس فموت تشين ذاك نافع أكثر مما توقعت

ألقيت ببقايا حقيبته أسفل التل .. هي ليست فكرة صائبة .. لكن أمامي لاحل سوى هذا !
سرت في الغابة أحمل كنزي الثمين وأنا أفكر بما علي فعله الآن

أولاً المشفى .. الطعام .. الملابس الجديدة .. آه المدرسة .. ستسعد صغيرتاي الحبيبتان بهذا .. والكثير الكثير من الأمور الممتعة .. ولكم رغبت بشراء دراجة هوائية أيضاً علها تريحني من السير هذه المسافات الطويلة

سرت أفكر بكل ماخططت له ولازلت حتى بلغ بي التعب أشده

شعرت بالحرارة قد بدأت تسري في جسدي رغم الرياح الباردة التي تحيطني

قررت أن أرتاح قليلاً هناك .. أعلى الجسر

وبالفعل توقفت مستنداً اليه وأنا أنظر لمياه النهر ذات الزرقة الصافية

لم أستطع الوقوف أكثر لذا أرخيت جسدي على الجسر الخشبي الصغير وأغمضت عيناي مطلقاً لأفكاري العنان

أفكاري التي أبحرت في الماضي .. كأنما تريد أن توقظني من سباتي العميق

وتعيدني لواقعي الذي حاولت جهدي لأهرب منه

ليس إهمالاً أو تقصيراً أو استهتاراً .. بل .. ربما لأني لم أعتد أن أقع في مشكلة عظمى كهذه بل لا أريد تصور ذلك حتى

الأمر مرهق للغاية مجرد التفكير به يدعوني للجنون واليأس

لو أن والدي يرى ماآل اليه وضعي الآن .. ستكون أكبر خسارة أواجهها

وقفت مجدداً وتلك الأفكار وأمثالها لاتزال تراودني محاولاً الهرب من واقعي المحتوم

بينما أنا أتأمل صفحة الماء البراقة التي أعادت لي ذكرى جميلة كانت قد اختبئت في احدى زوايا عقلي

...................................................................

- هيه يافتاة .. أيتها الجميلة لما لاتنظرين لي .. حسناً نظرة واحدة فقط .. لاتنظري اسمعيني صوتكِ فقط .. ألن تجيبيني أبداً

بنظرة غاضبة أجابتني مهددة : للمرة الأخيرة أحذرك .. كلمة أخرى وأقسم أني سأجمع أهل القرية حولك أيها الأجنبي الوقح

مررت أناملي بخصلات شعري الذهبية وأنا أقول بغرور : أوه كنت واثقاً أنكِ لن تتمكني من تجاهلي أكثر

بدا عليها الذهول لوهلة وسرعان مااعتراها الغضب من جديد : من تظن نفسك أيها الغبي .. ارحل من هنا فقد بدأت تثير اشمئزازي

قالتها واستدارت وقد تناثرت خصلات شعرها الأبنوسية الساحرة حالما هبت رياح قوية سرعان ماتوقفت

بتردد تركت السلة التي كانت بين يديها على الأرض ورفعت يدها لتلف شعرها دون أن تربطه بما يذكر بينما عيناها تحملقان حولها بارتباك ولأظنها كانت تبحث عن رباط شعرها الضائع والذي كان قد وقع بين يدي .. هو تذكار ثمين لذا قررت أن لا أعطيها اياه الآن

عاودت السير وقد تناثرت بعض خصلات شعرها من جديد حالما انحنت لتلتقط السلة

وأنا .. تهت حقاً بجمالها الفريد وشخصيتها الغريبة المسلية

مما جعلني أسرع خلفها في محاولة جديدة لارضائها والحصول على قلبها

ظلت تتجاهلني بينما كنت أمطرها بوابل من الكلمات المعسولة

لم أكن أعرف حقاً كيف يجب أن أعبر لها عن اعجابي لذا كنت أتصرف كأولئك الفتية الذين ألتقيهم في شوارع لندن

صدقاً .. لم أتخيل أني في يومٍ من الأيام سأتصرف بهذه الطريقة

لطالما كانت النساء من تطاردني في بريطانيا .. والآن أنا أطارد هذه القروية الحسناء دونما كلل .. ودون حسابٍ لمخاطر أفعالي تلك .. أوه لو أن والدي يراني الآن لاحتجزني في القصر في بريطانيا

