عرض مشاركة واحدة
  #98  
قديم 07-08-2013, 02:18 PM
 
هذه المرة الثانية التي تخر فيها وسط ظلام تام جداً , لا شيء موجود .. ولا حتى ذكريات ..
لكن الألام تعود و تأوهت مرة أو عدة مرات , ثم تعبت وصدر الأنين الضعيف .. مالذي ارتكبته في حياتها كي تقاسي كل هذه المعاناة !..
كانت تشعر بأن النيران تحرق جلدها ساقيها و ذراعيها ثم تطير لوجهها ... سمعت شيئا ما لا يصدر منها ولا يشبه أنينها و تأوهها الباكي المتألم ..
_ يـــــا ألـــهي الرحـــيم !.
ثم بمنتصف الظلام و البؤس الذي تشعر به , أخذت تسمع تلاوات أدعية و رجاء تكرر لها مراراً .. شعرت بعسل دافئ يسري بداخلها وبالسلام يعود , تعجبت و ظنت بأنها ماتت , لكن ربما هي ماتت حقاً و انتهت حياتها في هذه الدنيا ... حسنا لمَ تشعر ببعض الألم إذن ؟!.
_ ستكون بخير......... هذا العلاج ... ترى هل .......؟
لم تكن تسمع الكلام جيداً بل متقطعاً وكأن بين كل جملة و أخرى زمن طويل ~
_ أرجوك يا صغيرة تماسكِ ...
وأخذت تسمع الدعوات مجدداً , كان الصوت العميق الدافئ لرجل كبير ولم تدري من يكون .. ثم سمعت صوتاً أنثوياً هادئاً يدعو أيضاً في وقت ما...!
بعد فترة طويلة من النوم المضطرب حركت جفنيها بثقل و تعب شديد , لم ترى سوى الضباب في البداية فرفت بعيونها المتعبة ذات الرموش الكثيفة .. و نظرت جيداً عالياً في السقف ..
كان أمامها سقف سرير مرتفع بلون هادئ , ظلت برهة تحدق دون أن تعي و دون أن تطرف .. أين أنا ؟! فكرت ببطء لكنها لم تكن مهتمة إلى وضعها .. لم تعد تهمها نفسها كثيراً .. و يالا الأسف أنها على قيد الحياة .. أيجب عليها الآن أن تعود لمواجهة المشاكل !... لو كانت ميتة لكان الوضع أسهل !.
_ ها أنت عدتِ أخيراً !.
سمعت الصوت العميق مجدداً فطرفت بعينيها ولم تتحرك لأن صاحب الصوت نهض واقفاً وانحنى نحوها قليلا كي تراه ..
كان رجلاً كبيراً في السن والشعر الأبيض في جوانب رأسه يبدو فضياً مع لون شعره البنى الداكن , وعيناه بنيتان دافئتان ينعكس عليهما ضوء الشموع ... بملامح جميلة وقورة جداً و راقية ...رسم ابتسامه عطوفة للغاية وصلت لعينيه العميقة ..
كان بملابس داكنة تبدو ثمينة لكن ليست مبهرجة جداً و يرتدي قفازات بنية ناعمة , مس بها يدها برقة.
عندما ظلت تحدق به متعجبة لكن هذا لم يظهر أبداً بملامح وجهها المرهقة الصامتة... قال هو بصوت ناعم مرح :
_ آوه هل اخفتك , أنتِ بأمان يا بنتي ..
عندما قال يا بنتي , تأوه قلبها و غار , فأغمضت عينيها متألمة .. و خرج منها نفس متشقق ..
_ يا عزيزتي , ما بك ؟!
ظهر صوته قلقاً , و مسح بحذر ولطف على رأسها .. فعضت شفتيها ولم تنطق أنما اشاحت بوجهها و كبحت دموعها .. سرعان ما نامت مجدداً .. وهذه المرة هاجمتها الكوابيس .. وشعرت بأنها مطاردة فأخذ جسدها ينتفض متأثراً جداً يظن بأنه في الواقع و أن عليه الركض بحياتها .. أنّت بألم وهي تسمع هدير الأهانات من مختلف الاشخاص !...
ثم صوت قوي حاد يمزق الهواء , و انهالت عليها السياط ...! هذه المرة حقيقة , ومن سينقذها ؟!!
شهقت وهي ترفع نفسها أو بالأحرى قفزت من السرير صارخة : أليكسس !!!
نهض الرجل فزعاً من مقعده وقد طارت بوادر النعاس من جفنيه , أصبح بجانبها سريعاً و أمسك بها قبل أن تقفز هاربة خارج الغرفة , ضمها بحنان وحذر كي لا يؤمها فجراح السياط المخطوطة على جسدها لم تشفى كليا بعد ..
