يا نفسُ ويحَكِ ...
يا نفسُ ويحَكِ ... في راحتِكِ تعبُكِ ... و في الجَدِّ و الكَدِّ سعدُكِ ... فحتَّامَ تبخسين في البيع بيعَكِ…؟!
لو صَدَقْتِ ... لصَدَّقتِ ... و لو صدَّقتِ لتركتِ ... و لو تركْتِ لازدادَ في الخَلْق قدْرُكِ ... و لاستشرفْتِ بعد الجَهْدِ كَسْبَكِ ... !!
يا نفسُ ويحَكِ ...
حتَّامَ تُقدّمين في العزم خطوة و تؤخّرين في الوهن عشرا...؟!
لو عاينتِ المآلَ بيقين قلبِكِ لما تذبذب في الحق سعيُكِ ... و ما أوهنتِ بالوهمِ أقدامَ عزمِكِ..!!
لو شاهدتِ الإيمانَ بلحظِ قلبِكِ ... لأُشهدْتِ و شهدْتِ ... و لكنْ ... طالَ في الغيّ بُعدُكِ !!...
فكيفَ إذا رأيْتِ :
(و لو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم ..)
و كيفَ إذا قيل لكِ:
" أليس هذا بالحق؟!"
فأين يا نفسُ كنتِ...؟!
أين يا نفسُكنتِ... ؟!
و تغيَّبْتِ دهراً ... حتى نَسِيَتْكِ نسائمُ الأسحار ... و اثَّاقلْتِ إلى الأرض حتى .....أثقلتْكِ الأوزار ....
وأنتِ!!..... تَدَّعِـينَ محبةَ الغفَّـــــار ... ؟! فلو كُنتِ لزِمْتِ ...؟! لو كُنتِ يا نفسُ لزِمْتِ...!!
لو استحضرتِ حقارةَ شأنِكِ أمامَ عظمةِ ربّكِ ... و تواترَ غفلتِكِ بعد ذنبِكِ ... لأغرقْتِ في الدّمعِ ليلَكِ ...
و لأسمعْتِ الحفَظَةَ أنينَكِ مع المستغفرين بالأسحار ... و لأجريْتِ دموعَ التوبةِ رسلاً في مجرى الأنهار .... لبحورِ الرحمةِ و الغفران !!…
يا نفسُ ويحَكِ ...
أما آنَ لكِ أن تعافي متاعَ الغَرُورْ .. و أن تملِّي من الشرِّ و الزور .... أن تتوقي..... لغايةِ غاياتِ النور ...
و أن تُعرضي عن نعيمِ الدور ... قبلَ أنْ تحُلّي بين القبور… ؟!
فأنَّى لك إن أطفأتِ سراجَ الخشيةِ في قلبِكِ أنَّى لك إذْ ذاكَ بنور... في عتمة لحدٍ توغلُ في ظلماتِ الدّيجور ...؟
يا نفسُ ويحَكِ ...
لو استرجعْتِ ... لرجعْتِ ... و لو اعتبرْتِ ... لاستعبرْتِ ... و عن زِيفِ دنياكِ عبّرتِ...العمرُ بضاعة...!!
و غايةُ العيشِ ساعة ... أو بعضُ ساعة ... فهل قدّمتِ بين يدي مولاكِ الطاعة وسألت رسولَكِ الشفاعة...؟!
و رضيتِ من الرزق بالقناعة...؟!
يا نفسُ ويحَكِ ...
كيفَ احتواكِ الضيقُ ... و فقدتِ معالمَ الطريق...؟!
و أقمْتِ على أرصفةِ الغفْلة ... أفما استحييْتِ من طولِ القعود ...؟!!
و ما تعفّفْتِ في حاجات الدّنا عن مدّأكفِّ السؤال ... و يحَكِ .... أفيقي...!!
و استجلي في التيهِ طريقَكِ ..... أين علوُّ همّتِكِ و أين في الصّدقِ شرفُكِ ...؟
و أينَ في الدّربِ بعدَ الصّدقِ عزمُكِ ...؟!!
يا نفسُ ويحَكِ ...
هلاَّ تدبرْتِ قدْرَ خالقِكِ في قرارةِ قلبِكِ؟!! لو تدبّرْتِ ... لبررْتِ .... و عن أمرِ ربّك ما أدبرْتِ
يا نفسُ ويحَكِ ...