يوماً بعد يوم بت أحاول مراراً التقرب منها بذات الطريقة

- حسناً اخبريني بما تطلبينه وسأفعله لكِ .. آه لاتحمليها فهي ثقيلة

كنت أقصد تلك السلة التي اعتادت أن تحملها كل يوم بعد أن تملئها بحبات الخضار الطازجة .. فقد كانت مهمتها كما أظن أخذها للمخزن وتقشيرها مع النسوة

اقتربت منها وحملتها بسرعة بينما كانت تنظر لي باستخفاف

- هه لا أظن أن حملها يلائمك أيها النبيل ..
وبحزم أردفت : أعطني

أخذتها بعدها وأكملت طريقها بينما نظرت لملابسي ملياً .. أيزعجها مظهري

وبسرعة التفت حولي لأرى كيف يبدو الشاب الريفي .. ابتسمت بعدها وخلعت معطفي الثمين وألقيته على الأرض .. وفتحت زرين من قميصي الأبيض الحريري ثم بعثرت شعري

توجهت بعدها لها مبتهجاً وأوقفتها لأحمل السلة منها

- الآن مظهري يلائم العمل صحيح ؟

نظرت لي بدهشة وبدا لي أن شبح ابتسامة ارتسم على شفتيها الكرزيتين

سرعان ماأخفت ابتسامتها وقالت بكبرياء : ميؤوس منك بالفعل .. اتبعني اذاً

سارت أمامي وأنا من خلفها أحمل السلة الثقيلة بنشاط .. لن أخفي أن ذلك الطريق كان مرهقاً وقد كانت الخضار تسقط بين الحين والآخر من تلك السلة المهترئة فأعيدها وأعاود السير الحثيث خلف تلك الجميلة التي لا أظن الا أنها كانت تتعمد ارهاقي بإطالة الطريق الذي حفظته عن ظهر قلب طيلة مدة ملاحقتي لها .. وحتماً لم أكن أجروء على التذمر كي لا أكون أضحوكة لها ..

أخيراً توقفت ووجدتها تتحدث مع بعض النسوة .. وحالاً وضعت السلة على الأرض والتقطت أنفاسي المرهقة .. كم هذا متعب بالفعل .. لم أعتد على حمل شيء منذ طفولتي والآن أنا مجبر على حمل سلة ثقيلة للغاية

التقطت أذناي بعضاً من حديثهن فبقيت أستمع وقد استندت الى الشجرة القريبة

- أوه أرى أنه لم ييئس بعد ولايزال يرافقكِ

بضيق أجابت : أجل انه عنيد جداً ان ظل على هذه الحال سأخبر والدي

بقلق هتفت احدى النساء : لا يافتاة لاتفعلي .. سمعت أنه من عائلة بريطانية ثرية جداً .. وله مكانة رفيعة .. لايمكننا حتى الاقتراب منه فلو فعلنا قد تنشب حرب نحن في غنى عنها

بحيرة قالت وهي تحدق بي بينما تظاهرت فوراً بأني أنظر لمكانٍ آخر

- أعجب لما جائوا الى هنا خصوصاً بعد الأوضاع الصعبة التي مرت اليابان بها

- معكِ حق .. لربما كانوا يبحثون عن مخلفات الحرب أو أن الأمر يتعلق بأمورٍ سياسية ما

- من يعلم .. ربما أنتن على حق .. حسناً سأذهب الآن قبل أن أتأخر .. لا أظنه سيلاحقني مجدداً بعد ماسأفعله اليوم

بفضول قالت النسوة

- وماذا ستفعلي آريا

- كوني حذرة رجاءاً أخشى أن يؤذوكِ

- أنتِ جريئة بالفعل آرياكو

ابتسمت هي بثقة مجيبة : لاتقلقوا .. كل ما أخطط له .. هو جعله يعمل حتى الانهيار .. لن يصمد طويلاً وسيستسلم هذا العنيد حتماً .. الى اللقاء الآن

نظرت نحوي حينها بمكر أخافني في الواقع .. لكني آثرت التصرف بشكل طبيعي .. وبطريقة ما ازداد عنادي واصراري حينها