_ هششش يا صغيرتي .. أنه كابوس .. أنه كابوس .. اهدئي ...
أعادها للفراش وهي ترتجف غير واعية , قام بتغطيتها جيداً و أبقى يديه محكمتين فوق الغطاء لألا تقفز فجأة .. ظل يهدئها طوال الليل حتى توقفت عن النشيج و مسح عنها دموعها .. لتنام من الانهاك ..
سمعت صوت زقزقة عصافير و شعرت بضوء الشمس , كما أنها سمعت أيضا أصواتاً أخرى خفيضة ..
_ .... إذن مالذي سأفعله سيدي ؟!
كان صوتاً هادئا لامرأة كبيرة في السن , فتحركت أنابيلآ قليلا و فتحت عينيها لتنظر نحو مصدر الأًصوات ... ذلك الرجل يقف بملابسه الثمينة في آخر الغرفة مديراً ظهره لها يحدّث المرأة التي استطاعت رؤيتها , سيدة بملامح حنونة مريحة قصيرة و بدينة قليلاً .. كانت تنظر للرجل باهتمام شديد و تركيز واحترام ..
كان الرجل طويل القامة و رشيقها , متزن جداً و بيده عصا سوداء لامعة يتكأ عليها بقفاز بني في يديه .. لا شك بأنه نبيلاً ما , ثم حدقت حولها بالغرفة ...
الغرفة واسعة جداً بشرفات جميلة تطل على مساحات خضراء و أشجار .. كما أنها سمعت صهيل أحصنة في الخارج يوجد القليل من الأثاث الثقيل الفاخر و كرسي كبير بجانب سريرها الضخم المريح ذو الستائر المزاحة جانباً .. كان أمام الكرسي منضدة ضخمة ثقيلة جداً كما تبدو عليها النقوش المميزة فوقها كؤوس كثيرة من العصير والماء و... هل هذا عسل ؟!.
سمعت همهمة الرجل الهادئة يتحدث , فركزت سمعها دون أن تلتفت إليهم ..
_ هلا جلبتِ لأجلها ملابس روزالين ؟!.
ترددت السيدة بقلق وهمست بحنان : هل أنت واثق سيدي ؟! , ربما... آه أعني يمكنني الذهاب للقرية لدى ابنتي ملابس كثيرة غير مستعملة وجيدة جداً ربما ببعض التعديلات ستلائم ضيفتنا ..
طرفت أنابيلآ ببطء وتعب , ثم تنهدت .. هي لا تكاد تشعر بجسدها .. خاصة وسطها و ظهرها اللذين أخذا حصة أكبر من السياط !!
سمعت صوت الرجل يقول بهمس : لا أشكرك , أحضري لها من ملابس روزالين وساعديها أرجوك.
حركت أنابيلآ عينيها نحوهما , كانت المرأة تنظر إليها فتوسعت عيناها قليلا دهشة ثم أومأت وقالت بهدوء :
_ كما تشاء سيدي , لكن يبدو بأن فتاتنا استيقظت !.
شاهدت الرجل يرفع رأسه ثم يلتفت ببطء باتجاهها .. نظر نحوها بدهشة خفيفة ثم تبسم تلك الابتسامة التي تصل لعينيه .. ابتسامه ناعمة حنونة و حقيقية .
_ سأجهز الثياب الآن...و أحضر بعض الطعام .
خرجت السيدة بنعومة و رشاقة تخالف جسدها البدين قليلا, بعدما ظلا يحدقان ببعضهما قليلا , أومأ الرجل باحترام واقترب ببطء وهو يحرك يده و عصاه الفاخر.
قال برقة : صباح الخير ..
اسدلت أنابيلآ جفنيها ولم تنطق , شعرت فجأة بأنها لا تود قول أو فعل أي شيء .. ربما انتهى كل شيء بالنسبة لها , فلم يعد للكلام حاجة ..
توقف الرجل قرب سريرها ينظر نحوها بشكل حزين , كانت عيناه بلون العسل الداكن , ربما عيناهما بنفس اللون لكنه بدرجة أدكن وعمق دافئ لم ترى مثله من قبل.
بعد ثوان من الصمت أدرك بأنها لن تتكلم , فقال بهمس دافئ : أنا أدعى "ريموس كاسيل", وتلك السيدة هي مدبرة المنزل ويندا لوفر ..
ظلت أنابيلآ صامتة وقد اختارت أن تنظر نحوه بشكل هادئ و محترم لكن بلا تعابير حزن أو ألم .. كما يبدو .. كان هو متألماً !.