لحقت بها وقد تعمدت ارهاقي كما سمعتها تخطط .. لكنني بقيت صامداً ولاأعلم كيف تسلل هذا الكم الهائل من القوة لجسدي .. فرغم اني رجل الا أني مدلل للغاية

أخيراً استسلمت هي وتوقفت في مكان تربعت شجرة الكرز الضخمة فيه

وزهورها العطرة تناثرت في الأرجاء بشكل بديع للغاية

التفتت لي وهي تبعد شعرها عن وجهها بأناملها

وماإن هدأت الرياح حتى قالت بحيرة : وبعد .. ألن تمل أو تكل ؟ أنت أغرب شابٍ التقيته على الاطلاق

ابتسمت وأنا أضع السلة أرضاً ثم رفعت رأسي لها وأنا أهتف بغروري المعتاد : لم تري شيئاً بعد .. فخر لي أن أكون الأغرب والأعجب أميرتي !

- متعجرف

هكذا قالت ببرود وقد أشاحت بوجهها لتخفي خجلها الذي بدا جلياً بتورد خديها

أردفت باستنكار : تقول أميرة ؟! بهذه الثياب .. أنت غريب الأطوار حقاً

أجبتها بعفوية : الأميرة الحقيقية ليست بحاجة لتاجٍ أو ملابس فاخرة .. بالنسبة لي .. أنتِ هي الأميرة الحقيقية .. آريا

ازداد احمرار خديها بينما أبعدت عينيها عني بسرعة وهي تتمتم بتلعثم : سخيف

ورغم أن الأجواء باتت تعجبني إلا أني أردت قطعها بشيءٍ من المرح لذا قلت وأنا أجلس على الأرض : في الواقع أنا مرهق للغاية كم أنتِ شريرة .. صدقاً لم أتوقع أنني خارق هكذا تحملت أكثر مما ظننت

وبالفعل ابتسمت ابتسامة جميلة تبعتها بضحكات ناعمة رقيقة .. خرجت من أعماق قلبها .. لكم كنت سعيداً حينها .. انها تضحك معي .. جعلني هذا ابتسم ابتسامة عريضة وسرعان ماضحكت أنا الآخر بسرور كبير

.........................................

ابتسمت تلقائياً وأنا أعود من تلك الذكرى .. وأطلقت تنهيدة متعبة

لكم أشتاق لتلك الأيام .. اشتاق لنفسي التي فقدتها .. ولآريا التي أحببتها

ولحياتي الهادئة الجميلة .. وكذا لعائلتي التي تركتها خلفي

**********

- لايمكن لقد أحببتها وقررت الارتباط بها !

- مالذي تهذي به .. بقروية !! أتعي ماتقول !!!

استدرت لأنظر لعينيه بجد وحزمٍ وعناد : أجل بكامل قواي العقلية والجسدية .. أحببت آرياكو ولايهمني ان كانت قروية أم مريخية .. قلبي ينبض لهذه الفتاة ولاشأن لأحد بهذا .. سأفعل ماأريد فقط يكفيك تحكماً بحياتي

بصفعة ألجم لساني وقد التفت لي بغضب شديد .. ليست المرة الأولى التي أعلن فيها تمردي على ذلك السيد المتعجرف .. المدعو بأبي .. لكنني أعترف أني بهذه المرة فقت توقعاته كلها .. وأن ماسأقوم به سيحط من مكانته التي يتباهى بها دوماً وسيجعله يشعر بالخسارة .. هذا مافكرت به حينها فنسيت خسارتي أنا والتي كانت أكبر بكثير من خسارته التي سُعدت بها في الماضي

التفت له بكبرياء وأنا أضع يدي على خدي وسرعان ماابتسمت وأنا أخفضها وأضعها في جيب بنطالي

- شكراً لردك العظيم كلاود

تلك هي عادتي السيئة .. فوالدي كان بالنسبة لي خصمي لا أبي .. ولطالما كنت معتاداً على مناداته باسمه باستثناء حين نكون خارج المنزل أو بحضرة أشخاصٍ ذوي سلطة

استدرت لأخرج من الغرفة لكنه صرخ بي غاضباً بكلمات صممت أذني عن سماعها فهي حتماً لن تسرني .. وفي الخارج كانت أمي تقف بقلق وبجانبها جيلبرت الذي بدا هادئاً بارداً كعادته

صرخت بي حالما رأتني : مالذي أسمعه منك قل أنها مجرد مزحة سخيفة منك .. أنت لاتجروء على فعل هذا بي أليس كذلك

في تلك اللحظة شعرت أن علي أن أصر أكثر .. فحالما أتذكر هذه الفتاة العجيبة والتي كانت الوحيدة التي رفضتني واشترطت الصدق التام في علاقتنا إن أردتها .. فلم يكن بيدي سوى أن أحارب لأثبت لها كم أنا جاد بشأنها .. شعرت أنني سأكبر لو فعلت هذا سأصبح مختلفاً وسأغير نظرتهم السخيفة عني بأني طفل مدلل لايُعتمد عليه

باصرار قلت : أجل أمي .. لن يمنعني أحد من هذا سأتزوجها شئتم أم أبيتم

- كيف تفعل هذا بنا .. قل أنك لست جاداً .. جيلبرت تحدث

أشاح الأخير وجهه بلامبالاة بينما أنا تجاهلت والدتي ومشيت نحو الخارج متجاهلاً توسلاتها وسخطها واستيائها .. والدي حينها لم يصدر صوتاً ولم يتبعني كما ظننت .. لم يحتجزني أو يعاقبني أو يتخذ اجراءاً صارماً بشأني على عكس ماتوقعته !


مما جعلني أهرب بسرعة من ذلك القصر بعد أن أمرت خادمي بتجهيز حقيبتي وسيارتي ..

خرجت من قصري الفاخر الكبير وأنا أشعر بنشوة الانتصار .. كان شعوراً فريداً بحق .. تلك الفتاة .. فعلت بي أكثر مما توقعت حقاً !

لم أعرف أين علي أن أكون الآن .. فهاأنا أمام القرية التي اعتدت زيارتها كونها الأقرب من قصرنا والأكثر جمالاً بطبيعتها الخلابة فقد كانت الحقول تملأ أرجائها .. والغابة تحيط بها من الناحيتين الشمالية والغربية ..

أما من الجهة الجنوبية حيث أتيت كان ذلك الريف الممتد على مرأى البصر والذي يقودني لقصرنا التقليدي بحكم المنطقة التي نسكن فيها حالياً

والجهة الشرقية هناك قرية أخرى تبعد أمتاراً قليلة فقط .. ولأنها أكثر بعداً عن الريف .. فطبيعتها كانت أقل من هذه المنطقة المزدهرة

استنشقت الهواء بسعادة وأنا أشعر بطعم الحرية العذب يتغلغل لأعماقي فيحييها

ورأساً توجهت الى منزلها وقد طلبت من خادمي أن ينتظرني في حدود القرية كي لاأسبب الازعاج لهؤلاءِ البسطاء

في طريقي كنت أشعر بأن هذه القرية هي الأجمل .. وأن الحياة كفلاحٍ بسيط تبدو ممتعة جداً .. شعرت أنني سأعيش هناك مغامرة مثيرة للغاية ومسلية .. تجاهلت كل ماتركته وراء ظهري .. وفكرت بالمستقبل فقط!

رتبت ملابسي وشعري ثم طرقت ذلك الباب الخشبي طرقاتٍ خفيفة

وماهي الا فترة قصيرة حتى فُتح وظهرت حسنائي من خلفه بثوبها الترابي البسيط وشعرها الأبنوسي الذي جعلت منه ظفيرة طويلة أرختها على كتفها بينما خصلاتٌ متمردة تناثرت برشاقة على وجهها المشرق الجميل ..