أخذ الرجل نفسا عميقاً و قال بهدوء : لست مضطرة أبداً لقول أو فعل أي شيء...
طرق الباب طرقات خفيفة , فتحرك هو بكل سلاسة و فتح الباب بأدب وهو يقول بهدوء : تفضلي سيدة لوفر...
دخلت السيدة المكان وهي ترسم ابتسامه جميلة لهما معاً وبين يديها صينية من الحساء الذي تتصاعد منه رائحة لذيذة جداً...
وضعته على المنضدة بينما أبقت أنابيلآ عينيها منخفضتين ساكنة وهادئة , رتبت السيدة بلطف الوسادة حولها ثم رفعت طاولة سرير صغيرة وخفيف من الأسفل و وضعتها فوق ساقي أنابيلآ بحذر فوق الغطاء ثم وضعت الحساء الذي يحوي قطعا كثيرة وصغيرة من اللحم والخضار ..
رتبت لها الأدوات وابتسمت لها بحنان , قالت بهمس : أرجو أن يعجبك .
ثم اعتدلت وألقت بنظرة على سيدها الصامت ثم غادرت بهدوء .. نظرت أنابيلآ للحساء ولم تشعر أبداً بشهية للأكل ..!! لا شهية لأي شيء فعلاً...
سمعت صوت حفيف معطفه , واقترب منها شيئا يسيراً , قال بصوت هادئ رخيم : تناوليه من فضلك ..!
لسبب ما لم ترد أن تخذله كان يسألها بلهجة دافئة ..طرفت بعينيها دون أن تنظر إليه و رفعت يدها من تحت الغطاء , شاهدت يدها بيضاء مزرقة شاحبة وعروقها بارزة فوق عظامها , كما أن هناك خط أحمر عريض شبة ملتئم يسير من ساعدها صاعداً للأعلى حيث اختفى تحت الثوب الأبيض الناعم الذي ترتديه...
ارتجفت يدها كثيراً بعنف , ولم تقدر على الامساك بالملعقة أبداً , اخفتها بسرعة تحت الغطاء و تجمدت عن الحركة .
اقترب منها ببطء و ابتسم وقال هامساً وهو يمسك بيدها التي خبأتها برقة : سأساعدك , حسنا ؟!.
مسح على يدها كثيراً ثم انحنى و قبلها , همس : ستكونين بخير يا فتاتي الطيبة .
أمسك بالملعقة و وضعها بيدها يساعدها , استطاعت أنابيلآ الاكمال وحدها وبدأت تتناول الحساء بهدوء حتى نصفه فتوقفت شاعرة بالتحسن و الدفء, بينما بقي "ريموس" جالساً يراقبها بهدوء , مد ذراعه و اعطاها كأس عصير ثقيل مركز ..
فرفعت يدها الأخرى و امسكته بكلتا يديها الضعيفة المرتجفة ..
شعر لثانية بأن الكأس الزجاجي هذا ثقيل جداً عليها , يالا الطفلة المسكينة ..واضح بأنها واجهت رعباً لا يحتمله الكبار !!
ساعدها وهو يدعمها بيده الكبيرة الدافئة , فشربت كثيراً منه , ثم أخفضت الكأس ونظرت نحوه بعينيها الذهبيتين المحاطتين برموش سوداء كثيفة شاكرة دون أن تنطق , منحها ابتسامه حانية جدا , وهمس وهو يقبل يدها مجدداً :
_ شكرا لك , صغيرتي . ارتاحي الآن...
نهض واقفاً وهو يرفع صينية الحساء ويضعها جانبا ثم أخفض طاولة السرير , سحب الصينية و الكأس و اعتذر قائلا بلطف :
_ سأخرج الآن , لكني سأعود قريبا...
بعده بدقائق قليلة طرق الباب ثم ظهرت السيدة لوفر وبين يديها ثياب مرتبة بألوان فاتحة , ابتسمت المرأة بلطف واقتربت منها وهي تقول بحنان :
_ سأجهز لك الحمام , وهذه هي الملابس , هل تريدين مني مساعدتك ؟! , سأبقى هنا يا عزيزتي...
ضاق تنفسها قليلا لكنها أومأت بعينيها فقط فرفعت عنها الغطاء و ظهر الثوب الأبيض الطويل الذي تلبسه , تحركت بتعب و شعرت بعظامها تأن وأن لحمها الممزق في أنحاء جسدها يهدد بأن يفتح جروحه مجدداً ...