عيناها البندقيتان كانتا ترمقانني بتعجب طفيف .. وسرعان ما رسمت نصف ابتسامة على شفتيها وهي تقول خجلة متعجبة : مرحباً

كانت اللحظات الأجمل في حياتي .. حيث الطريق الى حياة جديدة

ابتسمت بسرور لا يضاهيه شيء ولم أعقب على حديثها فرؤيتها أنستني كل الكلمات التي جهزتها للقائها

بخجل ابتعدت مفسحة الطريق لي للعبور الى الداخل

وقد ظهر من خلفها والدها الذي لم أنتبه لوجوده مبكراً .. مما جعلني أرتبك بشدة وأخفي ابتسامتي خلف توتري الذي طغى على ملامحي

بينما قال بصرامته ورزانته المعتادة : مرحباً بك سيد كلوديا .. هل من مساعدة أقدمها لك

دهشت حينها فليست تلك عادته بل كان دائماً يلتزم بعادات وتقاليد بلاده ويدخلني منزله لنجتمع حول المائدة ونحتسي الشاي قبل الشروع في الحديث

لكن الآن هاهو يطلب أن أفصح عن سبب قدومي دون أي مقدمات

أربكني هذا أكثر وزاد من حدة توتري .. فهو مذ علم بحبي لآريا أصبح يبعدها عني

وغدا صارماً معي حتى بعد تغير آريا نحوي والتي أصبحت أكثر رقة ولطفاً وانسجاماً

أعاد سؤاله بنبرته الصارمة المعهودة والرزينة في الوقت ذاته : هل لي أن أخدمك بشيء سيد كلوديا

ازدريت ريقي وأجبت بتردد : أحب .. أن نتحدث في الداخل .. بعد اذنك

قلت تلك الكلمات وانا احاول استجماع شجاعتي التي خبت مذ رأيته

لم يرفض رغم أني لحظت ذلك في عينيه فخشيت أن يغلق الباب في وجهي .. الا أن تقاليدهم تلك أنقذتني

دخلت من خلفه وقد انتبهت الى ان آرياكو دخلت غرفة قريبة أظنها غرفتها

جلست أمامه بطريقة علمتني اياها آريا .. مؤلمة للغاية ومرهقة .. لكنها تقاليدهم التي علي الالتزام بها

بقيت صامتاً انتظر أن يتحدث .. انما بقي صامتاً كأنما يرتب أفكاره

حتى نطق أخيراً بهدوء وقد بدا أنه استعاد هدوئه : حسناً .. أعتذر لقلة تهذيبي انما أنت تعلم لما .. آرياكو ليست ابنتي وحسب .. انها تحمل ذكرى زوجتي الراحلة بكل تفاصيلها .. تلك الامانة التي تركتها بين يدي .. ملاكي الصغير الذي يحق لي أن أخفيه بعيداً عن أيدي الطامعين وأحميه بضراوة .. مثلك .. يجب أن يبقى بعيداً كل البعد عنها .. لا أريد لصغيرتي الوحيدة أن تتأذى بأي شكل من الأشكال

بقدر ماتفهمت موقفه .. بقدر ماكان حديثه ذاك قاسياً جداً

فأنا الذي تركت كل شيء لتوي وتخليت عن ماضي وحياتي الهادئة .. أصبحت ممن يجب أن يبقى بعيداً عنها !

ذلك جارح بحق .. لم أصمت ودافعت عن نفسي ومشاعري القوية آنذاك

- سيدي أقدر مشاعرك جيداً وخوفك ففتاة مثل آرياكو

- الآنسة سوزيريكو لو سمحت

هكذا قاطعني بحدة فعاودني الارتباك لوهلة لكني أكملت دفاعي عن كرامتي

- فتاة .. مثل الآنسة سوزيريكو ثمينة ويحق لك أن تقلق عليها هكذا بل وأكثر .. لذا .. كانت تستحق أن أتخلى عن كل شيء لأجلها .. لأجل محاولة للحصول على قلبها .. سيدي .. أنا حقاً أريد أن أعيش معها .. أريد أن نكون عائلة واحدة

بريبة قاطعني : لا أخالك جاداً بهذا الأمر

- بل أنا كذلك .. ثق بي

قلتها وأنا ابتسم ابتسامة حالمة أستعيد معها ذكريات لقائنا الأول حين كنت في السيارة التي قادتنا نحو قصرنا الجديد مروراً بتلك الحقول الواسعة التي كانت آريا تعمل فيها بجد .. العرق يتصبب من جبينها وشعرها الأبنوسي قد تدلت ضفيرته على كتفها بينما هي تغسل الخضار أمام النهر .. وقد انعكس شعاع الشمس الذهبي على عينيها البندقيتين المميزتين .. فأعطتها رونقاً خاصاً .. حينها اضطرب قلبي وكأنه ينبؤني أن هذه الفتاة .. هي من ستضرم نيرانها به قريباً جداً

رغبتي العظيمة في اكتشاف شخصيتها الصعبة المميزة ومعرفة الرابط بيننا وفي الوقت ذاته ازعاجها .. جعلتني دون أن أدرك .. متيماً بها

قطع شرودي بذكرياتي صوته الهاديء الذي كان مريحاً حينها : رغم ذلك ليس من الجيد أن تتخلى عن أسرتك لأجل فتاة أياً كانت

بابتسامة سعيدة اجبته وقد التمست الرضا بحديثه اخيرا

- لاتقلق بهذا الشأن .. حياتي معهم سيئة بما يكفي لأتخلى عنها وأنبذها خلفي .. أحب عائلتي .. لكنها تئدني كل يومٍ بتسلطها وجبروتها .. أريد أن أحلق بحرية وأن أعيش العالم كما أريد أنا لا كما يريد أبي .. أريد أن أبني عالمي الخاص .. مع شريكتي التي يختارها قلبي لاتلك التي يختارها أبواي لترضيهما بينما أعاني طيلة عمري لأجلهما فقط .. مهما يكن هي حياتي أيضاً

أومأ مجيباً كأنما يفكر بعمق في كلماتي ويستعيدها بذهنه

أجابني بعد قليلٍ من الصمت : لازلت قلقاً من نتائج هذا الارتباط .. لأصدقك القول لست واثقاً بعد .. انه الوقت المناسب على أقل تقدير .. أظننا نحتاج مهلة نراجع فيها هذا الأمر

أومات مجيباً بتفهم : سأكون في الجوار فقد قررت المبيت في أحضان هذه القرية لكي أعتاد عليها .. مهما كان قرارك والآنسة سوزوريكو .. سأظل أحاول وأحاول دون يأس .. انه قراري الخاص الأول .. وسأجاهد لكي أحقق ماأصبو اليها .. شكراً لتفهمك واستماعكِ لي سيدي

احنيت رأسي وجزءاً من جسدي له احتراماً كما تعلمت من آريا التي لقنتني أشهر تقاليدهم وعاداتهم وخرجت بعد أن ودعته بلباقة

مرت الأيام وأنا أنتظر ذلك الخبر الذي سيغير حياتي .. بينما لاشيء بتاتاً فقد كانت الأوضاع هادئة فيما عدا عائلتي التي حاولت جاهدة ارجاعي لعقلي كما يقولون ..بينما كنت أشعر أنني لم أكن بكامل قواي العقلية سوى في ذلك الوقت .. انهار والدي بعد أسبوع من الحادثة .. وعلمت أنه أصيب بانهيار عصبي .. حالته باتت مستقرة وحاولت زيارته مراتٍ عديدة لكنه وماان استفاق ماكان يقبل برؤيتي الا إن قبلت بتغيير رأيي الذي لم يتمكن أحد طوال تلك الفترة بتغييره

كنت أعيش في تلك الفترة في أحد منازل القرية الصغيرة والذي استأجرت غرفة فيه لأسكن فيها كي أعتاد على الحياة الهادئة في قريتي المسالمة

كان المنزل لرجل عجوز يعيش مع زوجته السمينة المزعجة والتي كانت تنتقدني في كل حين .. فهي على عكس زوجها الهاديء المتزن متوحشة بدينة حمقاء .. لكني تعلمت الكثير منهما حقاً .. كما انضممت للعمل في الحقل كفلاح بسيط .. وبالطبع أخفقت مراراً وتكراراً

لكن الحياة كانت ممتعة بقدر صعوبتها .. لذيذة بكل قسوتها

.. التقيت آرياكو مراراً .. في بعض الأحيان كانت تبدو شاردة حزينة
وفي اخرى بدت مبتهجة متفائلة .. وحالما تتقابل عينيها .. ألمح الخجل والقلق الذي لم أفهم مغزاه حتى ذلك اليوم

حين رفضتني بعد أسبوع ونصف من طلبي ذاك .. بهدوء وبكل احترام قالت
" أعتذر .. لايمكنني أن أكون لك .. فلا زالت المسافة بيننا .. كما بين السماء والآرض !"