لكنها توخت الحذر و تحركت ببطء آخذة كل وقتها , بينما تنظر إليها العجوز بحزن وشفقة .. مدت يدها لها فتمسكت بها أنابيلآ بقوة و وقفت بتردد , شعرت بأن ساقيها خائرتان لا عظام فيهما .. تأوهت رغما عنها و أغمضت عينيها ..
_ يا حبيبتي , لا تقسي على نفسك .. هل استدعي السيد؟ .
نظرت نحوها أنابيلآ فزعا , ففهمت السيدة وقالت بتفهم سريع : سأبقى معك أنا لا بأس .. لا بأس عليك...
وصلت إلى الحمام بسلام و رفضت أن تنزع ملابسها إلا عندما خرجت السيدة لوفر بتفهم وعطف بعد أن جهزت لها زيوتا طبية , عرفت أنهم استدعوا لها الطبيب و وصف لهم هذه الأدوية...
أخذت نفسا عميقا و تجهزت لرؤية الجراح , نزعت عنها ثيابها الخفيف بسهولة و آه .. حسنا الوضع أقل سوءً مما قد رأته قبلاً , قبل أن يغشى عليها ... بدأت الجروح تلتئم لكنها لا تزال حمراء ومتورمة و بشعة ..
غسلت نفسها بسرعة و دهنت جسدها كله .. كان شعرها غير مستوٍ البتة نصف مقطوع بشكل مشوه !! و تذكرت لماذا امسكت بالمقص و قصته جيداً أصبح قصيراً لأسفل كتفيها .. ربطته بلطف فحالته لا تتحمل القسوة !
ثم بحذر ارتدت الثياب الناعمة الخفيفة من الحرير تناسبها تقريبا غير أنها واسعة قليلاً .. فكرت بهدوء .. أهذه ثياب روزالين ؟! .. من تكون ؟!... هي أصغر من أن تكون زوجة "ريموس" ... طرفت بعينيها بتوتر .. أهي ابنته ؟! هل هي هنا ؟! و ماذا عن زوجته ... يبدو المنزل ساكناً جداً !.
مشت ببطء و خرجت لتجد السيدة لوفر تنتظرها بقلق واضح , انفرجت اساريرها وهي تنظر إليها , قالت بعد ثوان : آه .. يا عزيزتي تبدين أفضل حالاً .. تعالي يجب أن ترتاحي كثيراً ...
بعدما شربت دواءً ما , عادت للنوم بعمق .
.
و ظلت هكذا ثلاث أيام , لا تفعل الشيء الكثير ولا تفكر بما حدث .. ليس الآن على الأقل !! , سوى تناول الدواء و الطعام والسير قليلا في الغرفة لم تطلب الخروج ليس بعد .. كانت لا تزال تتألم عند نهوضها و جلوسها و حركتها , تشعر بأن أطرافها قطعت ثم لُحمت مجدداً...

مع أن "ريموس" كان أكثر من رقيق معها ومتفهم جداً , يحدثها بشكل خفيف للغاية بعد كل فطور و عشاء ثم يجلس معها بعض الوقت حتى يرى جفنيها تثقلان من شدة النعاس فيغطيها و يلقي عليها تحية المساء بابتسامته التي تطير كل الكوابيس بعيداً...
ولكنها لم تنطق... أبداً ...و لم يسألها أبداً أي شيء كذلك السيدة لوفر... أحست بأنه هو فقط والسيدة العجوز من يسكنان بالمنزل , كما أنها تسمع صوت صبي ما في الخارج مع الأحصنة كل صباح .. هذا كل شيء...

صبيحة اليوم الرابع , طرق الباب بعد تناول الفطور , ودخل النبيل مبتسما لها , ظل ممسكا بالباب ليظهر رجل عجوز قصير وبملابس أنيقة معه حقيبة جلدية.
خمنت من يكون قبل حتى أن ينطق "ريموس" بلطف : هذا هو الحكيم جينيس .. لقد أتى ليطمئن عليك عزيزتي.
كانت قد اعتادت سريعاً على نبرة ريموس الدافئة وهو يناديها "عزيزتي , صغيرتي..." ولم تعترض بل سعدت بها , كانت تطمئن جداً عندما يبقى ساهراً عندها هذه الليالي حتى تنام .. وعندما تفيق هو أول شخص تراه وهذا يريح قلبها المرهق كثيراً ..
... اقترب الرجل الحكيم وهو يراقبها بعينين ذكيتين ثم ابتسم عندما رفعت عينيها إليه بهدوء .
قال برقة : تملكين عينين جميلتين عزيزتي بلون الكهرمان المضيء , و الآن هلا امسكتِ بيدي...