وبالرغم من حرصها على ألا تجرحني .. الا أن رفضها كان كفيلاً بتعذيبي طويلاً وجرحي بعمق .. أنا الذي لم ترفضني فتاة مسبقاً وماكنت أتخيل أن يحدث ذلك يوماً ما

انما .. كان ذلك دافعاً لي لأبذل المزيد من الجهد

هكذا .. عشت لعامين طويلين مرهقين .. وقد عادت عائلتي قبلها لبريطانيا بعدما أعلنت أني لن أنتمي لها مجدداً !

تجاهلت كل ذلك وبذلت جهدي لأستشعر الحرية وأعيشها بكل تفاصيلها

وفعلاً جهودي تلك لم تضع سداً .. وأخيراً وفي ذلك اليوم الربيعي المزهر

حيث أينعت زهور الكرز وتناثرت في الأرجاء تماماً ككل لقاء حقيقي يجمعني بها

قالت بصوتها العذب محركة مشاعري التي لم تنم أو تهدأ طوال ذلكما العامين

" إن كان عرضك لايزال قائماً .. فأنا الآن مستعدة لقبوله بكل جوارحي "

أيام قليلة سبقت ذلك الزواج التقليدي الغريب الفريد والذي كنت خلاله الأكثر سروراً وبهجة

حياتي البسيطة التي بنتيها معها كانت الأجمل على الاطلاق

رائحة منزلنا العتيق الخشبي الذي بنيناه بأنفسنا بمساعدة من أهل القرية

لا تزال تداعب مشاعري ..


على التل القريب من الغابة حيث نطل على تلك القرية الصغيرة الهادئة الجميلة

وحين دخلناه لأول مرة .. تلك الذكرى كانت الأكثر تميزاً

****************
- تفضلي أميرتي الجميلة .. منزلكِ يرحب بكِ

دخلت تعلوها تلك الابتسامة الرائعة وعيناها تجوبان أرجاء منزلنا الهاديء ذو الأثاث التقليدي البسيط

تلك الطاولة الأرضية الناعمة مع وسادتين بلونٍ أحمر مع نقوشٍ سوداء جميلة حاكتها آرياكو بعناية

وعلى المنضدة تمثال صغير لسموراي يحمل سيفه الطويل ويرفعه تأهباً للقتال

على الجدار أمام الطاولة كان هناك لوحة رُسمت عليها صورة تذكارية لأجمل يومٍ في حياة كلينا

حين توجنا عريسين .. بتلك الملابس التقليدية الغريبة وأؤلئك الأشخاص اللطفاء الذين تعرفت عليهم هنا في عالمي الجديد

في الجدار المقابل كانت هناك لوحة أخرى جميلة وهادئة لأزهار الكرز التي لطالما أحببناها

- ربما من الأفضل أن نأخذ صورتنا التذكارية لغرفة النوم أم مارأيك عزيزي

كان ذلك ماقالته آريا بسعادة وحماس بدا جلياً على قسمات وجهها المشرقة

فأجبتها بايمائة موافقاً وأسرعنا لتغيير مكانها وترتيب ماتبقى من حاجياتنا في منزلنا الصغير الهاديء

أمضينا ليلة دافئة في أحضان حديقة منزلنا الصغيرة والبسيطة والتي حرصت آرياكو على تخصيص جزء من المنزل لها وان كان بسيطاً .. فلطالما كانت تحلم بامتلاك حديقة جميلة تزرع فيها مالذ وطاب من الثمار والزهور

كانت بحق من أجمل الليالي التي أمضيناها في منزلنا قبل أن نرزق بتوأمنا المميز .. زهرتاي الجميلتان .. هانا .. هارو

رغم أنه لم يمضِ من الوقت سوى سويعاتٍ قليلة .. الا أني وبعدما استعدت كل هذه الذكريات بت أشعر بحنين فضيع لهم وكأني رحلت عنهم منذ أمدٍ بعيد

بقدر ذلك الحنين .. كان الألم الذي اجتاحني مجدداً بعدما حاولت الهروب منه

هاهو يعاودني لأتذكر أن حياتي .. بعد كل هذه المصاعب

لن تعود كما كانت أبداً


رد مع اقتباس