وعندما فعلت ابتسم بعطف : فتاة طيبة .
تحسس نبضها بصمت , ثم وضع نظارته و راقب عينيها وهو يمسك بذقنها بلطف , أومأ راضياً , بعدها تفحص جبينها ولمسه بيده ذات القفاز الأبيض بلطف .. قال بهدوء : جرحها يلتئم جيداً هنا .. خشيت أن يؤثر على رأسها لكن فتاتنا الطيبة تتحسن ببطء .. هل تشعرين بألم في جوفك أو حلقك عزيزتي ؟!
هزت أنابيلآ رأسها ببطء وهي تخفض عينيها , ابتسم لها الحكيم بحنان و رتب على يدها برقة , ثم نظر إلى "ريموس" وقال بهدوء : أنها تتعافى لكن ببطء .. والمريح أنها لم تجرح في رأسها بشدة .. آوه...
فصمت فجأة وهو يلاحظها تحدق به بهدوء و برود غريب... ابتسم لها ريموس بحنان ثم حدّث الحكيم قائلا : أشكرك سيدي , تفضل معي أرجوك...
و خرجا معاً , لكن الباب لم يغلق جيداً و استطاعت سماع حديثهما في الممر ..
صوت الحكيم يقول بهدوء وجدية : أنها صامتة باختيارها وليس بسبب اصابتها , أنها مصابة بصدمة شديدة.
قال ريموس بصوت خافت حزين : هل ستتحسن قريبا ؟!
_ لست أدري يا سيدي... هناك جراح أعمق من أن تلتئم .. أخشى أنها فقدت حماسها للحياة .
_ ماذا ؟!
كان صوت ريموس قلقاً حقاً , فسأله الطبيب : هل كانت تعاني مثلا من... آمم آه أعنى هل تنام جيداً بلا أحلام ؟!.
بعد صمت قصير , قال ريموس : أنها .. أجل في الأيام الثلاث الأخيرة...
_ و قبلها ؟!.
_ أنت تعرف أنها هنا منذ أسبوع أيها الحكيم , لقد حسنا عانت كابوسا ما .. آآه لقد قفزت من السرير تكاد تهرب لولا أنني نمت بجانبها تلك الليلة...
صمت لثوان ثم قال بهمس : لقد .. ذكرت اسماً ..صرخت باسم أليكسس !
توسعت عينا أنابيلآ ... هل ذكرت اسم أليكسس !. حسنا. قالت بصرامة في نفسها , أنها لن تذكره أبداً .. ولا حتى بأحلامها !
لقد انتهى كل شيء بالنسبة إليها , و انتهى أليكسس حاله كحال كل الذكريات , لم تخدع نفسها كثيراً .. هو لا يكترث لها و مضى بحياته بسعادة , ولي العهد المتزوج حديثاً ..
همهم الطبيب مقاطعاً افكارها بهدوء و قال بجدية أخافتها : احترس يا سيد كاسيل .. هذه الفتاة لا تبدو عادية , ربما .. و آسف لعدم لباقتي .. تبدو بأنها كانت تواجه مشاكل كبيرة .. كما أننا لا ندري حتى ما اسمها وما مركزها !!.
ارتعبت الأميرة حقا و تمسكت بالغطاء , و الحكيم يكمل بهدوء : يمكنك ارسالها لتتعالج في دار العلاج الخاص في القرية... و ستكون بخير...
دارت بها الأرض و ارتعبت كثيراً , لقد سئمت من أن كل أشخاص تعرفهم يتخلون عنها... لقد سئمت هذا فعلاً...!!
لكن خوفها قطع فجأة عندما سمعت صوت "ريموس" الجدي البارد : آوه حقا !... لا يا سيد جينيس.. ستبقى فتاتي هنا و سأعتني بها أنا بكل قوتي ولها الحرية بأن تفعل أي شيء تريد وحتى الكلام من عدمه .. أنها باقية هنا سيدي. وأشكرك لزيارتنا.
خفق قلبها و دمعت عيناها ... هذا الرجل الطيب لن يتخلى عنها ... آوه كم بدأت تحبه وكأنه والد أُرسل لأجلها...
سمعت صوت خطوات وهي تمسح دموعها بكميها .. شعرت به يجلس على السرير بجانبها ثم أحاطها بذراعه يضمها إليه بحنان و كم كانت بحاجة لهذا !.
_ لا تبكي صغيرتي .. لن أسمح لأحد بمساسك...
مسح دموعها بمنديله و هدئها طويلا .. ثم تركها كي تنام بهدوء .. و قد اطمئن قلبها...